"واحد من أيقونات البحرية الروسية، وقاتل حاملات الطائرات الذي دعم بشار الأسد، وزاره السيسي كضيف"، هكذا يمكن تلخيص تاريخ طراد الصواريخ الروسي "موسكوفا"، الذي تعرّض لانفجار في البحر الأسود، وسط تضارب بين رواية أوكرانية تقول إنها أغرقته بصاروخين، ورواية روسية تنفي غرقه دون توضيح ما حدث له بدقة.
ويمثل طراد الصواريخ الروسي "موسكوفا" رمزاً من رموز الهيبة العسكرية والدبلوماسية الروسية، حيث كان حاضراً في معظم حروب روسيا الحديثة، وبلغ أهميته الرمزية، لدرجة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما أراد تكريم نظيره المصري عبد الفتاح السيسي عام 2015، خلال زيارته روسيا، اصطحبه في جولة على الطراد.
وقادت السفينة الحربية التي يتكون طاقمها من 510 من البحارة الهجوم البحري الروسي على أوكرانيا من ناحية البحر الأسود، ما يجعلها هدفاً رمزياً وعسكرياً مهماً.
ويقول الأوكرانيون منذ عام 1945 لم تغرق سفينة في العالم بهذا الحجم.
ماذا حدث للطراد موسكوفا؟
هناك تضارب في الروايتين الروسية والأوكرانية حول كيفية إصابة الطراد ومصيره.
إذ قالت وزارة الدفاع الروسية إن ذخيرة انفجرت على متن موسكوفا جراء حريق غير معروف سببه، وقالت إن السفينة التي يبلغ طولها 186 متراً غرقت خلال عملية سحبها للميناء.
ولم يُهيمن الحادث على نشرات الأخبار الروسية، حيث تصدّرت القناة الأولى للتلفزيون الروسي أخبار "استسلام المزيد من الجنود الأوكرانيين" للقوات الروسية، بينما خصصت النشرة الرئيسية بضع ثوانٍ فقط لما حدث لموسكوفا.
في المقابل، تدعي أوكرانيا أنها ضربت طراد الصواريخ الروسية موسكوفا بصاروخين مضادين للسفن، وهي الرواية التي أيدها البنتاغون الأمريكي.
وأدعى ماكسيم مارشينكو، الحاكم الأوكراني للمنطقة المحيطة بميناء أوديسا على البحر الأسود، أن موسكوفا قد أصيب بصاروخي كروز، أوكرانيَّي الصنع من طراز نبتون المضاد للسفن، ما تسبَّب في "أضرار بالغة الخطورة".
وأكدت هيئة الأركان الأوكرانية غرق الطراد الروسي ووصفته بأنه حدث هائل.
وأفاد تقرير لقناة الجزيرة بأن مصادر عسكرية أوكرانية تحدثت عن أن الجيش الأوكراني استخدم طائرات بيرقدار التركية الصنع في إرباك طراد الصواريخ الروسي موسكوفا، قبل أن تتم مهاجمته بالصواريخ من طراز نيبتون الأوكرانية الصنع.
ولم تتمكن وكالة رويترز من التحقق من مزاعم أي من الجانبين.
وسبق أن قالت أوكرانيا، الشهر الماضي، إنها دمرت أيضاً سفينة دعم الإنزال الروسية العملاقة، "أورسك"، على بحر آزوف الأصغر.
لماذا يسمى طراد الصواريخ الروسي "موسكوفا" بقاتل حاملات الطائرات؟
يمثل طراد الصواريخ موسكوفا سفينة القيادة في الأسطول الروسي في البحر الأسود، ونطاق عمله يشمل البحر المتوسط.
ويوصف موسكوفا بأنه قاتل حاملات الطائرات، بسبب وجود 16 صاروخاً مضاداً للسفن من طراز P-500 Bazalt، الذي يسميه الناتو SS-N-12 Sandbox، المضادة للسفن على متنه، والتي يصل مداها إلى 550 كلم.
ولهذا الطراد أهمية خاصة للبحرية الروسية، لأن موسكو تعاني تاريخياً من ضعف حاملات الطائرات الخاصة بها وقلتها، مقارنة بما لدى الأسطول الأمريكي، وبالتالي فإن طرادات الصواريخ هي أداة بحرية مهمة للتصدي لحاملات الطائرات من خلال إطلاق الصواريخ المضادة للطائرات والمضادة للسفن التي تحملها.
المفارقة أن الطراد الروسي الذي يحمل اسم عاصمة روسيا هو مصنوع في أوكرانيا عندما كان جزءاً من الاتحاد السوفييتي، حيث بني في مصنع لبناء السفن في نيكولاييف القريبة من الموقع الذي استهدف فيه الطراد، وتم البدء في تشغيله عام 1983.
وشارك الطراد في حصار البحرية الأوكرانية خلال حرب القرم 2014، ومنع تحركها من قواعدها، كما رسا في عام 2015 في قاعدة حميم السورية، وشارك في توفير الحماية للعمليات العسكرية الروسية في سوريا ضد المعارضة السورية.
تسليح الطراد يفترض أن يمنع استهدافه
والطراد مسلح بـ16 صاروخ كروز مضاد للسفن، من طراز فولكان، بمدى لا يقل عن 700 كيلومتر.
كما يحمل مجموعة من الأسلحة المضادة للغواصات وطوربيدات الألغام، ويقال إنه مزود بنظام صواريخ S-300F أرض-جو.
قال الخبير البحري جوناثان بينثام، من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية لـ"BBC"، إن الطراد هو ثالث أكبر سفينة في الأسطول الروسي النشط، وواحد من أكثر أصولها قوة.
تم تجهيز الطراد بنظام دفاع جوي ثلاثي المستويات، إذا كان يعمل بشكل صحيح، فيجب أن يمنحه ثلاث فرص للدفاع عن نفسه ضد أي هجوم صاروخي.
بالإضافة إلى الدفاعات المتوسطة والقصيرة المدى، لدى الطراد ستة أنظمة أسلحة قصيرة المدى وقريبة المدى (CIWS)، للاشتباك مع الصواريخ كملاذ أخير.
وقال بنثام: "يجب أن يتمتع موسكوفا بتغطية دفاع جوي بزاوية 360 درجة، يمكن لنظام CIWS إطلاق 5000 طلقة في الدقيقة، ما يخلق جداراً من الرصاص حول الطراد، يكون بمثابة خط دفاعه الأخير".
إذا ثبت أن الضربة جاءت من صاروخ "فإن ذلك يثير تساؤلات حول قدرات تحديث الأسطول السطحي الروسي، وما إذا كانت لديه ذخيرة كافية، أو مشاكل هندسية".
وأضاف الخبير العسكري: "بشكل أساسي كنت أعتقد أنه مع نظام الدفاع الجوي ثلاثي المستويات هذا سيكون من الصعب جداً ضربه".
صواريخ نبتون التي تقول أوكرانيا إنها أغرقت الطراد
ويقول مسؤولون عسكريون في كييف إنهم ضربوا موسكوفا بصاروخ نبتون الأوكراني الصنع.
تم تصميم نظام صواريخ كروز من طراز نبتون من قبل المهندسين العسكريين الأوكرانيين؛ رداً على التهديد البحري المتزايد الذي تشكله روسيا في البحر الأسود، بعد ضمِّها شبهَ جزيرة القرم في عام 2014، وتم تطويره استناداً لصواريخ سوفييتية الصنع.
وفقاً لصحيفة كييف بوست، لم تتسلم البحرية الأوكرانية سوى أول شحنة من صواريخ نبتون، التي يبلغ مداها 300 كيلومتر (186 ميلاً)، في مارس/آذار من العام الماضي.
وقال مايكل بيترسن من معهد الدراسات البحرية الروسية لـ"بي بي سي": كان طراد الصواريخ الروسي "موسكوفا" شوكة في خاصرة الأوكرانيين منذ بداية هذا الصراع، ورؤيته يتضرر بشدة قد تمثل دفعة معنوية حقيقية للأوكرانيين".
ودعم أسطول البحر الأسود موسكو بالقدرة على إطلاق صواريخ كروز في أي مكان في أوكرانيا، وكان مُهماً في دعم المحاولات الروسية للاستيلاء على ماريوبول بجنوب البلاد.
في الأيام الأولى من الغزو الروسي لأوكرانيا تصدر طراد الصواريخ الروسية موسكوفا عناوين الصحف العالمية، بعد أن أمر مجموعة من الجنود الأوكرانيين في موقع بالبحر الأسود بالاستسلام.
عندما رفضت القوات بتحدٍّ، في رسالة إذاعية مفادها "اذهب للجحيم"، ساد الاعتقاد في البداية أنهم قُتلوا، ولكن في الواقع تم أسرهم.
وتم إطلاق سراح الجنود في وقت لاحق كجزء من تبادل الأسرى مع روسيا، وتم تكريم قائدهم بميدالية من قبل الجيش الأوكراني.
وأصبحت قصة شجاعتهم بمثابة دفعة لمعنويات أوكرانيا، لدرجة أن الخدمة البريدية في البلاد احتفلت بهم بطابع مصور خاص.