يريد جو بايدن من الزيارة المتوقعة إلى الشرق الأوسط إقناع ولي عهد السعودية بزيادة النفط وضمان دعم اللوبي الداعم لإسرائيل في انتخابات الكونغرس وإنهاء الحرب في اليمن، فهل يمكنه تحقيق أي من تلك الأهداف؟
مجلة Foreign Affairs الأمريكية نشرت تحليلاً وجَّهت فيه تحذيراً إلى الرئيس الأمريكي، الذي كان قد استهل رئاسته بالعزم على تغيير سياسة التودد للحكام المستبدين، التي اتبعها سلفه دونالد ترامب، من أن الزيارة لن تحقق أياً من أهدافها، خاصة فيما يخص السعودية ومصافحة ولي العهد والحاكم الفعلي للمملكة الأمير محمد بن سلمان.
والسبب بطبيعة الحال هو تحميل بايدن نفسه ولي العهد المسؤولية عن قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، حين رفع الرئيس الأمريكي، في فبراير/شباط 2021، السرية عن تقريرٍ استخباراتي أمريكي يربط عملية الاغتيال بولي العهد مباشرة.
ما مكاسب الزيارة بالنسبة للولايات المتحدة؟
لكن يبدو أن بايدن يخطط الآن، بعد مضي أكثر من عام، للسفر إلى السعودية خلال أولى زياراته الرئاسية للشرق الأوسط. ويرى تحليل المجلة الأمريكية أن تلك الزيارة ستمثل، إن تمت فعلاً، خيبة أملٍ كبيرة بالنسبة لمن رأوا في بايدن بطلاً لحقوق الإنسان.
إذ إن مكافأة بن سلمان بمصافحة وجلسة تصوير على أرض الأمير ترقى إلى كونها اعترافاً بأن الحكام المستبدين يمكنهم أن يُفلتوا من العقاب على جرائم قتل معارضيهم، ما دام النفط سيستمر في التدفق، بحسب تحليل فورين أفيرز.
لكن المشكلة لا تتوقف عند اعتبار الزيارة الرئاسية للرياض تنازلاً واضحاً عن المبادئ، إذ لن يحصل جو بايدن على أي شيء ذي أهمية من الزيارة أيضاً. ومن المؤكد أنها ستكون صفقةً خاسرة في حال تنفيذ بايدن خططه لزيارة الرياض، حيث سيضحي بالأضرار شبه المؤكدة على سمعته في مقابل احتمالية تحقيق مكاسب متواضعة ليس أكثر. وما كان يُفترض التخطيط لهذه الزيارة من الأساس.
يسافر كل رؤساء الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط، ومن الصعب تصور أن يرفض بايدن دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت لزيارة أقرب حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.
لكن اللحظة الحالية ليست مثالية لهذه الزيارة، بحسب المجلة الأمريكية، إذ لا تزال المشاعر مشحونةً بعد أشهرٍ من تصعيد العنف بين الفلسطينيين والاحتلال، بما في ذلك قتل الصحفية الفلسطينية-الأمريكية شيرين أبو عاقلة في مايو/أيار الماضي. ومن المؤكد أن زيارة بايدن قد تثير التوترات بدلاً من تهدئتها، إلا في حال قرر بايدن التطرق للأدلة الواضحة على مسؤولية جيش الاحتلال عن قتل الصحفية، وضغط على الاحتلال من أجل المساءلة.
فيما تتوقع إسرائيل على الأرجح أن تكون أول زيارات بايدن كرئيس بمثابة إشارةٍ إلى التزام الولايات المتحدة الكامل بأمنها، وتحولٍ للاهتمام من المظالم الفلسطينية إلى التحديات التي تمثلها إيران، وبالتالي فمن المستبعد أن تنجح زيارة بايدن في إسعاد أي طرف.
هل ستكون زيارة السعودية "خطأ" فعلاً؟
وبحسب تحليل فورين أفيرز، الخطأ الحقيقي في الواقع كان إضافة السعودية إلى جدول الرحلة. ومن المنطقي أن تكون زيادة الإنتاج النفطي على رأس قائمة أمنيات بايدن في هذه الزيارة، نظراً لارتفاع أسعار النفط على خلفية الحرب في أوكرانيا.
وقد رحب الجميع بإعلان منظمة أوبك+ في الثاني من يونيو/حزيران عن زيادة إنتاج النفط في يوليو/تموز وأغسطس/آب، لكن لم يتضح بعد كيف سيؤثر هذا القرار على أسعار الوقود داخل الولايات المتحدة، أو ما إذا كان بايدن يستطيع الحصول على تنازلات إضافية تُفيد الأمريكيين.
ولا شك أن السعودية وأعضاء أوبك+ يضعون مصالحهم الخاصة في الاعتبار عند النظر إلى مسألة زيادة الإنتاج النفطي، بما في ذلك الحوافز التي تدفعهم لتجنب خفض الطلب العالمي على النفط بغض النظر عن الضغوطات الأمريكية. علاوةً على أنه من المستبعد أن يكسر السعوديون ارتباطهم بالروس نزولاً على الضغوطات الأمريكية.
وقد جنى السعوديون أنفسهم مكاسب هائلة من ارتفاع أسعار النفط. وأوضح السعوديون أيضاً أن سبب ارتفاع أسعار النفط يرجع إلى عوامل أخرى بخلاف حجم مساهمتهم في الإمدادات، مثل ضعف الاستثمار في سعة التكرير، فضلاً عن عدم رغبتهم في تقديم إمدادات أكبر حالياً.
كانت بيانات رسمية قد أظهرت الثلاثاء 7 يونيو/حزيران نمو الناتج المحلي الإجمالي للسعودية 9.9 بالمئة في الربع الأول، وهو ما يزيد على تقديرات أولية الشهر الماضي توقعت أن يكون النمو السعودي بمقدار 9.6 بالمئة، والسبب الأساسي في هذا المعدل المرتفع للنمو هو بطبيعة الحال أسعار النفط المرتفعة.
وفي ضوء الواقع الحالي للأمور، لا يُمكن لبايدن أن يتوقع من زيارته أن تُسفر عن زيادةٍ كبيرة في الإنتاج. ومن المحتمل كذلك أن يعكس السعوديون مسارهم بعد الصيف إثر تأمينهم للزيارة الرئاسية، أو أن يقولوا إنه ليس بوسعهم فعل المزيد حين تطلب الولايات المتحدة زيادة الإمداد مرةً أخرى لعدم انخفاض الأسعار، بحسب تحليل فورين بوليسي.
فضلاً عن أنه من المستبعد أن يرغب ولي العهد السعودي في تقديم أي خدمات لبايدن، خاصةً وهو يرى الحزب الجمهوري المقرب من السعودية قريباً من السيطرة على الكونغرس في العام المقبل، وربما يعود أعظم حلفائه السياسيين دونالد ترامب إلى الحكم أيضاً في عام 2024.
هل يخرج بايدن بأي تنازلات من ولي العهد؟
وليس من المؤكد أيضاً أن تنجح زيارة الرياض في تقديم الكثير للمساعدة في تطبيع العلاقات السعودية-الإسرائيلية. وصحيحٌ أن محمد بن سلمان متحمسٌ لتحسين العلاقات مع الاحتلال ويدعم اتفاقيات إبراهيم. لكن القضية الفلسطينية لا تزال تُقيّد بن سلمان، كما أن مقتل الصحفية شيرين مؤخراً يزيد من تكلفة التواصل مع إسرائيل. ولا تزال أصداء القضية الفلسطينية قويةً لدى الجمهور العربي، ولا يزال الموقف السعودي الرسمي من التطبيع مشروطاً بإقامة دولةٍ فلسطينية بموجب مبادرة السلام العربية لعام 2002.
ومع ذلك قد تنجح إدارة بايدن في الخروج بتنازلٍ صغير من بن سلمان واعتباره بمثابة انتصارٍ للسياسة الخارجية. إذ كشفت تقارير الإعلام الإسرائيلي أن بايدن يستعد للإعلان عن اتفاقيةٍ سعودية ستسمح لشركات طيران الاحتلال بالتحليق فوق المجال الجوي للمملكة، وهو ما كان يسعى الإسرائيليون من أجله كخطوةٍ باتجاه التطبيع.
لكن، بحسب تحليل المجلة الأمريكية، هذه الصفقة المتواضعة لا تبرر القيام بزيارةٍ رسمية من منظور المصالح الأمريكية، بل تهدد في الواقع مصداقية رئيسٍ يزعم أنه يضع حقوق الإنسان محوراً لسياسته الخارجية. وليست الزيارة الرئاسية للرياض ضروريةً في هذا التوقيت لتسهيل التطبيع الكامل بين السعودية وإسرائيل، ناهيك عن خطوةٍ أصغر مثل اتفاقية المجال الجوي.
وتسعى الدول العربية إلى مثل هذه السياسات لمجرد أنها تصب في مصالحها الأمنية والاقتصادية. ولهذا ليست إدارة بايدن بحاجةٍ إلى السير على النهج الذي أطلقته إدارة ترامب، التي سعت إلى تلطيف الاتفاقيات ببعض التسويات، مثل صفقات الأسلحة أو الزيارات الرئاسية السابقة لأوانها.
وربما يبرر البعض سفر بايدن إلى الرياض بأنه من مقتضيات المنافسة بين القوى العظمى. إذ يقولون إن بايدن عليه الذهاب حتى يظل السعوديون في صف الولايات المتحدة، ويبتعدوا عن فلك الصين وروسيا. لكنه من غير المنطقي أن نتوقع من زيارةٍ أمريكية رفيعة المستوى وعقود أسلحة ببضعة مليارات أن تنجح في إبعاد دول الشرق الأوسط عن الصين وروسيا، بالنظر إلى العلاقات التي تطورت معها في السنوات الأخيرة.
وتواصل الصين توسيع استثماراتها الاقتصادية وتجارتها مع المنطقة، لأنها ترى في الشرق الأوسط أحد المكونات الرئيسية لمبادرة الحزام والطريق. ونجحت روسيا في الوقت ذاته أن تضمن تواجدها الإقليمي في المنطقة بفضل تدخلاتها العسكرية، خاصةً في سوريا، ورغم الضغوطات المتزايدة نتيجة هجومها المكلف على أوكرانيا.
لماذا قد لا يحقق بايدن شيئاً من زيارته للسعودية؟
وصل بايدن إلى السلطة بالقول إنه عازم على تغيير سياسات سلفه دونالد ترامب في الشرق الأوسط، لكن ستكون مفارقةٍ إذا انتهى المطاف ببايدن لتنفيذ أجندةٍ تشبه أجندة ترامب إلى حدٍّ كبير، بحسب تحليل فورين أفيرز.
وقد تكون طريقة إدارة بايدن للأمور مختلفة شكلاً عن طريقة إدارة ترامب للسياسة الخارجية الإقليمية، لكن بايدن يخاطر بتقليد نهج ترامب عن طريق تهميش حقوق الإنسان، ودعم الاستبدادية، وتعزيز الانطباع القائل إن السعودية تأتي في محور سياسة الولايات المتحدة بالمنطقة، بحسب تحليل فورين أفيرز.
"إذا كان بايدن سيذهب إلى الشرق الأوسط، فعليه أن يجعل الأمر يستحق عناء الزيارة بإضافة لمسته الخاصة إلى الدبلوماسية الإقليمية، بدلاً من مواصلة سياسات سلفه المتهورة"، بحسب المجلة الأمريكية.
وتوجد بدائل بالطبع. إذ ليس بايدن بحاجةٍ للقاء ولي العهد السعودي في الرياض، فإذا كان يريد إضافة بُعدٍ إقليمي لرحلة إسرائيل، فكان من الأفضل للمصالح الأمريكية أن يُعقد الاجتماع الإقليمي في دولةٍ خليجية محايدة أكثر مثل عمان، كما تقول المجلة، وبهذا سيركز الاجتماع على الجهود المبذولة لتهدئة الصراعات، مثل تحويل تمديد الهدنة في اليمن إلى اتفاقية سلام قوية. وحينها كان بايدن سيتفاعل مع بن سلمان وسط منتدى متعدد الأطراف، مهما كان الأمر يبدو سيئا للرئيس الأمريكي.
وكان الاجتماع الإقليمي سيسمح بتضمين أطراف أخرى، وتخفيف التركيز على الخلافات الشخصية ونزاعات العين بالعين الثنائية، مع التركيز بدلاً من ذلك على المصالح المشترك لإنهاء صراعات المنطقة الدموية. ويجب طرح العديد من القضايا التي تمس حياة الناس في المنطقة على الطاولة أيضاً مثل الأمن الغذائي، والآثار الخطيرة لتغير المناخ، والتنمية الاقتصادية.
وتأتي أي زيارةٍ رئاسية أمريكية لدولةٍ أجنبية محفوفةً بالمخاطر الكبيرة، ولا شك أن المخاطر في السعودية كبيرةٌ بما يكفي. لكن السؤال يكمن هنا، فيما إذا كان بايدن سيحقق للمصالح الأمريكية أي شيء ذي قيمة دائمة بما يكفي لتبرير "تنازله الواضح عن المبادئ"، بحسب فورين أفيرز.