مع فقدان الحكومة الإسرائيلية الحالية الأغلبية في الكنيست يبدو أنها تنوي شن حملة قمع ضد الفلسطينيين أو توسيع انتهاكاتها بحق المسجد الأقصى، فهل يؤثر ذلك على علاقتها المتنامية مع دول المنطقة؟
فإسرائيل تواجه مشكلة في مساعيها لتقوية علاقاتها بحكومات الشرق الأوسط. وهذه المشكلة تتمثل في تجنب التصعيد على الساحة الفلسطينية الإسرائيلية وتقويض الوفاق الجديد مع الإمارات والبحرين والمغرب، فضلاً عن اتفاقيتي السلام مع الأردن ومصر، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.
الإماراتيون قد يكونون الأقل اهتماماً بالانتهاكات بحق الفلسطينيين
فقد أدت أعمال العنف الأخيرة في الحرم الشريف، فضلاً عن الهجمات التي شنها الفلسطينيون على بعض الإسرائيليين، إلى زيادة الضغط على الحكومة الإسرائيلية التي فقدت مقعد الأغلبية في الكنيست لتُظهر "سطوتها" لتحقيق مكاسب سياسية رخيصة على حساب الشعب الفلسطيني.
على أنه إذا تدهور الوضع في القدس، أو اندلعت انتفاضة فلسطينية جديدة، فحملة قمع أشد وطأة تشنها الحكومة الإسرائيلية بقيادة رئيس الوزراء نفتالي بينيت، قد تضع بعض قادة الشرق الأوسط في موقف حرج سياسياً، وفقاً للموقع الأمريكي.
ورغم أن هذا الوضع الهش قد يكون تأثيره محدوداً على القادة الإماراتيين، فلا يمكن أن يظهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أو العاهل الأردني عبد الله الثاني لا مباليَين بالحساسيات الدينية للرموز الدينية أو الأحزاب الإسلامية وجماهيرها. وبينيت بإدراكه ذلك ربما يتحاشى تصعيداً جديداً في التوترات الفلسطينية الإسرائيلية.
على أن الهجوم الأخير على إسرائيليين- ومداهمات قوات الأمن الإسرائيلية التي تلتها في الضفة الغربية- قد يجعل من الصعب عليه الحفاظ على هذا التوازن.
وهذه الحسابات المتضاربة نتج عنها وضع، رغم خطورته، قد لا يؤدي إلى تغيير كبير في الوضع العام بالمنطقة. فمع إحجام قادة الشرق الأوسط عن استغلال هذا الوفاق الناشئ مع إسرائيل بطرق تحمل القادة الفلسطينيين والإسرائيليين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، سيصبح الخاسر الأكبر الإسرائيليين والفلسطينيين الذين يدعون إلى نهاية عادلة ومنصفة لصراعهم الأبدي، حسب الموقع الأمريكي.
مواقف متضاربة للدبلوماسية الإماراتية
استدعت حكومة الإمارات السفير الإسرائيلي أمير حايك؛ على خلفية اقتحام المسجد الأقصى. وأفادت تقارير بأن وزيرة الدولة لشؤون التعاون الدولي ريم الهاشمي، أبلغت "حايك" ضرورة وقف العنف وحماية المصلين.
ودعمت الإمارات أيضاً مقترحاً بعقد اجتماع مغلق لمجلس الأمن الدولي لم يُدعَ لحضوره دبلوماسيون فلسطينيون وإسرائيليون. على أن هذه التطورات لم تسفر عن أي أزمة في العلاقات الإماراتية الإسرائيلية.
وكان إلغاء مشاركة الإمارات في رحلة جوية للاحتفال بعيد استقلال إسرائيل بمثابة تقريع دبلوماسي ناعم، على أن الإعداد لهذا الحدث نفسه- بل الاحتفال الأخير في أبوظبي بإحياء ذكرى الجنود الإسرائيليين الذين سقطوا "ضحايا الإرهاب" في أبوظبي- يُظهر مدى تغير المشهد الاستراتيجي والسياسي بطرق تصب في مصلحة إسرائيل.
لكن القضية الفلسطينية والقدس لديهما مكانة خاصة لدى الأردن
غير أن معادلة الأردن مختلفة. فالرأي العام الأردني شديد الحساسية تجاه القضية الفلسطينية، فضلاً عن المكانة المقدسة التي يحظى بها المسجد الأقصى، ثالث الحرمين الشريفين، إضافة إلى الوصاية الهاشمية على القدس، وقادة الأردن سيدفعون ثمناً باهظاً في الداخل لو تجاهلوا هذه الحقائق الأساسية.
وفي ضوء هذا الواقع، لم يكن مفاجئاً أن أعلن رئيس الوزراء بشر الخصاونة أمام مجلس النواب، عقب توغل قوات الأمن الإسرائيلية: "أحيي كل الفلسطينيين" الواقفين بشموخ "مثل المآذن، والمطلقين حجارتهم وابلاً سجيلاً على كل المتصهينين المدنسين للمسجد الأقصى". وضم الملك عبد الله صوته لهذا التحذير في تصريح مصري على تويتر صادر عن الديوان الملكي عقب محادثة هاتفية مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
ومسؤولو الحكومة الإسرائيلية على ما يبدو، صدَمتهم اللهجة القوية لهذه التصريحات، خاصةً توبيخ الملك.
فهذه الأحداث تأتي بعد أسبوعين فقط من لقاء وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس والرئيس إسحاق هرتسوغ مع عبد الله الثاني، لإصلاح العلاقات التي تضررت في عهد نتنياهو. على أنه رغم أعمال العنف التي وقعت في أبريل/نيسان، أو بسببها، واصلت إسرائيل والأردن مناقشة سبل استعادة التفاهم الذي لطالما كان غامضاً ومحل خلاف كبير حول المسجد الأقصى.
واشتعلت حدة هذه المحادثات. إذ أعلن وزير الخارجية الأردني في 10 مايو/أيار، أن الأماكن المقدسة "أراضٍ فلسطينية محتلة" لا سيادة لإسرائيل عليها. وحتى لو توارى هذا الخلاف تحت شكل من أشكال التوافق حول توسيع نطاق اختصاص الأوقاف الإسلامية الممولة من الأردن- وهو احتمال ندد به اليمين الإسرائيلي المتشدد ونفاه بينيت بالفعل- فلم نخرج من أحداث الشهرين الماضيين إلا بدرس واحد؛ أن الواقع الفلسطيني سيعود إلى الواجهة من جديد، وهذا سيعقّد مساعي الإسرائيليين والأردنيين لعزل علاقتهم عن صراع يشتعل دائماً فوق السطح أو تحته.
قادة الحزب الحاكم بتركيا يريدون الربط بين القضية الفلسطينية والعلاقات مع إسرائيل
تواصل رجب طيب أردوغان مؤخراً مع الرئيسين الفلسطيني محمود عباس والإسرائيلي إسحاق هرتسوغ الإسرائيلي؛ في محاولة منه للتوسط في خلاف القدس.
وفي اتصال هاتفي مع الأول، استنكر "تعديات إسرائيل على المصلين في المسجد الأقصى". وأعقب هذا الاتصال باتصال آخر مع هرتسوغ، الذي طمأن أردوغان، بحسب بيان صادر عن مكتبه، بأن إسرائيل ستحمي حق جميع الأديان في العبادة.
ولم يتضح بعدُ ما إذا كانت هذه الصيغة الغامضة سترضي عباس أو أردوغان. ومع ذلك، فجهود الرئيس التركي تتوافق مع مساعيه لتعزيز علاقات أنقرة في المنطقة، التي يمثل تقاربها مع إسرائيل، أساساً مهماً من أُسسها.
وقد بدأ هذا التقارب في 9 مارس/آذار 2022، حين اتجه الرئيس الإسرائيلي لأنقرة في زيارة رسمية. ورحب أردوغان بهذه الزيارة، التي اعتبرها "نقطة تحول في العلاقات بين تركيا وإسرائيل"، بفرقة عسكرية عزفت النشيد الوطني لإسرائيل، وبـ21 طلقة تحية وحرس شرف. فقد كانت زيارة هرتسوغ أول زيارة لتركيا من زعيم إسرائيلي في 15 عاماً. وتشير تقارير إلى أن الزعيمين تناولا العديد من القضايا، مثل فرص الجهود المشتركة لتوفير مصادر بديلة للنفط والغاز لأوروبا.
ويدرك قادة الحكومة الإسرائيلية أن العلاقات الثنائية بين البلدين تعتمد على رجل واحد هو أردوغان. فدوره سيكون محورياً لا بسبب سطوته التي لا منازع لها فقط، ولكن لأن العديد من قادة حزب العدالة والتنمية- وقاعدته الجماهيرية أيضاً- يعارضون إصلاح العلاقات مع إسرائيل دون إحراز تقدم في القضية الفلسطينية. وهكذا كان رد فعل أردوغان على أزمة القدس الأخيرة متوقعاً بالكامل. وتحذيره بأن "تركيا تقف دوماً مع فلسطين" لا يمكن الاستخفاف به.
على أن من الضروري دراسة هذا التحذير من منظور ما يسميه وزير الخارجية التركية مولود تشاووش أوغلو، "حملة تركيا الدبلوماسية خماسية المسار" لإعادة العلاقات مع الإمارات وأرمينيا والسعودية ومصر وإسرائيل.
وتتوقع بعض المصادر الإسرائيلية أن يزور أوغلو إسرائيل أواخر هذا الشهر رغم هذه الأحداث الأخيرة، فيما أشارت وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى ضرورة التعامل مع العلاقة بين البلدين "خطوة بخطوة". ورغم هذا التحذير، تبادل هرتسوغ وأردوغان التهنئة بعيد الفطر وعيد الاستقلال في إسرائيل.
إسرائيل تراهن على قلق دول المنطقة من السياسة الأمريكية
تطبيع العلاقات بين إسرائيل والعديد من كبرى دول الشرق الأوسط يعود جزئياً إلى الإحساس السائد بأن المنطقة لا يمكنها الاعتماد على الولايات المتحدة لحل مشاكلها، أو حتى دعم مصالح بعض الأصدقاء القدامى. ولم تغير الحرب في أوكرانيا هذا الرأي. وفعلاً، قوبلت جهود الولايات المتحدة لحمل دول الخليج على زيادة إنتاجها من النفط بالرفض. وفيما قد يكون أول سابقة من نوعها، اتجه رئيس تحرير قناة العربية السابق إلى صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية ليقول إن "واشنطن تعمل على تقوية روسيا وإيران" في الشرق الأوسط. وأضاف أن الدبلوماسية الأمريكية "تشوبها تناقضات محيرة"، عكس دبلوماسية الصين المباشرة. وأكد باحث إماراتي بارز هذه الأفكار بتحذيره من أن "إدارة بايدن… ربما تخسر شريكاً إقليمياً يزداد ثقة بنفسه".
وتراهن إسرائيل على أن هذه الثقة ستعزز التطبيع وتُبعد القضية الفلسطينية عن الرادار الدبلوماسي. ورغم أن هذا الرهان قد يؤتي أكله، فإنه إذا اندلعت انتفاضة فلسطينية ثالثة أو حرب أخرى في غزة أو كلاهما، فسيواجه العديد من أصدقاء إسرائيل الجدد ضغوطاً ليُظهروا عدم تخليهم عن الفلسطينيين.