نشطت الجهود الدولية والإقليمية لحل الأزمة السودانية مؤخراً وأبرزها الآلية الثلاثية لحل أزمة السودان التي شكلتها المنظمات الدولية المعنية بالسودان، فهل تشهد البلاد انفراجة بعد نحو 6 أشهر من النزاع بين العسكريين والقوى المدنية إثر عزل حكومة عبد الله حمدوك الانتقالية، أم أن القيادات العسكرية الحاكمة تجدد مراوغاتها بهدف الاحتفاظ بالسلطة.
انطلقت مؤخراً مبادرة بعثة الأمم المتحدة (يونيتامس) ومبادرة الاتحاد الإفريقي ومبادرة الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)، التي توحدت في الآلية الثلاثية لحل أزمة السودان.
وفي 12 أبريل/نيسان الجاري، طرحت الآلية الثلاثية للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية للتنمية بشرق إفريقيا "إيغاد"، 4 محاور أساسية لحل الأزمة السياسية بالسودان.
والمحاور الأربعة هي "ترتيبات دستورية، وتحديد معايير لاختيار رئيس الحكومة والوزراء، وبلورة برنامج عمل يتصدى للاحتياجات العاجلة للمواطنين، وصياغة خطة محكمة ودقيقة زمنياً لتنظيم انتخابات حرة ونزيهة".
وشدد فريق العمل المشترك للآلية الثلاثية على "وجوب توفير الإجراءات الضرورية لتهيئة المناخ للحوار بما فيها إطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين ورفع حالة الطوارئ وإلغاء كافة القوانين المقيدة للحريات وضمان عدم حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان".
الآلية الثلاثية لحل أزمة السودان تتلقى دعماً أوروبياً وأمريكياً
جرت لقاءات مكثفة خلال الأسبوع الماضي بين مسؤولين دوليين وإقليميين مع مسؤولين حكوميين سودانيين وقوى مدنية في إطار جهود الآلية الثلاثية لحل أزمة السودان لحل مشكلات البلاد المتفاقمة.
والثلاثاء الماضي، بحث رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو "حميدتي" مع الآلية الثلاثية لحل أزمة السودان التي تضم، رئيس بعثة "يونيتامس"، فولكر بيرتس، ومبعوث الاتحاد الإفريقي، محمد حسن ولد لبات، ومبعوث الإيقاد إسماعيل أويس، الجهود التي تبذلها "الآلية" بشأن تسهيل الحوار بين الأطراف السودانية.
وغداة تلك المباحثات، أكد الاتحاد الأوروبي في بيان، استمرار دعمه للحوار مع كل الأطراف السودانية، وترحيبه بكل الجهود لحل الأزمة في البلاد.
والخميس كشفت قوى الحرية والتغيير عن عقدها لقاء مع "فولكر بيرتس وولد لباد وأويس" ممثلي الآلية الثلاثية لحل أزمة السودان الذين قدموا الدعوة لاجتماع مشترك لأطراف الأزمة، إلا أن قوى الحرية والتغيير طلبت وقتاً لتدارس الأمر والرد عليه.
وفي 6 أبريل/نيسان الجاري، اعتبرت وزارة الخارجية الأمريكية، أن العملية السياسية التي تيسرها بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال في السودان (يونيتامس) "تقدم أفضل فرصة لاستعادة المسار الديمقراطي" في البلاد.
الأمم المتحدة تكشف انتهاكات العسكريين
وقبل ذلك بيوم، أكدت دول "الترويكا" المعنية بالسودان (المملكة المتحدة والولايات المتحدة والنرويج)، دعمها "القوي" لتفويض بعثة الأمم المتحدة لدعم عملية الانتقال في السودان "يونيتامس" وعمل رئيسها فولكر بيرتس، وذلك بعد أيام من تهديد البرهان بطرد رئيس البعثة فولكر بيرتس، بتهمة التدخل في شؤون السودان إثر تقديمه تقريراً لمجلس الأمن يتهم العسكريين الذين يسيطرون على السلطة في السودان بارتكاب جرائم ضد معارضيهم تشمل عمليات عنف واغتصاب لمحتجات.
وسبق أن أعلنت وزارة الخارجية السودانية أنها شرعت في إجراءات لضبط عمل بعثة الأمم المتحدة "يونيتامس" بما يجعلها تتحرك في نقاط تفويضها والمهام التي منحت لها.
كما غضب البرهان من إعلان بيرتس عن أن المشاورات الموسعة التي عقدها مع مختلف الفعاليات السياسية والمجتمعية السودانية، "أظهرت اتفاقاً واسع النطاق على ضرورة إعادة النظر في دور مجلس السيادة وحجمه وعضويته وتشكيل جيش مهني موحد، وإنشاء كيانات قضائية، وتهيئة الظروف لإجراء انتخابات ذات مصداقية، وكذلك إلى عملية دستورية شاملة، وأن تكون هناك مشاركة قوية من جانب المجتمع الدولي لدعم الانتقال السياسي، بما في ذلك إمكانية العمل كضامن لأي اتفاق".
ولكن بعد الدعم الغربي لبعثة الأمم المتحدة، بدأت السلطات العسكرية تصبح أكثر تجاوباً مع دعوات الحوار الأممية والآلية الثلاثية لحل أزمة السودان.
العسكريون يلقون الكرة في ملعب المعارضة
ويؤكد العسكريون الذين يتولون السلطة في البلاد على ضرورة توافق السودانيين من خلال حوار شامل يضم الجميع، بهدف الوصول إلى رؤية موحدة لاستكمال الفترة الانتقالية وصولاً لمرحلة إجراء الانتخابات.
كانت بعثة "يونيتامس" أعلنت في 7 مارس/آذار الماضي، أنها أسست آلية تنسيق مشتركة مع الاتحاد الإفريقي لـ"توحيد جهودهما والعمل معاً على الأرض"، في إطار المساعي الدولية لحل الأزمة بالسودان.
وبين 8 يناير/كانون الثاني و10 فبراير/شباط الماضيين، أجرت البعثة الأممية مشاورات أولية مع أطراف الأزمة السودانية، لبحث سبل الخروج من الأزمة الراهنة.
وتلك الأزمة اندلعت منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عندما خرجت احتجاجات رافضة لإجراءات استثنائية اتخذها البرهان آنذاك، وهو قائد الجيش أيضاً، أبرزها فرض حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين.
ومقابل اتهامات له بتنفيذ انقلاب عسكري، قال البرهان، إنه اتخذ هذه الإجراءات لـ"تصحيح مسار المرحلة الانتقالية"، متعهداً بتسليم السلطة إما عبر انتخابات أو توافق وطني.
وقبل تلك الإجراءات كان السودان يعيش منذ 21 أغسطس/آب 2019 مرحلة انتقالية تستمر 53 شهراً يفترض أن تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024.
وكان يُفترض أن يتقاسم السلطة خلال تلك المرحلة كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقعت مع الحكومة اتفاق سلام في 2020، وأن يتولى رئاسة مجلس السيادة عضو مدني بدلاً من البرهان، ولكن الجيش عدل خارطة الطريق وأبقى على الرئاسة العسكرية للمجلس قبل أن يعزل حكومة عبد الله حمدوك ويضعه قيد الإقامة الجبرية ثم أعاده لرئاسة الحكومة وهو ما أثار غضب القوى المدنية التي اعتبرت حمدوك متواطئاً مع العسكريين.
الآلية الثلاثية لحل الأزمة السودانية تركز على إطلاق سراح المعتقلين
الكاتب والمحلل السياسي عثمان فضل الله، يرى أن الجهود الأممية والإقليمية تتركز حالياً على تهيئة المناخ لأي حوار مستقبلي وذلك بإلغاء أمر الطوارئ وإطلاق سراح المعتقلين.
وفي حديثه للأناضول، يضيف فضل الله: "جميع اللقاءات للمسؤولين الأمميين والأفارقة خلال الأيام الماضية انصبت على تحقيق خطوة تهيئة الأجواء لأنه بدونها لن يكون هناك حل للأزمة السياسية بالحوار".
ويتابع قائلاً: "وحسب ما هو متوفر فإن هذه الخطوة قريبة، بمعنى أن البرهان والعسكريين سيرضخون لهذا الأمر لأنه مفتاح للحل".
ويشير إلى أنه إذا تحقق شرط تهيئة الأجواء فإنه يمكن أن نقول إن الجهود الدولية والإقليمية أثمرت عن تحقيق الخطوة الأولى نحو الحوار بين المدنيين والعسكريين.
وأردف: "تهيئة الأجواء للحوار قد تقود للمرحلة الثانية وهي الجلوس للحوار بين أطراف الأزمة".
والخميس، قالت قوى إعلان الحرية والتغيير "الائتلاف الحاكم سابقاً"، إنها لن تمضي في أي عملية سياسية دون إطلاق سراح المعتقلين وإلغاء حالة الطوارئ ووقف قمع المتظاهرين.
فيما أعلن رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، الجمعة، أنه سيتم الإفراج عن المعتقلين السياسيين "خلال يومين أو ثلاثة"، بهدف تهيئة مناخ الحوار في البلاد.
وتتهم قوى المعارضة ومنظمات حقوقية السلطات باعتقال قادة سياسيين وعشرات النشطاء في "لجان المقاومة"، التي تشارك في تنظيم احتجاجات مستمرة تطالب بـ"حكم مدني ديمقراطي كامل"، لكن السلطات عادة ما تقول إن "توقيف بعض الأشخاص يتم بواسطة السلطات القضائية التي تتمتع باستقلالية كاملة".
حميدتي يقول إنه ليس هناك معتقلون سياسيون
ونفى محمد حمدان دقلو، نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي بالسودان المعروف بلقب "حميدتي" وجود معتقلين سياسيين في البلاد، وقال إن هناك متهمين ينبغي أن تستكمل كافة إجراءاتهم وفقاً للقانون، وإن العسكريين لن يتدخلوا في قضية أمام القضاء، فقط سيستعجلون السير في الإجراءات للفصل في القضايا، مشيراً إلى أن جميع من في السجون ينبغي أن يتمتعوا بكامل الحقوق المتمثلة في مقابلة محاميهم وأسرهم.
وانتقد دقلو محاولات بعض القوى السياسية تمرير أجندتها الخاصة عبر المسهلين في الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وتمديد الفترة الانتقالية لأطول مدة ممكنة، مشيراً إلى أن ذلك لن يتم وأن السبيل الوحيد للحكم هو الانتخابات، داعياً المجتمع إلى التصدي لتلك الأحزاب. وزاد بالقول: "الناس ديل ما عايزين ديمقراطية لكن لا سبيل للحكم إلا عبر الانتخابات".
وأشار نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي إلى أن بعض القوى السياسية تطالب القوات النظامية بالعودة للثكنات، مبيناً أنهم غير ممانعين لكنهم لن يعودوا إليها وهناك من يتآمر على العسكر ويضع سكيناً على رقابهم، محاولاً محو القوات النظامية من الوجود.
المجتمع الدولي يمارس ضغوطاً كبيرة على العسكريين
ومتفقاً مع فضل الله، يقول المحلل السياسي يوسف سراج إن المجتمع الدولي مارس ضغوطاً كبيرة على السلطة الحاكمة من أجل تقديم تنازلات لتجاوز الأزمة الحالية ولإكمال الفترة الانتقالية.
وفي حديثه للأناضول يضيف أن المجتمع الدولي كذلك مارس ضغوطاً على القوى المدنية حتى تتنازل من أجل تحقيق خطوات إيجابية نحو الحل بإجراء حوار وصولاً لاتفاق يؤدي إلى انتخابات نزيهة.
ويؤكد سراج أن "المؤشرات تذهب باتجاه خطوات تحقيق حل حتى ولو جزئي للأزمة باعتبار أن الضغط السياسي والاقتصادي الكبير الذي تواجهه سلطة العسكر يجعلها تبحث عن تسوية أو إعادة شراكة مع المدنيين تحت المظلة الأممية والإفريقية".
ويشير إلى أن المؤسسة العسكرية في البلاد قد تكون وصلت لنتيجة أنها "قد ضاقت ذرعاً بالسلطة ولم يعد همها السيطرة عليها بقدر ما هي تريد أن تحافظ على وجود العسكر وإدارتهم لمؤسساتهم وحدهم".
وبالإضافة للأزمة السياسية، يعاني السودان من أزمات اقتصادية متلاحقة وأزمات في غاز الطهي والكهرباء والمياه.
والثلاثاء، أظهرت بيانات رسمية، ارتفاع معدل التضخم بالسودان في مارس/آذار الماضي إلى 263.16%، على أساس سنوي، مقارنة مع 258.40% في فبراير/شباط السابق له.
ومن غير الواضح هل تقبل العسكريين دعوات الحوار والتهدئة الأممية يأتي في إطار مساعٍ حقيقية لحل الأزمة، أم لتخفيف الضغوط الغربية وغضب الشارع السوداني.
في المقابل، فإنه ليس من الواضح أن ما يعرف بالقوى المدنية السودانية التي يقودها اليسار، قد غيرت من توجهاتها الرامية لتسلم السلطة بشكل غير ديمقراطي وتأجيل الانتخابات وإطالة الفترة الانتقالية ليتسنى لها السيطرة على مقدرات البلاد عبر آليات غير انتخابية أم أنها تصر على هذا المسار الذي يستغله العسكريون لتأخير تسليم السلطة، خاصة أنهم يقولون إن القوى الرئيسية الممثلة في ائتلاف قوى الحرية والتغيير لا يمكن أن تزعم أنها تحتكر تمثيل الشعب السوداني.