بعد أقل من شهرين من بدء الهجوم الروسي، تحول أكثر من ربع سكان أوكرانيا إلى نازحين، فما الذي يحدث لمنازل وبيوت وممتلكات هؤلاء الفارين أو اللاجئين؟
مجلة Foreign Policy الأمريكية نشرت تقريراً عنوانه "ماذا يحدث لمنازل النازحين الأوكرانيين؟"، ألقى الضوء على مصير البيوت والمنازل التي يضطر ساكنوها إلى هجرها هرباً بحياتهم من جحيم الحرب، وهو المصير الذي يتراوح بين التدمير أو الاستيلاء عليها بالقوة، ضمن سيناريوهات أخرى.
مساعدات غربية للاجئين والنازحين
كان مانحون، من بينهم الحكومة الكندية والمفوضية الأوروبية، قد تعهدوا بتقديم 9.1 مليار يورو في شكل هبات وقروض ومنح لدعم اللاجئين الفارين من الحرب في أوكرانيا، وذلك خلال فعالية لجمع التبرعات في وارسو البولندية قبل أسبوع أسفرت عن تعهدات بنحو 1.8 مليار يورو لدعم النازحين في الداخل الأوكراني و7.3 مليار يورو للاجئين الذين فروا من البلاد إلى الدول المجاورة.
وتعهدت حكومات وشركات وأفراد معاً بتقديم 4.1 مليار يورو في شكل تبرعات سيتم توزيع غالبيتها عن طريق السلطات الأوكرانية أو الأمم المتحدة. والمليارات الخمسة المتبقية عبارة عن قروض ومنح من مؤسسات مالية تابعة للاتحاد الأوروبي، ومنها برنامج بقيمة أربعة مليارات يورو للمساعدة في توفير الإسكان والتعليم والرعاية الصحية للاجئين الذين يصلون إلى دول الاتحاد الأوروبي.
وعلى المستوى العسكري، قالت وزارة الدفاع الأوكرانية الثلاثاء 19 أبريل/نيسان إن الهدف من الهجوم العسكري الروسي الجديد في شرق أوكرانيا هو الاستيلاء على الأراضي وإقامة رابط بري بين مناطق في الشرق وشبه جزيرة القرم وسحق القوات المسلحة الأوكرانية.
وقال أولكسندر موتوزنياك المتحدث باسم الوزارة إن القوات الروسية تهاجم على امتداد خط المواجهة بأكمله في شرق أوكرانيا وتشدد حصارها على ماريوبول في الجنوب، وتحاول تطويق مدن في منطقتي دونيتسك ولوجانسك الانفصاليتين، اللتين كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أعلن الاعتراف باستقلالهما يوم 21 فبراير/شباط الماضي.
وأضاف موتوزنياك في إفادة صحفية: "الهدف هو هزيمة القوات الأوكرانية وفرض السيطرة على أراضي منطقتي لوجانسك ودونيتسك وإنشاء ممر بري إلى القرم. الجهود الرئيسية تتمثل في اختراق المواقع التي تسيطر عليها القوات الأوكرانية، ولم تتوقف محاولاتهم للسيطرة الكاملة على ماريوبول".
ومنذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، الذي تصفه موسكو بأنه "عملية عسكرية خاصة" تهدف لمنع عسكرة أوكرانيا بينما يصفه الغرب بأنه "غزو"، هرب 4.7 مليون أوكراني خارج البلاد وتحولوا إلى لاجئين، كما نزح 7.1 مليون آخرون داخلياً، أي غادروا منازلهم وانتقلوا إلى مناطق أخرى داخل أوكرانيا.
ما مصير منازل ربع الأوكرانيين؟
ومع استمرار الحرب، التي بدأت 24 فبراير/شباط، تحول نحو ربع سكان أوكرانيا إلى لاجئين ونازحين، أي أنهم تركوا منازلهم وأعمالهم ومصدر رزقهم وهربوا سعياً لإنقاذ حياتهم، كما يحدث عموماً في مناطق الصراعات والحروب، والعدد مرشح للزيادة مع استمرار الحرب.
ما الذي سيحدث لممتلكات الملايين من الأوكرانيين إذاً؟ فالعدسات ووسائل الإعلام حول العالم تنقل مشاهد هؤلاء النازحين وهم لا يحملون سوى حقائب صغيرة وبعضهم لا يحمل شيئاً على الإطلاق، فما مصير ممتلكاتهم التي تركوها خلفهم، سواء منازل أو مزارع أو سيارات أو أي ممتلكات أخرى؟ وعندما يحين الوقت ويعودون إلى بلدهم وتبدأ إعادة الإعمار، كيف يمكن أن يثبت هؤلاء ملكية منازلهم، إذا كانت لا تزال قائمة، أو يثبتون حقهم في التعويض إذا ما كانت قد تعرضت للتدمير أو للسرقة؟
وربما يكون الوقت مبكراً على التفكير في إجابات لهذه الأسئلة، فالحرب لا تزال مشتعلة ولا أحد يمكنه التنبؤ بمتى يمكن أن تضع أوزارها، وإن كانت هناك توقعات بأن تنتهي خلال النصف الأول من شهر مايو/أيار المقبل، أو بالتحديد في اليوم التاسع منه وهو اليوم الموافق ذكرى احتفال الروس بالانتصار على النازية خلال الحرب العالمية الثانية.
وتعتبر المنازل والعقارات تحديداً من أبرز العلامات السلبية في الصراعات الحديثة، فمصيرها يتراوح من الهجر إلى التدمير أو الاستحواذ عليها من جانب آخرين أو احتلالها من جانب القوات المهاجمة. وفي أفضل الحالات، ما إن ينتهي الصراع، تعمل الحكومات والمؤسسات الخيرية وشركاء التنمية في جهد مشترك للتعرف على أصحاب المنازل والعقارات وإعادتهم إليها ما إن تتم إعادة بنائها أو تحريرها.
لكن عملية إعادة التمكين هذه قد تستغرق سنوات إن لم تكُن عقوداً. ففي حال سارت الأمور بسلاسة، يمكن للمواطنين النازحين أن يثبتوا أنهم المالكون الشرعيون للمنازل أو العقارات أو الأعمال التجارية التي تركوها عندما فروا للنجاة بحياتهم وفي النهاية تعود لهم الملكية، وكانت تلك تقريباً هي ما حدث بعد الغزو الصربي لكوسوفو عام 1998.
مدن تمت تسويتها بالأرض
لكن في أغلب الحالات لا تسير الأمور بسلاسة، حتى بالنسبة للنازحين العائدين إلى مدنهم ومنازلهم بعد أن ينتهي الصراع أو الحرب. ففي الغالب يعود اللاجئ ليجد أن سجلات الملكية مفقودة أو تم تدميرها أو ببساطة لم يعد المنزل ملكاً له وهناك آخرون لديهم أوراق تثبت الملكية.
وفي أحيان أخرى، قد يكون حجم الدمار هائلاً لدرجة تختفي معها المنازل والشوارع والأحياء وربما مدن بأكملها، كما قد يكون الحال في كثير من المدن الأوكرانية التي تعرضت لقصف روسي هائل، وتعتبر مدينة ماريوبول أبرز هذه الأمثلة. وفي حالات أخرى تقوم القوات المنسحبة من الصراع بتخريب وتدمير البنايات لجعل الأمور أكثر صعوبة على السكان العائدين لمنازلهم.
ففي إقليم ناغورنو قره باغ، قامت القوات الأرمينية المهزومة بتسوية جميع المنازل والمباني الإدارية التي يمتلكها مواطنون من أذربيجان. وفي كوسوفو، قامت القوات الصربية بسرقة سجلات الملكية الخاصة بأهل كوسوفو، مما تسبب في تحديات هائلة أمام عملية إعادة الإعمار وتسليم الممتلكات لأصحابها وإعادة تأسيس سوق عقاري منضبط، وبالتالي تعطيل عملية النمو الاقتصادي في البلاد حتى اليوم.
وفي العراق، قام تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بمصادرة منازل وممتلكات وأراضي العراقيين الفارين من مناطق الصراع، وباعها التنظيم لاحقاً لتمويل أعماله. وفي تلك الصراعات، تكون النساء والمعارضون السياسيون والأعضاء الأضعف في المجتمع أكثر عرضة للمعاناة لاستعادة منازلهم أو أراضيهم التي اضطروا للفرار وتركها.
ولكل هذه الأسباب مجتمعة أو بسبب واحد أو أكثر منها، تعتبر مهمة إعادة المنازل والأراضي والممتلكات لأصحابها الذين فروا وتركوها للنجاة بحياتهم مهمة صعبة إن لم تكن مستحيلة في كثير من الأحيان، وهو ما يعني أن الناجين من الحرب قد يظلون مشردين حتى بعد العودة، كما يعني أيضاً تعطيل استعادة عافية الاقتصاد وإعادة الإعمار.
كيف ستحدث التسوية في أوكرانيا؟
لا أحد يمكنه توقع شكل اتفاق وقف إطلاق النار أو التسوية التي ستنتهي بها الحرب في أوكرانيا، لكن ما حدث في شبه جزيرة القرم عام 2014 أو منطقة أبخازيا الانفصالية في جورجيا يعتبر مؤشراً يسترشد به في هذا السياق.
فروسيا تصمم في أي تسوية على أن تسيطر على أراض لتسكين قواتها في المنطقة، وهو ما يتوقع أن يحدث على نطاق أوسع هذه المرة. فالهجوم الروسي في شرق أوكرانيا الآن، والذي يتركز على ماريوبول وإقليم دونباس، من المتوقع أن ينتهي إما إلى إعلان تلك الأقاليم جمهوريات مستقلة أو ضمها كما حدث مع القرم، وبالتالي فإن الأوكرانيين الذين نزحوا من تلك المناطق قد لا يجدون منازل أو ممتلكات يعودون إليها.
ويطرح هذا السيناريو تساؤلات وتحديات ملحة بالنسبة لحكومة كييف برئاسة فولوديمير زيلينسكي، فالمواطنون الفارون من الشرق باتجاه الشق الغربي، هل ستعتبرهم الحكومة نازحين داخليين؟ بمعنى أن خسارة منازلهم هي أمر مؤقت؟ أم هل ستتعامل معهم على أن وضعهم أصبح دائماً؟ وفي الحالتين، سيظل السؤال: أين سيقيمون وكيف سيتم تعويضهم؟
إجابة هذه التساؤلات لن تكون سهلة، وأثبتت التجارب من أذربيجان أن العملية قد ينتج عنها تصدعات وتشققات مجتمعية، إضافة إلى المصاعب الأخرى. فالحكومة الأذربيجانية أعادت تسكين نحو مليون أسرة فروا من قره باغ أثناء الحرب مع أرمينيا وقدمت لهم معونات معيشية ووفرت لهم أماكن للإقامة.
تسببت تلك الإعانة الحكومية في إثارة حفيظة مواطنين آخرين لم يتعرضوا للنزوح من ناغورنو قره باغ، لكن معيشتهم تأثرت بسبب الحرب في الإقليم وكانوا ينتظرون أيضاً أن تساعدهم الحكومة.
لكن الصورة ربما تكون مختلفة بصورة إيجابية في أوكرانيا، بحسب تقرير فورين بوليسي، والسبب الرئيسي هو أن نظام سجلات الملكية للمنازل والأراضي والعقارات والشركات، والذي تم تطويره منذ الاستقلال عام 1991 بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، نظام قوي وتم تطويره بأحدث الوسائل التكنولوجية وبالتالي ليس معرضاً للتلف الورقي.
أما السبب الثاني فهو امتلاك أوكرانيا لنظام تصوير بالأقمار الصناعية لما قبل الهجوم الروسي وما بعده. وقد شكلت حكومة كييف بالفعل لجنة عمل هدفها تذليل العقبات أمام عملية إعادة إثبات الملكية بعد أن تنتهي الحرب ويبدأ النازحون في العودة إلى منازلهم.
الخلاصة هنا هي أن الأوكرانيين، على الرغم من التدمير الذي حل بأغلب مدنهم ومنازلهم، ربما يكون أغلبهم قادرين على العودة إلى بيوتهم وإثبات ملكيتهم لها حتى لو كانت قد تعرضت للتدمير الكامل، وقد بدأت بالفعل الدول الغربية في رصد مليارات الدولارات لإعادة الإعمار قبل حتى أن تضع الحرب أوزارها.