كيف ضاعف الهجوم الروسي على أوكرانيا معاناة الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية والقدس؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2022/05/01 الساعة 11:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/05/03 الساعة 20:51 بتوقيت غرينتش
جنود من جيش الاحتلال الإسرائيلي /رويترز

يواجه الفلسطينيون مأساة قومية مع سعي الاحتلال لتهويد القدس وفرض التقسيم المكاني والزماني على المسجد الأقصى، وجاء الهجوم الروسي على أوكرانيا ليضاعف المأساة بسبب الاقتصاد.

وكادت الاستفزازات الإسرائيلية في القدس الشرقية المحتلة أن تؤدي إلى اشتعال الحرب بين دولة الاحتلال وحركات المقاومة الفلسطينية خلال شهر رمضان كما حدث في رمضان الماضي، في ظل اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى ونشر مزيد من قوات الاحتلال في باب العامود وزيارة وزير الخارجية للمنطقة والعقاب الجماعي للفلسطينيين في الضفة الغربية وجميع الأراضي المحتلة.

وحاولت قوات الاحتلال الإسرائيلي اقتحام مخيم جنين في الضفة الغربية، الخميس 31 مارس/آذار، وقتلت شابين فلسطينيين، فيما اقتحم عضو الكنيست اليميني المتطرف بن غفير، المسجد الأقصى في حراسة مشددة من شرطة الاحتلال، وأعلنت هيئة أركان جيش الاحتلال حالة التأهب القصوى؛ استعداداً لتنفيذ عمليات خلال شهر رمضان.

الأمن الغذائي للفلسطينيين في خطر

ونشرت مجلة Foreign Policy الأمريكية تحليلاً عنوانه "الفلسطينيون يشعرون بالمعاناة الاقتصادية"، ألقى الضوء على تداعيات الهجوم الروسي على أوكرانيا، الذي تصفه موسكو بأنه عملية عسكرية خاصة لمنع عسكرة كييف بينما يصفه الغرب بأنه غزو غير مبرر، بالنسبة لسكان قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.

ويهدِّد الهجوم الروسي على أوكرانيا، الذي دخل شهره الثالث بالفعل، بدفع الفلسطينيين إلى أزمةٍ غذائية، حيث يعطِّل الهجوم الصادرات الرئيسية ويرفع أسعار السلع الأساسية مثل القمح وزيت البذور، وفقاً لوكالات الإغاثة.

تستورد الضفة الغربية وقطاع غزة أكثر من 90% من إمداداتهما من القمح- يأتي ثلثها تقريباً من أوكرانيا. كانت هذه الأراضي التي تديرها هيئات حاكمة فلسطينية ولكن تحتلها إسرائيل، تواجه بالفعل انعداماً للأمن الغذائي وتحدياتٍ إنسانية أخرى قبل الهجوم الروسي.

فلسطينيون في قطاع غزة المحاصر/رويترز

والآن صاروا يواجهون أزمةً أكثر حدة مع توقف الواردات وإعادة توجيه المساعدات الإنسانية نحو القتال.

ريتشارد ميلز جونيور، نائب سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، قال في اجتماع لمجلس الأمن الدولي يوم الإثنين 25 أبريل/نيسان: "في غزة لا تزال الحاجة إلى الإغاثة الإنسانية وإعادة الإعمار والتعافي ماسَّة".

وأضاف: "بسبب عدوان الرئيس بوتين غير المبرر على أوكرانيا، قد يزداد انعدام الأمن الغذائي سوءاً في الأسابيع المقبلة، في كل من غزة والضفة الغربية، مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود والسلع الأخرى".

ارتفعت أسعار دقيق القمح 18% في الضفة الغربية و24% في غزة مقارنةً بالعام الماضي، وهي زيادةٌ كبيرة فرضت ضغوطاً ماليةً جديدة على الفلسطينيين الذين يعانون بالفعل. ولا يتعلق الأمر بالقمح فقط، فقد زادت تكاليف العدس بنسبة 17%، وارتفعت أسعار زيت الذرة وملح الطعام بأكثر من 26%، وارتفعت تكاليف المدخلات الزراعية الرئيسية، مع ارتفاع تكلفة العلف الحيواني الآن بنسبة 60% في الضفة الغربية.

صدمات سلاسل التوريد وتأثيرها السلبي

إن الأزمة التي تلوح في الأفق في الأراضي الفلسطينية هي مجرد مثال واحد على ما أدى إليه الهجوم الروسي من قلبٍ لسلسلة التوريد الغذائية العالمية. تعتبر أوكرانيا وروسيا مصدرين رئيسيَّين للمواد الغذائية الأساسية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك البلدان النامية التي تتأرجح على حافة انعدام الأمن الغذائي حتى قبل شنِّ الهجوم. 

لبنان الذي يعاني من ضائقة مالية ويعاني بالفعل من أزمةٍ اقتصادية، يستورد نحو 80% من قمحه من أوكرانيا ويتصارع مع أعلى أسعار المواد الغذائية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وفي إفريقيا، ارتفع سعر القمح في جميع أنحاء القارة بنسبة 62%، وفقاً لبنك التنمية الإفريقي. في زيمبابوي وحدها، ارتفعت أسعار الخبز بنسبة 100%. 

قالت إيرين كروزينغا من منظمة أوكسفام الإنسانية: "نحن بصدد نظرةٍ قاتمة للغاية للأمن الغذائي بشكلٍ أساسي".

تُعتبَر الضفة الغربية وقطاع غزة عرضةً بشكلٍ خاص لصدمات سلسلة التوريد والارتفاعات الحادة في أسعار المواد الغذائية، نظراً للوضع الإنساني المزري هناك والقيود الإسرائيلية على التجارة والسفر في قطاع غزة. 

قال نوح جوتشالك من منظمة أوكسفام: "إن الحصار المفروض على غزة يسمح لكل من إسرائيل والمجتمع الدولي والولايات المتحدة بعزل الأشخاص الذين يعيشون في غزة، بالمعنى الحرفي والضمني". فهذا الحصار "يسمح لهم بالتقسيم إلى أجزاء وعدم النظر إلى القطاع والتركيز عليه"، بحسب جوتشالك. 

تسببت الحرب في أوكرانيا في تداعيات طالت جميع المجالات/ رويترز

ورفض متحدث باسم السفارة الإسرائيلية هذه الانتقادات، مشيراً إلى أن 12 ألف عامل فلسطيني ينتقلون يومياً إلى إسرائيل، وأن مئات الشاحنات المليئة بالطعام تذهب من إسرائيل إلى غزة كل يوم.

يعيش أكثر من مليوني فلسطيني في غزة، ما يجعلها واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم.

وقال المتحدث في بيانٍ له: "لا توجد قيود على دخول الطعام أو أي إمدادات غذائية إلى غزة. الحلُّ لتحسين الوضع في غزة هو تحرير غزة من حماس".

استمرت إسرائيل في حصارها المفروض على غزة لمدة 15 عاماً تقريباً. في الماضي تضمنت السياسة بعض القيود على الإمدادات الغذائية لغزة.

الحصار الإسرائيلي على غزة

وحتى قبل الهجوم الروسي على أوكرانيا، كان ما يُقدَّر بثلث الفلسطينيين يعانون من انعدام الأمن الغذائي. بالنسبة لغالبية هؤلاء يمكن تعريف انعدام الأمن على أنه حاد. وتبدو التوقُّعات سيئةً بشكلٍ خاص في غزة، حيث يعتمد أكثر من 80% من الناس على المساعدة الإنسانية وحوالي 96% من المياه العذبة غير صالحة للشرب. 

قال سامر عبد الجابر، مدير برنامج الأغذية العالمي وممثله في فلسطين: "هذا لا يحدث من الفراغ. نحن نتعامل في فلسطين مع الصراع الذي طال أمده والركود الاقتصادي والتجارة المُقيَّدة والوصول المُقوَّض للموارد". 

في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية، يحتاج ما يقرب من مليون طفل إلى مساعدات إنسانية، وهو رقمٌ يمكن أن يرتفع مع استمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية. قالت لوسيا إلمي، الممثِّلة الخاصة لليونيسف في المنطقة، لمجلة Foreign Policy الأمريكية، إن ضغوط الحرب يمكن أن يكون لها تأثير ضار بشكل خاص على الأطفال. 

دخول المساعدات لغزة نفتالي بينيت إسرائيل
رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت/رويترز

وقالت: "يأتي هذا بالإضافة إلى نقطة ضعف موجودة بالفعل، أزمة إنسانية قائمة. إنها أزمةٌ مُضافة إلى الأزمات الأخرى، والأطفال هم دائماً الطرف الأضعف". 

تسعى وكالات الإغاثة الآن جاهدة لتأمين إمدادات غذائية بديلة، على الرغم من أن الكثيرين يقولون إن عملياتهم الإنسانية قد أُعيقَت بشدة بسبب الحرب في أوكرانيا. برنامج الغذاء العالمي، على سبيل المثال، يشتري حوالي نصف إمدادات الحبوب من أوكرانيا. مع تعطل هذا العرض وارتفاع أسعار المواد الغذائية، حذَّر برنامج الأغذية العالمي من أنه سيحتاج إلى خفض الحصص الغذائية للاجئين والمطالبة بمزيدٍ من التمويل. 

وقال ديفيد بيزلي، المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي، أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في مارس/آذار، إن الهجوم على أوكرانيا "سيكون له تأثيرٌ عالمي يتجاوز أيَّ شيء رأيناه منذ الحرب العالمية الثانية". وقال إنه نظراً لاعتماد برنامج الأغذية العالمي على الحبوب الأوكرانية، "يمكنك فقط أن تتصوَّر الدمار الذي سيُحدِثه هذا على عملياتنا وحدها". 

وتقول وكالات الإغاثة في الأراضي الفلسطينية إنها تكافح من أجل مواصلة عملياتها وسط تعطُّل الإمدادات ومحدودية التمويل بشكلٍ متزايد. وأخبرت بعض الوكالات مجلة Foreign Policy أنها تخشى أن تجف المساعدات الدولية أو تُحوَّل نحو القتال في أوكرانيا، ما يزيد من إعاقة قدرتها على توفير شريان حياة إنساني في الأشهر المقبلة.

قال عبد الجابر إن العديد من المانحين "نقلوا بالفعل رسالةً مفادها أننا لا ينبغي أن نتوقَّع نفس المستوى من التمويل كما كان الحال في السنوات السابقة". وأضاف: "هذا أمرٌ مُلقِقٌ لنا، خاصة أنه كان هناك بالفعل اتجاه لإرهاق المانحين فيما يتعلَّق بالمساعدات المُقدَّمة لفلسطين".

تحميل المزيد