يواجه التيار الإسلامي بالسودان جملة من التحديات، بعد أن برز للمشهد السياسي مؤخراً، في ظل تعقيدات داخلية وخارجية تلقي بظلالها على الفترة الانتقالية التي تعيشها البلاد.
وفي 18 أبريل/نيسان الماضي وقّعت 10 فصائل إسلامية في السودان ميثاق تأسيس ما يسمى "التيار الإسلامي العريض"، لتحقيق الاندماج التنظيمي بينها.
وتزامن مع ميلاد التيار الإسلامي موائد إفطار خلال شهر رمضان المنقضي، في مناطق عدة بالبلاد، بمشاركة الآلاف من أنصاره.
والفصائل العشرة الموقعة على ميثاق التأسيس هي: "جماعة الإخوان المسلمين- التنظيم العالمي"، و"جماعة الإخوان المسلمين- السودان"، و"منبر السلام العادل"، و"الحركة الإسلامية السودانية"، و"تيار النهضة".
وأيضاً "حزب دولة القانون والتنمية"، و"حركة المستقبل للإصلاح والتنمية"، و"حركة الإصلاح الآن"، و"حزب العدالة القومي"، و"مبادرة وحدة الصف الإسلامي".
وطرح ميلاد التيار تساؤلات عديدة حول مدى إمكانية الإسلاميين تجاوز مطبات سياسية بعد عزل الجيش السوداني في 11 أبريل/نيسان 2019، الرئيس عمر البشير بعد 3 عقود في الحكم، تحت وطأة احتجاجات منددة بتردي الوضع الاقتصادي.
وتعرض التيار الإسلامي بالسودان لانتقادات واسعة لبعض كياناته خلال سنوات حكمهم عقب تنفيذ البشير في 30 يونيو/حزيران 1989، "انقلاباً" عسكرياً على حكومة رئيس الوزراء الصادق المهدي، وتولى منصب رئيس مجلس قيادة ما عُرف بـ"ثورة الإنقاذ الوطني".
تصحيح الخطيئة
وفي 25 أبريل/نيسان الماضي، اعتبر رئيس حزب دولة القانون والتنمية– أحد قيادات التيار الإسلامي- محمد علي الجزولي، أن الإجراءات التي اتخذها قائد الجيش عبدالفتاح البرهان في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي "ليست انقلاباً".
وقال خلال حديثه أمام إفطار رمضاني لأنصاره، إن هذه الإجراءات "هي تصحيح من الجيش لخطيئته في انقلاب 17 أغسطس/آب 2019 عندما سلَّم السلطة لقوى سياسية بلا تفويض شعبي".
وأردف الجزولي أن "الذين ذهبوا للجيش يوم 6 أبريل 2019 لعزل البشير هم الذين أقحموا الجيش في العمل السياسي ولن يخرج بمزاجهم".
وتابع: "لن نمنح الجيش شيكاً على بياض، والمطلوب منه خطوتان فقط؛ فترة انتقالية بلا أحزاب، وانتخابات حرة ونزيهة".
ويشهد السودان منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، احتجاجات تطالب بحكم مدني وترفض إجراءات استثنائية أعلنها البرهان، أبرزها حالة الطوارئ، وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين.
ونفى البرهان صحة اتهامات له بتنفيذ انقلاب عسكري، وقال إن تلك إجراءات تستهدف تصحيح مسار الفترة الانتقالية، وإنه سيسلم السلطة عبر انتخابات أو توافق وطني.
وقبل تلك الإجراءات كان السودان يعيش منذ 21 أغسطس/ آب 2019 فترة انتقالية تستمر 53 شهراً تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024.
وكان من المفترض أن يتقاسم السلطة خلال تلك الفترة كلٌّ من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقَّعت مع الحكومة اتفاق سلام في 2020.
وحدة اندماجية
وينص الميثاق التأسيسي للتيار الإسلامي العريض على التحالف المستقبلي للفصائل واندماجها التنظيمي، وفق نص الميثاق الي تلقَّت "الأناضول" نسخة منه.
وجاء في الميثاق أن "وحدة الصف الإسلامي فريضة شرعية وضرورة واقعية وواجب متحتم، لا سيما وبلادنا تشهد تهديداً وجودياً جدياً يستهدف هويتها وقيمها الفاضلة بالطمس والتجريف".
وتابع: "من الأهداف التي نستشرفها من هذا الاصطفاف الحرص على تنزيل قيم الدين على جميع أوجه الحياة في شؤون المعاش والمعاد في شمول وتكامل".
وأضاف: "هذا الإعلان مفتوح أمام كل طرف أو جهة تجد في نفسها توافقاً معه أو استئناساً بما ورد فيه من معانٍ، بل إنه شأن كل عمل يجتهد فيه الناس سيظل متاحاً لتقويمه ولتعديله بالحذف والإضافة".
كما يتضمن تأسيس التيار الإسلامي مستقبلاً، وحدة تنظيمية ستعمل لها التنظيمات الموقّعة.
غياب حزب الترابي
وغاب عن التوقيع على الميثاق التأسيسي حزب "المؤتمر الشعبي"، الذي أسسه زعيم الإسلاميين بالسودان الراحل حسن الترابي.
وبرَّر القيادي بالمؤتمر الشعبي عمار السجاد غياب حزبه عن التوقيع "لانشغاله بأولوية العملية السياسية خلال الفترة الانتقالية لحل الأزمة السودانية قبل وحدة الإسلاميين".
وقال في حديثه لـ"الأناضول": "تأسيس التيار الإسلامي رغبة وعاطفة لكل الإسلاميين في السودان، وليس ملكاً للتنظيمات التي وقَّعت على ميثاق التأسيس".
واعتبر السجاد أن "نشأة التيار فرضته ظروف وتحديات سيطرة قوى الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم السابق) على السلطة خلال العامين الأخيرين، وإفرازات لجنة إزالة التمكين (حكومية)، وهو ما جعل هذه التنظيمات تصطف وتتداعى".
وأضاف: "تداعوا (مكونات التيار الإسلامي) بسهولة جداً واستفادوا من مواقع التواصل الاجتماعي في إقامة فعاليات عديدة ومناشط اجتماعية من ضمنها إفطارات خلال شهر رمضان".
ونوَّه السجاد بأن نشأة هذا التيار تعود إلى ما قبل عامين وليس وليد اللحظة.
واعتبر أن "ظهور التيار خلال الأيام الماضية يعود إلى أن هذه التنظيمات تريد أن تضع له قيادة".
لكن السجاد يتوقع ألا يستمر التيار الإسلامي في نشاطه خلال المرحلة المقبلة؛ "لأنه ظهر بقوة خلال شهر رمضان بإقامة الإفطارات، وهو موجود منذ عامين، وبعد رمضان سيعود المنضوون تحته إلى واجهتهم التنظيمية"، وفق قوله.
وأكد القيادي في "المؤتمر الشعبي" أن حزبه يعمل لهدف ومشروع واضح "من خلال التركيز على العملية السياسية أكثر من قضايا التنظيم الإسلامي بالسودان".
وتابع: "الحزب قطع شوطاً كبيراً في ذلك من خلال اتصالاته السياسية بالأحزاب".
ويعتقد السجاد أنه "من السابق لأوانه الحديث عن تكتل سياسي للإسلاميين لخوض الانتخابات القادمة بالسودان؛ لأن هناك عدة صيغ يمكن أن تنشأ من خلال التداول والنقاش حول كيفية خوض الانتخابات".
"وحدة إجرائية شكلية"
وفي 16 يونيو/حزيران 2019، قال ياسر عرمان، نائب رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان/ شمال – أحد مكونات الحرية والتغيير، إنه "لا أحد يستطيع اجتثاث الإسلاميين، ودعاهم إلى مراجعة برنامجهم ومشروعهم القديم".
وانضم زعيم الإسلاميين الراحل، حسن الترابي، في سبتمبر/أيلول 2009، إلى تحالف سياسي، يضم أحزاباً يسارية وليبرالية لمناهضة حكم البشير، باسم تحالف "قوى الإجماع الوطني"، وتألف من 17 حزباً.
وضم التحالف معظم الأحزاب المعارضة، بما فيها المؤتمر الشعبي بقيادة الترابي، بجانب حزب "الأمة القومي"، بقيادة الراحل الصادق المهدي، والحزب الشيوعي، بزعامة محمد إبراهيم نقد.
لكن بعد نحو 10 أشهر من وفاة قائده، قرر المؤتمر الشعبي، في 13 يناير/كانون الثاني 2017، المشاركة مع النظام السابق في الحكم.
وأثار القرار وقتها تخوفاً من رموز في المعارضة بشأن توحد الإسلاميين بعد 17 عاماً من الانشقاق الشهير بين حزبي "المؤتمر الوطني"، الحاكم سابقاً، و"المؤتمر الشعبي" بقيادة الترابي.
وفي هذا الصدد، قال المحلل السياسي أحمد موسى عمر لـ"الأناضول": "يجب التفريق بين وحدة الإسلاميين كهدف وبينها وبينه كإجراء، فما حدث مؤخراً هو وحدة إجرائية شكلية متعجلة، الغرض منها محاولة اللحاق بسوق التكتلات السياسية".
واعتبر أن المغزى من تأسيس التيار الإسلامي هو "إرسال رسالة للمبادرات السياسية بأننا هنا، وهو أشبه بما هو دارج سودانياً، ببيع العصر ويقصد به البيع بنهايات اليوم التجاري والذي تباع فيه البضاعة كيفما ينبغي"، وفق وصفه.
وأضاف عمر أن "المشروع يهدف لقيادة الشارع الإسلامي الذي حركته محاولات خنقه فخرج في أول فرصة تنفس لينتهزها، فتسعى المبادرة ربما لقيادة ذلك الشارع".
ورأى أن محاولة تأسيس التيار "مبادرة تغلب عليها الحالة العاطفية المتحركة بين ردة النظام الانتقالي الحالي للحالة القحتاوية (أحزاب الحرية والتغيير) والتي ظل شغلها الشاغل خنق كل ما هو إسلامي"، وفق قوله.
وتابع المحلل السياسي: "هو أيضاً رغبة في الاستفادة من حالة الشقاق بين مكونات الانتقال المدنية والسياسية".
ووصف عمر تأسيس التيار بأنه "مبادرة تكتيكية أكثر منها استراتيجية".