ركود حاد في أوروبا سيحدث إذا تم قطع الغاز الروسي عن القارة سواء أغلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صنابير الغاز عن القارة أو أوقف الاتحاد الأوروبي استيراد الغاز الروسي فجأة.
وتصاعدت الدعوات إلى قطع إمدادات الغاز الروسية، من أوكرانيا وبعض الجهات الأوروبية والأمريكية، خاصة بعد الاتهامات التي وُجهت إلى روسيا بالتورط في جرائم حرب بمدينة بوتشا القريبة من كييف.
ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا، كان إمداد أوروبا بالغاز الطبيعي إحدى أكبر أوراق المساومة بالنسبة لموسكو.
تختلف دول أوروبا في مدى اعتمادها على الغاز الروسي، إذ تمثل الإمدادات الروسية نحو تمثل 65% من الواردات إلى ألمانيا القوة الاقتصادية في أوروبا و100% لدول مثل لاتفيا وجمهورية التشيك، حسب the Guardian.
وليتوانيا هي الدولة الوحيدة التي أوقفت استيراد الوقود من روسيا، في 3 أبريل/نيسان 2022، مع بقاء بقية القارة ممزقة بين احتياجاتها من الطاقة وعدم الرغبة في وضع أموال بخزائن روسيا، حسبما ورد في تقرير لموقع Quartz.
وقبل أيام من اتخاذ ليتوانيا موقفها، حذّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أنه قد يقطع إمدادات الغاز عن الدول الأخرى إذا لم تبدأ في دفع فاتورتها بالروبل.
وتوقع الاقتصاديون الألمان حدوث ركود كبير في اقتصاد أوروبا إذا توقفت إمدادات الغاز الروسي، وقد تنتشر الآثار عبر القارة في وقت تصاعدت فيه مطالبات.
لماذا تحتاج أوروبا إلى اتخاذ قرار جماعي في مسألة مقاطعة الغاز الروسي؟
تجني روسيا 400 مليون دولار يومياً من بيع غازها، وفقاً لشركة Rystad Energy. إذا قرر عدد قليل من الدول الأوروبية وقف الواردات، فستستفيد روسيا: فالندرة ستدفع الأسعار للارتفاع، وتعوّض الإيرادات المفقودة، كما قال سيندر كنوتسون، نائب رئيس شركة ريستاد للغاز.
لكن إذا أوقفت أوروبا ككتلةٍ الواردات فجأة، فستكون روسيا في مأزق، لأنه ليست لديها وسيلة للوصول إلى عملاء بدلاء كافين.
وفي العقدين الماضيين، أنشأت روسيا شبكة توصيل الغاز باهظة الثمن لخدمة أوروبا.
وتزود روسيا، الصين ببعض الغاز لكن من حقولها الشرقية الموجودة في سيبيريا. ولكن لا توجد وسيلة لنقل الغاز من الغرب الروسي، الذي تأتي منه معظم الإمدادات أوروبا، إلى الصين.
وقال كنوتسون إن أحد الخيارات هو شحنه في شكل سائل من سيبيريا بمجرد ذوبان الجليد البحري الشتوي، لكن هذا المسار يعمل بالفعل فوق طاقته.
والطريق عبر قناة السويس ممكن أيضاً، لكنه طويل جداً لدرجة أنه لن يكون جذاباً إلا للمشترين بخصم كبير.
خسارة ألمانية كبيرة في حال قطع الغاز الروسي
ستخسر ألمانيا 220 مليار يورو (238 مليار دولار) من الناتج الاقتصادي خلال العامين المقبلين، في حالة حدوث مثل هذه الصدمة، وفقاً لتقرير صادر عن خمسة معاهد اقتصادية ألمانية. سيرتفع الناتج المحلي الإجمالي الألماني بنسبة 1.9% فقط في عام 2022، وينكمش بنسبة 2.2% في عام 2023. وسيكون النمو 2.7% هذا العام إذا استمر الغاز في التدفق.
وقال ستيفان كوثس، مدير الأبحاث لدورات الأعمال والنمو في معهد كيل: "إذا تم قطع إمدادات الغاز، فسوف يمر الاقتصاد الألماني بركود حاد".
دفع الكشف عن الفظائع التي ارتُكبت في بوتشا عندما كانت ضاحية كييف تحت سيطرة القوات الروسية، الاتحاد الأوروبي إلى تصعيد العقوبات الاقتصادية ضد موسكو وملاحقة صادرات روسيا الضخمة من الطاقة لأول مرة منذ غزوها أوكرانيا.
كما دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والبرلمان الأوروبي، الاتحاد الأوروبي إلى فرض حظر شامل على واردات روسيا من النفط والغاز والفحم، في ضوء الفظائع التي ارتكبتها القوات الروسية ضد المدنيين في أوكرانيا.
بينما هدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في مناسبات عديدة، بقطع إمدادات الغاز عن أوروبا.
واتفق قادة الاتحاد الأوروبي على التخلص التدريجي من جميع واردات الفحم الروسي. قال مصدر من الاتحاد الأوروبي لشبكة CNN ،Business إن الفحم سيتم حظره بحلول أغسطس/آب 2022.
وتجري بالفعل مناقشة جولة سادسة جديدة من العقوبات، ودعا بعض مسؤولي الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ إجراءات بشأن صادرات النفط والغاز الروسية.
لكن فرض حظر على الغاز الروسي في المدى القريب، من شأنه أن يعيث فساداً في اقتصاد ألمانيا؛ إذ تستخدم ألمانيا الغاز الروسي لتدفئة المنازل وتوليد الكهرباء والمساعدة في تشغيل مصانعها، حسبما ورد في تقرير لموقع شبكة CNBC الأمريكية.
في التوقعات الاقتصادية المشتركة نصف السنوية، التي نُشرت يوم الأربعاء، خفضت أكبر المؤسسات الاقتصادية في ألمانيا توقعات الناتج المحلي الإجمالي، حيث أدت الحرب في أوكرانيا إلى إبطاء التعافي من Covid-19.
ويتوقع الآن معهد RWI في إيسن، وDIW في برلين، ومعهد Ifo في ميونيخ، وIFW في كيل وIWH في هاله، أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الألماني بنسبة 2.7% في عام 2022 و3.1% في عام 2023، بافتراض عدم وجود مزيد من التصعيد الاقتصادي المتعلق بالحرب في أوكرانيا واستمرار تدفق الغاز إلى أوروبا من روسيا مقارنة بتوقعات سابقة بنسبة 4.8% في عام 2022.
ومع ذلك، من المتوقع أن يكون لخطوة قطع الغاز الروسي عواقب اقتصادية وخيمة على كلا الجانبين. اشترت ألمانيا 58.9% من غازها الطبيعي من روسيا عام 2020، بحسب وكالة الإحصاء الأوروبية.
خط أنابيب نورد ستريم 2، المشروع الذي تكلف 11 مليار دولار والمصمم لمضاعفة تدفق الغاز بين روسيا وألمانيا، أصبح الآن غير مستخدم ومهجوراً. أوقفت ألمانيا التصديق على خط الأنابيب تماماً بعد أن اعترفت روسيا رسمياً بمنطقتين مواليتين لروسيا في شرق أوكرانيا، قبل غزوها لأوكرانيا.
خطر التضخم يطارد أوروبا أكثر من أمريكا
إذا تم قطع إمدادات الغاز، فسوف يمر الاقتصاد الألماني بركود حاد.
وقال ستيفان كوثس، نائب الرئيس ومدير الأبحاث لدورات الأعمال والنمو في معهد كيل: "سوف يحدث تغيير بالنسبة للصناعات كثيفة الاستخدام للغاز حتى بدون مقاطعة".
وأضاف أن التضخم سيؤدي إلى تفاقم مشاكل الأسر ذات الدخل المنخفض ويزيد التكاليف الاقتصادية الإجمالية.
يواجه البنك المركزي الأوروبي التحدي المتضارب بشكل فريد، لكبح جماح التضخم المرتفع القياسي دون التغلب على النمو الاقتصادي الضعيف بالفعل، والذي من المرجح أن يتأثر أكثر بصدمات العرض مع استمرار الحرب في أوكرانيا.
بلغ معدل التضخم في منطقة اليورو 7.5% لشهر مارس/آذار على أساس سنوي، وفقاً لـEurostat، وتتوقع المعاهد الألمانية وصول معدل التضخم في المتوسط في عام 2022 بنسبة 6.1٪ ، وهو أعلى رقم في 40 عاماً.
في حالة انقطاع إمدادات الطاقة، فإنهم يتوقعون زيادة التضخم إلى مستوى قياسي بعد الحرب بنسبة 7.3%. وقال التقرير إن المعدل المتوقع للعام المقبل والبالغ 2.8% سيظل أعلى بكثير من المتوسط منذ إعادة توحيد ألمانيا، وسوف يرتفع إلى 5% في حالة حدوث حصار للطاقة.
قال كوثس: "إن موجات الصدمة من الحرب في أوكرانيا تلقي بثقلها على النشاط الاقتصادي على جانب العرض وجانب الطلب".
و"حزم التحفيز الحكومية أثناء الوباء كان لها بالفعل تأثير تضخمي. أدت زيادة أسعار سلع الطاقة الأساسية في أعقاب الغزو الروسي، إلى زيادة الضغط التصاعدي على الأسعار".
تواجه أوروبا أيضاً صدمة إمداد مهمة للغاية وصدمة تضخمية أكبر بكثير مما هو عليه في الولايات المتحدة، وقد يفسر سر حماسة واشنطن لفرض العقوبات على روسيا مقابل تردد أوروبي.
وقالت جيرالدين سوندستروم، مديرة المحفظة في PIMCO، لشبكة CNBC، إن مخاطر الركود في أوروبا أكبر بكثير من مخاطر الركود بالولايات المتحدة في هذه المرحلة.
فالاقتصاد الأوروبي ليس في المكانة القوية نفسها مثل الاقتصاد الأمريكي، وقد يكون الركود الصناعي المحتمل على أعتاب أوروبا، أكثر من احتمال أن يحدث في آسيا.
وقال: "لقد رأينا- خاصة في قطاع السيارات- اضطر عدد من المصانع إلى الإغلاق، بسبب نقص قطع الغيار، وقد دفع ذلك بعض الشركات إلى إعطاء العمال إجازات في ألمانيا".