“من فلسطين للمكسيك”.. اغتيال 4 صحفيات في أسبوع واحد، وخيط واحد يربط كل هذه الجرائم

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2022/05/17 الساعة 21:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/05/17 الساعة 21:41 بتوقيت غرينتش
صحفيون بتونس يشاركون في وقفة احتجاجية تنديداً بمقتل شيرين أبو عاقلة/ الأناضول

"أسبوع أسود للصحفيين"، لم تكن شيرين أبو عاقلة هي الصحفية الوحيدة التي تعرضت للاغتيال مؤخراً، فلقد سقط أربع صحفيات خلال الأسبوع ذاته في أنحاء متفرقة في العالم، في مؤشر على حملة ذات نهج موحد للقضاء على حرية الصحافة عبر اغتيال الصحفيين.

والمفارقة كانت يسينيا مولينيدو صحفية مكسيكية معروفة، ومديرة لموقع (الحقيقة الصادقة) El Veraz الإلكتروني الإخباري الذي اتخذ شعاراً لنفسه: "صحافة في خدمة الإنسانية".

لاحظت مولينيدو ذات يوم أن رجلين مثيرين للشبهات يلحقان بها على دراجة نارية، وقد هددها أحدهما بصوت عالٍ: "نحن نعلم أين تعيشين، أيتها العاهرة"، إلا أنها لم تكن تعرف أن ذلك الإنذار سيتحول إلى حقيقة تُفضي إلى اغتيالها بعد عشرة أيام قبالة أحد المتاجر، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

ظلت مولينيدو، التي كانت في الخامسة والأربعين من عمرها، مدةً تزيد على العام تحاول التغافل عما كانت ترجو أن يكون مجرد تهديدات فارغة ترمي إلى ردعها عن نشر مزيدٍ من التقارير حول الجريمة في مدينة كوسولياكيك الساحلية. وقد غيرت رقم هاتفها مراراً في محاولة للتخلص من مكالمات التهديد، وحين كان يسألها أقاربها عن سلامتها، كانت تقول: "لا أظن أن يصيبني أي سوء".

ومع ذلك، فقد أصابها السوء الذي كان أهلها يخافون عليها منه في نحو الساعة 1:15 من ظهر الإثنين الماضي 10 مايو/أيار، إذ عاجلها القتلة وهي أمام أحد المتاجر برفقة زميلة مبتدئة، وأطلقوا عليهما 16 رصاصة أنهت حياة كلتيهما.

لم تكن يسينيا مولينيدو و"شيلا جوهانا غارسيا" إلا أول صحفيتين من بين أربع صحفيات فقدن حياتهن أثناء قيامهن بعملهن الأسبوع الماضي، وقد كان الأمر نوبة متوالية من سفك الدماء فزع لها العالم.

لم يكد يمر يومان على مقتل الصحفية المكسيكية حتى أصيبت الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، مراسلة قناة "الجزيرة" القطرية، برصاصة في الرأس أثناء نقلها أخبار مداهمة عسكرية إسرائيلية لمخيم جنين في الضفة الغربية المحتلة.

ثم في اليوم التالي، جاء مقتل الصحفية التشيلية فرانسيسكا ساندوفال، بعد أن أصيبت برصاصة في الرأس أثناء نقلها أخبار احتجاجات عيد العمال في بداية الشهر.

الصحفيون حول العالم مصدومون

استثار مقتل هذا العدد الكبير من الصحفيين في هذه المدة الزمنية القصيرة غضباً دولياً واسع النطاق، واستدعى خشية الصحفيين على أنفسهم والنظر في ثمن قيامهم بعملهم في غرف الأخبار من مسكيكو سيتي إلى الدوحة.

تقول شذا حنايشة، الصحفية الفلسطينية التي كانت برفقة أبو عاقلة حين قُتلت بالرصاص وهي تحاول توثيق المداهمة الإسرائيلية في جنين، إن "كل ما أردناه هو القيام بعملنا"، و"لا أدري سبباً لاستهدافنا".

وفي لقطات تقشعر لها الأبدان، التقطت العدسات صور شذا التي ما زالت في السادسة والعشرين من عمرها وقد تجمدت في مكانها بجوار جثمان زميلتها بعد دقائق من إطلاق النار عليهما، وتقول هي عن ذلك: "سيبقى هذا معي بقية حياتي".

خيط وهدف واحد يجمع جرائم اغتيال الصحفيين

قال روبرت ماهوني، المدير التنفيذي للجنة حماية الصحفيين، إن كل حادثة إطلاق النار من تلك الحوادث لها تختلف عن الأخرى وتتباين ظروفها عن نظيرتها، "إلا أن هذه الحوادث يجمعها ناظم مشترك، وهو ما رأيناه من زيادة واقعة في أعداد الصحفيين القتلى في عام 2022".

أضاف ماهوني: "يستعصي علينا أن نخلص إلى صلة مباشرة بين عمليات القتل هذه، إلا أنها تبرهن على أن الصحافة المستقلة أصبحت أخطر، وأنها ما زالت تزداد خطورة عن ذي قبل".

ترجع بعض أسباب هذه الزيادة في أعداد الضحايا من الصحفيين إلى الحرب المندلعة في أوكرانيا، فقد قُتل أكثر من 7 صحفيين منذ غزو فلاديمير بوتين لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط. 

في المكسيك الرئيس يحرِّض والعصابات تقتل الصحفيين

وشهدت المكسيك زيادة مروعة في جرائم قتل الصحفيين هذا العام، فقد قال ناشطون محليون إن عدد الصحفيين الذين قتلوا منذ بداية يناير/كانون الثاني بلغ 11 صحفياً، في زيادة واضحة على عددهم الذي بلغ 7 صحفيين عن المدة نفسها العام الماضي.

وقال ماهوني إن موجة قتل الصحفيين في المكسيك مرتبطة بالجريمة المنظمة في البلاد، كما يُتَّهم رئيس البلاد أندريس مانويل لوبيز أوبرادور بالتحريض على العنف بخطابه الشعبوي، وهو ما يصفه ماهوني بأنها "رقابة مفروضة بالسلاح. فهو قتل للبعض من أجل إرسال رسالة تحذير للآخرين.. ويؤدي ذلك إلى تفشي السرطان الذي يفتك بالصحافة، وهو الرقابة الذاتية، فالصحفيون يتوقفون عن العمل أو يمتثلون للتهديد، لأن مخالفة ذلك تصبح أمراً شديد الخطورة".

والهدف إسكات الصحفيين

ومع ذلك، يقول ناشطون إن قتل الصحفيين إنما هو التجسيد الأوضح لما تنبأ به بعض المتابعين من مستقبل مظلم لحرية الإعلام في عالم يتزايد فيه الاستبداد باطراد.

وفي هذا السياق، يستدل بعضهم بما حدث في مدينة هونغ كونغ الصينية، التي كانت موطناً لقدرٍ ما من الصحافة المستقلة حتى وقت قريب، ثم تبدَّل بها الحال في غضون سنوات قليلة، بعد أن فرضت بكين عليها قانوناً صارماً للأمن القومي.

وحذر الاتحاد الدولي للصحفيين من حملة الصين القمعية للصحفيين في وقت سابق من هذا العام، مستدلاً بالزيادة في عدد العاملين في وسائل الإعلام ممن سُجنوا أو فروا من المستعمرة الصينية السابقة في الأشهر الأخيرة، وقال في بيان: "يُهيمن الآن إحساس عصي يتخوف من النضال من أجل الديمقراطية وحرية الإعلام أوشك على السقوط تحت وطأة الهزيمة".

اغتيال الصحفيين
احتجاجات على مقتل الصحفيتين المكسيكيتين يسينيا مولينيدو وشيلا جوهانا غارسيا/رويترز

أما الصحفيون الروس، فقد كانوا يواجهون حملة قمع شديدة حتى قبل غزو أوكرانيا هذا العام، ويتعرض الصحفيون في دول الشرق الأوسط وآسيا الوسطى- وحتى في دول ديمقراطية مثل المجر بقيادة فيكتور أوربان، والبرازيل برئاسة جايير بولسونارو- لتضييقٍ متزايد من الحكومات المستبدة التي تراهم مصدر إزعاج لها.

وقال ماهوني إن لجنة حماية الصحفيين متخوفة من تزايد المضايقات عبر الإنترنت، وترهيب الصحفيين، لا سيما النساء منهم، في جميع أنحاء العالم. وحذَّر من أن "الصحفيين في الفلبين والهند يتزايد الهجوم عليهم عبر الإنترنت، وفي كثير من الأحيان تكون تلك الهجمات الإلكترونية إنذاراً يلحقه اعتداء جسدي"، ومن ثم، فقد حثَّ شركات التواصل الاجتماعي على اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة لذلك.

مهنتهم أصبحت أكثر خطورة من أي وقت مضى

وقالت جودي جينسبيرغ، رئيسة لجنة حماية الصحفيين، في سياق التعليق على مقتل الصحفية فرانسيسكا ساندوفال في تشيلي: "لقد أصبح نقل أخبار الاحتجاجات أخطر على الصحفيين من أي وقت مضى، فالصحفيون لم يعودوا يُقتلون في تبادل إطلاق النار، بل يزداد استهدافهم عمداً".

واستشهدت جينسبيرغ بحالة الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، التي "قال شهود عيان إن القوات الإسرائيلية أطلقت النار عليها وقتلتها أثناء قيامها بعملها الصحفي، وذلك مع أنها كانت تعلن بوضوح أنها صحافية، وهي حالة تدل على نمط مقلق من استهداف القوات الإسرائيلية للصحفيين الفلسطينيين".

ونفت إسرائيل في البداية مسؤولياتها عن اغتيال أبو عاقلة، وحاولت إلصاق الجريمة بالمقاومين الفلسطينيين بمخيم جنين، وهي الرواية التي دحضها مركز حقوقي إسرائيلي ثم سرعان ما بدت تتسرب أنباء أن الرصاصة أطلقت من قبل جندي إسرائيلي.

يقول فاليريو لويز فيلهو، وهو محامٍ برازيلي اغتيل والده الصحفي قبل ما يقرب من 10 سنوات، إن تغيير الأمور يقتضي محاسبة الجناة المسؤولين عن هذه الجرائم، و"العدالة تقتضي أن نعلن لهؤلاء الجناة أن ما أزهقوه له ثمن، وأن نجعلهم يدفعون ثمن ما فعلوه".

وأضاف لويز: "يجب أن نفرض العدالة والقصاص في هذه الجرائم، سواء أكانت في تشيلي أم المكسيك أو أي مكان آخر.. (حتى يفهم الناس) أن حيوات الصحفيين التي سُرقت ثمينة، وأن عملهم ثمين أيضاً. ولا شيء غير العدل قادر على بيان هذه الرسالة".

تحميل المزيد