أرامكو أم تسلا.. هل تؤدي أزمة الطاقة لرهان المستثمرين على شركات النفط بدلا من عملاقة التكنولوجيا؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2022/05/16 الساعة 08:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/05/16 الساعة 08:38 بتوقيت غرينتش
شركات النفط الأمريكية تتجنب الاستثمار في زيادة الإنتاج/رويترز

يؤكد انتزاع أرامكو السعودية لقب الشركة الأعلى قيمة في العالم من شركة آبل شهية المستثمرين للنفط والغاز، في الوقت الذي تكافح فيه البلدان في جميع أنحاء العالم التضخم المتفشي والخوف من نقص الطاقة، ولكن رغم صعود أسعار النفط ترفض كثير من الشركات الأمريكية زيادة إنتاجها.

وتظهر تقارير البورصات العالمية أن الاستثمار في المستقبل من خلال أسهم التكنولوجيا يتراجع إلى مكانة خلفية أمام مخاوف الحاضر؛ في الوقت الذي يعيد فيه الوقود الأحفوري تأكيد أهميته الحاسمة في جميع جوانب الحياة اليومية، ويعزز التضخم المرتفع زيادة تكاليف الطاقة التي تنتشر في جميع جوانب الاقتصاد، من الغذاء إلى الطيران، حسبما ورد في تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية. 

صعود أسعار النفط يقلب المعادلة

خلال معظم العقد الماضي، سمح انخفاض أسعار النفط والغاز والتضخم المكتوم للبنوك المركزية بتخفيض أسعار الفائدة لتحفيز اقتصاداتها في الخروج من الأزمة المالية في عام 2008 بالاستثمار طويل الأجل. واغتنم المستثمرون الفرصة للشراء في الاقتصاد الجديد المبني على التكنولوجيا، بينما يتجه المستهلكون نحو مستقبل منخفض الكربون.

لكن الاقتصاد العالمي لا يزال يعتمد على النفط والغاز، وتسبب ارتفاع الطلب بعد جائحة "كوفيد-19" إلى جانب الهجوم الروسي على أوكرانيا في نقص الإمدادات التي تصب في مصلحة منتجي الطاقة التقليديين. ويُتداوَل سهم شركة أرامكو السعودية النفطية العملاقة الآن بالقرب من أعلى مستوى مسجل على الإطلاق، إضافة إلى أنَّ تسعة من أعلى عشرة أسهم على مؤشر ستاندرد آند بورز 500 هذا العام هي لشركات نفط وغاز. وضاعفت الطاقة حصتها في المؤشر تقريباً هذا العام، مع تصدر منتجي النفط الصخري المحلي ومصافي التكرير.

وحققت شركات النفط الكبرى أرباحاً تاريخية، في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2022 حيث حصلت إكسون موبيل على 5.5 مليار دولار بعد الضرائب. واكتسبت شيفرون 6.3 مليار دولار. 

ويربح منتجو الطاقة الأصغر، الذين يتركزون في الولايات المتحدة وغالباً ما يشار إليهم باسم wildcatters، أرباحاً هائلة جراء صعود أسعار النفط. 

في الأسبوع الماضي، أعلنت "بايونير ناتشورال ريسورسز" عن أرباح في الربع الأول من العام بلغت ملياري دولار، بينما سجلت شركة ماراثون أويل عائدات بلغت 1.3 مليار دولار.

ومع ذلك فإنَّ الارتداد من التكنولوجيا إلى النفط والغاز لا يزال أمامه طريق طويل لنقطعه. فعلى الرغم من فقدان شركة تسلا لصناعة السيارات الكهربائية ثلث قيمتها هذا العام، تزيد قيمتها السوقية عن ضعف القيمة السوقية لشركة Exxon Mobil الأمريكية للنفط والغاز.

دعوة أمريكية لمعاقبة الشركات لعدم زيادة الإنتاج

كما أن اللافت أن الشركات النفطية لا تستغل هذه الأرباح الضخمة المتحققة من صعود أسعار النفط في استثمارات جديدة لزيادة حجم إنتاجها النفطي، بل يقال إنها تستخدمها لكنز الأرباح وتقوم بشراء أسهم لزيادة ربحيتها.

ودعا بعض الديمقراطيين إلى فرض ضريبة على شركات النفط. لم تؤيد إدارة بايدن هذه الفكرة، لكنها تدفع شركات الطاقة الأمريكية للمساعدة في خفض الأسعار عن طريق إضافة المزيد من الحفارات وضخ المزيد من النفط الخام وزيادة العرض. 

قال الرئيس بايدن في مارس/آذار: إن الرؤساء التنفيذيين لشركات النفط الكبرى سيزيدون الاستثمار والإنتاج". "لديهم القدرة على القيام بذلك.. رسالتي هي: حان الوقت- في هذا الوقت من الحرب، ليس وقت الربح. حان الوقت لإعادة الاستثمار في أمريكا". 

رغم حاجة أوروبا، إنتاج أمريكا النفطي أقل من مستواه ما قبل الجائحة

على الرغم من هذا النداء، ورغم رغبة أمريكا في حظر أوروبا للنفط الروسي، لا يزال إنتاج النفط الأمريكي بشكل عام أقل بكثير من مستوى ما قبل الوباء. 

في فبراير/شباط 2020، أنتجت حقول النفط الأمريكية حوالي ثلاثة عشر مليون برميل من النفط الخام يومياً؛ في شهر أبريل/نيسان 2022، أنتجوا أقل من 11.9 مليون برميل يومياً، حسبما ورد في تقرير لموقع The New Yorker الأمريكي.

صعود أسعار النفط
لا يزال إنتاج النفط الأمريكي بشكل عام أقل بكثير من مستوى ما قبل الوباء/رويترز

من العوامل الرئيسية التي تعوق إنتاج الخام الأمريكي، وفقاً لمحللي الصناعة، موقف شركات الطاقة الأصغر، والتي تساهم في جزء كبير من إجمالي الإنتاج. قال لي تيلمان، الرئيس التنفيذي لشركة ماراثون ، لمحللي وول ستريت الأسبوع الماضي: "نحن لا نضيف أي رأس مال للنمو بسبب ارتفاع الأسعار.. نحن منضبطون". سكوت شيفيلد، المدير التنفيذي من بايونير، كان أكثر وضوحاً. وقال في فبراير/شباط: "سواء تعلق الأمر بنفط 150 دولاراً أو 200 دولار أو 100 دولار، فلن نغير خطط النمو لدينا". 

في مكالمة مع محللي وول ستريت الأسبوع الماضي، كرر شيفيلد التأكيد على أن بايونير ستضع حداً لنموها بنسبة 5% هذا العام والعام المقبل.

شركات الطاقة تستغل أرباح النفط للاستثمار في الطاقة النظيفة

الحكمة التقليدية تشير إلى أنه في ظل صعود أسعار النفط، تعرض شركات النفط والغاز قدراً أقل من الانضباط الرأسمالي وستركز بشكل أكبر على الأعمال الأساسية أكثر من التركيز على فرص الاستدامة الجديدة. 

وبالتالي كان يُفترض في كثير من الأحيان أن أسعار النفط المرتفعة يمكن أن تبطئ التحول نحو الطاقات الجديدة. ومع ذلك، ذكر 76% من المسؤولين التنفيذيين بشركات شملهم استطلاع نشره موقع Deloitte الأمريكي، أن أسعار النفط التي تزيد عن 60 دولاراً للبرميل ستعزز على الأرجح أو تكمل انتقال الطاقة لديهم إلى مرحلة التكيف مع الطاقة الخضراء على المدى القريب.

ويتيح سعر النفط القوي الاستثمار في حلول الطاقة الخضراء ذات المخاطر العالية والمكلفة، مثل التقاط الكربون واستخدامه وتخزينه (CCUS). 

قام قطاع خدمات حقول النفط (OFS) بتخفيض التكاليف وتحسين العمليات للبقاء واقفاً على قدميها أمام انخفاض أسعار النفط حتى قبل الوباء، مع وجود خطر دورة أسعار أخرى وانخفاض الإنفاق، تعمل العديد من شركات OFS على صياغة استراتيجية جديدة لمستقبل الطاقة.

بصرف النظر عن الاضطراب الناجم عن كهربة النقل، يواجه الوقود التقليدي (الديزل والبنزين) أيضاً منافسة من أنواع الوقود الأخرى منخفضة الانبعاثات، مثل الهيدروجين والوقود المتجدد. علاوة على ذلك، فإن التحول من جيل طفرة المواليد إلى جيل الألفية يغير تفضيل المستهلكين من العلامة التجارية والسعر إلى الراحة وتجربة المستخدم.

يخلق التفاعل بين تحول الطاقة مع التغيرات الديموغرافية تحدياً للعديد من تجار الوقود بالتجزئة، الذين يجب عليهم تحويل عملياتهم لجذب جيل جديد من العملاء والاحتفاظ بهم مع التكيف أيضاً مع مزيج الوقود المتغير. 

في النهاية، من المرجح أن تكون الشركات الأكثر ملاءمة للازدهار أثناء انتقال الطاقة هي تلك التي تسعى لتحقيق الراحة كوظيفة أساسية لتجربة العميل والتوسع في مجموعة كاملة من المنتجات والخدمات.

يشير كل ذلك إلى أنه رغم الزيادة الهائلة في أسعار النفط، ورغبة الولايات المتحدة في منع النفط الروسي من الأسواق، فإن الشركات النفطية ليست مطمئنة أن هذا الارتفاع في الأسعار قد يكون دائماً، وتخشى انتكاسة جراء احتمال التسارع في اتجاهات تقليص استهلاك النفط والتحول للوقود الأخضر، وهو ما يعني أنها تفضل تحويل فوائضها المالية للاستثمار في التكيف من الاقتصاد الأخضر بدلاً من زيادة الوقود الأحفوري، خوفاً من أن يتكرر انهيار أسعار النفط الذي حدث عام 2020 (حينما بلغت الأسعار سالب 37.63 دولار في 20 أبريل/نيسان).

وفي الوقت ذاته فإن أسعار النفط مرتفعة بسبب شبح إخفاق حل أزمة الملف النووي الأوكراني واستمرار أزمة أوكرانيا، ورغبة الغرب في حظر صادرات الطاقة الروسية، الأمر الذي يؤدي إلى استمرار أزمة النفط، والأمر الذي ينتج عنه صعوبة إيجاد بديل للإنتاج الروسي بشكل سريع في الوقت ذاته، وهو أمر بدوره يؤدي إلى تصليب موقف روسيا من الأزمة الأوكرانية والذي قد يؤدي بدوره إلى إطالتها، كأن أزمة أسعار النفط قد دخلت في حلقة مفرغة.

المشكلة بالنسبة لشركات النفط أنه مع أن تهديد الطاقات الجديدة قد يتزايد مع استمرار عزوفهم عن الاستثمار في زيادة الإنتاج، لأن ارتفاع أسعار النفط جراء نقص العرض من شأنه زيادة القدرات التنافسية لمصادر الطاقة البديلة أمام النفط.

العمال خائفون من التوظيف في صناعة النفط

تسبب انهيار أسعار النفط في عام 2020 في أسرع عمليات تسريح للعمال في تاريخ صناعة النفط والغاز الأمريكية. تضاعفت الأسعار تقريباً منذ ذلك الحين، ولكن عاد حوالي 50% فقط من الوظائف المفقودة. 

يؤثر التوظيف الدوري وتسريح الموظفين سلباً على سمعة الصناعة كصاحب عمل موثوق به، فقلة القوى العاملة الدائمة والشيخوخة تقللان من مجموعة المواهب المتاحة.

حتى بالنسبة للشركات ذات الاستراتيجيات التقدمية والميزانيات العمومية السليمة، سيكون من الصعب تمييز نفسها عن الشركات التي تسارع بالتخلص من العمالة خلال الأزمات في سوق العمل الضيق. 

ويرى أكثر من 75% من المشاركين في الاستطلاع أن هياكل القوى العاملة المرنة التي تمكن الفرق البعيدة والهجينة والعابرة للحدود ستساعد الشركات على التنافس والاحتفاظ بالمواهب في سوق العمل الضيق اليوم.

تحميل المزيد