مع دخول العالم فيما يمكن وصفه بحقبة "العملات المشفرة" بات سؤال مهم يبحث عن إجابته المهتمون بهذه العملات، خاصة من منطقتنا العربية والإسلامية، وهو: هل هذا العمل في هذه العملات حلال أم حرام؟
أحد المهتمين بهذا المضمار هو رائد الأعمال إبراهيم الكرد، الذي أسس العديد من صناديق الاستثمار، وبينها صندوق مخصص للأصول الرقمية، وآخر للشركات الناشئة الحلال. ولا يزال يتذكر اليوم الذي سمع فيه عن عملة البيتكوين (BTC) قائلاً: "أول شيء خطر ببالي هو الدخول على محرك البحث جوجل، وكتابة السؤال التالي: هل البيتكوين حلال؟".
وبعد مضي 10 سنوات تقريباً، أصبح إبراهيم يكافح من أجل العثور على استثمارات مشفرة توافق شريعته الإسلامية.
إذ قال لموقع Middle East Eye البريطاني: "لست أمام 50 مشروعاً يجب الاختيار بينها هنا، بل هناك عدد محدود من الشركات، ويقل العدد المتاح للاختيار حين تبدأ البحث عن أفضل الشركات".
سوق العملات الرقمية الإسلامي
وقد بدأ المسلمون في دخول السوق بالتزامن مع انتشار الأصول الرقمية على نطاقٍ واسع؛ إذ يُواجهون تقلبات السوق وتأرجح الأسعار الكبير مثل غيرهم من المستثمرين، لكن البعض أضاف إلى الأمر مخاوفه الدينية.
حيث يفرض الإسلام تعاليم صارمة على مسائل التمويل، وأشهرها تحريم الفوائد الربوية.
ويقول مازن خليل، المدير المساعد للخدمات المالية والتمويل الإسلامي في Grant Thorton بـ"أبوظبي": "لا تزال العملات المشفرة محل جدلٍ من منظور الشريعة الإسلامية".
وليس للإسلام سلطة مركزية تستطيع إعلان تحريم أو تحليل العملات المشفرة.
ويُضيف خليل أن المشككين يعتبرونها نشاطاً افتراضياً، ومن المعروف أن العملات النقدية مثل الدولار الأمريكي يُفترض تحريمها لأنها ليست مربوطةً بأصلٍ ملموس مثل الذهب، لكن عموم علماء المسلمين قد تجاوزوا عن هذه المسألة.
وأوضح كذلك أن "عدم اليقين الشديد" الذي يُحيط بأسعار العملات المشفرة، يُمكن تفسيره على أنه شكلٌ من أشكال المقامرة.
ويُمكن القول إن العملات المشفرة اكتسبت زخماً بين مستثمرين مثل الكرد، رغم الشكوك القائمة لدى البعض، وبدأت تتوسع إلى بقية أرجاء العالم الإسلامي.
ففي عام 2021، حلّت باكستان في المركز الثالث عالمياً من حيث تبني العملات المشفرة، بينما حلّت الهند في المركز الثاني، بنسبة مسلمين تصل إلى 15% بين سكانها. فيما جاءت نيجيريا في المركز السادس، ونصف سكانها من أتباع الدين الإسلامي.
إذ قال إبراهيم خان، الشريك المؤسس لمنصة إسلاميك فينانس غورو IslamicFinanceGuru، التي تركز على الاستثمار الحلال، لموقع Middle East Eye: "خرج العفريت من العلبة في هذه المرحلة، وبدأت قطاعات ضخمة من المسلمين في استخدام العملات المشفرة".
وتقدم المنصة قائمةً مُحدّثة بالأصول الرقمية الحلال، التي قال خان إنها أصبحت "قناة أساسية" لعالم التشفير الإسلامي.
ويُضيف خان: "لا شك أن المنتجات الحلال ستحظى بأفضلية بين المستثمرين المسلمين".
وتأخذ الشركة برأي علماء شريعة لتحديد ما إذا كان التوكن مرتبطاً بنشاطٍ حرام، مثل الفوائد الربوية أو المشروبات الكحولية. وتقدم تفسيراً لحكمها مع توضيح ما إذا كان صندوق المنصة يمتلك أموالاً بهذا الأصل. وتضم قائمة العملات الحلال الكثير من الأسماء الشهيرة مثل البيتكوين، والإيثريوم (ETH)، والتيثر (USDT).
ويضيف خان: "هناك رغبة بين مستثمري العملات المشفرة المسلمين في الوصول إلى الخيارات الحلال، أو امتلاك منتجات متوافقة مع مبادئ الشريعة الإسلامية".
أكثر شيءٍ حلال
شعرت مجموعة صغيرة وطموحة من الشركات الناشئة بوجود فرصةٍ سانحة في هذا المجال، وبدأوا في السعي إلى ما هو أكبر من متابعة التوكنات. وتُعَدُّ شركة مرحباً Marhaba التي أُطلِقَت في ديسمبر/كانون الأول 2021 من بين تلك الشركات، وتقدم نفسها باعتبارها أول نظام تمويل لا مركزي حلال في العالم.
وأفاد خالد هولادار، رئيس مجلس إدارة مرحباً، التي يقع مقرها في دبي، للموقع البريطاني، بأن الشركة لاحظت طلباً هائلاً على منتجاتها الحلال بين مستثمري العملات المشفرة من جيل الألفية والجيل زد.
وأردف: "نحن أمام جيلٍ جديد يشعر بالمسؤولية والوعي المجتمعي. وربما لا يحملون شعارات الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، لكننا نشاهد الشباب المسلم وهو يعبر عن أخلاقيته من خلال شريعته الدينية".
ويرى هولادار أن مهمة مرحباً تتجاوز حدود تقديم منتجٍ حلال؛ إذ عمل في عالم التمويل التقليدي على مدار أكثر من عقدين، وكان شاهداً من الصف الأول على الأزمة المالية التي منحتنا نبذةً عن مخاطر الأموال النقدية وأسعار الفائدة.
وتنوي مرحباً في الصيف الجاري إطلاق آلية محاصصة حلال. وتُعرف "المحاصصة" بأنها عمليةٌ يقوم خلالها المشاركون بتعليق حيازتهم من العملات لدعم شبكة البلوكتشين الخاصة بالعملة والتصديق على المعاملات. وترفع هذه الآلية من قيمة العملة، وبالتالي يحصل المشاركون في المقابل على حصةٍ من العملات الجديدة.
ومن المعروف أن بعض أشكال المحاصصة تُدر الفوائد على المشاركين، لكن هذه النوعية محرمة في التمويل الإسلامي، ويجري حذفها من المنصة. ومع ذلك يقول هولادار إن تشغيل المرء لأصوله بهدف خلق قيمة جديدة وكسب عائد هو "من أكثر الأشياء الحلال في الشرع"، وتريد منصة مرحباً أن توفر هذا الخيار لمستخدميها؛ حيث يعتمد التمويل الإسلامي بشكلٍ كبير على تقاسم الأرباح.
وتمتلك المنصة بالفعل محفظةً للعملات المشفرة الحلال هي محفظة سهل Sahal Wallet، كما تمتلك توكن خدمات خاص بها. وتخطط مرحباً مستقبلاً لتقديم خيارات زراعة السيولة، التي ستوفر للمستثمرين طريقةً حلالاً لإقراض عملاتهم لمنصات التداول. وتعمل كذلك على تقديم توكنات مدعومة بالذهب المادي.
وأضاف هولادار، الذي يرى الكثير من الإمكانات غير المستغلة على صعيد المنتجات الحلال فقط: "نحن لا نحاول مطّ الأمر أو منح الناس نصف المنتجات الموجودة في عالم التشفير. يصل حجم صناعة التمويل الإسلامي إلى 3 مليارات دولار. وإذا نجحنا في الوصول إلى 1% فقط من هذا السوق الضخم، فسيصل حجم صناعة العملات المشفرة الإسلامية إلى 30 مليار دولار".
وتضم هذه الصناعة شركةً أخرى هي فاسيت Fasset، التي خرجت للتو من جولة تمويل بقيادة صندوق Liberty City Ventures في نيويورك، وجمعت خلالها 22 مليون دولار.
وقد انتهت الشركة مؤخراً من مختبر بيئة تجريبية في البحرين، وتدفع بقوةٍ نحو الانتشار في العالم النامي؛ إذ حصلت على رخصة لإنشاء منصة تداول عملات مشفرة في إندونيسيا، ودخلت المراحل الأولى من تقديم خدمة إقراض العملات المشفرة بين النظيرين في باكستان.
وقال دانيال أحمد، الذي شارك في تأسيس فاسيت بعد عمله مستشاراً في مكتب رئيس وزراء الإمارات: "أدركنا أن العملات المشفرة هي منتج مصمم في الواقع للأسواق الناشئة، التي تقع العديد منها في العالم الإسلامي".
ويُضيف أحمد أن العملات المشفرة والتمويل اللامركزي يقدمان حلولاً للدول التي تعاني من مخاطر سياسة مرتفعة، وتقوم حكوماتها بخفض قيمة العملات. ويرى أن العديدين تجاوزوا مخاوفهم المرتبطة بالامتثال للشريعة بفضل قدرة العملات المشفرة على المساعدة في حل مشكلات مثل ارتفاع عدد الأفراد الذين لا يمتلكون حسابات مصرفية أو وصولاً للخدمات المالية. ويقول: "من الجدير بالذكر أن الشكوك لم تمثل عائقاً لأوائل من تبنوا العملات المشفرة، لكن المرحلة التالية هي التي ستواجه صعوبةً أكبر".
أموال تحت البلاطة
يقول أحمد إنّ ميزة فاسيت تكمن في قدرتها على توطين نفسها في السوق المحلي. وأضاف: "لن يستيقظوا في منصة بينانس Binance غداً ليقولوا إن خدماتهم تمتثل للشريعة". وترجع أصول أحمد إلى باكستان، بينما ترجع أصول شريكه إلى بنغلاديش. ويُردف: "يرتبط تراثنا بهذه المناطق، ونفهم احتياجاتها".
ويُقر بأنه من الصعب أحياناً تحديد ما إذا كان الأصل أو الخدمة المشفرة حلالاً: "هناك العديد من الآراء المختلفة بين العلماء في هذا الصدد"، بالإضافة إلى الكثير من المجموعات التي تصدر أحكام التوافق مع الشريعة.
وأضاف أحمد: "نريد أن نقول إننا نتعامل مع الامتثال للشريعة بجديةٍ عند تقديم منتجاتنا، وأن الأصول الرقمية ليست حراماً أو حلالاً في حد ذاتها، بل يجب النظر إلى كل حالة بشكلٍ منفصل".
بينما تسعى منصة أمة فينانس Umma Finance الناشئة في دبي لربط مستثمري العملات المشفرة الحلال بالشركات الموجودة في الأسواق الناشئة. ويقول مؤسسها مارك زوبوف: "لا تأتي المنافسة الرئيسة هنا من منصات الاستثمار الأخرى، بل من الأموال الموجودة تحت البلاطة. نحن نحاول تثقيف الناس بخيارات الاستثمار المتاحة".
من ناحيته يدير سلمان مسعود صندوق الاستثمار المخاطر ذو التوجه الإسلامي Australian Gulf Capital، والذي استثمر في منصة مرحباً. ولا يشعر مسعود بالقلق إزاء عمليات البيع التي تسود أسواق العملات المشفرة، بل يقول إن استثماراته في المجال طويلة الأمد، وإن الصندوق يبحث بشكل نشط عن الاستثمارات الجديدة.
وأردف: "أصبحت العديد من دول الشرق الأوسط داعمةً بشدة للمجال؛ ما يُفيد النظام الإيكولوجي على مستوى العالم الإسلامي الأوسع".