خلال اجتياح بلدة بوتشا الواقعة شمال العاصمة الأوكرانية كييف، أبلغ سكانها عن العثور على الآلاف من السهام الصغيرة المخترقة لجدران المباني والسيارات. وتُعرَف المقذوفات المعدنية، التي يصل طولها لـ3 سنتيمترات، باسم flechettes، التي تعني بالفرنسية "الأسهم الصغيرة"، وهي التي تعرف فعلياً باسم "القنابل المسمارية"، السلاح الوحشي الذي كان يستخدم كثيراً في الحروب القديمة وتراجع خلال العقود الأخيرة. فما هي القنابل المسمارية، ولماذا تستخدمها روسيا في هذه الحرب؟
ما هي القنابل المسمارية؟
تعتبر القنابل المسمارية أو الـ"فلاشيت"، مقذوفات معدنية على شكل أسهم صغيرة داخل قنبلة، تم استخدامها كأسلحة فتاكة منذ الحرب العالمية الأولى، كما تم استخدامها بشكل أساسي خلال حرب الكوريتين والغزو الأمريكي لفيتنام، حيث كان استخدامها كأسلحة مضادة للأفراد مثيراً للجدل منذ ذلك الحين.
وتعتبر هذه السهام الصغيرة الخارقة، قاتلة وقادرة على اختراق الأجساد وحتى الخوذات بسهولة، وهي بسيطة التصنيع ورخيصة؛ ويمكن حشوها بأعداد كبيرة في القنبلة الواحدة.
وتقول مجلة The Economist البريطانية، إن هذه السهام الخارقة اختُرِعَت بإيطاليا في أوائل القرن العشرين وتبنّتها جميع الأطراف خلال الحرب العالمية الأولى. كان طول السهام عادةً 12 سنتيمتراً مع زعانف للثبات، وأُسقِطت من الطائرات في عبوات بها العشرات أو المئات. لكنها كانت غير فعالة وحلّت محلها القنابل المتفجرة.
ثم طورت أمريكا جيلاً جديداً أكثر فتكاً في الخمسينيات من القرن الماضي، في برنامج أطلقت عليه اسم Lazy Dog (الكلب الكسول). وهذا السلاح هو قنبلةٌ وزنها 225 كيلوغراماً تنقسم لإطلاق أكثر من 10.000 مقذوف، يبلغ طول كل منها 44 ملليمتراً. وهي تضرب بقوة الرصاصة، وتوقع نحو تسع إصابات لكل متر مربع، مما يعني أنَّ لديها فرصة كبيرة لقتل أي شخص في المنطقة.
أين تم استخدام القنابل المسمارية؟
عكس القنابل الأخرى، أصدرت Lazy Dog قليلاً من الضوضاء باستثناء صوت طقطقة المطر الفولاذي. وفي فيتنام، استخدمت أمريكا أيضاً القنابل المسمارية التي تُطلَق من المدفعية، والمعروفة باسم طلقات Beehive (خلية النحل)، بسبب أزيز السهام. ويمكن صهرها لتنفجر فور خروجها من فوهة البندقية، مما يحولها إلى بندقية صيد عملاقة. وهناك حكايات مروعة، عن ضحايا عُثِر عليهم مُسمّرون على الأشجار في تلك الحرب.
وفي أوائل العقد الأول من القرن الحالي، قادت منظمات حقوقية، دون جدوى، جهوداً لإجبار إسرائيل على وقف استخدام القنابل المسمارية الخارقة في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة. كما فشلت الجهود المبذولة بعد ذلك خلال الحروب على غزة، في إخضاع تل أبيب لقوانين دولية تحرّم استخدام هذه الأسلحة، مثل القنابل العنقودية والألغام الأرضية وغيرها.
وكشفت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية في عام 2014، عن استخدام الجيش الإسرائيلي قنابل مسمارية بشكل واضح في هجومه على قطاع غزة، وأشارت الصحيفة إلى أنه وفقاً لتقرير صادر عن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، فإنه تم إطلاق 6 قذائف من هذا النوع تجاه قرية خزاعة في قطاع غزة يوم 17 يوليو/تموز 2014، مشيراً إلى وقوع إصابات بين السكان، كما أرفق المركز صوراً تشير إلى استقرار المسامير في هياكل المنازل والسيارات بالمنطقة.
ولفتت الصحيفة إلى أن القنابل المسمارية استُخدمت من قبل في قطاع غزة، وأُعلنت كسلاح قانوني من قبل المحكمة العليا الإسرائيلية في عام 2002، إلا أن تقريراً صدر عام 2011 من قبل "مجموعة حقوق الإنسان الإسرائيلية"، وصفها بأنها تحمل خطراً مرتفعاً بشكل خاص لإلحاق الأذى بالمدنيين الأبرياء.
وبينت أن القنابل المسمارية ليست ممنوعة بشكل واضح بموجب القانون الإنساني الدولي في جميع الظروف، إلا أن القواعد الأخرى للقانون الإنساني تجعل استخدامها في قطاع غزة غير شرعي.
وفي سوريا، أكدت تقارير استخدامَ الجيش الروسي للقنابل المسمارية ضد مناطق المعارضة في الشمال السوري، بين الأعوام 2015-2017، إلى جانب العديد من الأسلحة الفتاكة الأخرى مثل القنابل العنقودية والبراميل المتفجرة وغيرها، والتي أوقعت مئات من الضحايا المدنيين.
ما مدى الأضرار التي يمكن أن تسببها القنابل المسمارية؟
تُظهِر الدراسات التي أجراها الجيش الأمريكي على الحيوانات، أنه عند السرعة العالية تندفع السهام الخارقة الصغيرة من القنابل المسمارية عند دخولها الجسم بطريقة عشوائية؛ مما يتسبب في إصابات خطيرة غير متكافئة الأثر. ويمكنها أيضاً اختراق مسافة أعمق داخل الجسم والمرور عبر العظام.
وبخلاف استخدامها كقذيفة لصد الهجمات، على المدى القصير، لا تتمتع السهام الخارقة إلا بمزايا قليلة مقارنة بالذخائر المماثلة، بحسب الإيكونومست، وتماثل بصمتها المخروط العريض، وليس الانتشار على 360 درجة مثل القذيفة. وهي تكلف أكثر بكثير لإنتاجها، من الطلقات التي تنفجر عند الاحتكاك. وكان تصميم Henry Shrapnel الأصلي في القرن الثامن عشر لقذيفة متفجرة مليئة بالكرات المعدنية، لكن في الحرب العالمية الثانية وجد العلماء أنَّ أية قنبلة ذات غلاف معدني بسُمك مناسب تنتج شظايا قاتلة. على النقيض من ذلك، يجب صنع كل قطعة من السهام الخارقة فردياً بتصميم ديناميكي هوائي.
وحدّد نيل جيبسون، من شركة Fenix Insight الاستشارية للتخلص من المتفجرات، القذائف المسمارية التي استخدمتها روسيا في بلدة بوتشا على أنها قادمة من قذائف مدفعية روسية 3sh1 عيار 122 ملليمتراً. وتُظهِر الصور التي التُقِطَت بالقرب من البلدة بندقية مدمرة عيار 122 ملليمتراً مع قذائف 3sh1 لم تُطلَق متناثرة حولها.
عادةً ما تستخدم المدفعية الروسية طلقات تنفجر بالاحتكاك، وهي فعالة ضد مجموعة واسعة من الأهداف، وضمن ذلك المباني والمركبات الخفيفة المدرعة. ربما تكون روسيا قد أصدرت أعداداً صغيرة من القذائف المسمارية لأغراض دفاعية، وقد تكون المشكلات اللوجستية تعني أنَّ سرايا المدفعية بدأت في استخدام أسلحتها بعشوائية. ومن الممكن أيضاً أن يكون الهدف هو "الترويع".