رأى محللون سياسيون أن عودة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى القصر الرئاسي، في ولاية ثانية بعد غياب 5 سنوات، تعد خطوة نحو "إنهاء التجاذبات السياسية، وصفحة جديدة لاحتواء التوترات السياسية".
وأعلن رئيس البرلمان الصومالي شيخ آدم محمد نور، أن شيخ محمود حصل على 214 صوتاً مقابل 110 لمنافسه الرئيس المنتهية ولايته محمد عبد الله فرماجو، في الانتخابات التي جرت الأحد، ليصبح شيخ محمود الرئيس العاشر في تاريخ البلاد.
وسبق أن حكم شيخ محمود الصومال بين سبتمبر/ أيلول 2012، و16 فبراير/ شباط 2017.
وقال شيخ محمود في كلمة مقتضبة عقب فوزه بالانتخابات: إنه "لا مجال للانتقام السياسي"؛ ما يعكس أن الرجل، بحسب مراقبين، سينتهج سياسة مرنة وتوافقية في المرحلة القادمة، بعد أن عمقت الخلافات التجاذبات السياسية في البلاد.
وشيخ محمود (67 عاماً) أكاديمي لديه خبرة كافية لإعادة تصويب مسار الكثير من الملفات الداخلية والخارجية حسب وعود حملته الانتخابية، لكن أمامه ملفات معقدة في السنوات الأربع المقبلة، أبرزها الأمن والسياسة الخارجية والأزمات الإنسانية.
سياسة مستقرة
كما أن إعادة انتخاب شيخ محمود رئيساً جديداً للبلاد، أمر خالف العرف التقليدي في الانتخابات الصومالية، القائم على اختيار وجه جديد وعدم إعادة تنصيب رئيس قديم.
"ويعني ذلك أن البرلمان أدرك مدى حاجة البلاد إلى شخصية توافقية ومناسبة في المرحلة الراهنة"، بحسب المحلل في "مركز سهن للدراسات"، محمد مصطفى.
وفي حديثه للأناضول، قال مصطفى: إن "استقراراً سياسياً في الجبهة الداخلية هو من أولويات الشعب الصومالي في هذه المرحلة، بعد 5 سنوات مرت البلاد بتوترات مليئة بالأحداث السياسية كادت تعصف بالاستقرار النسبي فيها".
وأوضح أن عدم وجود معالم واضحة وأسس ومبادئ تقوم عليها السياسة الداخلية قد يخلق صراعات سياسية محلية.
وتوقع أن سياسة الرئيس الجديد ستعمل على بناء ثقة المواطنين بالحكومة، مع إعطاء حرية الرأي للمعارضة؛ لأنها تشكل مرآة للحاكم وليست أداة للإطاحة به.
وتابع أن النظام السابق كان ينتهج سياسة "إما معنا أو ضدنا، وهذا ما جعل الخلافات تتكرر بين النظام في مقديشو ورؤساء الولايات الفيدرالية؛ فهذه السياسة لا تعمل في هذا البلد الذي لم يعرف الاستقرار منذ أكثر من 3 عقود".
ويعيش الصومال منذ أكثر من عامين على وقع أزمات سياسية وأمنية نتيجة اتباع النظام السابق "سياسة إقصاء المعارضة"، وفق مراقبين، وهو ما أدى إلى وقوع توترات مسلحة كادت تتحول إلى صراع محلي لو لم يتدخل المجتمع الدولي.
الأمن
كما شهدت البلاد، خلال العامين الماضيين، أحداثاً أمنية أظهرت هشاشة المؤسسات المعنية، وكادت تهدد الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
وبحسب المحلل السياسي الصومالي أويس عدو، فإن تصاعد الأحداث الأمنية، لا سيما التفجيرات، كان مشهداً يتكرر في كل انتخابات، لكنها قد تتراجع فور تسلم شيخ محمود مهامه رسمياً.
لكن ما يشكل تحدياً، وفق حديث عدو للأناضول، هو "اختبار مواجهة مقاتلي حركة الشباب (المسلحة) في قرى وبلدات بالأقاليم القريبة من العاصمة؛ إذ تمكن مقاتلوها من التسلل إلى مقديشو وتنفيذ هجمات دموية".
وأضاف أن "دحر الحركات المسلحة ذات الصبغة الأيديولوجية في تلك المناطق وتحريرها، من بين الملفات التي تنتظر الرئيس الحالي للحد من التفجيرات الدموية التي تكررت في السنوات الماضية".
وفيما يتعلق بإعادة هيكلة الجيش الصومالي، قال عدو: إن "الرئيس المنتخب بحاجة لإعادة النظر حول هيكلة الجيش وتقسيماته؛ لأنه بات بالفترة الأخيرة منخرطاً في العملية السياسية بالبلاد؛ إذ كان يُستخدم آليةً لتكميم أفواه المعارضة بدلاً من حماية أمن البلاد".
وأشار إلى أن الجيش الصومالي منذ 5 سنوات، لم ينفذ أية عملية عسكرية ضد مقاتلي الشباب في الأقاليم الجنوبية بالبلاد.
وتابع أنه "كلما تراجعت العمليات الأمنية الحكومية ترفع حركة الشباب وتيرة هجماتها في مقديشو، وعلى الرئيس الجديد تغيير هذه المنهجية الأمنية، وزيادة الضغوط ضد الحركة التي تنشط في قرى ومدن في جنوب الصومال ووسطه".
السياسة الخارجية
وكان شيخ محمود أعلن خلال حملته الانتخابية أنه سينتهج سياسة خارجية "مبنية على التعايش السلمي مع العالم، بعيداً عن خلق عداوة خارجية قد تؤثر سلباً في العلاقات الدبلوماسية مع العالم الخارجي".
وأضاف أنه سيعزز مكانة العلاقات الصومالية مع دول العالم، وخاصة التي دعمت بلاده في شتى المجالات، إلى جانب حربها ضد الإرهاب، في إشارة إلى حركة "الشباب" الصومالية.
وفي هذا الصدد، قال المحلل السياسي محمد عبدي شيخ، للأناضول: إن "الدبلوماسية الصومالية تغيرت بالفعل، وتفتقر إلى أرضية صلبة ورؤية سياسية نتيجة قرارات متهورة أدت إلى خلافات مع عدة دول".
وأضاف أن ترميم السياسية الخارجية "مرهون بكفاءة رئيس الحكومة الذي سيكلفه رئيس البلاد في الأيام المقبلة، والابتعاد عن التعديلات المتكررة في الخارجية الصومالية، التي لطالما تسببت في هشاشة مصداقيتها، حيث مر في وزارة الخارجية خلال السنوات الخمس الماضية 3 وزراء".
وتوقع عبدي شيخ، أن يجري الرئيس المنتخب زيارات رسمية لعدة دول، بما فيها جيبوتي، التي تدهورت علاقتها مع الصومال نتيجة تحالفها مع إريتريا، التي تتنازع معها مناطق حدودية، إلى جانب كينيا ودول عربية أخرى، من أجل تحسين علاقات بلاده مع تلك الدول.
مفاوضات مع صومالي لاند
وتعد المصالحة بين فئات المجتمع الصومالي في سياسة الرئيس شيخ محمود من صلب اهتماماته؛ حيث حققت المفاوضات مع أرض الصومال (صومالي لاند) في فترة حكمه السابقة (2012 ـ 2016) تقدماً كبيراً برعاية تركيا، خاصة عام 2015.
وعن ذلك، قال محمد أبتدون، المحلل في مركز الصومالي للدراسات: إن "ملف التفاوض مع صومالي لاند لم يحقق تقدماً في الفترة الأخيرة، بل انتهت المفاوضات التي رعتها جيبوتي بالفشل عام 2020، ولا تزال قيادات أرض الصومال تنتظر إعادة ملف المفاوضات إلى الطاولة للتوصل إلى تسوية جديدة مع الحكومة الفيدرالية".
وفي حديثه للأناضول، أوضح أن "النظام السابق لم يبذل أية محاولات جادة للتفاوض مع صومالي لاند، بل جمد المساعدات الدولية الموجهة إليها، والتي تمر عبر الحكومة الفيدرالية، الأمر الذي دفع أرض الصومال لرفض استمرار مفاوضاتها مع الحكومة".
وتوقع أبتدون أن يحرك شيخ محمود هذا الملف؛ من أجل مواصلة مفاوضات مع صومالي لاند، لتحقيق وحدة وطنية تضم جميع أقاليم الصومال في المستقبل القريب.
وفي 1991، أعلنت "أرض الصومال"، الواقعة في منطقة القرن الإفريقي، انفصالها عن الصومال الذي حصل على استقلاله عن بريطانيا عام 1960.
إلا أنه على مدى السنوات الـ28 الماضية، ظلت "أرض الصومال" غير معترف بها رسمياً بوصفها دولة.