مبادرات عدة يجرى بحثها لتصدير القمح الأوكراني، العالق بسبب الحرب، والذي بات غيابه يهدد بوقوع أزمة غذائية خاصة في دول العالم الثالث.
وتوفر الخطط المحتملة لتصدير القمح الأوكراني وغيره من الحبوب بعض الأمل لفقراء العالم، في وقت حذرت الأمم المتحدة من أن الحرب في أوكرانيا تفاقم نقص الغذاء حول العالم وتدفع ملايين الأشخاص إلى المجاعة.
وتعد أوكرانيا بين أكبر 10 دول مصدرة للقمح والذرة والشعير، علاوة على كونها أكبر مصدِّر لزيت عباد الشمس في العالم، حسبما ورد في تقرير صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية.
وفقاً للأمم المتحدة، توفر روسيا وأوكرانيا حوالي 40% من القمح المستهلك في إفريقيا، حيث ارتفعت الأسعار بالفعل بنحو 23%.
وقال النائب الأول لوزير السياسة الزراعية والغذاء في أوكرانيا، تاراس فيسوتسكي إن أوكرانيا قادرة حالياً على تصدير مليوني طن من الحبوب كحد أقصى شهرياً فقط، مقارنة بـ6 ملايين طن قبل الحرب، أي أنها فقدت ثلثي قدرتها على التصدير.
ووقعت احتجاجات، في بعض الدول الفقيرة، جراء نقص الحبوب، فيما تتبادل أوكرانيا وروسيا الاتهامات عن الأزمة.
وقالت روسيا في الأيام الماضية إنها تفكِّر في تخفيف حصارها البحري على أوكرانيا، والسماح باستئناف بعض شحنات الحبوب مقابل رفع العقوبات. لكن مسؤولين أوكرانيين شكَّكوا في العرض الروسي، وقالت الحكومات الغربية إنها لن ترفع العقوبات، ومن ثم لا مفر لأوكرانيا من مواصلة البحث عن طرق جديدة.
لماذا تبدو أوكرانيا بحاجة إلى تسريع جهودها لتصدير الحبوب؟
وتحاول أوكرانيا تعزيز مساعيها لتصدير الفائض من محاصيل المواسم السابقة، لأن المزارعين سيبدأون خلال الأشهر المقبلة في حصاد المحاصيل الجديدة، وهو ما سيؤدي إلى زيادة كميات الحبوب المتراكمة، ومن ثم يُضاعف الحاجة إلى إيجاد طرق جديدة لتصدير الحبوب إلى خارج البلاد.
كان نحو 98% من إمدادات الحبوب الضخمة التي تصدِّرها أوكرانيا تتدفق قبل الغزو الروسي من الموانئ المطلة على البحر الأسود، لكن هذه الموانئ أُغلقت بسبب الحصار البحري الروسي، وزاد الأزمة وطأةً إصرار روسيا على مهاجمة المستودعات ومخازن السكك الحديدية وغيرها من منشآت البنية التحتية اللازمة للتصدير.
وعلى الرغم من استمرار الحرب، يتوقع أن تنتج أوكرانيا نحو 30 مليون طن من القمح والذرة وغيرهما من المحاصيل الغذائية هذا العام. ولذلك، تسعى الحكومة الأوكرانية والدول المجاورة لمساعدة تجار أوكرانيا ومزارعيها في بحثهم عن طرق بديلة لتصدير تلك الحبوب وخاصة القمح الأوكراني.
ومع ذلك، يبدو السبيل إلى بلوغ هذه الغاية شديد الصعوبة، فالطرق الجديدة لتصدير الحبوب الأوكرانية أطول، وتراكم العمل فيها يجعلها أبطأ سيراً، علاوة على كونها أكثر تكلفة من المعتاد. ويزيد من حدة الأزمة امتداد البنية التحتية والطرق الجديرة بالحماية لنقل الصادرات، واستمرار الهجمات الروسية على الجسور والسكك الحديدية في الوقت نفسه.
أبرز الطرق المحتملة لتصدير القمح الأوكراني وغيره من الحبوب
1- ميناء روماني مجاور، المشكلة أنه مزدحم بالفعل
يأتي ميناء كونستانتا المطل على البحر الأسود في رومانيا المجاورة لأوكرانيا من بين الخيارات المطروحة لتكون طريقاً جديداً لنقل الصادرات الغذائية الأوكرانية، لكن نقل الحبوب إلى هناك يستلزم قطعها مسافات طويلة عن طريق البر أو السكك الحديدية أو تحميلها على المراكب من موانئ نهرية أوكرانية ونقلها عبر نهر الدانوب.
يقع ميناء كونستانتا الروماني بالقرب من الحدود الأوكرانية، وهو ميناء كبير، إذ تبلغ كمية الحبوب المنقولة منه نحو 27 مليون طن متري من الحبوب كل عام. ومع ذلك، سيشتد العبء على الميناء بدايةً من هذا الشهر في ظل المساعي الجارية لاستيعاب الحبوب الأوكرانية، إلى جانب محاصيل الحبوب الضخمة التي تأتي من رومانيا نفسها.
2- السكك الحديدية.. أزمة بسبب الاختلاف بين القطارات الأوكرانية والأوروبية
عرضت كل من بولندا وليتوانيا موانئها لنقل الحبوب الأوكرانية، لكن الاختلاف في اتساع السكك الحديدية بين أوكرانيا والسكك الحديدية المؤدية إلى موانئ البلطيق في هاتين الدولتين تجعل الأمر صعباً. فأوكرانيا وروسيا وليتوانيا وعدد من دول الاتحاد السوفييتي السابق تستخدم المعيار السوفييتي لقياس عرض السكك الحديدية، أما بولندا ورومانيا ومعظم دول أوروبا فتستخدم مقياساً أضيق. ومن ثم، يستلزم نقل الحبوب عبر تلك الحدود إما تغيير الهياكل السفلية لعربات السكك الحديدية، وإما نقل البضائع إلى قطارات أخرى.
وفي الوقت ذاته، اشتد العبء على الآلات المصمَّمة لنقل شحنات الحبوب بين الخطوط المختلفة للسكك الحديدية على الحدود بين أوكرانيا وجيرانها، وباتت تلك الخطوط مثقلة بموجات متتابعة من شحنات الحبوب الجديدة، ومن ثم طالت فترات الانتظار، وازدحمت المحطات بعربات السكك الحديدية المتوقفة في انتظار التحميل.
وقال الممثل التجاري لأوكرانيا، تاراس كاتشكا، إن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى بناء مستودعات ومد خطوط السكك الحديدية عبر الحدود الأوكرانية.
وأضاف أن الحكومة الأوكرانية تستثمر بالفعل في مرافق تخزين حبوب إضافية على حدود البلاد مع بولندا، في منطقة فولين الشمالية ومنطقة لفيف الغربية، وتعمل على توسيع خطوط السكك الحديدية الأوكرانية إلى بولندا، والعكس بالعكس، عند العديد من المعابر الحدودية.
ويختص ميناء كلايبيدا في ليتوانيا بمشكلة أخرى، فمع أنها دولة سوفييتية سابقة وتستخدم مقياس السكك الحديدية نفسه الذي تستخدمه أوكرانيا، إلا أن المشكلة هي وقوع بيلاروسيا بينهما، فالأخيرة متحالفة مع روسيا وقد توقفت خدمات السكك الحديدية بينها وأوكرانيا بسبب الحرب.
ومن ثم، يتعين توجيه شحنات الحبوب المتوجهة إلى ليتوانيا عبر بولندا، وهو ما يقتضي تغيير الهياكل السفلية لخطوط السكك الحديدة مرتين: الأولى عند الحدود الأوكرانية مع بولندا، ومرة أخرى عند دخول الشاحنات إلى ليتوانيا.
3- هل تكون بيلاروسيا هي الحل؟
اقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً أن أفضل حل هو رفع العقوبات عن بيلاروسيا، الحليف المقرب لموسكو، بحيث يمكن شحن الحبوب بهذه الطريقة.
يمثل هذا المقترح تخفيفاً من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لشرطه السابق بضرورة رفع العقوبات عن بلاده مقابل تصدير القمح الأوكراني.
وبالفعل تفيد تقارير بأن هناك مناقشات حول مسار بيلاروسيا؛ بحيث يتم تحويل الحبوب من أوكرانيا إلى بحر البلطيق، بدلاً من البحر الأسود. تتمثل ميزة هذا الحل في أن بيلاروسيا لديها نفس عرض القضبان مثل أوكرانيا، الموروثة من الحقبة السوفييتية، حسبما نقل موقع euractiv عن مصادر دبلوماسية.
وبيلاروسيا بلد غير ساحلي، لكنها اعتادت على تصدير كميات ضخمة من البوتاس عن طريق السكك الحديدية إلى ميناء كلايبيدا الليتواني؛ لأن ليتوانيا هي أيضاً جمهورية سوفييتية سابقة ورثت القضبان ذات المعايير السوفييتية.
وحظر الاتحاد الأوروبي جميع واردات بيلاروسيا من البوتاس، وهو سماد مهم يشهد نقصاً كبيراً في أوروبا، وجاء القرار في يونيو/حزيران 2021 في أعقاب إجبار مينسك طائرة "ريان إير" على النزول لأراضيها لاعتقال المعارض البيلاروسي رومان بروتاسيفيتش الذي كان يسافر إلى ليتوانيا، كما عزز الاتحاد الأوروبي العقوبات على بيلاروسيا بسبب موقفها المساند لروسيا في أزمة أوكرانيا، حسب وجهة نظر الغرب.
ومؤخراً، قال زعيم بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو إن مينسك مستعدة للسماح بمرور الحبوب الأوكرانية إلى الموانئ الألمانية أو البولندية أو البلطيقية أو الروسية عبر أراضيها إذا سُمح لها في المقابل بشحن البضائع البيلاروسية من تلك الموانئ.
ولكن المسار الخاص ببيلاروسيا، يبدو أنه بدأ يفقد الزخم.
4- مبادرة تركية تحظى بدعم أممي وفرنسي، وموافقة روسية
وسبق أن اقترح وزير الدفاع الأوكراني السابق أندريه زاغورودنيوك، أن ترسل تركيا وبريطانيا سفناً لفرض حرية الملاحة البحرية على نمط "مناطق حظر الطيران العسكري" في شمال غرب البحر الأسود، وقال: "نحن بحاجة إلى تفكيك هذا الحظر عسكرياً".
في المقابل، طرحت تركيا مبادرة لحل أزمة القمح الأوكراني، ما زالت قيد المناقشة، يحتمل أن تتضمن تنظيم حراسة لتأمين السفن التي تغادر الموانئ الأوكرانية من قبل السفن البحرية التركية، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
وقال وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، في بيان إن حكومته تحرز تقدماً مع الأمم المتحدة وروسيا وأوكرانيا بشأن إعادة فتح الموانئ الخاضعة للحصار الروسي في البحر الأسود، وذلك بالتزامن مع وصول وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى أنقرة، اليوم الثلاثاء، في زيارة يعتقد أنها لبحث المقترح التركي.
وقال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو إن بلاده تعمل من أجل تسهيل نقل القمح والحبوب من أوكرانيا إلى جميع أنحاء العالم عبر ممر آمن للسفن، حيث سيبحث الجانب التركي مع الروس تأمين الجانبين لأمن الممر المخطط فتحه لسفن الشحن، لتصدير المنتجات الروسية والأوكرانية إلى العالم.
وعلق ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، على المبادرة التركية قائلاً إن الأمين العام أنطونيو غوتيريش ممتن للغاية للدعم الذي تقدمه تركيا فيما يتعلق بالوضع في البحر الأسود، وتعزيز جهود الأمين العام في هذا الصدد.
بدوره، أشاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أيضاً بالدور الذي تلعبه تركيا في تصدير الحبوب من أوكرانيا.
وفي المقابل، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن بلاده يمكن أن تضمن عبور السفن المحملة بالحبوب من البحر الأسود حتى البحر المتوسط، شريطة أن تحل كييف مشكلة إزالة الألغام من مياهها.
أوكرانيا قبلتها مبدئياً ولكنها قلقة مما قد يحدث إذا أزالت الألغام
ولكن مسؤولين أوكرانيين قالوا إن الأمر سيستغرق ستة أشهر لتطهير الساحل من الألغام الروسية والأوكرانية.
وعرضت تركيا على أوكرانيا المساعدة في إزالة الألغام من المنطقة الساحلية على البحر الأسود، لكن كييف ليست قلقة فقط من حجم المهمة ولكنها خائفة من أنها قد تترك ميناء أوديسا الحيوي وغيره من الموانئ، معرضة لهجوم روسي بعد إزالة الألغام.
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مقابلة مع صحيفة فايننشال تايمز البريطانية إنه بينما كان يدعم المبادرة التركية، فإنه سيحتاج إلى ضمانات بأن السفن الروسية لن يُسمح لها باستخدام الممرات الآمنة.
في المقابل، وضعت روسيا شروطها الخاصة لتنفيذ المبادرة، حيث قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف: "إنه سيسمح للسفن بدخول الموانئ الأوكرانية، بمجرد فحصها من قبل الجيش الروسي، للتأكد من أنها لا تحمل أي أسلحة، ثم تحميلها بالحبوب للذهاب إلى المياه الدولية".