نفذت الصين "دورية استعداد قتالي" حول تايوان، وصفتها بأنها إجراء ضروري للرد على التواطؤ بين أمريكا والجزيرة، فهل تستعد بكين "لاستعادة" تايبيه؟ وهل يمكن أن يحميها جو بايدن؟
جاء إعلان الجيش الصيني عن تلك "الدورية القتالية"، الأربعاء 1 يونيو/حزيران كردّ فعل، على ما يبدو، على تصريحات كان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد أدلى بها الأسبوع الماضي، خلال زيارته إلى آسيا، قال فيها إن الولايات المتحدة ستتدخل عسكرياً للدفاع عن تايوان، في حال هاجمتها الصين عسكرياً.
ورغم أن الصين قد كثفت بشكل لافت، خلال العامين الماضيين، من مناوراتها العسكرية حول الجزيرة للضغط على تايوان لقبول الانضواء تحت السيادة الصينية بشكل سلمي، فإن التطورات الأخيرة التي يشهدها العالم، وبخاصة الهجوم الروسي على أوكرانيا، قد سلطت الأضواء على أي تحرك عسكري تقوم به الصين بالقرب من تايوان.
كيف استفز بايدن الصين بشأن تايوان؟
نشرت شبكة CNN الأمريكية تحليلاً عنوانه "الصين تمتلك القوة على أخذ تايوان، لكن التكلفة ستكون دموية للغاية"، رصد سيناريوهات أي تحرك عسكري صيني لضم أو غزو أو إعادة توحيد تايوان بالقوة، وما إذا كان الجيش الأمريكي قادراً على حماية الجزيرة من هذا المصير.
كانت الصين وتايوان قد انفصلتا خلال حرب أهلية في الأربعينيات، وتعتبر تايوان نفسها دولة ذات سيادة، وتحظى بدعم أمريكي وغربي، لكن بكين لا تزال تصر على أن استعادة الجزيرة ستتم في وقت ما، وبالقوة إذا لزم الأمر.
ولا يعترف بتايوان كدولة ذات سيادة سوى عدد قليل من الدول، ليس من بينها الولايات المتحدة الأمريكية، إذ تعترف معظم الدول بالحكومة الصينية في بكين بدلاً عن ذلك، ولا توجد علاقات رسمية بين الولايات المتحدة وتايوان، ولكن لدى واشنطن قانون يُلزمها بتزويد الجزيرة بوسائل الدفاع عن نفسها.
ومنذ سنوات تقول الصين إنها أصبحت قلقة بشكل متزايد من أن حكومة تايوان تحرك الجزيرة نحو إعلان رسمي للاستقلال، وتريد ردع رئيستها تساي إنغ ون عن اتخاذ أي خطوات في هذا الاتجاه. وكانت بكين قد زادت ضغوطها العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية منذ وصول تساي إلى السلطة في عام 2016، ويُعرف عنها رفضها مبدأ "الصين الواحدة".
لكن منذ وصول بايدن إلى البيت الأبيض، أصبحت العلاقات بين واشنطن وبكين أكثر توتراً حتى مما كانت عليه أيام رئاسة سلفه دونالد ترامب، واتخذت قضية تايوان بعداً جديداً أكثر خطورة، في ظل تصريحات بايدن التي تكررت بشأن الموقف الأمريكي إذا ما أقدمت الصين على "غزو" تايوان. وبالطبع مجرد استعمال وصف "غزو" يمثل استفزازاً للصين، على أساس أن تايوان جزء من الأراضي الصينية، وأنه حتى في حال قررت بكين إعادة ضمها بالقوة، لن يعتبر ذلك غزواً بحسب القانون الدولي، بحسب ما تقوله الصين.
وكان بايدن قد كرر في أكثر من مناسبة أن بلاده ستدعم تايوان إذا ما قررت الصين استعمال القوة العسكرية لضمها. وتمثل هذه التصريحات تناقضاً مع سياسة "الغموض الاستراتيجي" التي تتبعها الإدارات الأمريكية على مدى عقود، إذ لا تفصح واشنطن صراحة عن رد فعلها فيما يتعلق بأي تحرك عسكري صيني تجاه تايوان.
لكن بايدن، وخلال زيارته لآسيا الأسبوع الماضي، تجاوز جميع الخطوط الحمراء بالنسبة للصين وأعلنها مدوية "نعم، سندافع عن تايوان عسكرياً إذا هاجمتها الصين!"، والأخطر ربما من تلك التصريحات هو سياقها. فالرئيس الأمريكي كان يقارن بين ما يصفه بالغزو الروسي لأوكرانيا، وما وصفه أيضاً بالغزو الصيني لتايوان، وهذا ما اعتبرته الصين "لعباً بالنار" واستفزازاً مضاعفاً.
من الصعب أن يحدث سوء فهم لتلك الإجابة الحاسمة من جو بايدن، والتي وصفتها بكين بأنها "لعب بالنار"، فهل تدخل أمريكا حرباً للدفاع عن تايوان فعلاً؟
هل تستعد الصين عسكرياً فعلاً؟
مقارنة بايدن بين تايوان وأوكرانيا تخلو، بحسب تحليل الشبكة الأمريكية، من كثير من المنطق، فتايوان ليست دولة مستقلة، بل تمثل جزءاً من الصين بموجب سياسة "الصين الواحدة" التي تطبقها إدارة بايدن نفسها، بينما أوكرانيا دولة اعترف العالم باستقلالها منذ عام 1991 بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
وهذا ما يطرح كثيراً من علامات الاستفهام بشأن ما يصفه مسؤولون في إدارة بايدن بأنها "زلة لسان" للرئيس، فعلى الرغم من مسارعة البيت الأبيض لنفي أي تغيير في السياسة الأمريكية تجاه تايوان، فإن محللين وخبراء يرون أن "الضرر" ربما يكون قد وقع بالفعل، بمعنى أن الصين قد تحسم أمرها وتقدم على ضم أو غزو تايوان بالقوة استغلالاً للظروف الحالية على الساحة الدولية.
قيادة المنطقة الشرقية لجيش التحرير الشعبي الصيني قالت في بيانها، الأربعاء، إن "دورية الاستعداد" القتالي نُفذت حول تايوان في الأيام الأخيرة، وكانت "إجراء ضرورياً ضد التواطؤ بين الولايات المتحدة وتايوان"، بحسب رويترز.
وأضافت القيادة "اتخذت الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة تحركات متكررة بشأن قضية تايوان، تقول شيئاً وتفعل شيئاً آخر، محرضة على دعم القوى المؤيدة لاستقلال تايوان، الأمر الذي سيدفع بتايوان إلى وضع خطير".
وذكرت أن تايوان جزء من الصين، وأن القوات الصينية تُواصل تعزيز التدريب العسكري والاستعدادات، بهدف "إحباط" تدخل القوى الخارجية، وأعمال أولئك الذين يدعمون استقلال تايوان.
لم يذكر البيان الصيني متى تم إجراء تلك التدريبات، لكن تايوان كانت قد أبلغت الإثنين، عن أكبر توغل للقوات الجوية الصينية، منذ يناير/كانون الثاني، في منطقة الدفاع الجوي التابعة لها. وقالت وزارة الدفاع في الجزيرة إنها أرسلت مقاتلات لتحذير 30 طائرة صينية بالابتعاد.
ذلك التوغل الذي تشير إليه تايوان كان الأخير في سلسلة من الطلعات الجوية الصينية، استمرت على مدى الأشهر من أكتوبر/تشرين الأول 2021 وحتى يناير/كانون الثاني الماضي، وشهدت تحليق مئات الطائرات العسكرية الصينية في منطقة الدفاع الجوي التابعة لتايوان، والتي تعتبرها تايبيه خط الإنذار المبكر لها للاستعداد لأي تحرك عسكري صيني، بينما وصف محللون تلك التحركات بأنها "اختبارات عملية صينية" هدفها تحديد "ساعة الصفر" لضم تايوان بالفعل.
سيناريوهات "غزو" صيني لتايوان
السيناريو الأول هو تحرك بحري من جانب الصين، حيث تمتلك بكين البحرية الأقوى والأكثر عدداً وعتاداً على مستوى العالم، بعد أن نجحت في انتزاع الأفضلية في البحار بالفعل من البحرية الأمريكية، خلال السنوات القليلة الماضية. وتمتلك الصين أكثر من 360 سفينة حربية، مقابل أقل من 300 سفينة تمتلكها البحرية الأمريكية، بحسب تقرير الشبكة الأمريكية.
وتمتلك الصين أسطولاً من السفن التجارية، بالإضافة إلى قوات حرس الحدود البحرية وميليشيات بحرية مرتبطة بها، تنكر الصين علاقتها بها، لكنها موجودة بالفعل بحسب تقارير غربية، وستساعد كل تلك الأدوات في نقل مئات الآلاف من الجنود والعتاد العسكري، عبر مضيق تايوان، البالغ طوله 177 كيلومتراً، ويفصل بين بر الصين الرئيسي وجزيرة تايوان.
لكن هذا السيناريو تواجهه صعوبات تتمثل في الصواريخ المضادة للسفن، وهي صواريخ منخفضة التكلفة، وتمتلك منها تايوان الآلاف، ويقارن محللون بين هذا الموقف وإغراق أوكرانيا للطراد الروسي موسكفا. "فكرة غزو بحري صيني لتايوان ستكون بمثابة مذبحة للبحرية الصينية"، بحسب ما قاله للشبكة الأمريكية فيليبس أوبرايان أستاذ الدراسات الاستراتيجية في جامعة سانت أندروز باسكتلندا.
أما السيناريو الثاني فهو سيناريو الهجوم الجوي، وتمتلك الصين أكثر من 1600 طائرة مقاتلة في أسطولها الجوي، مقابل نحو 300 طائرة فقط، بينما تمتلك الولايات المتحدة أكثر من 2700 طائرة مقاتلة في أسطولها الجوي.
والسيناريو الثالث هو الهجوم البري، ويُقدر الخبراء العسكريون الأمريكيون أن الصين ستكون بحاجة إلى نحو 1.3 مليون عسكري، للتغلب على القوات المدافعة عن تايوان، والبالغ عددها نحو 450 ألفاً، على أساس المبدأ العسكري القائل إن نسبة القوات المهاجمة بالنسبة للقوات المدافعة يجب ألا تقل عن 3 مقابل 1.
ويكاد يكون هناك إجماع بين الخبراء العسكريين على أن الصين لن تشن هجوماً واحداً دون الآخر، بمعنى أن الهجوم على تايوان عسكرياً سيجمع بين السيناريوهات الثلاثة، حيث سيبدأ سلاح الجو بمهاجمة دفاعات تايوان قبل أن تتحرك البحرية، ويتم الإنزال البري، ويبدأ الغزو الأرضي.
والنقطة الأخرى التي يبدو أن هناك إجماعاً عليها أيضاً هي أن التكلفة البشرية لغزو صيني لتايوان ستكون مرتفعة للغاية، سواء بين القوات العسكرية أو حتى بين المدنيين، على أساس أن العاصمة تايبيه ستكون هدفاً رئيسياً للقوات الصينية، وتبلغ الكثافة السكانية في تايبيه نحو 9.5 ألف نسمة لكل كيلومتر مربع، مقابل أقل من 2.7 ألف لكل كلم2 في مدينة ماريوبول الأوكرانية، التي سيطرت عليها القوات الروسية، على سبيل المقارنة.
هل تستطيع أمريكا "حماية" الجزيرة؟
يرى الخبراء العسكريون والمحللون الأمريكيون أنفسهم أن الجيش الأمريكي وحلفاءه في منطقة المحيط الهادئ، وبخاصة اليابان، قد يجدون مهمة الدفاع عن تايوان ومنع غزوها بالقوة من جانب الصين مهمة صعبة للغاية، إن لم تكن مستحيلة، وذلك لعدة أسباب، أهمها على الإطلاق أن جميع القدرات العسكرية الصينية موجودة بالفعل في أرض المعركة، بينما الأمر مختلف تماماً بالنسبة للأمريكيين.
استثمرت الصين "في تطوير وإنتاج الطائرات الحديثة والأسلحة الفتاكة بهدف محاربتنا"، بحسب ما قاله الجنرال كلينتون هينوتي، نائب رئيس أركان القوات الجوية الأمريكية للاستراتيجية والدمج والإمداد لمجلة سلاح الطيران، مضيفاً أن "المقاتلات الأمريكية سينهكها أيضاً طول المسافة"، حيث تتواجد القواعد الأمريكية في الفلبين مثلاً على بعد 800 كيلومتر من أرض المعركة المحتملة.
نعم يمتلك سلاح الجو الأمريكي عدد طائرات يقترب من ضعف ما يمتلكه سلاح الجو الصيني، لكن ما نسبة الطائرات التي يمكن للأمريكيين الدفع بها لحماية سماء تايوان، في مقابل الهجوم الصيني الجوي المحتمل؟ في أفضل الأحوال قد لا تتمكن ربع الطائرات الأمريكية العاملة من المشاركة الفعلية في المواجهات بسبب المسافة فقط.
كما أن امتلاك الصين ترسانة هائلة من الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى، يمثل أيضاً عقبة ضخمة أمام سلاح الجو الأمريكي، إضافة إلى امتلاك الصين صواريخ مضادة للسفن الحربية الضخمة، أي حاملة الطائرات، تسميها بكين بقاتلة حاملة الطائرات، وهو ما يمثل حاجز ضخم يحرم الأمريكيين من الاستفادة من درة التاج في بحريتهم وأساطيلهم.
ولا شك أن الصين تقوم بتحليل الهجوم الروسي على أوكرانيا، الذي تصفه موسكو بأنه عملية عسكرية خاصة، ويصفه الغرب بأنه غزو، للاستفادة من الأخطاء التي يبدو أن الروس قد ارتكبوها، وخصوصاً في عملية التمهيد النيراني المكثف قبل الهجوم البري، بحسب الخبراء العسكريين. كما أن بكين تقف الآن على رد فعل الغرب بقيادة الولايات المتحدة، ويمكنها أن تكون أكثر استعداداً له من روسيا.
لكن لا أحد يمكنه التكهن من الأساس برد الفعل الأمريكي، في حال قررت الصين إعادة تايوان إلى حظيرة البر الرئيسي بالقوة، ففي نهاية المطاف تايوان ليست دولة مستقلة، بل جزءاً من الصين، وهو ما تعترف به واشنطن ضمنياً في إطار سياسة "الصين الواحدة"، لكن يبدو أنه حتى في حالة قررت إدارة بايدن التدخل عسكرياً لحماية الجزيرة قد تتعرض للهزيمة، بحسب كثير من الخبراء العسكريين الغربيين أنفسهم.