تواجه سلطات الاحتلال الإسرائيلية صعوبة كبيرة في التصدي أو وقف موجة الهجمات الفلسطينية الحالية.
فمع تصاعد الدعوات الإسرائيلية لاغتيال قائد حماس في قطاع غزة يحيى السنوار، رداً على هذه الهجمات، ذكرت صحيفة Haarez الإسرائيلية أنه حتى لو نفذ جيش الاحتلال الإسرائيلي هذه الدعوات فإن هذا لن يوقف موجة الهجمات الفلسطينية الحالية.
وهددت "حماس"، تل أبيب، بحرب فورية إذا مست قائدها في قطاع غزة يحيى السنوار، بعد دعوات إسرائيلية علنية ومتصاعدة لاغتياله.
وقال أبو عبيدة المتحدث باسم "كتائب القسام"، الجناح العسكري لـ"حماس"، في تصريح مقتضب يوم السبت: "في ضوء تهديدات العدو الجبان.. فإننا نحذر وننذر العدو وقيادته الفاشلة بأن المساس بالأخ المجاهد القائد يحيى السنوار، أو أي من قادة المقاومة، هو إيذانٌ بزلزالٍ في المنطقة وبرد غير مسبوق.
ستكون معركة (سيف القدس) حدثاً عادياً مقارنة بما سيشاهده العدو، وسيكون من يأخذ هذا القرار قد كتب فصلاً كارثياً في تاريخ الكيان، وارتكب حماقة سيدفع ثمنها غالياً بالدم والدمار".
لماذا تختلف موجة الهجمات الفلسطينية الحالية عن سابقاتها؟
يقول تقرير صحيفة Haarez الإسرائيلية إن موطن الصعوبة في وقف موجة الهجمات الفلسطينية الحالية ليس في الكشف عن تفاصيل الهجمات بعد وقوعها أو القبض على المهاجمين، وإنما تكمن المشكلة في مرحلة أبكر وأشد خطورة: وهي مرحلة جمع النذر المبكرة التي يمكن أن تستبق بها إسرائيل وقوع هذه الهجمات.
فعلى الرغم مما تعتمد عليه أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية من نشر مكثف لوسائل المراقبة واستشعار الهجمات في جميع مناطق الضفة الغربية وغيرها، لا يزال يصعب على إسرائيل الكشف عن المهاجمين الذين يعملون بمفردهم والمجموعات المحلية الصغيرة التي لا تستند إلى تسلسل هرمي منظم.
تختلف هذه الموجة من الهجمات عن الموجة السابقة من هجمات "الذئاب المنفردة" الفلسطينية في عام 2015، ففي الهجمات السابقة نجحت إسرائيل في صياغة وسائل لتتبُّع التعليقات المعادية لها أو ما تصفه بالتعليقات المتطرفة على وسائل التواصل الاجتماعي، أما هذه المرة فإن المهاجمين يبدو أنهم كانوا أحرص، وتجنبوا ترك أي آثار سابقة على تدابيرهم.
ويُلاحظ اختلاف آخر في هذه الهجمات عن سابقتها، فقد وُصف مرتكبو هجمات 2015 بأنهم أشخاص مهمَّشون أو حتى معزولون، وفي كثير من الحالات، وصفتهم إسرائيل بأنهم كانوا ذئاباً وحيدة في حياتهم اليومية، ذكوراً أو إناثاً من هوامش المجتمع، اقترنت محنهم الخاصة مع أزمة النضال الفلسطيني.
أما هذه المرة، فإن المهاجمين أغلبهم أكبر سناً وأحكم إعداداً لهجماتهم، وحصل معظمهم على أسلحة نارية وتدرب عليها قبل الهجوم، وحتى في الهجمات التي تسلح أصحابها بالفؤوس أو السكاكين، كما في هجوم إلعاد، فإن التخطيط المبكر كان سمة واضحة لم تغب.
قالت الشرطة الإسرائيلية، اليوم الأحد، إنها ألقت القبض على فلسطينيين يشتبه في قتلهما ثلاثة إسرائيليين في هجوم وقع في مدينة إلعاد شمال تل أبيب، يوم الخميس الماضي.
وبحسب ما نشر من تفاصيل، استخدم المشتبه بهما فؤوساً وسكاكين في الهجوم الذي وقع في مدينة إلعاد التي تقطنها غالبية من اليهود الأرثودوكس، وأسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص، وجرح سبعة آخرين.
المهاجمان استخدما ثغرة تعرفها قوات الاحتلال الإسرائيلي
وجاءت العملية بعد ساعات قليلة من انتهاء الاحتفالات الإسرائيلية بما يسمى "عيد الاستقلال" ومرور 74 عاماً على إقامة إسرائيل.
و"إلعاد" مدينة إسرائيلية أقيمت في أقرب نقطة من الخط الأخضر، ويسكنها حوالي خمسين ألف متشدد ديني، لذلك اعتبر سياسيون إسرائيليون اختيارها لتنفيذ تلك العملية بمثابة رسالة واضحة بعد أحداث الأقصى، والاعتداء على المصلين من قبل المستوطنين وجماعات من المتشددين دينياً، حسبما ورد في تقرير لموقع إندبندنت عربية.
كبقية العمليات التي وقعت منذ شهر ونصف الشهر في إسرائيل، وقُتل فيها 18 إسرائيلياً، أظهرت تلك العملية حالة ارتباك بين الأجهزة الأمنية والشرطة والاستخبارات على وجه الخصوص، وحتى ساعة متأخرة من مساء الخميس، كانت هناك روايات متناقضة حول تنفيذ العملية، حتى توصل المسؤولون في الأجهزة الأمنية إلى أنها نُفذت بسلاح بارد.
المؤكد هو استخدام الفأس في العملية، وهي أداة لم يسبق أن استخدمت في تنفيذ عمليات فلسطينية ضد إسرائيليين، وبحسب روايات شهود عيان في منطقة العملية، هاجم أحد منفذيها المارة وهو يصرخ "الله أكبر"، وكان يوجه ضرباته إلى رأس مستوطن. أما الثاني، فتقول الروايات إنه استخدم سكيناً طعن به إسرائيليين.
واستخدم المهاجمان في إلعاد بنية تحتية مدنية مألوفة، حسب صحيفة Haarez، فقد استعانا بمقاول نقل كان ينقل الفلسطينيين ممن ليس لديهم تصاريح عمل إلى المدينة، وقد سهل عليهم الأمر أن "خط التماس" بين إسرائيل ومناطق الضفة ممتلئ بالثغرات المتروكة عن عمد منذ سنوات، بمعرفة السلطات السياسية والعسكرية الإسرائيلية، وقد انتشرت قوات الأمن الإسرائيلية على طول الحاجز في الأسابيع الأخيرة، وأعلنت عزمها على سد ثغراته، إلا أن الغالب أن يستغرق هذا وقتاً طويلاً.
منفذو الهجمات لا يعتمدون على شبكات متماسكة يسهل مطاردتها
وقعت حتى الآن سبع هجمات أسفرت عن مقتل 19 إسرائيلياً، بمعدل هجوم واحد في الأسبوع، وهو ما جعل هذه الهجمات على صدارة الاهتمام السياسي والإعلامي الإسرائيلي، خاصة أن معظمها وقع في قلب المدن.
لم تجرَّ هذه الموجة من الهجمات عدداً كبيراً من الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى الاشتباك العنيف مع جيش الاحتلال، إلا أن كل هجوم ناجح يتبعه هجمات تحاول اقتفاء أثره، وهو ما يُبقي على نار الهجمات مشتعلة، ولا يبدو أن الظنون التي عوَّلت على سيادة الهدوء بحلول نهاية شهر رمضان قد صدقت، حسب الصحيفة الإسرائيلية.
ردَّت إسرائيل على هذه الهجمات بحملات اعتقال شاملة في الجزء الشمالي من الضفة الغربية، وواجهت خلال ذلك مقاومة مسلحة، قتلت خلالها مسلحين فلسطينيين ومدنيين.
ولأن هذه الهجمات لا تعتمد في الإعداد لها على تنظيمات متماسكة، تعذَّر على قوات الأمن الإسرائيلية الكشف عن الأهداف القادمة والقبض على المهاجمين قبل شن هجماتهم، وهو ما جعل إسرائيل تقر بالضعف الذي نال مما تسميه بقوة الردع في هذه المرحلة. وكانت إسرائيل تعوِّل على إرثها من اجتياح جنين ومناطق الضفة في عام 2002، إلا أن تلك الصدمة لا يبدو أنها تحتل في ذاكرة جيل الشباب الذي ينتمي إليه المهاجمون الحاليون المكانة التي تريد إسرائيل لها أن تحتلها، بحيث تردعهم عن شن هجماتهم.
من أين تأتي الدعوات لاغتيال السنوار؟
وبعد تقييم أمني للوضع بمشاركة رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت، ووزير الأمن بيني غانتس، ورئيس أركان الجيش أفيف كوخافي، وقادة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، تقرر إعادة البحث في سياسة التعامل مع "حماس" وقيادة الحركة، وأصدروا قراراً بتمديد الإغلاق في الضفة، ليشكل عقاباً جماعياً للفلسطينيين بمنعهم من التنقل أو مغادرة بلداتهم حتى الأحد، إلى حين انتهاء جلسات تقييم أخرى للوضع.
مع تصعيد التوتر في الأقصى، خلال أيام عيد الفطر والسماح لمجموعات المستوطنين بالوصول إليه تحت حماية الشرطة الإسرائيلية، ومن ثم وقوع اعتداءات على المسجد والمصلين الفلسطينيين وإصابة العشرات بالاختناق والرصاص المعدني المغلف بالمطاط، زادت احتمالات التصعيد الأمني، ومع إطلاق تصريحات لزعيم حركة "حماس"، يحيى السنوار، التي هدد فيها إسرائيل واعتبر الأقصى خطاً أحمر، داعياً الفلسطينيين إلى قتال الاحتلال الإسرائيلي بـ"البندقية والساطور والبلطة"، رفعت الأجهزة الأمنية حالة الاستعداد والتأهب في مختلف المناطق الإسرائيلية، ومع استخدام الفأس في "إلعاد"، حمّل الإسرائيليون السنوار مسؤولية العملية.
وأدَّت خيبة إسرائيل في التصدي للهجمات المستمرة، وما صاحب ذلك من شعور بانعدام الأمن، إلى حنين الإسرائيليين لعهود سابقة وارتفاع عقيرتهم بمطالب تنتمي إلى تلك العهود، حسب وصف Haarez .
ففي بداية الهجمات، طالب بعضهم بشن حملة ردع دفاعية ثانية، وذلك على الرغم من الاختلاف الشديد في الأحوال عما كانت عليه الأمور قبلاً. ثم بعد هجوم إلعاد، اندلعت المطالب في البلاد: دعونا نشن حملة تصفية لقيادات المقاومة، أو للدقة: اقتلوا زعيم حماس يحيى السنوار.
بدأت الدعوات لاغتيال السنوار في غضون ساعات من هجوم إلعاد، وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام العادية، ثم انتقل صداها إلى ألسنة السياسيين بحلول صباح اليوم التالي.
ومنذ صباح الجمعة، أعاد الإسرائيليون تسليط الضوء على كلمة السنوار، ونُشر المقطع الذي دعا فيه إلى "مقاتلة الاحتلال بالبندقية والساطور والبلطة". ودعا نواب في الكنيست إلى اغتياله بشكل فوري، فيما دعا آخرون إلى تنفيذ عملية واسعة في غزة، لتصفية قادة "حماس". وطالب النائب المتطرف، إيتمار بن غفير، سلاح الجو، بقصف بيت السنوار بالصواريخ وقتله مع أفراد عائلته.
لماذا يرى الجيش الإسرائيلي أن استهداف السنوار لن يوقف الهجمات؟
أما الجيش الإسرائيلي، فكانت الدهشة هي عنوان رده على هذه الدعوات، وذلك لعدة أسباب:
أولاً، لا ترتبط حماس بهذه الهجمات إلا بارتباط غير مباشر (والد أحد المهاجمين المتهمين ناشط في حركة حماس، ولهذا سارع الإسرائيليون إلى اتهام حماس بالمسؤولية عن الهجوم). ثانياً، لم يكن اغتيال السنوار محلاً للنقاش القريب قبل الهجوم، على الأقل ليس بين دوائر صنع القرار. ثالثاً، ليس هناك ما يضمن لسلطات الاحتلال أن اغتيال السنوار قد يكون حلاً سحرياً ما لكبح الموجة الحالية من الهجمات.
مع ذلك، فإن كل هذا لم يمنع المعارضة اليمينية من مهاجمة الحكومة واتهام قرار الامتناع عن اغتيال السنوار بأنه خطأ أمني فظيع، ولا منع النقاد الإعلاميين، وكثير منهم من أنصار الحكومة، من الانقضاض على دعوات الاغتيال ورفعها إلى مكانة الوصفة السحرية التي ستُخرج إسرائيل من هذا الواقع الدامي الجديد.
حاولت جميع الحكومات الإسرائيلية الأخيرة، سواء حكومات نتنياهو أو الحكومة الحالية بقيادة نفتالي بينيت، أن تخلق فصلاً محسوباً بين الضفة الغربية وقطاع غزة، إلا أن السنوار نجح في إزالة هذا الفصل العام الماضي، وربط إطلاق الصواريخ من غزة باقتحام المسجد الأقصى والاشتباكات مع عرب 48 داخل الخط الأخضر (حدود عام 1967).
السنوار نجح في إعادة الربط بين غزة مع الضفة والأقصى
لا يبدو أن التوقعات بنجاعة اغتيال السنوار لها أساس من الصحة، وأسباب ذلك عديدة، فقد سقط عنصر مفاجأة إسرائيل للسنوار بعد كل هذه التهديدات والتصريحات. كما أن الاغتيال يعني جولة أخرى من القتال في غزة، ولا تميل إسرائيل إلى ذلك الآن. علاوة على ذلك، فإن سياسة الاغتيال لطالما تباينت نتائجها في مواجهة الهجمات الفلسطينية.
وعلى الرغم مما يشير إليه بعض المتابعين من أثر الاغتيالات في إلحاق ضرر كبير بالمنظمات الفلسطينية، فإن عشرات الاغتيالات التي طالت أبرز قيادات حماس، مثل الشيخ أحمد ياسين عام 2004، لم تكفل لإسرائيل حتى يومنا هذا سوى تلبية الرغبة قصيرة المدى في الانتقام، ويدلنا التاريخ على أن هذه النشوة سرعان ما يزول أثرها في نفوس الإسرائيليين بعد هجمة الرد الفلسطينية التالية.