تقدمت السويد بطلب الانضمام لحلف الناتو رسمياً، فهل يعني ذلك أن القرار عليه إجماع في داخل البلاد، أم أن هناك معارضين للتخلّي عن الحياد التاريخي للبلاد؟ وما مبررات المعارضين؟
السويد، ومعها وفنلندا أيضاً، من الدول الإسكندنافية التي تقع في شمال أوروبا، وكلتاهما لم تكن يوماً عضواً في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والتزمتا الحياد خلال عقود الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة الأمريكية، لكن حالة الحياد التاريخي تلك باتت في طريقها للانتهاء.
إذ أعلنت السويد وفنلندا عن قرارهما التقدم بطلب الانضمام لحلف الناتو بعد الحصول على "تطمينات" أمريكية بتوفير الحماية لهما ضد أي تحرك من جانب روسيا، ولا يعني هذا فقط أن الدولتين قررتا التخلي عن حالة الحياد، لكنه يعني أيضاً أن الحرب في أوكرانيا قد تتحول إلى مواجهة عسكرية بين الناتو وروسيا، وهي المواجهة التي قد تتحول إلى حرب نووية.
المعارضة لانضمام السويد وفنلندا ليست خارجية فقط
كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أعلن رفض بلاده انضمام السويد وفنلندا للناتو، مستشهداً بشكل أساسي بتاريخهما في استضافة أعضاء جماعات تعتبرها أنقرة إرهابية.
لكن تقريراً للإذاعة الألمانية دويتش فيلة كشف عن أن المعارضة لانضمام السويد للناتو ليست قاصرة فقط على الأتراك، بل إن سويديين يرفضون تخلي بلادهم عن الحياد ويعبرون عن ذلك بالخروج في مظاهرات حاشدة.
ورغم أن غالبية الشباب في السويد يؤيد انضمام بلادهم إلى الناتو، إلا أن بعضهم يرفض فكرة الانضمام وخرجوا إلى الشوارع في احتجاجات، محذرين من أن قرار الانضمام جاء متسرعاً وإنه يتعين الحفاظ على حياد السويد، بحسب التقرير.
كانت رئيسة وزراء السويد ماغدالينا أندرسون قد عبرت عن رفضها إجراء استفتاء شعبي لاستطلاع رأي مواطنيها في مسألة الانضمام للناتو، واكتفت بالدعم من الأغلبية البرلمانية، بحسب تقرير لرويترز.
وتوجهت أندرسون بالفعل إلى البرلمان يوم الاثنين 16 مايو/أيار؛ حيث حصلت على تأييد واسع لتقديم طلب الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وذلك بعدما تخلى حزبها عن معارضته طويلة الأمد للعضوية في أعقاب الهجوم الروسي على أوكرانيا، الذي تصفه موسكو بأنه عملية عسكرية خاصة، بينما يصفه الغرب بأنه غزو.
وبعد الحصول على تأييد البرلمان لطلب الانضمام لحلف شمال الأطلسي، تقدمت السويد وفنلندا أيضاً بطلب للحصول على عضوية الحلف العسكري الغربي بشكل رسمي.
وترى ماغدالينا أندرسون أن الانضمام إلى الناتو سيكون "أفضل خطوة لتعزيز أمن السويد والشعب السويدي"، وتقدمت بالفعل بالطلب لإتمام هذه الخطوة، التي ستنهي، إن تمت بنجاح، حقبة تمتد لقرابة مائتي عام من الحياد العسكري للسويد، وهي سياسة أمنية تعود إلى القرن التاسع عشر.
وقوبلت فكرة الانضمام إلى الحلف العسكري الغربي بقبول غالبية الشعب السويدي، خاصة مع استمرار الحرب الدائرة في أوكرانيا، إلا أن العديد من الشباب لا يزال متردداً؛ حيث خرج البعض منهم إلى شوارع العاصمة ستوكهولم الأسبوع الماضي، رافضين الانضمام إلى الناتو، مشددين على ضرورة الحفاظ على حياد بلادهم، بحسب تقرير دويتش فيلة.
الحياد جزء من هوية السويد
آفا رودبيرج، البالغة من العمر 22 عاماً وترأس "حزب اليسار الصغير" في السويد الذي انضم إلى الاحتجاجات، قالت للإذاعة الألمانية إن انضمام السويد إلى الحلف العسكري الغربي "سيؤدي إلى إراقة المزيد من الدماء لأن الناتو منظمة حربية وليس منظمة تعمل من أجل السلام. الناتو يعد تحالفاً عسكرياً يخلق المزيد من الحروب. ونحن حريصون على الحفاظ على السلام في السويد".
أما ليندا أكيرستروم- العضو في جمعية السلام والتحكيم السويدية- فشددت على أن الكثير من الشعب السويدي تنتابه حالة غضب لأن حياد البلاد العسكري يعد جزءاً من هوية السويد.
وأضافت في حوار مع دويتش فيلة: "يرى الكثيرون أن هذا القرار يعد تغييراً كبيراً لأنه على مدار الأعوام، كان العديد من السويديين ينظرون إلى أنفسهم باعتبارهم أصوات سلام. لكن في الوقت الحالي، يعتقد الكثير أن قرار الانضمام إلى الناتو جاء متسرعاً بسبب حالة الخوف".
وتوضح أكيرستوم بالقول: "جرى اتخاذ هذا القرار وسط أجواء متوترة وبسبب الخوف، وندرك جميعاً أن الوضع الحالي لا يوفر المناخ المناسب لاتخاذ قرارات جيدة، فضلاً عن عدم إجراء حوار كافٍ بين الجانبين (السويد والناتو) ليكون القرار شرعياً".
وبعيداً عن صخب العاصمة والمدن الكبرى في السويد، وصل صدى حالة الجدل بشأن الانضمام للناتو إلى مجتمعات السكان الأصليين؛ إذ ترى سارة أندرسون أجناك، الفنانة الشابة من قومية سامي، أن قرار الانضمام يمكن أن يؤثر على حقوق سكان السويد الأصليين.
وفي مقابلة مع دويتش فيلة، قالت: "أشعر أنه من الصعب بالنسبة للسويد الانضمام إلى الناتو خاصة بالنسبة للسكان الأصليين الذين يعيشون في شمال البلاد؛ إذ يمكن أن ينظر الناتو إلى هذه المنطقة باعتبارها منطقة عسكرية ضخمة لإجراء تدريبات عسكرية".
الشابة إيدا جانسون، من جانبها، تؤكد أن العديد من الشباب في السويد حريصون على إجراء المزيد من المناقشات لفهم ماذا يعني انضمام بلادهم إلى الناتو، وكيف ستتأثر هوية البلاد العسكرية الجديدة رغم اتخاذ قرار الانضمام من الناتو من قبل الحكومة.
"أتفهم من الناحية العملية الدافع وراء حاجتنا إلى الانضمام إلى الناتو في ظل الظروف الحالية، لكن دروس التاريخ تشير إلى أن الأمن الجماعي نادراً ما يوقف النزاعات. وكان يجب أن يكون ذلك جزءاً من نقاش يُجرى على المستوى الوطني قبل الانضمام إلى الناتو لفهم التزامات ومزايا هذا الأمر"، بحسب ما قالته جونسون لدويتش فيلة.
تاريخ الحياد في السويد
يرجع تاريخ حالة الحياد في السويد إلى عهد الملك كارل الرابع عشر يوهان، رغم ذلك، سمحت السويد للقوات الألمانية بالمرور عبر أراضيها خلال الحرب العالمية الثانية، لكنها استمرت في الحفاظ على حيادها، فيما لعبت دوراً في أفغانستان من خلال نشر قوات كجزء من المهمة التي قادها الناتو وانتهت في مايو/أيار العام الماضي.
في هذا السياق، قالت ألينا إنغستروم، محللة السياسات الأمنية في الوكالة السويدية لأبحاث الدفاع، إن السويد منذ تسعينيات القرن الماضي زادت من تعاونها المشترك مع الناتو.
وتضيف المحللة السياسية الأمنية، في حوار لموقع الإذاعة الألمانية، أن هذا الدور السويدي في أفغانستان تحت لواء الناتو كان يعني أن البلاد ملتزمة بمعايير الناتو، مضيفة/ "يمثل الإعلان عن الانضمام إلى الحلف في الوقت الحالي خطوة صغيرة على المستويين العسكري والعملياتي".
وفيما يتعلق بإيجابيات الانضمام إلى الناتو، قالت إنغستروم إن "إيجابيات التخلي عن الحياد العسكري تعني أن السويد قد تكون الآن جزءاً من التخطيط الدفاعي لحلف الناتو وسوف تتمتع بضمانات أمنية".
لكنها ترى في الوقت نفسه سلبيات لهذه الخطوة، مشيرة بالقول: "سلبيات الانضمام إلى الحلف تتمثل في أن السويد سيتعين عليها أن تبدي مرونة أكبر لصالح تعديل سياستها الأمنية ما يعني خسارة مساحة للمناورة في السياسات الخارجية والأمنية".
ليزا نابو، البالغة من العمر 27 عاماً ورئيسة رابطة الشباب في الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم في البلاد، من جانبها، حذرت من أن التخلي عن الحياد بشكل رسمي لا يزال يزعج العديد من الشباب السويديين.
وفي حوار أجرته معها الإذاعة الألمانية، قالت نابو: "نحن في العشرينات من العمر، ولم نرَ أي حرب في أوروبا؛ لذا فإن هذا الوضع الراهن (الحرب في أوكرانيا) الذي نعاصره بأعيننا غير مألوف بالنسبة لنا، كذلك فإن تاريخ السويد لا يشابه تاريخ الحروب التي عصفت بدول مجاورة إبان الحرب العالمية الثانية أو الحرب في يوغوسلافيا (السابقة)".
وأوضحت قائلة: "الكثير منا بدأ وُلد ونشأ على أن سياسة بلادنا الحياد وإننا كيان سلمي يكافح لوقف الحروب؛ لذا من الصعب تقبل ذلك مع انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي. لكننا بالطبع نحترم قرار حزبنا وهو قرار ديمقراطي وخرج بالإجماع".
ماذا عن وجهة نظر الداعمين للقرار؟
لكن المظاهرات وغيرها من أشكال رفض قرار الانضمام إلى حلف النانو لا يعني أن الحكومة السويدية تقدمت بالطلب عكس رغبة الشعب؛ إذ إن غالبية الشباب في السويد ترى أن قرار الانضمام يعد صائباً وسط الحرب الدائرة في أوكرانيا، بحسب تقرير دويتش فيلة.
مارتن أبيرغ، أحد هؤلاء الداعمين للقرار، قال: "أنا سعيد بإعلان الحكومة. بعد انضمام فنلندا، فسيكون من الغريب أن تظل السويد الدولة الاسكندنافية الوحيدة التي لم تنضم إلى الحلف، وقد ترى روسيا أن خيار غزو جزيرة غوتلاند الأكبر في السويد يعد جيداً." وأضاف: "علينا إدراك ماذا حل بأوكرانيا بسبب عدم انضمامها إلى الناتو".
وتتفق في هذا الرأي لين سودرلوندز، وهي مستشارة سياسية في بروكسل، مشيرة إلى "أن انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو يحصّن الآن منطقة البلطيق ضد التهديدات الروسية." وفي مقابلة مع دويتش فيلة، أضافت المستشارة السياسية: "الانضمام في ظل هذا التوقيت الأمني الراهن يعد القرار الصائب. كان يتعين علينا الانضمام إلى الناتو عام 2014 عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم".