لماذا يبدو التصعيد “المحدود” أقرب الاحتمالات رغم استمرار التوتر حول المسجد الأقصى؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/04/19 الساعة 10:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/04/19 الساعة 11:37 بتوقيت غرينتش
جنود من الاحتلال يعتقلون أحد المصلين في المسجد الأقصى - الأناضول

يبدو أن التصعيد في فلسطين ليس هدفاً لحكومة نفتالي بينيت ولا لحركات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، لكن كل شيء أصبح مرهوناً بما يحدث في المسجد الأقصى والضفة الغربية، فهل تخرج الأمور عن السيطرة؟

فمساء الإثنين 18 أبريل/نيسان، أطلق فلسطينيون، لم يكشفوا عن هويتهم قذيفة من غزة باتجاه إسرائيل، اعترضتها منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية المعروفة باسم "القبة الحديدية". وأغارت مقاتلات إسرائيلية فجر الثلاثاء 19 أبريل/نيسان، على موقع لكتائب القسام، الجناح المسلح لحركة "حماس"، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.

وبدورها، قالت "القسام" في بيان، إنها تصدت للطائرات المُغيرة بصواريخ "أرض جو"، دون أن يصدر جيش الاحتلال الإسرائيلي تعقيباً حول الأمر.

ماذا يريد نفتالي بينيت؟

تسريع الاحتلال الإسرائيلي من وتيرة التغوّل على المسجد الأقصى بالتحديد يهدد بإشعال الأمور مرة أخرى، كما حدث في شهر رمضان الماضي وصولاً إلى حرب مفتوحة بين حركات المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي استمرت 11 يوماً واضطرت حكومة رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو لقبول وقف إطلاق النار بوساطة مصرية بعد أن حققت المقاومة انتصاراً واضحاً في المواجهة التي كان نتنياهو نفسه قد تسبب في إشعالها على أمل التشبث بمنصبه.

وفي هذا السياق، أثارت تصريحات لرئيس الوزراء بينيت الأحد 17 أبريل/نيسان في إثارة ردود فعل فلسطينية من رئاسة السلطة والفصائل، واصفة تصريحات رئيس الوزراء اليميني بأنها "مؤامرة لتهويد الأقصى".

نبيل أبو ردينة، المتحدث باسم رئاسة السلطة الفلسطينية، قال في بيان إن تصريحات بينيت حول أحقية أي شخص في الدخول للمسجد الأقصى والصلاة فيه مرفوضة تماماً، وهي محاولة لتشريع التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى المبارك.

لكن في الوقت الذي يصدر بينيت تصريحاته المتشددة ويعلن عن إطلاق يد جيش وشرطة الاحتلال لاتخاذ ما يرونه مناسباً، يسعى رئيس الوزراء اليميني إلى عدم خروج الأمور عن السيطرة وأن يكون أي تصعيد قادم "محدود"، بحسب تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية عنوانه "بينيت يتحدث بصرامة لكنه يتخذ خطوات لمنع التصعيد الهائل في القدس".

إسرائيل
رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت – رويترز

وبحسب تقرير الصحيفة العبرية، يصدر بينيت تصريحات حادة في مواجهة الانتقادات الخارجية من دول الجوار والهجوم المستمر من المعارضة في الكنيست، بزعامة نتنياهو، وتهدف تصريحات بينيت إلى الظهور بمظهر القوي أمام الرأي العام الإسرائيلي.

فبعد نهاية اجتماع تقييم موقف مع المسؤولين العسكريين السبت 16 أبريل/نيسان، أعلن بينيت أن "القيادة السياسية تعطي قوات الأمن الحرية الكاملة لاتخاذ أي فعل لتوفير الأمن لمواطني إسرائيل".

لكن في حقيقة الأمر، يعمل بينيت أيضاً على تهدئة الأمور. وعلى الرغم من أن الوقت قد يبدو مبكراً للجزم بما قد تؤول إليه الأمور، إلا أن الأيام الأخيرة شهدت تراجعاً في معدل عمليات الاعتقال التي ينفذها جيش الاحتلال في الضفة الغربية. وبالإضافة لذلك، فإن أهم قرار اتخذه وزير الدفاع بيني غانتس بناء على توصيات مسؤولي الأمن وبدعم من بينيت هو عدم فرض إغلاق كامل على الأراضي الفلسطينية المحتلة خلال عطلة عيد الفصح، التي تمتد أسبوعاً، بحسب هآرتس.

وتستشهد الصحيفة العبرية بموقف الحكومات الإسرائيلية خلال عطلة عيد الفصح، حيث كان يتم فرض الإغلاق التام على الأراضي الفلسطينية المحتلة بغض النظر عن مستويات التوتر، لكن حكومة بينيت اتخذت قراراً مختلفاً هذه المرة بالسماح بدخول العاملين الفلسطينيين من حاملي التصاريح إلى الخط الأخضر (الأراضي الفلسطينية التي أقيمت عليها دولة إسرائيل عام 1948).

وبحسب الصحيفة أيضاً، فإن التزام الفصائل الفلسطينية، وبخاصة حركة المقاومة الإسلامية حماس التي تحكم قطاع غزة، التهدئة وعدم الرد على اقتحامات الأقصى واعتقالات الضفة الغربية من جانب جيش الاحتلال، يأتي تلبية للوساطة المصرية المكثفة. لكن استمرار وتصعيد الاقتحامات في الأقصى والاعتداءات على المصلين خلال شهر رمضان يهدد بخروج الأمور عن السيطرة في أي وقت.

هل تتكرر حرب غزة الماضية؟

وتزداد فُرص التصعيد العسكري بين الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة وإسرائيل، في ظل ارتفاع منسوب التوتر بمدينة القدس على خلفية الاقتحام المتكرر للمستوطنين للمسجد الأقصى، أو استمرار الاعتداءات الإسرائيلية في الضفة الغربية، بحسب محللين سياسيين.

لكن رغم فرص التصعيد العسكري، يستبعد محللون سياسيون، في أحاديث منفصلة مع وكالة الأناضول، أن يتدحرج إلى مواجهة واسعة على غرار معركة مايو/أيار 2021.

وفي مايو/أيار 2021، تسببت الانتهاكات الإسرائيلية في المسجد الأقصى، وحي الشيخ جرّاح بالقدس، في اندلاع مواجهة عسكرية بين إسرائيل والفصائل في غزة، استمرت 11 يوماً.

وأرجع المحللون ذلك إلى "أوضاع قطاع غزة الاقتصادية، والاجتماعية، التي لم تتعاف بعد من العدوان الإسرائيلي الأخير، والتي من شأنها أن تُثني الفصائل عن خوض معركة جديدة مفتوحة".

قصف إسرائيلي على قطاع غزة/ رويترز
قصف إسرائيلي على قطاع غزة/ رويترز

فيما أرجع بعضهم ذلك إلى "خشية الحكومة الإسرائيلية، التي تعيش فترة عدم استقرار بعد تقليص قاعدتها في الكنيست، من الدخول في أي مواجهة تهدد استمراريتها".​

وتحذر الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، من استمرار اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى، والاعتداء على المصلين المسلمين فيه، متوعدة بأنها "لن تصمت، في حال تم تجاوز الخطوط الحمراء".

ومنذ بداية عيد الفصح اليهودي، الجمعة، ينظم المستوطنون اقتحامات متكررة للمسجد الأقصى، بحراسة الشرطة، ودعت جماعات استيطانية إلى تكثيف الاقتحامات خلال فترة عيد الفصح. وقبيل الاقتحام، تُجبر الشرطة الإسرائيلية، المصلين المسلمين على إخلاء المسجد، الأمر الذي يرفضه المصلون ما يتسبب بحدوث مواجهات.

يقول حسام الدجني، الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، إن شبح التصعيد بين غزة وإسرائيل، على خلفية أحداث القدس، ما زال قائماً، إلا أن فرصه محدودة. وأضاف، في حديث للأناضول، أن منع "شرطة الاحتلال لمتطرفين يهود من ذبح قرابين داخل المسجد الأقصى، أدى إلى خفض وتراجع فرص التصعيد بين غزة وإسرائيل".

التصعيد "المحدود" أقرب الاحتمالات

كانت جماعات إسرائيلية متطرفة قد دعت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلى ذبح قرابين داخل المسجد، خلال عيد الفصح، لكنّ الشرطة أعلنت أنها لن تسمح بذبح القرابين، متعهدة بالحفاظ على النُّظم المتبعة فيه.

إلا أن فرص التصعيد، وفق الدجني، ما زالت قائمة، إزاء "استمرار الاعتداء على المصلين في الأقصى، واقتحام باحاته من المستوطنين، وسفك المزيد من دماء الفلسطينيين. الكرة الآن في الملعب الإسرائيلي، فإذا تجاوز الخطوط الحمراء، في تدنيس المقدّسات والسماح بالمزيد من الاقتحام، فإن المقاومة لن تبقى بعيدة عن ذلك".

وبحسب الدجني، فإن مشاركة الفصائل في الدفاع عن القدس، ليس بالضرورة أن تبدأ بالعمل العسكري مباشرة، إنما قد يكون لها تدخلات "تتدحرج بالتصعيد في الضفة لتنتقل إلى غزة". كما يعتقد الدجني أن الحركات السياسية والوطنية، نجحت في دفع الوسطاء للضغط على إسرائيل، لنزع فتيل التصعيد.

أما مصطفى إبراهيم، الكاتب والمحلل السياسي، فيقول إن الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، لا يرغبان بالدخول في جولة جديدة من التصعيد العسكري؛ بسبب تكاليفها الباهظة ورغبة الطرفين في هدوء من شأنه أن يحقق مستوى من الاستقرار السياسي في إسرائيل، أو الاقتصادي والمعيشي بغزة.

لكن رغم ذلك، فإن الأحداث في المسجد الأقصى، تُعطي، وفق إبراهيم، مؤشرات لاحتمالية اندلاع تصعيد بغزة، نصرة لهم. وقال، في حديث لوكالة الأناضول: "هناك خشية من أن يدفع استمرار التصعيد الإسرائيلي القاسي، إلى ردود فعل غاضبة، تؤدي إلى تدهور عنيف".

ويعتقد إبراهيم أن الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، غير راغبة بالدخول في جولة تصعيد جديدة، إلا أنها قد تضطر لذلك تحت ضغط الشارع الفلسطيني والعدوان في القدس.

صورة من اقتحامات جيش الاحتلال لمدينة نابلس في الضفة الغربية – Getty Images

"حماس غير معنية بالتصعيد، لأن أوضاع قطاع غزة صعبة، وعملية الإعمار لم تبدأ بشكلها الحقيقي بعد، الحركة تضع هذه الملفات في اعتبارها، لرغبتها في تحسين الأوضاع بغزة. أوضاع الفلسطينيين الداخلية صعبة وكارثية، سواء بغزة أو بالضفة، أكان ذلك من تداعيات الانقسام السياسي، أو حالة التطبيع العربي مع إسرائيل".

وفي السياق، فإن إسرائيل أيضاً "لا ترغب بالتصعيد، في ظل حالة عدم الاستقرار التي تواجهها الحكومة الإسرائيلية؛ لذا قدّمت عدداً من التسهيلات سواء لغزة أو للضفة خاصة بمدينة جنين بعد أيام من الإغلاق"، بحسب إبراهيم.

"تخشى الحكومة الإسرائيلية من تنفيذ المزيد من العمليات داخل المدن الإسرائيلية، ومن سيناريو تدخل فيه مواجهة متعددة الجبهات، الأمر الذي يجعلها تبتعد عن أي معركة جديدة".

ويتوقع إبراهيم أن يكون "حجم التصعيد العسكري بين إسرائيل وغزة في حال اندلاعه، محدوداً، وأن يقتصر على إطلاق صواريخ باتجاه غلاف غزة، دون التوسّع لمواجهة مفتوحة تشمل إطلاق صواريخ بعيدة المدى".

ويتفق مع إبراهيم، المختص بالشأن الإسرائيلي، وديع أبو نصار، الذي يقول إن "إسرائيل غير معنية بتصعيد مع غزة، إنما بتهدئة طويلة المدى". وأضاف أبو نصار، أن أي تصعيد محدود يبدأ من غزة، سيُواجه برد "محدود أيضاً من إسرائيل". وأرجع ذلك إلى حالة "الأزمة التي تعيشها إسرائيل، على عدة مستويات، والتي تجعلها غير معنية بفتح جبهة تصعيد جديدة".

ويرجّح أبو نصار وجود جهود، تبذلها مصر وقطر، لإبقاء قطاع غزة "خارج دائرة الصراع"، موضحاً أن التفاهمات (التسهيلات الحياتية وحالة الهدوء) التي ما زالت جارية بين الطرفين (غزة وإسرائيل)، تشير إلى "عدم نية أي طرف، في الدخول بمعركة جديدة".

إلا أن التطورات الميدانية تبقى "سيدة الموقف"، بحيث قد يتسبب حدث صغير، غير محسوب، باندلاع مواجهة جديدة، كما قال أبو نصار: "الكثير من المواجهات السابقة، بدأت بأزمات صغيرة خرجت عن سيطرة الطرفين، ويبقى لكل واحدة منهما حساباتهما الداخلية".

تحميل المزيد