السؤال المؤجل في أوكرانيا.. لماذا تجاهل زيلينسكي المؤشرات الواضحة لاستعداد الروس لغزو بلاده؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2022/06/04 الساعة 20:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/06/04 الساعة 21:13 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي/رويترز

عندما بدأ الهجوم الروسي على أوكرانيا في الساعات الأولى من يوم 24 فبراير/شباط 2022، بدا أنَّ العديد من المسؤولين الأوكرانيين الرئيسيين تفاجأوا. فقد كان بعضهم نائمين في أسرتهم بعمق.

كانت هناك شائعات عن هجوم روسي وشيك لأسابيع، وفي الليلة السابقة تلقت المخابرات الأمريكية والأوكرانية معلومات تشير إلى هجوم شبه مؤكد في تلك الليلة. ومع ذلك، لم يُبذَل سوى القليل من الجهد في اللحظات الأخيرة لتحصين البلدات القريبة من الحدود، أو لتحذير المواطنين للاستعداد لما لا مفر منه، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في المنزل مع زوجته وأطفاله. وفي مقابلات خلال الأسابيع الأخيرة مع صحيفة The Guardian، صرّح العديد من المسؤولين عن المناطق الرئيسية القريبة من الحدود، ورؤساء بلديات المدن التي تحتوي على أهداف عسكرية استراتيجية، بأنهم كانوا في أسرّتهم واستيقظوا مصدومين على صوت الانفجارات، بدلاً من قضاء الساعات الأخيرة من السلام في تنسيق الدفاع عن مدنهم.

الرئيس الأوكراني هاجم التحذيرات الأمريكية بشأن الهجوم الروسي على أوكرانيا

ومن المحتمل أنَّ ذلك لم يكن ليُحدِث فرقاً على أية حال، لكن مع وصول الحرب الروسية في أوكرانيا ليومها المئة، بدأ البعض في العودة بالتفكير إلى الفترة التي سبقت الحرب والتساؤل عمّا إذا كان بمقدورهم فعل المزيد.

هناك اعتراف واسع النطاق، حتى بين أشرس خصوم زيلينسكي السياسيين، بأنَّ قيادته في وقت الحرب شجاعة وملهمة. لكن إلى جانب الثناء، هناك أيضاً أسئلة حول الأسابيع التي سبقت الحرب، في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط.

الهجوم الروسي على أوكرانيا
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مع الرئيس الأمريكي جو بايدن/رويترز

قبل انطلاق الحرب الروسية على أوكرانيا بأقل من شهر، انتقد رئيس أوكرانيا الذعر الذي بثه بايدن جراء حديث عن غزو روسي محتمل لبلاده، معتبراً أن أمريكا تبالغ في هذا الشأن، قائلاً: "أنتم تبالغون بشأن احتمالات الحرب، أنا رئيس أوكرانيا وأعرف أكثر منكم".

لماذا ظل زيلينسكي متشككاً في تحذيرات المخابرات الأمريكية التي زادت من القلق، بأنَّ فلاديمير بوتين كان يخطط لهجوم واسع النطاق؟ هل كان بإمكانه فعل المزيد لإعداد البلاد؟ وهل كان ذلك سيحدث فارقاً كبيراً؟

لأنه كان يخشى تأثير ذلك على الاقتصاد

قال فولوديمير أرييف، النائب عن حزب التضامن الأوروبي الذي يتزعمه الرئيس السابق بيترو بوروشنكو: "لا نريد الشروع في تحقيق لفترة، لكن لا يمكننا تجنبه في المستقبل". وأضاف أنَّ حزبه كان يضغط منذ أسابيع في الفترة التي سبقت الحرب لكي تأخذ الحكومة هذا الخطر على محمل الجد.

في غضون ذلك، كان زيلينسكي يضغط بأنَّ عليه تحقيق التوازن بين الاستعدادات للحرب والمخاوف بشأن الاقتصاد، ويطلب من الأوكرانيين عدم الذعر. قال مسؤول حكومي رفيع المستوى في ذلك الوقت: "إذا اعتقد الجميع أنه ستكون هناك حرب غداً، فسيكون الاقتصاد في مأزق حقيقي".

في الأسابيع الأولى من العام الحالي، صارت هياكل "الدفاع الإقليمي" المُخَطط لها منذ فترة طويلة في أوكرانيا رسمية، وبدأ العديد من الأوكرانيين في البحث عن أقرب ملجأ لهم من القنابل، ورغم أنَّ الحديث عن الحرب خيّم على أجواء البلاد، قلة من الناس فقط اعتقدوا أنَّ التهديد حقيقي، ولم يتخذ ملايين من الأوكرانيين حتى الاستعدادات الأولية لبداية صراع واسع النطاق وأسابيع من الحياة في الملاجئ أو الأقبية. وبالنسبة للبعض، فإنَّ هذا النقص في التخطيط كانت له عواقب وخيمة عندما جاءت الحرب.

شعر كثيرٌ من الناس بالاطمئنان من الرسائل المُهَدِئَة التي جاءت من كبار المسؤولين الأوكرانيين. وفي أواخر يناير/كانون الثاني، وصف زيلينسكي التحذيرات الأمريكية المتكررة من حرب محتملة بأنها "خاطئة". وفي 6 فبراير/شباط، قال مستشاره ميخايلو بودولياك إنَّ فرص حل الأزمة من خلال المفاوضات "أعلى بكثير" من التهديد بشن هجوم.

الهجوم الروسي على أوكرانيا
المسؤولون الأوكرانيون تعاملوا باستهتار مع المؤشرات الواضحة على احتمال وقوع الهجوم الروسي على بلادهم/رويترز

وازداد إحباط المسؤولين الأوكرانيين من تحذيرات واشنطن العلنية من الحرب. وعندما أطلع مسؤولو الدفاع الأمريكيون وسائل الإعلام على أنَّ روسيا نقلت إمدادات الدم بالقرب من الحدود، وهو ما يُنظَر إليه على أنه علامة على عمل عسكري وشيك، نفت نائبة وزير الدفاع الأوكراني، هانا ماليار، هذا التقرير نفياً قاطعاً. وقالت لصحيفة The Guardian في ذلك الوقت: "الغرض من هذه المعلومات هو نشر الذعر والخوف في مجتمعنا".

لكن مع مرور شهر فبراير/شباط، أصبح المسؤولون الأمريكيون مقتنعين أكثر فأكثر بأنَّ الأوكرانيين- وبعض الحلفاء الأوروبيين- لم يأخذوا التهديد بجدية كافية. ودارت محادثات هاتفية متكررة بين مختلف كبار المسؤولين في واشنطن ونظرائهم في كييف.

في 15 فبراير/شباط 2022، أي قبل الحرب بعشرة أيام، كان المستشار الألماني أولاف شولتز في موسكو لمتابعة الحوار مع الرئيس بوتين. خلص شولتز إلى أن الخيارات الدبلوماسية "لم تستنفد بعد"، بعد أن أخبره بوتين أنه لا يزال منفتحاً على المفاوضات، ورحب بالإعلان الروسي الزائف عن سحب القوات باعتباره "إشارة جيدة". 

وبعد طمأنة بوتين أن عضوية أوكرانيا في الناتو "ببساطة ليست على جدول الأعمال"، أفادت تقارير بأن شولتز أخبر الممثلين الأوروبيين أن روسيا لن تخوض حرباً بشأن هذه القضية.

المخابرات الأوكرانية نقلت معلومات بشأن التحضير الروسي للحرب

كانت المخابرات الأوكرانية تتلقى أيضاً معلوماتها الخاصة؛ ففي 17 فبراير/شباط تقريباً، تلقت معلومات حول توقيع عدد من الأوامر العسكرية الروسية التي تشير إلى أنهم يحضرون لأمر جلل. لكن ظلت هناك حالة من عدم التصديق بأنَّ الأمريكيين كانوا على حق طوال ذلك الوقت.

وقال مصدر مقرب من أجهزة المخابرات الأوكرانية: "اعتقد معظم الناس أنَّ الأمر سيقتصر على تحركات في دونباس، وأنَّ الروس لن يحاولوا شن عملية واسعة النطاق".

لكن راود بعض الأشخاص في  المخابرات الأوكرانية القلق أكثر من غيرهم. 

عندما بدأت الحرب، تجاهل زيلينسكي وفريقه العروض المقدمة من الدول الغربية للإخلاء، وقدموا قيادة نشطة ساعدت في تحفيز جهود الدفاع الأوكرانية الشرسة. 

في الوقت الحالي، حالت هذه الشجاعة والتصميم، فضلاً عن الحاجة إلى الوحدة أثناء الحرب، دون أي رد فعل عنيف من قبل الشعب الأوكراني على الأخطاء المحتملة التي أخرت الاستعدادات العسكرية للبلاد.

وفي هذا الصدد، علّق سيرهي تاروتا، النائب البرلماني الذي عينته الحكومة في عام 2014 حاكماً لمنطقة دونيتسك، قائلاً إنه من السابق لأوانه إثارة قضايا حول الحشد، لكن المناقشة لاحقاً ستكون ضرورية.

وأضاف تاروتا، في مقابلة: "بالطبع هناك الكثير من الأسئلة؛ الروس كانوا بالفعل يرسمون الحرف Z على أجهزتهم وقال الجميع إنَّ شيئاً ما قادم، بينما رجالنا هنا يقولون: لا تقلقوا. لكن هذا متروك لبعد الحرب؛ أما الآن فهو زمن اتحاد المجتمع".

تحميل المزيد