كيف سيصبح حال فرنسا إذا فازت مارين لوبان السياسية اليمينية المتطرفة في انتخابات الرئاسة المرتقبة، هل تتعرض البلاد لأزمة سياسية وتدخل في مشكلات مع جيرانها الأوروبيين؟
وتعهدت مارين لوبان بزيادة الأموال التي تدخل إلى جيوب الناخبين، وإعادة فرنسا إلى مكانها الصحيح في العالم، حسب تعبيرها، وتفضيل مواطنيها على المهاجرين في السكن والوظائف والرعاية الاجتماعية.
ولكن إذا فازت مارين لوبان على الرئيس إيمانويل ماكرون في انتخابات الأحد المقبل 24 أبريل/نيسان وحاولت تنفيذ برنامجها، فقد تقضي معظم أيامها المئة الأولى في خلافات مع البرلمان، حارس الدستور الفرنسي، ومع الاتحاد الأوروبي، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Times البريطانية.
وفقاً لتحذيرات خبراء. قد تجد صعوبة بالغة أيضاً في العثور على كفاءات لتشكيل حكومتها.
فما الذي ستحاول زعيمة حزب التجمع الوطني اليميني فعله إذا فازت بالانتخابات، وكيف سيصبح حال فرنسا إذا فازت مارين لوبان، ولماذا قد يثير فوزها أزمة سياسية في البلاد؟.
تعهدت بقائمة طويلة من الهبات المالية
يعود الجزء الأكبر من نجاح مارين لوبان في حملتها إلى تعهدها بحل أزمة غلاء المعيشة، التي تضر بفرنسا وتتصدر مخاوف الناخبين، وفقاً لاستطلاعات الرأي.
فلقد تعهدت لوبان بقائمة طويلة من الهبات المالية تشمل خفض ضريبة القيمة المضافة على الوقود من 20% إلى 5.5%؛ وتشجيع الشركات على زيادة الأجور بإعفاء أصحاب العمل من المساهمة في هذه الزيادات؛ وإعفاء كل فرد دون سن الثلاثين من دفع ضريبة الدخل.
ورغم أن ماكرون يرغب في رفع سن التقاعد إلى 65 عاماً، ترغب لوبان في إبقائه عند مستواه الحالي 62 عاماً- أحد أدنى المستويات في أوروبا- وخفضه إلى 60 لمن بدأوا العمل قبل بلوغهم سن العشرين.
صحيح أن لوبان خففت من حدة موقفها المعادي للهجرة الذي كان السمة المميزة لحزب التجمع الوطني منذ تأسيسه باسم الجبهة الوطنية عام 1972 على يد والد لوبان، جان ماري، فهو لم يختفِ بالكامل، فقد توعدت بفرض غرامات على المحجبات في الأماكن العامة.
طرد غير الفرنسيين من منازلهم
حال فرنسا إذا فازت مارين لوبان قد ينقلب في العديد من الملفات وخاصة وضع المهاجرين في البلاد.
الحديث الآن عن priorité nationale أو الأولوية الوطنية، وهي سلسلة من الإجراءات التي تريد لوبان، المحامية سابقاً، دمجها في الدستور. وهذه الإجراءات ستقلل من حقوق الأشخاص غير الفرنسيين الذين يعيشون في فرنسا، وتشمل إخلاء 620 ألف وحدة من مساكن الإسكان الاجتماعي "التي يشغلها أجانب حالياً". على أن خبراء شككوا في أرقام وشرعية هذا الإجراء.
وتريد لوبان أيضاً منع النساء من ارتداء الحجاب في الأماكن العامة، وقالت في مقابلة إذاعية إن المخالِفات سيغرّمن، تماماً مثل من يرفضون ارتداء أحزمة الأمان.
كيف سيصبح حال فرنسا إذا فازت مارين لوبان؟ المشكلة الأولى في الاقتصاد
وسياساتها الاقتصادية، على وجه الخصوص، لها مشكلاتها، وهناك قلق من الاقتصاديين تحديداً بشأن حال فرنسا إذا فازت مارين لوبان.
وقد أكدت لوبان أن تكلفة خططها محسوبة بالكامل، تحاشياً للتساؤلات التي تشكك في كفاءتها.
لكن جمعية أرباب العمل الفرنسية Medef حذرت من أنها ستؤدي إلى "زيادة كبيرة وغير ممولة في الإنفاق العام قد تؤدي بالبلاد إلى طريق مسدود".
هذه الإجراءات ستحتاج أيضاً إلى موافقة البرلمان الذي يهيمن عليه خصوم لوبان السياسيون؛ فحزب التجمع الوطني لديه سبعة مقاعد فقط من أصل 577 مقعداً في الجمعية الوطنية الفرنسية، مجلس النواب بالبرلمان الفرنسي، ولن تُجرى انتخابات حتى يونيو/حزيران.
قد تحل البرلمان وتدعو لاستفتاء لتغيير الدستور
يرى توماس ميشالسكي، أستاذ الاقتصاد في كلية إدارة الأعمال HEC Paris، أن أحد الحلول التي قد تلجأ إليها لوبان أن تحل البرلمان ثم تسرع بتمرير بعض الإجراءات الأكثر شعبية، مثل تخفيضات ضريبة الوقود، بموجب مرسوم، لتزيد عدد مقاعد حزبها. لكنها ستجد صعوبة في الفوز بأغلبية برلمانية وستضطر على الأرجح، طوال فترة ولايتها البالغة خمس سنوات، للتعايش مع هيئة تشريعية معادية لها.
وهذا التعايش الإجباري يعني أن الطريقة الوحيدة لتحقيق هدفها بتعديل الدستور الفرنسي ليشمل مرجعية إلى "الأولوية الوطنية" هي الدعوة لاستفتاء. وهذا الاستفتاء قد يفيدها أيضاً لتحقيق هدفها الآخر: إضافة فقرات إلى الدستور تمنح أحكامه السيادة على القانون الأوروبي والدولي.
تقول لوبان إنه يمكنها فعل ذلك بموجب المادة 11 من الدستور، التي استخدمها الجنرال شارل ديغول، الرئيس الفرنسي في الستينيات. على أن خبراء شككوا في قانونية هذا الإجراء ونبهوا إلى أن هذه الخطوة قد يبطلها المجلس الدستوري، أعلى سلطة دستورية في البلاد.
وقال دومينيك روسو، المحامي الدستوري الفرنسي الشهير، لصحيفة Le Monde: "ما تقترحه مارين لوبان يشبه الانقلاب". وثارت شكوك حول إمكانية استغلال هذه الاستفتاءات للبت في قضايا أخرى أيضاً، رغم أنها نفت يوم الجمعة 15 أبريل/نيسان أنها قد تشمل التصويت على إعادة المقصلة.
سياستها قد تخرق قوانين الاتحاد الأوروبي وتدخله في فوضى
حال فرنسا إذا فازت مارين لوبان قد ينذكر بكارثة بروكسل أيضاً: فمعظم مقترحاتها تخرق قانون الاتحاد الأوروبي وتهدد السوق الموحدة، ما سينتج عنه تورط فرنسا في سلسلة من الخلافات تتضاءل بجوارها الخلافات القديمة بين المفوضية الأوروبية والمجر وبولندا حول "حكم القانون". وستخوض لوبان معركة أيضاً بخصوص مقترحها خفض مساهمة فرنسا في ميزانية الاتحاد الأوروبي، في ظل إحجام الدول الأعضاء الـ26 الأخرى عن دفع المزيد.
كانت لوبان قد أسقطت في السابق دعوات للتخلي عن اليورو أو مغادرة الاتحاد الأوروبي، وهي التوجهات التي سبق أن كلفتها أصواتاً في الانتخابات السابقة.
وقالت: "لا أحد ضد أوروبا، نريد إصلاح الاتحاد الأوروبي من الداخل، كلما حررنا أنفسنا من قيود بروكسل بينما بقينا في الاتحاد الأوروبي، نظرنا أكثر إلى العالم الأوسع".
وقالت: "يبدو لي أن هذا هو ما فهمه الإنجليز جيداً"، في إشارة إلى خروج بريطانيا في عام 2020 من الاتحاد الأوروبي.
رغم أنها ليست مؤيدة صريحة لـ"بريكسيت"، إلا أن لوبان انتقدت القيود التي قد يضعها قانون الاتحاد الأوروبي على أعضائه.
قد تؤدي آراؤها بشأن ضوابط الحدود في مواجهة مباشرة مع مبادئ حرية الحركة في الاتحاد الأوروبي.
ويهدف برنامجها إلى تفريغ الاتحاد الأوروبي، وسيضعها في مسار تصادمي مع معظم الشركاء الآخرين في العديد من النقاط.
وحذر إيان بوند وجون سبرينغفورد في تقرير صدر الأسبوع الماضي عن مركز الإصلاح الأوروبي وصف خططها لأوروبا بأنها "إعلان مشكلات" بالقول: "إذا نفذت لوبان سياساتها، فستُفضي بالاتحاد الأوروبي إلى فوضى سياسية".
قد تخرج باريس من القيادة العسكرية للناتو
وتنبأ التقرير أيضاً بمشكلات أخرى قد تثيرها جوانب أخرى من سياسة لوبان الخارجية، التي تظل، بموجب الدستور الفرنسي، من اختصاص الرئيس، وأخطر هذه الجوانب تعهد لوبان بمغادرة هيكل القيادة العسكرية لحلف الناتو، على غرار ديغول، الذي وصلت معاداته لأمريكا حداً أقدم معه على خطوة مماثلة عام 1966. (لم تعد فرنسا إلا عام 2009).
وقالت لوبان، في حديث لها الأسبوع الماضي، إنها لن تسمح بوضع القوات الفرنسية تحت قيادة الناتو التكاملية أو قيادة أوروبية مستقبلية، وإنها ترفض "الخضوع للحماية الأمريكية". ودعت أيضاً إلى "تقارب استراتيجي" بين روسيا والحلف الغربي فور انتهاء الحرب في أوكرانيا وتوقيع معاهدة سلام.
تقول ألكسندرا دي هوب شيفر من مؤسسة مكتب باريس التابع لصندوق مارشال الألماني في الولايات المتحدة، إن الكثير من خطاب لوبان يذكِّرنا بحملة دونالد ترامب الناجحة لرئاسة الولايات المتحدة عام 2016. وقالت: "هي تصور نفسها على أنها المرشحة القادرة على إنقاذ فرنسا من انحدارها على الساحة الأوروبية والعالم. وشعارها قد يتحول في الواقع إلى (لنجعل فرنسا عظيمة مجدداً)".
ستهدد العلاقات الفرنسية الألمانية
وتستهدف لوبان أيضاً العلاقة المميزة بين فرنسا وألمانيا التي تطورت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. إذ تعهدت بإنهاء جميع برامج الأسلحة المشتركة بينهما والتوقف عن دعم طلب برلين للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وقالت في إشارة إلى المستشارة الألمانية السابقة، لفترة طويلة: "سأواصل العلاقة مع برلين، دون اتباع نموذج ماكرون وميركل، الخاص بالعمى الفرنسي تجاه برلين".
وشجبت ما وصفته بـ"الهيمنة السرية والذكية على أوروبا" التي دبرتها أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية السابقة. وأشارت إلى أن ألمانيا شرعت في خطة سرية لتخريب نموذج فرنسا المركزي بنموذج فدرالي ألماني، أو حتى إنشاء "مناطق عبور حدودية كبيرة بين البلدين".
وقالت لوبان: "تمثل ألمانيا بالتالي النقيض القطبي للهوية الاستراتيجية لفرنسا". ومع ذلك قالت: "أريد أن أؤكد أنه ليس لدي أي عداء للأمة الألمانية".
وتعهدت لوبان بأن ألمانيا لن يُسمح لها بـ"تدمير الصناعة النووية الفرنسية". وأصرت على أن مصالح ألمانيا تباعدت عن مصالح فرنسا، حيث إن برلين "تعتبر الناتو الركيزة الطبيعية لأمنها، ما يدفعها إلى التقارب مع أمريكا".
وقالت لوبان إن فرنسا وألمانيا تواجهان "اختلافات استراتيجية لا يمكن التوفيق بينها، وحذرت من أن هذه الاختلافات ستعني طريقة جديدة للعمل مع برلين".
كما قالت لوبان إنها تريد مزيداً من المسافة في العلاقات مع ألمانيا.
ومثل زملائها اليمينيين في بولندا، تعترض لوبان على أولوية قانون الاتحاد الأوروبي، بحجة أن الدستور الفرنسي يجب أن يأتي أولاً.
وبالنظر إلى أن لوبان قد لا يكون لديها أصدقاء كُثُر في أوروبا باستثناء زعيمي المجر وبولندا المحافظين، فقد تكون أكثر تقبلاً لبوريس جونسون من ماكرون.
على أنها على الأرجح ستصبح أكثر شعبويةً إذا تعارضت المصالح الفرنسية والبريطانية.
فحين تصاعد الخلاف بين بريطانيا وفرنسا بشأن حقوق الصيد في نوفمبر/تشرين الثاني، طالبت ماكرون باتخاذ موقف أكثر حسماً في تنفيذ ترتيبات ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وقالت للصحفيين إن الرئيس "يواصل ترديد تهديدات دون أي فعل. فإما أن يصمت أو يفعل".
ورغم أن مشكلة الصيد قد حُلت بعدها على ما يبدو، فهي على الأرجح لن تقبل طلبات بريطانيا بأن تستعيد فرنسا المهاجرين الذين يصلون إليها عن طريق بحر المانش. وتساءل بوند: "من الجائز أن وزارة الداخلية البريطانية والفرنسية لا تحبان بعضهما كثيراً في ظل الظروف الحالية، ولكن هل تتخيل أن تتعهد مارين لوبان بإبقاء جميع هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين في كاليه وتمنعهم من التوجه عبر المانش إلى المملكة المتحدة"؟.
وأضاف: "بل سترغب في إخراجهم من الأراضي الفرنسية بأسرع ما يمكن وفي أي اتجاه ممكن".