سبب غريب جداً كان وراء اعتراض كرواتيا على انضمام فنلندا والسويد إلى حلف الناتو، ولم تكن له علاقة لا بالدولتين الإسكندنافيتين، ولا بالناتو، بل بسعي كرواتيا للتدخل في شئون البوسنة وصولاً لاحتمال تفكيكها في ظل صعود موجة تطرف وعداء للإسلام في دول أوروبا الوسطى والبلقان (أوروبا الشرقية).
إذ يتآمر عدد من دول أوروبا الوسطى والبلقان علناً على جمهورية البوسنة والهرسك ذات الغالبية المسلمة بقيادة كرواتيا، بينما يقف الاتحاد الأوروبي متخاذلاً إن لم يكن متواطئاً، لا يعرف ماذا يفعل.
ولكي تنضم دولة ما إلى الحلف، هناك حاجة إلى توافق بين أعضاء الناتو البالغ عددهم 30 عضواً، ويمكن لأي منهم استخدام حق النقض (الفيتو) ضد المرشحين الجدد.
وبينما ظن الكثيرون أن الأزمة الروسية الأوكرانية سوف تؤدي إلى توحيد أوروبا، فإن الواقع فإن كرواتيا تحاول استغلال لتعزيز مصالح الكروات على حساب وحدة البوسنة.
فومؤخراً، أعلن الرئيس الكرواتي، زوران ميلانوفيتش، انضمامه إلى الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، في معارضة محاولة دولتي الشمال الأوروبي الانضمام إلى الحلف، وبينما اعتراض أردوغان سببه خلافات مع فنلندا والسويد، لاسيما الأخيرة بسبب دعمها للمسلحين الأكراد الذين تصنفهم تركيا وأغلب الدول الغربية كإرهابيين، وحظر السويد لتصدير السلاح لتركيا، فإن كرواتيا لا تريد مكسباً له علاقة بالدولتين أو أزمة أوكرانيا.
بل إنها تريد تمرير قانون، من شأنه تعزيز نفوذها في البوسنة، ويهدد بتفكيكها، عن طريق جعل كل أعضاء البرلمان والمجلس الرئاسي ممثلين لطوائفهم وليس مجمل المواطنين.
وعند مناقشة موقفه، أشار ميلانوفيتش إلى أنه لن يدعم عرض البلدين حتى يتم تعديل قانون الانتخابات في البوسنة والهرسك، وقال ميلانوفيتش: "هذا ليس عملاً ضد فنلندا والسويد، لكنه من أجل كرواتيا".
واتفاق دايتون للسلام كان قد أنهى الحرب الأهلية التي اندلعت مع تفكك جمهورية يوغسلافيا السابقة وإعلان كرواتيا والبوسنة الاستقلال عنها، والتي أدت إلى سقوط قرابة مئة ألف قتيل (80% منهم مسلمون)، وتهجير ملايين آخرين، بينما أسس الاتفاق لإقامة جمهورية بوسنية اتحادية تتكوّن من جمهوريتين: واحدة مسلمة كرواتية وأخرى صربية، تتمتعان بالحكم الذاتي الموسع ضمن اتحاد فيدرالي يقوده مجلس رئاسي ثلاثي يضم ممثلين للفئات الثلاث المسلمة والكرواتية والصربية.
ما الذي يحدث في أوروبا الوسطى والبلقان؟
المؤامرة التي تدور ضد البوسنة، جزء من عملية صعود واسعة لليمين المتطرف المعادي للمسلمين والمهاجرين وضد الليبرالية في دول الكتلة الشرقية التي كانت تابعة للاتحاد السوفييتي، وانضمت إلى الاتحاد الأوروبي، وتكره هذه الدول دوماً أن تصف نفسها بدول أوروبا الشرقية، وتفضل مصطلح أوروبا الوسطى (مفهوم يشمل ألمانيا والنمسا) ومصطلح جنوب غربي أوروبا لمنطقة البلقان.
وبعدما كان يُتوقع أن يؤدي انضمام دول أوروبا الوسطى والبلقان (أوروبا الشرقية) للاتحاد الأوروبي إلى أن تصبح أكثر ليبرالية وتسامحاً، إلا أن ما حدث كان العكس تماماً، حيث انفجرت موجة من اليمينية والقومية المتشددة المعادية للهجرة وأحياناً للإسلام، والموالية لروسيا في بعض المناطق.
يقول حمزة كارسيتش أستاذ مشارك في كلية العلوم السياسية بجامعة سراييفو، في مقال له بمجلة Foreign Policy الأمريكية: "عندما كنت أدرس للحصول على درجة الماجستير في 2005-2006 بجامعة أوروبا الوسطى في عاصمة المجر، بودابست، أتذكر مفهوماً واحداً بارزاً: التحول الأوروبي
(أوربة). كان هذا بعد عام من توسع الاتحاد الأوروبي ليشمل 10 أعضاء جدد، تحديداً في وسط وشرق أوروبا. ومثّل ذلك الانفجار العظيم لتوسع الاتحاد الأوروبي، وساد الكثير من التفاؤل في ذلك الوقت بشأن الاتحاد الأوروبي وإمكاناته المتزايدة في أوروبا وخارجها".
ما كانت تعنيه "الأوربة" جوهرياً هو أنَّ عملية التكامل الأوروبي ستغير مجتمعات وسياسات البلدان التي سعت إلى الانضمام إلى الاتحاد، وكذلك تؤدي إلى مجتمعات أكثر انفتاحاً وليبرالية وديمقراطية. وكانت الفكرة أنَّ المرشحين لعضوية الاتحاد الأوروبي سوف يسعون جاهدين لتبني معايير الاتحاد وقِيمه؛ مثل الحريات الفردية، والديمقراطية التمثيلية، والمساواة، وسيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان، وغياب التمييز من أي نوع.
لماذا أيد البوسنيون انضمام كرواتيا للاتحاد الأوروبي؟
لم تكن الأوربة مجرد فكرة؛ بل صارت شعاراً، عندما انضمت كرواتيا إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2013.
يقول حمزة كارسيتش: "أتذكر بوضوح، كيف كان السياسيون والمحللون والأكاديميون في بلدي الأم البوسنة والهرسك يدافعون عن التحول الأوروبي، وكيف أن تقدم دول الجوار سيكون مفيداً لبلدنا أيضاً. قلة في ذلك الوقت تساءلوا عن الدرجة التي يكون فيها للأوربة تأثير حقيقي وما إذا كانت عملية التحول هذه لا رجوع فيها.
بداية تحول أوروبا الوسطى للتطرف
لكن في الواقع، سرعان ما أثبتت عملية التحول الأوروبي أنها قابلة للانعكاس. عندما ضربت أزمة الهجرة في أوروبا عام 2015، برزت التحيزات القديمة على الجبهة. وتحولت دول أوروبا الوسطى الأربع التي تشكل مجموعة "فيسغراد" -جمهورية التشيك وسلوفاكيا وبولندا والمجر- إلى سياسات غير ليبرالية. وانتشرت المشاعر المعادية للمهاجرين في البلدان التي كانت مجرد طرق عبور للمهاجرين الباحثين عن مستقبل أكثر إشراقاً في أوروبا الغربية.
جرّأت أزمة المهاجرين القوى القومية، وطفت إلى السطح مخاوف كراهية الأجانب بطرق فاجأت كثيرين. بدأ السياسيون في بلدان مجموعة فيسغراد، التي يوجد بها سكان مسلمون مُهمّشون، في التعبير عن تصريحات معادية للإسلام وترديدها أكثر. وأدى وصول المهاجرين، أثناء العبور إلى غرب أوروبا، إلى ادعاء البعض أنهم كانوا على رأس حماية الهوية الثقافية لأوروبا. كانت هناك أيضاً عودة داخلية لسياسات أكثر تحفظاً.
ديمقراطية غير ليبرالية
ما كان آخذاً في التشكل بأوروبا الوسطى أصبح مثالاً نموذجياً لما كتبه الصحفي الأمريكي فريد زكريا في عام 1997، عندما شاع مصطلح "الديمقراطيات غير الليبرالية" لوصف الاتجاه المتصاعد في السياسة الدولية. وسرعان ما صار رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، المثال الحي للديمقراطيات غير الليبرالية، وهو يرمز إلى كل الرذائل التي كان من المفترض أن تمحوها الأوربة.
وفي الواقع، وبعد عقد واحد فقط من انضمام دولته إلى الاتحاد الأوروبي، كان أوربان قد أثبت نفسه باعتباره مخرباً لعملية التحول الأوروبي التي كثيراً ما رُوِجها.
وأظهرت مجموعة فيسغراد، وعلى رأسها المجر، أنَّ الثقافة السياسية لم تتحول إلى الثقافة الأكثر ليبرالية والأقل قومية التي تنبأ بها التحول الأوروبي.
إضافة إلى ذلك، فشلت دول أوروبا الوسطى في الالتزام بقرارات الاتحاد الأوروبي بمجرد انضمامها إلى التكتل. فإلى جانب جمهورية التشيك وبولندا، تبيَّن أنَّ المجر انتهكت قانون الاتحاد الأوروبي عندما رفضت قبول حصتها من طالبي اللجوء في ذروة أزمة المهاجرين.
التطرف ينتقل للبلقان، تصريحات صادمة للرئيس الكرواتي عن البوسنة
إنَّ انقلاب التحول الأوروبي ليس واضحاً فقط في أوروبا الوسطى.
بل هناك أيضاً الرئيس الكرواتي زوران ميلانوفيتش. فقد انضمت كرواتيا إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2013 فيما كان آنذاك إنجازاً رئيسياً للسياسة الخارجية للبلاد وما كان يُفترض على نطاق واسع أنه نعمة للدول اليوغوسلافية الخلف الأخرى.
كان كثيرون في المنطقة يأملون ألا يؤدي انضمام كرواتيا، إلى تغيير البلد فحسب، بل سيؤدي أيضاً إلى امتداد تأثير التحول إلى أوروبا. ربما لم يكن هذا الأمل أكبر في أي مكان مما كان عليه في البوسنة والهرسك.
ومع ذلك، اليوم، وبعد ما يقرب من عقد من الانضمام، يتنافس زعيم كرواتيا على لقب الزعيم الأكثر إثارة للجدل في البلقان؛ مما يتسبب في فضائح وتوتر بالمنطقة شبه يومية. وأشار إلى البوسنة على أنها "هراء كبير"، واستهان بالإبادة الجماعية في سريبرينيتشا، وفي عبارات عنصرية، ذكر أنَّ البوسنة لكي تصبح "دولة مدنية؛ تحتاج إلى الصابون الأول ثم العطر".
لماذا سيؤدي هذا القانون إلى تفكيك البوسنة؟
يمثل المسلمون أغلبية السكان في البوسنة (أكثر من النصف بقليل)، وأغلبية كبيرة في الكيان المسلم الكرواتي، بينما يمثل الكروات نحو 15% من سكان البلاد.
ومنذ أشهر مضت حتى الآن، يركز ميلانوفيتش بشدة على التدخل في السياسة الداخلية للبوسنة. ويمارس، في الأساس، ضغوطاً على السياسيين البوسنيين لإجراء تغييرات في قانون الانتخابات.
يدور الخلاف حول جزء من التشريع الانتخابي وإصرار الزعيم الكرواتي للبوسنة دراغان كوفيتش على نموذج يمنح حزبه (ونفسه) مقعداً مضموناً في المجلس الرئاسي الثلاثي للبلاد.
تريد الأحزاب الكرواتية المتطرفة أن تختار كل طائفة، ممثليها في الرئاسة ومجلس الشيوخ، وهي خطوة عارضها بشدةٍ حزب البوشناق الحاكم في الاتحاد.
كما انتقد الرئيس الكرواتي الحالي للبوسنة زيليكو كومسيتش، المدعوم فعلياً من قبل الناخبين البوسنيين، الفكرة، واصفاً إياها بأنها "قانون انتخابي يقوم على الفصل العنصري".
وسوف يؤدي هذا النظام فعلياً إلى مزيد من التطرف في البلاد، لأن كل ممثل سيحاول المزايدة وإظهار الولاء لطائفته وإشعال الكراهية ضد الطوائف الأخرى.
وحجة المتطرفين الكروات الرئيسية القائلة بأن الكروات البوسنيين يتعرضون للتمييز وقلة التمثيل لا أساس لها من الصحة، حسب موقع TRT التركي، في الواقع، إذ يتمتع حزب كوفيتش بنفوذ غير متناسب في سياسة البوسنة.
ويتفق معظم المحللين على أنَّ نموذج الإصلاح الذي دفعت به زغرب بدعم من زعيم كروات البوسنة المتشدد، دراغان كوفيتش، لن يؤدي إلا إلى تعزيز الانقسام العرقي في الدولة المنقسمة بشدة بالفعل، وأن التغييرات الانتخابية التي دعا إليها كوفيتش ستزيد من ترسيخ الانقسام العرقي وتضع أسس جمهورية صرب البوسنة الكرواتية.
خمس دول أوروبية تريد تمرير قانون تفكيك البوسنة
وكانت خمس دول أوروبية هي كرواتيا وسلوفينيا والمجر وبلغاريا وقبرص، قد وقعت وثيقة تم تقديمها في 22 مارس/آذار 2021، إلى الاتحاد الأوروبي عبر وزير الخارجية الكرواتي غرليش رمدمان. وتهدف هذه الوثيقة في ظاهرها إلى مساعدة البوسنة والهرسك على الانضمام للاتحاد الأوروبي، تتضمن دعم الحزب الديمقراطي الكرواتي الحاكم لجهود حزبه الشقيق، حزب الاتحاد الديمقراطي الكرواتي البوسني، لتغيير قانون الانتخابات في البوسنة والهرسك بحيث يصبح بالإمكان السيطرة والتأثير بشكل مستمر على صنع القرار في البلاد من جانب كرواتيا.
وهذه الخطوة قد تفتح الطريق أمام كيان ثالث، وفي نهاية المطاف الدفع بالبلاد إلى الارتباط كلياً بكرواتيا، حسبما ورد في تقرير لموقع دويتشه فيليه الألماني.
وقبل ذلك بفترة قصيرة، أكد العضو الكرواتي بهيئة الرئاسة في البوسنة والهرسك، زيليكو كومشيتش، أن الرئيس السلوفيني بوروت باهور، وخلال زيارته للعاصمة البوسنية سراييفو في 5 مارس/آذار 2021، سأل أعضاء الرئاسة في البوسنة والهرسك عما إذا كان من الممكن تحقيق "تفكيك سلمي" للبوسنة والهرسك.
وهو ما رفضه كومشيتش، والعضو البوسني بالرئاسة شفيق دافروفيتش، في حين أعرب ميلوراد دوديك، العضو الصربي بمجلس الرئاسة، عن إمكانية حدوث ذلك، وفقاً أفاد به كومشيتش.
وصرب البوسنة يريدون تأسيس جيشهم الخاص
كما أن صرب البوسنة يثيرون أزمات بدورهم تهدد بتفكيك البلاد، حتى إن زعيمهم ميلوراد دوديك يقول إن تأسيس البوسنة كان خطأً، كما رفض صرب البوسنة قانوناً يجرّم إنكار جرائم الحرب التي تم ارتكابها بالجمهورية في تسعينيات القرن الماضي، ثم تصريحات رئيس جمهورية صرب البوسنة وممثلها في المجلس الرئاسي الاتحادي الثلاثي ميلوراد دوديك، أوائل نوفمبر/تشرين الثاني 2021، عن نيته إنشاء جيش خاص بالجمهورية الصربية التي تتمتع بحكم ذاتي موسع، كما صوّت البرلمان التابع لصرب البوسنة في ديسمبر/كانون الأول 2021، ولكن دون أغلبية كبيرة، لصالح الانسحاب من المؤسسات الفيدرالية المركزية الثلاث: الجيش والقضاء والجهاز الضريبي، خلال الأشهر الستة القادمة، ما يعني في حال حدوثه، الانفصال رسمياً عن الجمهورية البوسنية.
اللافت أن تاريخ الحرب الأهلية في البوسنة يكرر نفسه مجدداً، فلقد بدأت حرب البوسنة إثر محاولة الصرب منع كرواتيا من الانفصال عن يوغسلافيا، وسرعان ما سعى البوسنيون للاستقلال، متحالفين مع كراوت البوسنة ضد الصرب، ولكن الكروات انقلبوا خلال مراحل متعددة في الحرب على حلفائهم المسلمين وشاركوا في قتلهم مع الصرب.
والآن تتحالف كرواتيا مع الصرب مجدداً ضد المسلمين كما يبدو، حيث قال الرئيس الكرواتي زوران ميلانوفيتش، إن الزعيم السياسي القوي لصرب البوسنة ميلوراد دوديك هو شريك الكروات في الجهود المثيرة للجدل لتغيير النظام الانتخابي في البوسنة والهرسك.
البوسنة تتهم الاتحاد الأوروبي بالافتقار للحياد
وكردٍّ على الوثيقة الكرواتية قام العضو الكرواتي بهيئة الرئاسة في البوسنة والهرسك، زيليكو كومشيتش، بإرسال وثيقة أخرى إلى بروكسل في 2 أبريل/نيسان 2021، انتقد فيها ما سماه السياسة غير الواضحة للاتحاد الأوروبي، والتي تأثرت بشدة بكرواتيا وحكم الاتحاد الديمقراطي الكرواتي هناك، فضلاً عن "الافتقار إلى الحياد من جانب وفد الاتحاد الأوروبي في البوسنة والهرسك".
وأشار كومشيتش في تلك الوثيقة، من بين أمور أخرى، إلى تدخل صربيا وكرواتيا في الشؤون الداخلية للبوسنة والهرسك، فضلاً عن ضغوط روسيا بسبب تطلعات البوسنة والهرسك إلى الناتو.
تستخدم زغرب عضويتها في الاتحاد الأوروبي لتأطير المصالح الكرواتية في البوسنة على أنها تمثل القيم والمعايير الأوروبية، ويبدو أن هذا الضغط قد أتى بثماره، فقد حرص المسؤولون الدوليون في البوسنة، ومن ضمنهم ممثلو بعثة الاتحاد الأوروبي، على إعطاء الأولوية لإصلاح الانتخابات.
لكن عندما بدأت روسيا عمليتها العسكرية ضد أوكرانيا، وقع الزعيم الكرواتي للبوسنة دراغان كوفيتش في مأزق. ورفض إدانة الهجوم ورفض مبادرة برلمانية من شأنها أن تجعل البوسنة تفرض عقوبات على موسكو بالتوافق مع الاتحاد الأوروبي.
بينما حاول حزبه تقديم نفسه لفترة من الوقت على أنه شخص يروج القيم الأوروبية، أكدت الحرب في أوكرانيا أن كوفيتش سياسي موالٍ لروسيا.
كرواتيا استغلت عضويتها في الاتحاد الأوروبي لابتزاز البوسنة
اللافت أن هذه السياسات الكرواتية الفجة في تدخلها بالشؤون الداخلية للبوسنة، أصبحت الآن أوضح مما كان عليه الحال قبل انضمام كرواتيا إلى الاتحاد الأوروبي.
بعبارة أخرى، فشل انضمام كرواتيا إلى الاتحاد الأوروبي في إحداث مزيد من العلاقات المثمرة مع جارتها، أو في جعل البلاد أقل تطرفاً من الناحيتين القومية والدينية.
على نطاق أوسع، يبدو أن دول أوروبا الوسطى والبلقان (أوروبا الشرقية) تنصاع لسياسات الاتحاد الأوروبي وقِيمه إلى أن تنضم للاتحاد ويصبح صوتها قادراً على وقف قراراته عبر الفيتو، فتبدأ للتو التخلي عن هذه القيم، والتمرد على الاتحاد الأوروبي، بل دفعه نحو التطرف.
وصربيا هي حالة أخرى فشلت فيها وعود التحول الأوروبي. فمع تقدم البلاد على جبهة الاتحاد الأوروبي، كان هناك تحول موازٍ إلى الاستبداد.
يقول حمزة كارسيتش إنه على الرغم من أنَّ الأوربة كانت أملاً لدول الكتلة الشيوعية السابقة قبل عقد ونصف، فقد تبين أنها شعار فارغ. إذ لم يقتصر الأمر على تراجع الدول الأعضاء الجدد في الاتحاد الأوروبي عن التحول الأوروبي، لكن السياسة في العديد من هذه البلدان عادت إلى وضعها السابق مع تطور غير ليبرالي.
ما تُظهره الاتجاهات في أوروبا الوسطى والبلقان هو أنَّ الأوربة عملية قابلة للعكس. وفي النهاية، شكّلت الشيوعية الجزء الأكبر من الثقافات السياسية في كلتا المنطقتين، ومن المشكوك فيه ما إذا كانت عضوية الاتحاد الأوروبي يمكن أن تغير إرثاً دام عقوداً، تغييراً سريعاً وجوهرياً.