تُطوِّر تركيا نظام دفاع جوي مضاد للطائرات على ارتفاعات عالية يدعى "SIPER" سيبر، وتقول أنقرة إن نظام الدفاع الجوي التركي الجديد يحقق تقدماً في الاختبارات، وإنه قد يدخل قريباً إلى الخدمة.
وقال إسماعيل دمير، رئيس رئاسة الصناعات الدفاعية (SSB)، إن تطوير نظام صواريخ الدفاع الجوي طويل المدى Siper التركي على ارتفاعات عالية مستمر بنجاح، وسيتم إجراء اختبار جديد قريباً.
وأضاف: لقد كانت جميع اختبارات النظام الدفاع الجوي التركي ناجحة للغاية، وجاء ذلك خلال حديث دمير إلى وكالة الأناضول (AA) على هامش معرض تكنوفست أذربيجان، النسخة الأجنبية الأولى من مهرجان الطيران والفضاء والتكنولوجيا التركي.
وأضاف دمير أن كل اختبار يعني اختبار قدرة جديدة أو إضافة قدرة جديدة إلى النظام أو تطوير القدرات أو المضي قدماً خطوة إلى الأمام.
ويقود مشروع SIPER، وهي كلمة تعني خندقاً باللغة التركية، عمالقة الدفاع في تركيا Aselsan وRoketsan ومجلس البحوث العلمية والتكنولوجية في تركيا (TÜBITAK) ومعهد أبحاث وتطوير الصناعات الدفاعية (SAGE)، الذين حصلوا على العقد من رئاسة مشتريات الدفاع في يناير/كانون الثاني 2018.
لماذا يمثل إنتاج نظام دفاع جوي أهمية بالغة للأمن القومي التركي؟
ويمثل إنتاج نظام دفاع جوي للارتفاعات العالية أهمية خاصة لتركيا التي دخلت في أزمة دبلوماسية مع الولايات المتحدة أدت إلى إخراجها من برنامج الطائرة الشهيرة إف 35؛ بسبب إصرارها على شراء نظام إس 400 الصاروخي الروسي؛ لأنها تفتقر لأنظمة دفاع جوي متقدمة مقارنة بشركائها في الناتو وحتى العديد من دول الشرق الأوسط، رغم وجودها في منطقة حساسة مليئة بالحروب.
فمنذ الغزو العراقي للكويت وحرب الخليج في مطلع تسعينيات القرن العشرين، طلبت تركيا من الناتو لأول مرة، إرسال دفاعات جوية؛ لحمايتها من أي ضربات صاروخية انتقامية محتملة من صدام حسين بالنظر إلى دورها في مساندة القوات الأمريكية في الحرب.
واستجابت الولايات المتحدة وألمانيا وهولندا للدعوة؛ حيث نشرت كل منها أنظمة صواريخ باتريوت تحت علم الناتو. وهو النظام الذي اكتسب شهرة خلال حرب الخليج كنظام دفاع صاروخي ضد صواريخ سكود العراقية.
ولكن اللافت أن تركيا خلال هذه السنوات لم تحصل على هذه الصواريخ كملكية خاصة، فيما باعتها أمريكا لدول الخليج وإسرائيل رغم أنهم ليسوا أعضاء بالناتو، علماً أنه في هذه الفترة لم يكن حزب العدالة والتنمية يحكم البلاد، كما أنه حتى خلال الغزو الأمريكي للعراق لم تبِع واشنطن لأنقرة هذه الصواريخ.
واكتفت الولايات المتحدة والناتو بالاستجابة لنشر أنظمة باتريوت الخاصة بهم في تركيا إذا طلبتها أنقرة كلما اشتد سخونة الأحداث بالمنطقة، وكان آخرها في عام 2013 عندما اشتدت القتال أثناء الثورة السورية بسوريا، حيث نشر بعض أعضاء الناتو آنذاك صواريخ باتريوت أو أنظمة الدفاع الصاروخي Eurosam SAMP / T على الحدود التركية.
ولكن تركيا تشككت في وجود التزام حقيقي من قِبل أمريكا والناتو تجاه مصالحها الأمنية، فبينما تمتلك دول أعضاء في الناتو لا تواجه تهديداً حقيقياً مثل إسبانيا وهولندا صواريخ باتريوت، لم تحصل تركيا عليها، وهي التي تقع في منطقة مضطربة تعج بالحروب.
وبدأت تركيا تنظر إلى طلباتها الخاصة بالدفاع الصاروخي على أنها اختبار أساسي لمدى اهتمام الناتو بتركيا، مع السعي إلى إنتاجها محلياً، حسب منصة warontherocks الأمريكية المتخصصة في تحليلات الأمن القومي والسياسة الخارجية.
وعندما حاولت تركيا شراء أنظمة صواريخ دفاعية من الصين عام 2013، وضمن ذلك تصنيع أجزاء محلياً، جوبهت بضغوط شديدة من قِبل أوروبا وأمريكا، اللتين عرضتا إمكانية تزويد أنقرة بصواريخ باتريوت الأمريكية و"أستير" الأوروبية، علماً أن الجانبين لم يرفضا يوماً بشكل صريح، تزويد تركيا بالصواريخ، ولكنَّ أياً من المحادثات لم تدخل قط مرحلة جدية سواء بسبب تردد الغرب أو لرغبة الأتراك في رفع نسبة التصنيع المحلي في أي مشروع مشترك.
في عام 2015، عندما وصلت القوات الروسية لدعم حليفها المترنح، بشار الأسد، لم تتفق الولايات المتحدة وتركيا على كيفية معالجة التدخل الروسي. والأسوأ من ذلك، أن الولايات المتحدة بدأت العمل مع المسلحين الأكراد السوريين الذين تربطهم علاقة بحزب العمال الكردستاني (الذي تصنفه أنقرة وواشنطن على السواء كتنظيم إرهابي) على طول الحدود السورية التركية، لمحاربة "الدولة الإسلامية" داعش.
وتوترت العلاقات الأمريكية- التركية بشكل أكبر، عندما أعلنت الولايات المتحدة أن صواريخ باتريوت التي نشرتها الولايات المتحدة في تركيا عام 2013 كجزء من مهمة الناتو، بحاجة إلى العودة لألمانيا للصيانة والتدريب، فقد رأت أنقرة أن هذا الأمر أكثر دليل على أن أمريكا لا يمكن الوثوق بها، وتبع ذلك سحب عدة دول أوروبية أخرى صواريخ باتريوت من تركيا، في ظل توتر متصاعد بين تركيا والقوات الروسية الموجودة في سوريا لقمع المعارضة المدعومة من أنقرة.
إلى أن وقعت الحادثة التي أظهرت أن تركيا لديها الحق في عدم الوثوق بأمريكا والغرب.
ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2015، بدت المنطقة مهددة بالانفجار، فبعد اختراقات روسية متعددة لأجواء تركيا، أسقطت أنقرة طائرة روسية كانت قد اخترقت المجال الجوي التركي.
بدا أن تركيا أصبحت وحدها في مواجهة روسيا، دون دعم يُذكر من الناتو أو الولايات المتحدة في سوريا.
وفي هذه اللحظة بدأت تركيا وروسيا على السواء تغيران سياستهما، سواء بسوريا أو في غيرها، وبعدما كادتا تدخلان في مواجهة قرر البلدان التعاون في ساحات عدة بدءاً من سوريا، كما بدا رد الفعل الروسي برفض محاولة الانقلاب على أردوغان أوضح وأسرع تماماً من الغرب، الذي بدا موقفه كأنه تأييد غير معلن للانقلاب.
أدى هذا المزيج من العوامل، وتضاؤل ثقة تركيا بالناتو وبالولايات المتحدة بسبب علاقاتها مع الأكراد السوريين ودورها المشتبه به في الانقلاب، إلى تدهور العلاقات إلى أدنى مستوياتها.
وفي الوقت ذاته، ظلت مشكلة الدفاع الصاروخي المضاد للطائرات والصواريخ الباليستية ثغرة كبيرة في الأمن القومي التركي، مما دفع أنقرة إلى تنفيذ صفقة إس 400 الروسية، ثم استغلت تركيا أزمة الانتخابات الأمريكية الأخيرة لتنشيط هذه الصواريخ.
تركيا لديها عدة أنظمة دفاع جوي محلية الصنع بهدف تشكيل منظومة متعددة الطبقات
إلى جانب نظام سيبر "Siper"، فإن لدى تركيا عدة أنظمة دفاع جوي محلية الصنع أقصر مدى لتكون بمثابة دفاع جوي متعدد الطبقات للبلاد.
النظام الأول هو نظام الدفاع الجوي SUNGUR منخفض المستوى ونسخته من منظومات الدفاع الجوي المحمولة على الكتف، التي يطلق عليها اسم PORSAV، سوف تحل محل صواريخ ستينغر الأمريكية الشهيرة التي تألقت في أوكرانيا مؤخراً لدى القوات المسلحة التركية.
كما أنه من المتوقع أن يتم دمجه مع منصات جوية وبحرية في مخزون القوات المسلحة التركية في المستقبل القريب.
ومن المتوقع أن تكون أنظمة PORSAV فعالة حتى ارتفاع 4 كيلومترات ومدى أكثر من 6 كيلومترات. ويعتقد أن الصاروخ مسلح برأس حربي شديد الانفجار يبلغ وزنه 3 كيلوغرامات ومحمّل بمقذوفات من كرات التنجستن.
وهناك نظام KORKUT هو مدفع تركي مضاد للطائرات مقاس 35 ملم قادر على العمل في جميع الأحوال الجوية تم تطويره بواسطة شركة Aselsan التركية.
ويمكن لهذا المدفع إطلاق ما يصل إلى 1100 طلقة في الدقيقة حتى مدى يصل إلى 4 كيلومترات بينما مركبة القيادة والسيطرة للنظام المدى الفعال للرادار الخاص بها يصل إلى 70 كم، وهي مركبة برمائية ولديها القدرة على الخوض في المياه العميقة والأنهار.
وطلبت القوات المسلحة التركية 40 وحدة من هذا النظام الذي اختبر فعلياً في قتال حقيقي، ومن المقرر أن تكتمل عمليات التسليم في عام 2022.
وهناك عائلة صواريخ حصار، وهي أنظمة صواريخ أرض- جو قصيرة المدى إلى بعيدة المدى طورتها شركتا ASELSAN وROKETSAN التركيتان منذ عام 2007.
يبلغ مدى نظام حصار من HISAR A للدفاع الجوي على ارتفاع منخفض 15 كلم، ونظام HISAR O للدفاع الجوي متوسط المدى الذي يزيد مداه عن 25 كلم.
والنظامان فعالان ضد الطائرات المقاتلة والمروحيات وصواريخ جو- أرض والطائرات بدون طيار.
ويتميز كلا النظامين بكفاءة 360 درجة تمكنهما من تحديد وضرب أهداف متعددة في وقت واحد، مع قدرة HISAR A على الاشتباك مع ستة أهداف وHISAR O مع ما لا يقل عن تسعة أهداف في وقت واحد.
وهناك نظام HİSAR-U بعيد المدى الذي يتراوح مداه بين 70 كلم و100 كلم حسب تقديرات متفاوتة.
وكل من نظامي حصار A+ وحصار O+ في الخدمة مع القوات المسلحة التركية، للدفاع عن قواعدها العسكرية، والموانئ، والبنية التحتية، والقوات العسكرية.
وأفادت تقارير بأن بنغلاديش أعربت عن اهتمامها بنظام الدفاع الجوي HISAR-O.
ما المختلف إذن الذي يقدمه نظام الدفاع الجوي التركي الجديد؟
تم إجراء آخر اختبار معروف لنظام سيبر "SIPER" في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 في ميدان اختبار الصواريخ سينوب الواقع في مقاطعة سينوب الشمالية، ولكن يعتقد أن هناك العديد من الاختبارات التي لم يتم الإبلاغ عنها.
وفقاً لتقارير وسائل الإعلام التركية، كان الهدف من الاختبار إظهار قدرة الصاروخ على المناورة ومعرفة ما إذا كان يمكن توجيهه بنجاح أم لا ضد هدف.
تشير التقارير إلى أنه سيتم استخدام سيبر للدفاع الجوي للمنشآت الإستراتيجية ضد هجمات العدو ومن المقرر استخدام أكثر من نوع واحد من الصواريخ بمدى مختلف.
ما هو مدى نظام سيبر الفعال؟
ويقال إن صاروخ SIPER Block-I يبلغ مداه أكثر من 70 كيلومتراً ويبلغ ارتفاعه أكثر من 20 كيلومتراً ومن المتوقع أن يزيد مداه أكثر من 100 كيلومتر (SIPER Block-2) بحلول عام 2023، حسبما ورد في تقرير لموقع Eurasian Times.
بعد ذلك، سيتم تطوير SIPER Block-3، مما يجعل المدى الأقصى لنظام الدفاع الصاروخي يصل إلى 150 كم.
يقال إن Aselsan تزود المنظومة برادار بحث بعيد المدى، يسمى UMAR، ورادار متعدد الوظائف يسمى ÇFAKR، وكلاهما من الجيل الجديد من الرادارات ذات المصفوفة النشطة الممسوحة ضوئياً إلكترونياً (AESA) وهوائي تشكيل الشعاع الرقمي.
ويقال إن هذه الرادارات لديها القدرة على استخدام بيانات الأرصاد الجوية لزيادة أداء الكشف والتتبع، كما أن تصميمها الهندسي AESA ونهج تصميمها المعياري يسمحان بصيانة منخفضة التكلفة وإتاحة عالية.
ومن المتوقع أن يدخل النظام الخدمة مع القوات المسلحة التركية في عام 2023.
هل يكون منافساً لـ S-400؟
توقعت بعض التقارير أن نظام سيبر سيكون منافساً لمنظومة S-400 الروسية؛ التي تمتلكها تركيا، ولكن يرى تقرير Eurasian Times أنه من المحتمل أن يلعب سيبر دوراً تكميلياً مع نظام S-400.
فالحد الأقصى المتوقع لمدى سيبر حوالي 150 كيلومتراً، في حين أن نظام S-400 يمكن أن يشتبك مع أهداف محمولة جواً على مسافات تصل إلى 400 كيلومتر ويعترض الصواريخ الباليستية في دائرة نصف قطرها 60 كيلومتراً.
ولكن الأهم لو نجح نظام الدفاع الجوي التركي سيبر في الدخول للخدمة، فإنه يمكن تطويره وزيادة مداه، علماً بأن إس 400 هو تطوير لنظام إس 300 الأقل مدى.
وتأتي أهمية تطوير هذا النظام من أن المزودين الفعليين والمحتملين لتركيا بالأنظمة الدفاعية الجوية هم غرماء لتركيا بشكل أو بآخر.
فبالبلاد بموقعها الاستراتيجي تقع في منطقة هي الأسخن في العالم وبجانب سلسلة من الدول القوية التي تتراوح علاقتها معها بين التعاون الاقتصادي والتنافس الاستراتيجي والأمني، مثل إيران واليونان ومصر إسرائيل وحتى روسيا التي هي غريم تاريخي لتركيا، ورغم تعاونهما خلال السنوات الماضي، ولكن كثيراً ما وقفت قواتهما العسكرية في حالة تأهب بينما حلفاء البلدين يتقاتلون في سوريا وليبيا والقوقاز، كما أن تركيا معترضة على الغزو الروسي مع أوكرانيا الذي تراه يمس بتوازن القوى في البحر الأسود، ويجعل كل ذلك اعتماد أنقرة على نظام إس 400 أمراً غير مناسب.
على الجانب الغربي، فإن التجربة التاريخية أثبتت أن تركيا لا يمكنها الاعتماد على الدول الأوروبية وأمريكا في تزويدها بسلاح استراتيجي كأنظمة الدفاع الجوي، خاصة أن كثيراً من الدول الأوروبية لا تخفي انحيازها لليونان في نزاعاتها المتعددة مع تركيا، ومنها التوترات بشأن النزاع على بحر إيجة، حيث يتهم الطرفان بعضهما البعض بانتهاك مجالهما الجوي.