إعلان الخارجية الأمريكية شطب 5 منظمات، بينها الجماعة الإسلامية في مصر، من قائمة واشنطن السوداء للجماعات "الإرهابية" يثير تساؤلات أبرزها: لماذا الآن؟ وماذا يعني ذلك؟
كانت وزارة الخارجية الأمريكية قد أعلنت، الجمعة 20 مايو/أيار، شطب 5 منظمات أجنبية من قائمة الإرهاب، وكذلك 6 أفراد متوفين من قائمة الإرهابيين، والمنظمات الخمس هي: "إيتا الباسكية (إسبانيا)، وأوم شينريكيو (اليابان)، مجلس شورى المجاهدين في محيط القدس، حركة كهانا حيّ (الإسرائيلية)، والجماعة الإسلامية (المصرية).
وأضافت الوزارة أنها "تحتفظ بهذه التصنيفات الخاصة بالإرهاب العالمي لعدد من الأسباب، من بينها دعم إجراءات إنفاذ القانون أو ضمان عدم الإفراج عن الأصول المجمدة للأفراد الإرهابيين النشطين".
وأضافت الخارجية في بيانها أنها بـ"الإضافة إلى إلغاء تصنيفات المنظمات الخمس كمنظمات إرهابية أجنبية، تعلن أيضاً عن شطبها لأسماء 6 أفراد من قوائم الإرهابيين العالميين المصنفين تصنيفاً خاصاً، وذلك بسبب وفاتهم. وهم: أبو الوردة، ومهاد معلم، وفرح محمد شردون، وموسى أبو داود، وعلي أصحاب كيبيكوف، و إبراهيم الربيش"، بحسب تقرير لـ"سي إن إن".
لماذا رفع التصنيف عن الجماعة الإسلامية الآن؟
ترتبط إجابة هذا السؤال بآلية عمل التصنيف نفسها، فالولايات المتحدة، ومن خلال وزارة الخارجية، تمتلك قائمتها الخاصة بالمنظمات والجماعات الأجنبية التي تصنفها واشنطن "إرهابية" وهي ما تعرف إعلامياً باسم القائمة السوداء.
ويوضح البيان الصادر عن الوزارة آلية التصنيف وكيفية وتوقيت تغييره، إذ يقول البيان إن الخارجية "تراجع تصنيفات المنظمات الإرهابية الأجنبية مرّة كل 5 سنوات، وفقاً لما يقتضيه قانون الهجرة والجنسية، لتحديد ما إذا كانت الظروف التي كانت سبب التصنيف قد تغيرت بشكل يستدعي الإلغاء".
"بينت مراجعتنا الأخيرة لهذه التصنيفات الخمس لمنظمات إرهابية أجنبية، أن تلك المنظمات لم تعد منخرطة في الإرهاب أو النشاط الإرهابي ولا تحتفظ بالقدرة والنية على القيام بذلك، لذلك كما هو مطلوب من قبل قانون الهجرة والتجنس، تم إلغاء هذه التصنيفات كمنظمات إرهابية أجنبية".
الوزارة أكدت أيضاً في بيانها أن تلك الإجراءات تهدف إلى "إظهار عزم الولايات المتحدة على الامتثال للمتطلبات القانونية لمراجعة وإلغاء تصنيفات المنظمات الإرهابية الأجنبية عندما تفرض الحقائق مثل هذا الإجراء، ولكنها لا تعني التغاضي عن الأعمال الإرهابية أو تبرّر الأعمال الإرهابية التي انخرطت فيها كل مجموعة من هذه الجماعات في السابق أو الأذى الذي تسببت فيه المنظمات لضحاياها، بل هو اعتراف بالنجاح الذي حققته كل من مصر وإسرائيل واليابان وإسبانيا في نزع فتيل خطر الإرهاب من خلال هذه المجموعات".
"يضمن إلغاء تصنيفات المنظمات الإرهابية الأجنبية وشطب الأفراد المتوفين أن تظلّ عقوباتنا على الإرهاب سارية وذات مصداقية ولا تعكس أيّ تغيير في السياسة تجاه الأنشطة السابقة لأي من هؤلاء الإرهابيين أو المنظمات التي كانوا أعضاء فيها".
ما قصة الجماعة الإسلامية في مصر؟
قبل التوقف عند بيان الخارجية الأمريكية وما تحمله سطوره من رسائل وسياقات متعددة، نتوقف قليلاً عند الجماعة الإسلامية وتاريخها وحاضرها أيضاً. إذ تأسست الجماعة الإسلامية في مصر خلال نهاية سبعينيات القرن الماضي، واتخذت العنف ضد الدولة سبيلاً للتغيير واعتبرته "جهاداً".
وشهدت فترة التسعينيات من القرن الماضي مواجهة دامية بين أعضاء الجماعة الإسلامية وقوات الشرطة والجيش في مصر، وهاجم أعضاء بالجماعة العديد من الشخصيات العامة والأهداف الحيوية، كان أبرزها إغتيال الرئيس المصري، أنور السادات، في عام 1981، وكان آخر هجوم إرهابي ترتكبه الجماعة هو مذبحة معبد الدير البحري بمحافظة الأقصر جنوب مصر عام 1997 والتي شهدت قتل عشرات السياح الأجانب. وفي المقابل، قتلت الشرطة المصرية العشرات من أنصار الجماعة خلال تلك المواجهات.
وفي نهاية عام 1997، أعلن قادة الجماعة الإسلامية، من محبسهم في السجون المصرية عن مبادرة لوقف العنف وإجراء مراجعات لنهج الجماعة. واستمرت تلك المراجعات حتى عام 2001، وباكتمالها سلم أعضاء الجماعة أسلحتهم للدولة وتم توجيه الجماعة إلى العمل المدني في السر والعلن وتخلت قيادات الجماعة تماماً عن العنف.
وخلال ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 في مصر، وبعد رفض للمشاركة في الأيام الأولى، عادت الجماعة الإسلامية للواجهة السياسية في البلاد وبصورة قوية، إذ خاضت الاستحقاقات الانتخابية بعد أن قامت بتشكيل حزب سياسي وتسجيلها كجمعية أهلية.
وفي أول انتخابات برلمانية تشهدها مصر بعد إجبار حسني مبارك على التنحي، فازت الجماعة بـ17 مقعداً في مجلس الشعب، لكن المجلس تم حله بحكم من المحكمة الدستورية العليا، كما فازت بعدد من مقاعد مجلس الشورى أو الغرفة العليا للبرلمان الذي ألغي وجوده في دستور عام 2014.
وظهر عدد من قادة الجماعة الإسلامية في المناسبات المختلفة خلال الانتخابات الرئاسية الأولى بعد تنحي مبارك، ودعمت الجماعة ورموزها الحملة الانتخابية للدكتور محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، والذي فاز وأصبح أول رئيس مدني منتخب لمصر في تاريخها الحديث.
وبعد أن أطاح الجيش بالرئيس الراحل محمد مرسي، ظهر عدد من أعضاء الجماعة الإسلامية البازين والمشاركين في المراجعات، على منصة اعتصامي رابعة العدوية والنهضة تأييداً للرئيس المنتخب ورافضين عزله، ومن هؤلاء الرموز طارق الزمر وعاصم عبد الماجد وآخرون.
وبعد فض اعتصامي رابعة والنهضة، سافر عدد من قادة الجماعة خارج مصر إلى قطر وتركيا وسوريا وبلدان أخرى من بينهم طارق الزمر وعاصم عبد الماجد ومحمد شوقي الإسلامبولي هرباً من الملاحقات الأمنية والقضائية.
ماذا يعني القرار الأمريكي بالنسبة للجماعة الإسلامية؟
قرار الخارجية الأمريكية يشير إلى أن الجماعة الإسلامية في مصر تخلت بالفعل عن العنف ولم تعد تمتلك لا الإمكانيات ولا الرغبة في العودة لرفع السلاح، فكيف تستفيد الجماعة من هذا الشطب من القائمة السوداء لواشنطن؟
الواقع يشير إلى أن التصنيف الأمريكي بالنسبة للجماعة الإسلامية لم تكن له تأثيرات فعلية على الأرض لأكثر من 20 عاماً، أي منذ تخلت الجماعة عن العنف، والسبب يتعلق بطبيعة تمويل الجماعة المعتمد بالأساس على التبرعات الفردية، إضافة إلى نبذ الجماعة للعنف بالفعل طوال تلك السنوات، وكان ذلك ما أكده ناجح إبراهيم، الذي شارك في صياغة مراجعات الجماعة من السجون في عام 1997 و1998 عندما كان من قياديي الجماعة المحبوسين وقتها.
إبراهيم كان قد قال لهيئة الإذاعة البريطانية BBC، تعليقاً على قرار القضاء المصري إدراج الجماعة الإسلامية على قوائم المنظمات الإرهابية عام 2018، إن "الجماعة ودعت الإرهاب والعنف منذ سنوات طويلة منذ مبادراتها في نهاية 1997 وأوائل 1998، ودعته فكراً وسلوكاً عندما سلم الجناح العسكري أسلحته ونفسه طواعية وغُير فكر الجماعة الإسلامية تماما، وقد كنت أحد الذين أسهموا في هذا الأمر مع قادة آخرين ولم تنفذ الجماعة أي عمل إرهابي منذ إعلانها المراجعات إلى اليوم بل إن بعض أبنائها أسهموا في حماية المقار الأمنية والكنائس في 25 يناير (2011)".
واعتبر ناجح إبراهيم أن حكم إدراج الجماعة الإسلامية على قائمة الإرهاب "توسعاً ضاراً يخل بمعنى الإرهاب في أذهان الناس. أعتقد أن الدولة تريد إنهاء الجماعات بحيث لا يكون هناك جماعات في مصر نهائياً". وشدد إبراهيم على أن الجماعة الإسلامية أصدرت بيانات وكتباً "تحارب فيها داعش فكراً وسلوكاً".
ووقتها عبر إبراهيم عن ارتياحه من قرار المحكمة استثناء حزب البناء والتنمية من القرار قائلاً: "أظن أنه من الذكاء الحكومي الإبقاء على الحزب، إذ إن الجماعات أضرت بالإسلام والوطن وبنفسها وأبنائها، وقد نجحت تونس والمغرب لأن بهما أحزاباً وليس جماعات، لكن تصنيفها إرهابية من الخطورة بمكان؛ لأن الناس يعرفون أبناء الجماعة الإسلامية ويتعاملون معهم ولا يلمسون منهم خطراً في أماكن وجودهم، ولا سيما في صعيد مصر".
لكن المحكمة الإدارية العليا في مصر أصدرت عام 2020 حكماً نهائياً وباتاً بحل حزب البناء والتنمية، الذراع السياسية للجماعة الإسلامية في مصر، وهو ما يؤكد على وجهة النظر التي تقول إن نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي يريد القضاء تماماً على جميع تيارات الإسلام السياسي بغضّ النظر عن ممارسة العنف من عدمه.
جدل كبير وانتشار نظريات المؤامرة في مصر
على الرغم من أن قرار الشطب من لائحة الإرهاب الأمريكية ليس مقتصراً على الجماعة الإسلامية، إلا أنه أثار جدلاً كبيراً في مصر وهاجمه بشدة إعلاميون داعمون للنظام السياسي في البلاد، بل وصلت الأمور إلى حد انتشار نظريات مؤامرة تصف القرار الأمريكي بأنه "مؤامرة" تستهدف مصر، دون تقديم أدلة أو تفسيرات لتلك النظرية.
القرار الأمريكي يشمل حذف التصنيف الإرهابي عن جماعة "كاهانا تشاي" الإسرائيلية، وهي جماعة يهودية متطرفة مرتبطة بالحاخام الراحل مئير كهانا، كما تمت إزالة التصنيف عن مجلس شورى المجاهدين الفلسطينيين، وكذلك جماعة "إيتا" الانفصالية من إقليم الباسك والتي تسعى إلى انفصال إقليم الباسك، الذي يضم مقاطعة كتالونيا الإسبانية، واستخدمت العنف والتفجيرات قبل أكثر من 20 عاماً. كما تم حذف من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية جماعة أوم شينريكيو اليابانية، التي شنت هجوماً مميتاً بغاز السارين في مترو أنفاق طوكيو في عام 1995.
لكن تحليلاً لوكالة أسوشيتد برس الأمريكية قال إنه رغم أن تلك المنظمات لم تعد نشطة، فإن القرار -بحد ذاته- يمثل حساسية سياسية بالنسبة لإدارة الرئيس جو بايدن والدول التي نشطت فيها تلك المنظمات، إذ يمكن أن تثير انتقادات من ضحايا هجمات تلك المنظمات وعائلاتهم.
وذكر موقع VOAnews الأمريكي أن المراجعات تأخذ في الاعتبار ما إذا كانت الجماعات المحددة لا تزال نشطة، وما إذا كانت قد ارتكبت أعمالاً إرهابية خلال السنوات الخمس الماضية، أو إذا كان حذفها أو الاحتفاظ بها هو في مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة.
لكن وسائل الإعلام التقليدية ومنصات التواصل الاجتماعي في مصر قرأت القرار الأمريكي في سياق مختلف تماماً، إذ يرى البعض أن القرار موجّه للقيادة المصرية بالأساس، بل وصل الأمر بالبعض للزعم بأن الرئيس الأمريكي سيلتقي قيادات الجماعة عند زيارته لمصر، بحسب تقرير لموقع قناة الجزيرة.
كما شن المذيعان نشأت الديهي وأحمد موسى هجوماً على القرار الأمريكي، مشككين في الهدف من ورائه. وقال الديهي إنه لا يرغب في وصف القرار الأمريكي بالسقطة، أو المؤامرة أو المناورة، لكنه أكد أن الأمور تسير بشكل خاطئ، وأن الولايات المتحدة بهذا القرار تفتح الباب أمام تمويل الإرهاب.
وأبدى المذيع أحمد موسى تعجبه مما أثير حول رفع اسم الجماعة الإسلامية في مصر من قوائم الإرهاب، في ظل تاريخها الطويل مع العمليات الإرهابية، على حد قوله، متسائلاً خلال برنامجه بشاشة "صدى البلد"، عن السبب الحقيقي وراء القرار.
وربط البعض من رواد مواقع التواصل الاجتماعي بين القرار الأمريكي وبعض التطورات على الساحة المصرية، وأبرزها الظهور الأخير لجمال مبارك، نجل حسني مبارك، وقراءته "بيان البراءة" الخاص بالأسرة من تهم الفساد وسرقة أموال المصريين، إضافة إلى الظروف الاقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد.