تقارير عن مذبحة مروعة بدارفور.. إليك الرواية الأممية عما حدث وعدد الضحايا وموقف النظام السوداني

عربي بوست
تم النشر: 2022/04/28 الساعة 11:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/04/28 الساعة 11:37 بتوقيت غرينتش
تقارير عن أعمال عنف في دارفور بسبب خلافات قبلية/رويترز

"تقارير عن مذبحة مروعة أدت لمقتل أكثر من 200 شخص في دارفور، إضافة لعمليات حرق ونهب واسعة النطاق"، في تدهور مرعب للأوضاع في الإقليم، دفعت مجلس الأمن للانعقاد، فما حقيقة ما يحدث في إقليم دارفور السوداني، وهل يتدهور الوضع لتكرار الحرب الأهلية بالإقليم، ومن يتحمل مسؤولية ما جرى؟

شهدت منطقتا الجنينة وكرينك في غرب دارفور، منذ يوم الجمعة الماضي، اشتباكات قَبَلية أسفرت عن مقتل أكثر من 200 شخص، فضلاً عن جرح 103 آخرين، وفقاً لتصريحات والي الولاية خميس أبكر عبد الله، وخلّفت الاشتباكات نزوح قرابة 20 ألف شخص، بحسب ما أكدت هيئة محامي دارفور غير الحكومية.

وفي وقت سابق، أمس الأربعاء، وصل وفد حكومي يضم عضو مجلس السيادة عبد الباقي عبد القادر، ووزير الدفاع الفريق الركن ياسين إبراهيم ياسين، ووزير الصحة هيثم محمد إبراهيم إلى الجنينة، حيث عقدوا اجتماعاً للوقوف على الأحداث التي اندلعت مؤخراً في المنطقة، وفق ما أوردت وكالة الأنباء السودانية.

وتشهد مناطق عديدة في دارفور من حين إلى آخر اشتباكات دموية بين القبائل العربية والإفريقية، ضمن صراعات على الأرض والموارد والمياه ومسارات الرعي.

وأقر نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني محمد حمدان دقلو (حميدتي)، الذي ينتمي لإقليم دارفور، الأربعاء، أن هناك "تقصيراً" من الدولة في تطويق أحداث العنف في ولاية غرب دارفور، وقال خلال إفطار رمضاني: "لا أعفي نفسي من تحمل المسؤولية تجاه الأحداث". 

ماذا حدث في دارفور؟

أكثر من ألف من المسلحين التابعين لقبيلة الرزيقات العربية هاجموا بلدة كرينك، السبت الماضي، بعد مقتل رجلين من الرزيقات على يد مجهولين، حسب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان.

وبحسب بيانات المفوضية الأممية قُتل في هذا الهجوم ما لا يقل عن ثمانية رجال من قبيلة المساليت الإفريقية، وأصيب 17 آخرون، بينهم امرأة وثلاثة أطفال، بينما قُتل 7 رجال آخرين من العرب.

وانتشرت قوات الأمن في كرينك، السبت الماضي، لكنها تراجعت في مواجهة هجوم واسع النطاق آخر شنه مسلحون من قبيلة الرزيقات اليوم التالي، سيطروا خلاله على المدينة لعدة ساعات، ونهبوا وأحرقوا مئات المحلات والمنازل، وفتحوا النار على المباني العامة التي لجأ إليها الكثيرون، بما في ذلك مستشفى ومركز شرطة، حيث سقط مزيد من الضحايا على ما يبدو.

دارفور
الأمم المتحدة تعرب عن قلقها من العنف في دارفور/رويترز

وأعربت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشيليت، في بيان، أمس الأربعاء، عن صدمتها من حصيلة 3 أيام من أعمال العنف في المنطقة بين القبائل العربية وغير العربية، وتكرار حوادث العنف القبلي الخطيرة في المنطقة، والتي تحصد أعداداً كبيرة من الأرواح.

ودعت الخرطوم إلى "التحرك العاجل لمنع اندلاع المزيد من أعمال العنف القبلي في ولاية غرب دارفور"، غربي السودان.

وقالت باشيليت في بيانها "لقد روّعتني التقارير التي تفيد بمقتل ما لا يقل عن 159 شخصاً في (محلية) كرينك (تابعة لدارفور)، يومي 22 و24 أبريل/نيسان، وجرح 107، ونزوح الآلاف من منازلهم، كما تعرضت خمس قرى على الأقل في المنطقة للهجوم".

وحثَّت "السلطات السودانية على معالجة الأسباب الكامنة وراء العنف في هذه المنطقة، والاضطلاع بمسؤوليتها بشأن حماية السكان".

كما دعا رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان فولكر بيرتس إلى الوقف الفوري للعنف في الجنينة، وكشف -خلال مؤتمر صحفي- أنه عقد لقاءات مع الجيش والحركات المسلحة ولجان المقاومة وكيانات أخرى من أجل التوافق بشأن المرحلة الانتقالية.

القذافي والبشير والترابي.. كيف نشأ الصراع بعد تعايش دام مئات الأعوام؟

تجدر الإشارة إلى أن نحو 60% من سكان دارفور من القبائل الإفريقية المسلمة التي يغلب على سكانها العمل في الزراعة، و40% من السكان، من القبائل العربية التي يغلب على سكانها العمل بالرعي، وتاريخياً كانت هناك تقاليد لتنظيم العلاقة بين الطرفين، وخاصة مصالح الرعاة والفلاحين، ولكن اندلع نزاع في الإقليم في التسعينيات لأسباب متعددة، منها تهميش الإقليم من قِبل الأنظمة المتعاقبة في الخرطوم، والمناكفات السياسية، حيث يعتقد أن الحركة الشعبية لتحرير السودان، التي كانت تطالب بانفصال الجنوب، شجّعت الدارفوريين على التمرد ضد نظام الرئيس السابق عمر البشير، كما فعل زعيم الجبهة الإسلامية حسن الترابي الأمر ذاته، حيث شجّع بعض العناصر في دارفور على التمرد على الخرطوم، بعد خلافه مع البشير، الذي أنهى الشراكة بينهما وأخرجه من الحكم.

إضافة لعوامل ديموغرافية وجغرافية، منها زيادة السكان وأعداد رؤوس الماشية، وارتفاع أثمانها وانتشار التصحر ونقص موارد المياه والعشب، وتأثيرات مغامرات الزعيم الليبي معمر القذافي في منطقة الصحراء التي أدت إلى زيادة السلاح بالمنطقة، والحروب الأهلية في تشاد المجاورة، إضافة إلى ضعف الجيش السوداني في التسعينيات؛ ما دفعه لتشجيع بعض العناصر التي تنتمي للقبائل العربية، للتصدي لتمرد بعض العناصر التي تنتمي للقبائل الإفريقية، في وقت كانت فيه بعض العناصر العربية تقول إنها تتعرض للأذى من قِبل المتمردين، وأدى ذلك إلى تشكيل ميليشيات الجنجاويد (ميليشيات من القبائل العربية التي تحارب على ظهر الخيول)، التي اتُّهمت بارتكاب مذابح في الإقليم، وُجِّه فيها للرئيس السوداني السابق عمر البشير اتهام بالتورط فيها من قِبل المحكمة الجنائية الدولية.

ولقد هدأت الأمور نسبياً بعد إطلاق مفاوضات بين الحركات المتمردة والحكومة السودانية بوساطات عربية ودولية، كما أصبح محمد حمدان دقلو، الذي يعتقد أنه أحد مؤسسي ميليشيات الجنجاويد من أبرز قادة البلاد، بعد أن عيّنه البشير قائداً لما يُعرف بقوات الدعم السريع، ثم أصبح نائباً لرئيس مجلس السيادة السوداني، ويقدم نفسه كممثل للغرب السوداني برمته، حيث تحالف مع بعض متمردي دارفور من القبائل الإفريقية، الذين كانوا أعداءه السابقين.

مجلس الأمن يجتمع

وفي نيويورك، عقد مجلس الأمن الدولي، اليوم، جلسة مشاورات مغلقة، بناء على طلب من 6 دول أعضاء بالمجلس، لمناقشة الوضع في إقليم دارفور.

والدول الست التي دعت لعقد الجلسة الطارئة لمجلس الأمن هي: الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وأيرلندا والنرويج وألبانيا.

وقال نائب المندوبة البريطانية لدى الأمم المتحدة، السفير جيمس كاريوكي، للصحفيين، عقب انتهاء الجلسة "لقد تمت إحاطتها علماً باستجابة السلطات السودانية، لكننا نخشى من أن تؤدي أعمال العنف تلك إلى عكس المكاسب التي تحققت عبر سنوات من الاستثمار في تحقيق السلام في دارفور".

وأضاف: "أدت أعمال العنف تلك إلى إعاقة تقديم المساعدات الإنسانية للمحتاجين بالمنطقة، فضلاً عن أنها أسفرت عن تشريد أكثر من 62 ألف شخص غربي الإقليم".

حميدتي يرى أن كل الأطراف بدارفور ضحية لمؤامرة خبيثة

وحاول الفريق محمد حمدان إلقاء اللوم على ما يبدو على جهات خارجية.

إذ قال حميدتي خلال زيارته للإقليم إن "كل الأطراف المتورطة في أحداث غرب دارفور هم ضحايا لمخططات خبيثة أعدتها جهات معادية للسودان (لم يُسمّها)، وتقوم بتنفيذها".

ودعا حميدتي إلى "الوقوف لمراجعة الذات، والنظر حولهم إلى الفتن والقتل المتبادل، الممتد منذ ثلاث سنوات، في كل ولايات السودان".

وأردف: "سيتم تشكيل لجنة عليا للتحقيق في أحداث غرب دارفور برئاسة النائب العام"، مشدداً على "ضرورة الوصول إلى الجناة في هذه الأحداث، وإنزال أشد العقوبات بهم".

وفي وقت سابق الأربعاء، وصل وفد يضم عضو مجلس السيادة عبد الباقي عبد القادر، ووزير الدفاع الفريق الركن ياسين إبراهيم ياسين، ووزير الصحة هيثم محمد إبراهيم إلى مدينة الجنينة.

وذكرت وكالة الأنباء أن الوفد عقد اجتماعاً للوقوف على الأحداث التي اندلعت مؤخراً في الجنينة وكرينك.

المستشفى الرئيسي مغلق والضحايا قد يكونون أكثر عدداً

أعلنت لجنة أطباء السودان المركزية، أمس الأربعاء، في بيان اطلعت عليه الأناضول "تم حصر 176 حالة قتل في أحداث دارفور، وهناك حالات قتل تمت مواراتها من غير تشريح أو حتى تبليغ ليتسنى حصرها".

وأضاف البيان: "بلغت حالات الإصابة 220، بينها حالات حرجة تم تحويل بعضها خارج الولاية للعلاج".

وأشار إلى أن مستشفى الجنينة المرجعي (حكومي في عاصمة ولاية غرب دارفور) مازال مغلقاً، وأن الحالات الطارئة من إصابات وغيرها لا تتوفر لها خدمة صحية كافية بالولاية.

وذكرت اللجنة الطبية، وفق البيان، أن مسشتفيين فقط يعملان بمدينة الجنينة، هما "مستشفى السلاح الطبي (تابع للجيش) ومستشفى آخر خاص، لكنهما غير متاحين لجزء كبير من المواطنين بسبب الظروف الأمنية السيئة.

الأمم المتحدة تلتقي بالأطراف المعنية

كما أصدر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في 25 أبريل/نيسان، بياناً شجب فيه قتل المدنيين، ودعا إلى وقف فوري للعنف و"وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق وإجراء تحقيق مستقل في أعمال العنف".

كما دعا رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان، فولكر بيرتس، إلى الوقف الفوري للعنف في الجنينة، وكشف -خلال مؤتمر صحفي- أنه عقد لقاءات مع الجيش والحركات المسلحة ولجان المقاومة وكيانات أخرى، من أجل التوافق بشأن المرحلة الانتقالية.

وفي بيان صدر في 24 أبريل/نيسان الجاري، أعرب فولكر بيرتس، رئيس بعثة الأمم المتحدة للسودان عن أسفه "لعمليات القتل الشنيعة للمدنيين في كيرينك، فضلاً عن الهجمات على المرافق الصحية".

ودعا المبعوث الأممي إلى وضع حد فوري للعنف وإجراء تحقيق متعمق وشفاف، وشدد على الحاجة الملحة لوصول المساعدات الإنسانية بحرية وأمان ودون عوائق.

وطالب حزب المؤتمر الشعبي بالسودان، أمس الأول الثلاثاء، بالوقف الفوري لعملية القتل والنهب في كافة أنحاء ولاية غرب دارفور، والقبض على المجرمين، ونزع السلاح من أيدي المواطنين، وفرض هيبة الدولة.

وقال الحزب (أسسه السياسي الراحل حسن الترابي) في بيان: "نطالب بالوقف الفوري لعملية القتل والنهب في كافة أنحاء الولاية، والقبض على المجرمين ومروّجي الفتن عبر وسائل التواصل الاجتماعي".

ودعا إلى "إخراج كافة القوات المتهمة بالانحياز خارج المدن والأرياف، ومحاسبة لجنة أمن الولاية على التفريط في واجبها تجاه المواطن، ونزع السلاح من أيدي المواطنين وفرض هيبة الدولة".

وحثّ على "الكشف عن الجهات المستفيدة من الحرب (لم يسمها)، والتي تقف وراء تعطيل عمل الأجهزة الأمنية، وعدم التستر على المجرمين، مراعاةً للمصلحة العامة، وحرمة الدماء، وتفويت الفرصة على المتلاعبين بالقبائل من أجل تحقيق مصالحهم الخاصة".

تحميل المزيد