بعد القرار الذي اتخذه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ووافق عليه البرلمان، بشأن التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية (2016-2017)، لا يوجد من بين المصريين من يُصدّق أن هاتين الجزيرتين لم تعودا مصريتين، فقد انتابت الجميع حالة من الاستغراب مع تجدد الجدل حول الجزيرتين، على خلفية مباحثات أمريكية إسرائيلية سعودية، بشأن وضع الجزيرتين، ضمن الحديث عن اتفاقية تطبيع بين الرياض وتل أبيب، برعاية ودعم من الرئيس الأمريكي جو بايدن.
ونشر موقع "أكسيوس" الأمريكي معلومات حول وساطة يلعبها على إنهاء بعض المسائل العالقة بشأن أوضاع جزيرتي تيران وصنافير بين السعودية وإسرائيل، حيث ترغب الأولى في إنهاء وجود القوات الدولية من الجزيرتين، مع التعهد بضمان أمن الثانية، التي تسعى بدورها للحصول على مصالح أوسع وترتيبات أمنية أعمق، يترتب عليها تحقيق مصالح أمنية وتجارية لها.
مع أن التدقيق في الأمر، ومراجعة الأطراف الحالية المنخرطة بصورة مباشرة في مناقشة وضع تيران وصنافير، يؤكد خروج مصر من المعادلة تماماً، فالرئيس الأمريكي يحاول التوسط بين السعودية وإسرائيل، ولم يأتِ أحد بذكر مصر، إلا باعتبارها "طرفاً سابقاً في العلاقة"، وهو الأمر الذي يجد سنده في الوثائق القانونية المصرية، التي تنازلت بمقتضاها عن الجزيرتين، وقد اتّخذ هذا الأمر عدة مسارات رسمية وشعبية منذ الكشف عن توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، التي ترتب عليها تنازل/ نقل/ بيع جزيرتي تيران وصنافير للسعودية.
كيف وصل الوضع القانوني إلى مرحلة غياب مصر تماماً من مباحثات بشأن هاتين الجزيرتين؟
عقب زيارة شهيرة للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده إلى القاهرة، مطلع صيف 2016، تم الكشف عن توقيع عدد من المعاهدات والاتفاقيات بين البلدين، كان من بينها ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، ولكن عرفت هذه الاتفاقية تحديداً بأنها "بيع/ تنازل لجزيرتي تيران وصنافير".
ولاقت هذه الاتفاقية معارضة شديدة شعبياً وقضائياً، حيث اندلعت المظاهرات في العاصمة المصرية "القاهرة"، بعد فترة طويلة من منع التظاهر وتجريمه، وقد تحدى الشباب قانون التظاهر ونظموا العديد من المظاهرات في الشوارع والميادين، ولقوا معاملة عنيفة وقاسية من الأجهزة الأمنية، التي فرّقت المتظاهرين وألقت القبض على عدد كبير منهم، إلا أن التشدد الأمني والقضائي تضاعف في الذكرى الثانية لتوقيع الاتفاقية، وتم الحرص على توقيع عقوبات مشددة على العديد من المشاركين في تلك التظاهرات، وصلت إلى خمس سنوات، وقد تم مؤخراً الإفراج عن آخر المحبوسين على ذمة هذه القضية (15 مايو/أيار 2022).
أما عن المسار القضائي فقد كان خيار المعارضة المصرية، بقيادة المحامي والمرشح الرئاسي السابق الأستاذ خالد علي، والذي تضامن معه عدد من المواطنين المصريين، سواء أكانوا محامين أو غيرهم، ولجأوا إلى محكمة القضاء الإداري، التي حكمت في جميع درجاتها ببطلان الاتفاقية.
إلا أن الحكومة المصرية اتّخذت عدة مسارات قضائية وبرلمانية، التفّت من خلالها على أحكام القضاء الإداري، واستطاعت أن تُلجئ الجميع إلى المحكمة الدستورية، التي أصدرت عدة أحكام، من بينها بطلان أحكام المحاكم المصرية الخاصة ببطلان الاتفاقية أو صلاحيتها، والحكم بأحقية الرئيس المصري في التوقيع على الاتفاقية، باعتبارها عملاً سياسياً، (2018)، في أثناء ذلك كانت الحكومة قد لجأت إلى المسار البرلماني الذي أيّد الموقف الحكومي، وخاض عدد من البرلمانيين المعارضين معركة حقيقية لرفض الاتفاقية، ولكن حازت الاتفاقية في النهاية موافقة أغلبية البرلمان، ووافق رئيس الجمهورية على قرار مجلس النواب.
وفقاً للقرار الذي نشرته الجريدة الرسمية المصرية، بتاريخ 17 أغسطس/آب 2017، فقد تمت الموافقة والتصديق على الاتفاقية، وإرفاق المستندات والخطابات بين مصر والسعودية وإسرائيل، والتي تُرتب الأمر على نحو واضح وصريح، وتؤكد أن هذه المسألة باتت بين السعودية وإسرائيل بصورة مطلقة، وأن مصر لم يعد لها أي وجود في هذه العلاقة تماماً.
السعودية تدير وتتسيّد مضيق تيران وجزيرتي تيران وصنافير:
رغم أن مجلس الوزراء المصري نشر تقريراً على موقع جريدة الأهرام المصرية، في يونيو/حزيران 2017، بخصوص الجزيرتين، أكد فيه على أنه تم الاتفاق بين مصر والسعودية بأن تكون إدارتهما لمصر والسيادة عليهما للسعودية (والملاحظ أن هذا التقرير لم يعد متاحاً على الموقع الإلكتروني للصحيفة)، إلا أن الجريدة الرسمية المصرية التي نشرت قرار رئيس الجمهورية بالموافقة على الاتفاقية، وما تضمنه من وثائق وخطابات، والواقع الراهن، يؤكدان الوضع القانوني للجزيرتين، والذي بات تحت هيمنة المملكة العربية السعودية، التي أقرت بالتزامها بالاتفاقيات المصرية الإسرائيلية في هذا الشأن.
الوثائق المصرية الرسمية تُثبت أن الجزيرتين والمضيق تحت الهيمنة السعودية الكاملة
من المستندات المرفقة بقرار رئيس الجمهورية بالموافقة على اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية، والمنشورة في الجريدة الرسمية، نجد خطاباً لولي العهد السعودي، وخطابات متبادلة بين وزير الخارجية المصري ونظيره الإسرائيلي، تكشف عن ترتيبات هذه المسألة، والمتمثلة فيما يلي:
أقرّ ولي العهد السعودي بتعهد بلاده بالتزامات خمسة في خطابه إلى رئيس مجلس الوزراء المصري، تزامناً مع توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، كان من أهمها "سيتم الاتفاق على ترتيبات بين المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية -فور توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية- تتضمن كافة الأحكام المتعلقة بمهمات القوات متعددة الجنسيات والمراقبين، في شأن الجزيرتين (تيران وصنافير)، بما يكفل تحقيق الهدف من وجودها، وسيعمل بتلك الترتيبات من تاريخ نفاذ الاتفاقية المشار إليها.
أعاد وزير الخارجية المصري توجيه خطاب ولي العهد السعودي إلى رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الإسرائيلي، في خطابين منفصلين، في شهرَي مايو/أيار وديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، بيّن فيهما اعتراف السعودية والتزامها بالترتيبات القائمة (سابقاً بين مصر وإسرائيل)، فيما يخص مضيق تيران وجزيرتي تيران وصنافير، وأن هناك اتفاقية أخرى بين مصر والسعودية (أرسل منها نسخة إلى إسرائيل)، تؤكد على وجود ترتيبات بين البلدين، بشأن مهام القوة متعددة الجنسيات والمراقبين في مضيق تيران وجزيرتي تيران وصنافير، تتعهد فيها المملكة العربية السعودية بتنفيذ جميع التزامات جمهورية مصر العربية، بما في ذلك المعاهدات والبروتوكولات والملاحق والترتيبات الأخرى، فيما يخص المضيق والجزيرتين وخليج العقبة، وأكد الوزير المصري في خطابه لنظيره الإسرائيلي، الذي تصادف أنه بنيامين نتنياهو، (الذي كان يشغل منصب وزير الخارجية إلى جانب منصبه رئيساً للوزراء في إسرائيل في ذلك الوقت) أن جمهورية مصر العربية لن تقبل بأي تعديل على الاتفاقية دون القبول الرسمي المسبق لحكومة إسرائيل.
وقد جاء الرد الإسرائيلي على الخطاب المصري بأنه في ضوء الرد المصري والسعودي، والالتزام بعدم إجراء أي تعديلات، فإن إسرائيل تعتبر أن هذه الوثائق لا تنتهك معاهدة السلام وملاحقها، وبروتوكول القوة متعددة الجنسيات، والمراقبين، وجميع التفاهمات ذات الصلة بين مصر وإسرائيل.
هكذا يتضح من الوثائق الرسمية المصرية، بما لا يدع مجالاً للشك، أن المضيق والجزيرتين باتت شأناً داخلياً سعودياً، وأنها ملتزمة بناء على اتفاقيات رسمية مع مصر وموافقة إسرائيلية، بوضع القوات متعددة الجنسيات والمراقبين في المضيق والجزيرتين، ولكن هذه القراءة تعيد فتح الموضوع، من جانب مَن الذي طالب بإعادة ترتيب أوضاع هذه المنطقة؟ هل هي الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل؟ أم أن المملكة العربية السعودية تريد أن تحقق مصالحها مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بإعادة ترتيب الأوضاع، بأكثر مما كان لإسرائيل، وقت أن كانت الجزيرتان والمضيق تحت السيادة المصرية؟
ورغم أن السعودية لم تتخذ موقفاً من المصريين الذين يقصدون الجزيرة، رفقة السياح، في عام توقيع الاتفاقية والأعوام التي تلته، بل قد صدر تقرير حكومي مصري، في يونيو/حزيران 2017، يؤكد أن زيارة المصريين للجزيرتين لا تحتاج إلى موافقة سعودية، مشيراً إلى أن "الاتفاقية تنهي فقط الجزء الخاص بالسيادة، ولا تنهي مبررات وضرورات حماية مصر لهذه المنطقة لدواعي الأمن القومي المصري السعودي في الوقت ذاته"، وأن "الجانب السعودي تفهّم ضرورة بقاء الإدارة المصرية لحماية الجزر، وحماية مدخل الخليج، وأقر في الاتفاقية ببقاء الدور المصري؛ إيماناً بدور مصر الحيوي في تأمين الملاحة في خليج العقبة، وهذه الأسباب كانت وما زالت وستستمر في المستقبل"، إلا أننا نعتقد أن هذا التقرير كان ابن وقته، وكان ضرورة لتهدئة الرأي العام، خصوصاً أن موقع صحيفة الأهرام، الذي نشر التقرير في ذلك الوقت لم يعد يتيحه الآن، وقام بحذفه من موقعه، وأن التقرير كان بغرض تهدئة الرأي العام، فالوثائق الرسمية لا تتضمن مثل هذه الأمور، وهي قاطعة في أن السعودية باتت هي المسؤول، والملتزمة بشؤون الجزيرتين والمضيق، إضافة إلى أن هناك تقارير صحفية تتحدث عن قيام القوات السعودية بطرد الصيادين المصريين، وتحذيرهم من الاقتراب من الجزيرتين.
ما قصة الجزيرتين؟
وتبعد جزيرتا تيران وصنافير عن بعضهما بمسافة نحو أربعة كيلومترات في مياه البحر الأحمر، وتتحكم الجزيرتان في مدخل خليج العقبة، وميناءي العقبة في الأردن، وإيلات في إسرائيل؛ حيث تقع جزيرة تيران عند مدخل خليج العقبة، على امتدادٍ يتسم بأهمية استراتيجية يطلق عليه "مضيق تيران"، وهو طريق إسرائيل لدخول البحر الأحمر، في حين تعتبر جزيرة تيران أقرب الجزيرتين إلى الساحل المصري، إذ تقع على بُعد 6 كيلومترات عن منتجع شرم الشيخ المطل على البحر الأحمر.
وتتمركز القوات المصرية في الجزيرتين منذ عام 1950. وكانتا من بين القواعد العسكرية الاستراتيجية لمصر في فترة "العدوان الثلاثي" عام 1956، واستولت إسرائيل عليهما في ذلك الوقت، كما سيطرت إسرائيل على الجزيرتين مرة أخرى في حرب 1967، لكنها أعادتهما إلى مصر بعد توقيع البلدين اتفاقية سلام في عام 1979.
وتنص بنود اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية على أنه لا يمكن لمصر وضع قوات عسكرية على الجزيرتين، وأن تلتزم بضمان حرية الملاحة في الممر البحري الضيق، الذي يفصل بين جزيرة تيران والساحل المصري في سيناء.
والجزيرتان غير مأهولتين بالسكان، باستثناء وجود قواتٍ تابعةٍ للجيش المصري، وقوات حفظ السلام متعددة الجنسيات منذ عام 1982، وأعلنت السلطات المصرية الجزيرتين محميّتين طبيعيتين، بعد أن أعادتها إسرائيل إلى مصر. وباتت الجزيرتان مقصداً للسياح الذين يمارسون رياضة الغوص في البحر الأحمر.