روسيا تستعد للحسم في دونباس وماريوبول.. هل يمكن أن تصمد أوكرانيا أمام الهجوم “الشرس”؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/04/12 الساعة 16:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/04/13 الساعة 08:08 بتوقيت غرينتش
دبابة تابعة للقوات الروسية في ماريوبول - رويترز

يقترب الهجوم الروسي على أوكرانيا من مرحلة الحسم، وتستعد روسيا لشن هجوم مكثف تصفه أوكرانيا بالمعركة الأخيرة في إقليم دونباس ومدينة ماريوبول، فما أهميتهما؟ وهل يمكن أن تصمد قوات كييف؟

ومع اقتراب الهجوم الروسي على أوكرانيا من نهايته، تكثف موسكو من تجهيزاتها العسكرية في الشرق بهدف الانقضاض على ما تبقى من قوات أوكرانية في إقليم دونباس ومدينة ماريوبول الساحلية الجنوبية، بينما تتحدث كييف عن المعركة الأخيرة ويطالب الرئيس فولوديمير زيلينسكي الغرب بتزويده بالأسلحة اللازمة لهزيمة روسيا، كما يقول.

وقالت وزارة الدفاع الروسية الأسبوع الماضي إن روسيا ستنتقل إلى "المرحلة النهائية" من العملية بعد "إنجاز جميع المهام الرئيسية" في شمال أوكرانيا، وأضافت أن القوات تنسحب من كييف لـ"تحرير" إقليم دونباس في الشرق.

من يسيطر على إقليم دونباس؟

عندما وقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مساء الإثنين 21 فبراير/شباط الماضي، مرسوماً بالاعتراف باستقلال دونيتسك ولوغانسك عن أوكرانيا (وكليهما في إقليم دونباس)، كان ذلك بمثابة ضربة البداية للحرب، على الرغم من أن الهجوم نفسه بدأ فعلياً يوم الخميس 24 فبراير/شباط.

إقليم دونباس يقع أقصى شرق أوكرانيا ومجاور لروسيا ويتحدث أغلب سكانه اللغة الروسية كما يعيش في الإقليم مواطنون روس أيضاً. ويرجع تاريخ إعلان دونيتسك ولوغانسك الانفصال عن أوكرانيا إلى عام 2014 خلال أزمة مشابهة للأزمة الحالية نتج عنها ضم روسيا لإقليم شبه جزيرة القرم.

تُقدّر مساحة إقليم دونباس إجمالاً بنحو 52.3 ألف كيلومتر مربع، وقبل اندلاع الحرب كان الانفصاليون في جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك يسيطرون على نحو ثلث مساحة الإقليم فقط، بينما تسيطر القوات الأوكرانية على الثلثين الباقيين، وكان الطرفان في مواجهة بعضهما البعض على طول خط التَّماس داخل الإقليم، الذي كان يمثل خط وقف إطلاق نار تم التوصل إليه عام 2015 على أساس اتفاقيات مينسك.

ومنذ بداية الهجوم الروسي، أعلن الانفصاليون في دونباس السيطرة على عشرات القرى التي كان يسيطر عليها الجيش الأوكراني، لكن الآن وقد حددت موسكو هدفها وهو السيطرة على إقليم دونباس بالكامل، فالمتوقع أن تختلف الأمور على الأرض بشكل جذري، حسب الخبراء العسكريين.

الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، يزور القوات الأوكرانية على خط المواجهة مع الانفصاليين الموالين لروسيا في منطقة دونباس/ رويترز

وتتجمع المؤشرات على أن المعركة الحاسمة قد باتت وشيكة، إذ قالت وزارة الدفاع الأوكرانية الإثنين 11 أبريل/نيسان إن روسيا أكملت تقريباً حشد قواتها لشن هجوم جديد في شرق أوكرانيا، وقال أولكسندر موتوزيانيك، المتحدث باسم وزارة الدفاع: "نتوقع بدء القتال الفعلي في هاتين المنطقتين في أقرب وقت"، مضيفاً أن الجيش الأوكراني مستعد للتصدي للهجوم الجديد.

وكان زيلينسكي قد قال إن أوكرانيا مستعدة لخوض معركة شرسة ضد القوات الروسية: "نعم، القوات (الروسية) تحتشد في شرق (أوكرانيا)"، وأضاف: "ستكون معركة صعبة. نثق في قدرتنا على القتال والنصر. نحن مستعدون للقتال والبحث عن سبل دبلوماسية من أجل إنهاء هذه الحرب".

ودوت صافرات الإنذار من الضربات الجوية في المدن بأنحاء شرق أوكرانيا الذي صارت العملية العسكرية الروسية تركز عليه في الأسابيع الماضية بعد الانسحاب من المناطق القريبة من العاصمة كييف. وحث مسؤولون أوكرانيون المدنيين في شرق البلاد على الفرار.

المعركة الأخيرة في ماريوبول

ولا يختلف الوضع كثيراً بالنسبة لمدينة ماريوبول الساحلية في جنوب أوكرانيا، والتي تفرض عليها القوات الروسية حصاراً بحرياً وبرياً منذ بداية الهجوم؛ إذ أعلن الجيش الأوكراني الإثنين أنه يستعد لـ"معركة أخيرة" في ماريوبول التي تحاصرها القوات الروسية منذ أكثر من أربعين يوماً، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.

وكتب الفوج السادس والثلاثون في البحرية الأوكرانية على فيسبوك: "اليوم ستكون على الأرجح المعركة الأخيرة لأن ذخائرنا تنفد… سيكون مصير بعضنا الموت وبعضنا الآخر الأسر"، بحسب فرانس برس.

وقال زيلينسكي، في خطابه الليلي على فيسبوك الأحد، إنه "يمكنهم استخدام المزيد من الصواريخ ضدنا، وحتى المزيد من القنابل الجوية.. لكننا نستعد لأفعالهم. سنرد. لن يقل الأسبوع المقبل أهمية عن الأسبوع الحالي أو الأسابيع السابقة".

وماريوبول هي أكثر المدن الأوكرانية تعرضاً للغارات والقصف الروسي منذ بدأت الحرب، وواجهت المدينة الزخم الأكبر من الهجمات. وتعتبر ماريوبول أحد أهم أهداف الحملة العسكرية الروسية في أوكرانيا، ولذلك أسباب متعددة ترتبط بالموقع الجغرافي للمدينة وبعوامل أخرى.

وعلى الرغم من أن ماريوبول تحتل مساحة جغرافية صغيرة جداً في خريطة أوكرانيا، إلا أنها تمثل أهمية استراتيجية كبيرة لروسيا بسبب وقوعها بين شبه جزيرة القرم من جهة وإقليم دونباس من جهة أخرى، والأول تسيطر عليه روسيا بالفعل بينما تسعى إلى إحكام السيطرة على الثاني.

البحرية الأوكرانية ماريوبول أوكرانيا
عنصر من البحرية الأوكرانية/ getty images

ويرى الجنرال السير ريتشارد بارونز- القائد السابق لقيادة القوات المشتركة البريطانية – أن احتلال ماريوبول والسيطرة عليها أمر حيوي بالنسبة للمجهود الحربي الروسي، مؤكداً أنه "عندما يشعر الروس بأنهم قد انتصروا في هذه المعركة، فإنهم سيكونون قد أكملوا فتح جسر بري يصل روسيا بالقرم، وسينظرون إلى ذلك على أنه نصر استراتيجي كبير"، بحسب BBC.

كما أن السيطرة على ماريوبول تعني سيطرة روسيا على أكثر من 80% من الساحل الأوكراني على البحر الأسود؛ ما يمكنهم من قطع نشاط أوكرانيا التجاري البحري، وبالتالي زيادة عزلها عن العالم الخارجي.

لكن هناك سبب آخر لا يقل أهمية وهو أن ماريوبول توجد بها كتيبة آزوف (تعود التسمية إلى بحر آزوف الذي يربط ماريوبول بالبحر الأسود)، وتضم هذه الكتيبة متطرفين يمينيين بينهم نازيون جدد. وبالتالي فإن أسر عدد من تلك الكتيبة تحديدا سيكون له تأثير هام في الحرب النفسية؛ إذ سيؤكد بوتين للروس وللعالم أن الجار الأوكراني يسيطر عليه النازيون الجدد.

هل يمكن أن تصمد أوكرانيا؟

بانتظار الهجوم الروسي، انشغل جنود أوكرانيون وعناصر من مجموعات الدفاع عن الأراضي الأحد في تحصين مواقعهم وحفر خنادق جديدة في منطقة بارفينكوف الريفية في شرق البلاد، وزرعت الألغام على جنبات الطرق ونصبت عوائق مضادة للدروع عند كل مفترقات الطرق الرئيسية.

وعلى الرغم من أن ماريوبول قد نجحت حتى الآن في التصدي للقوات الروسية، إلا أن الثمن يبدو باهظاً، فماريوبول ستدخل التاريخ إلى جانب العاصمة الشيشانية غروزني ومدينة حلب السورية، وكلها مدن أجبرها القصف الروسي على الخضوع بعد أن أحالها إلى ركام.

كما أن الرسالة الموجهة لبقية المدن الأوكرانية واضحة لا ريب فيها – إذا اخترتم المقاومة كما فعلت ماريوبول، فعليكم توقع المصير نفسه. وقال الجنرال بارونز، "لم يتمكن الروس من دخول ماريوبول، ولم يتمكنوا من اقتحامها بدباباتهم، ولذا حولوها إلى ركام. وهذا هو الأمر الذي علينا توقعه في أي مكان آخر يهمهم".

ويشدد مسؤولون ومحللون عسكريون غربيون على أن الهجمات الأوكرانية المضادة والتحول في التركيز العسكري الروسي لا يعني أن أوكرانيا على حافة النصر؛ إذ يتمثل أحد التحديات التي يواجهها الأوكرانيون في أن تركيز روسيا لجهودها على دونباس يجعل القوات الروسية أقدر على علاج مشكلات الخدمات اللوجستية والإمدادات التي أعاقت الهجوم الأول.

ويرى محللون أن مبدأ العقيدة العسكرية الروسية يؤكد أيضاً على فكرة "الدفاع الهجومي"، المبنيّ على هزيمة الخصم عن طريق كسب الوقت والحفاظ على القوات واستخدام القصف المدفعي والصاروخي لإضعاف العدو. ولفتوا إلى استمرار القصف في ضواحي كييف وأماكن أخرى في الأيام الأخيرة.

وتعمل روسيا على تشكيل ما لا يقل عن 10 كتائب تكتيكية جديدة، تضم عادة حوالي 700 جندي، ومدرعات ومدفعية، لإرسالها إلى دونباس، وفقاً للاستخبارات الغربية. وستحتاج أوكرانيا أيضاً إلى استمرار تدفق الأسلحة إذا أرادت مواصلة هجماتها المضادة. وقد زودها الغرب بمجموعة من الأسلحة، خصوصاً الصواريخ المضادة للدبابات المحمولة على الكتف، لكن زيلينسكي طالبهم غير مرة بإرسال دبابات وطائرات وأنظمة مدفعية.

وقالت وزارة الدفاع البريطانية في إفادة دورية عبر تويتر الثلاثاء 12 أبريل/نيسان إن القتال في شرق أوكرانيا سيشتد خلال الأسبوعين أو الأسابيع الثلاثة المقبلة مع مواصلة روسيا تحويل تركيز جهودها إلى هناك.

وقالت المخابرات العسكرية البريطانية إن الهجمات الروسية لا تزال تركز على المواقع الأوكرانية القريبة من دونيتسك ولوغانسك مع حدوث مزيد من القتال حول خيرسون وميكولايف وتجدد التحرك نحو كراماتورسك.

الناتو
الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ – Getty Images

وقال التقرير أيضاً إن القوات الروسية تواصل الانسحاب من روسيا البيضاء من أجل إعادة الانتشار لدعم العمليات في شرق أوكرانيا. ولم يتسن لرويترز التحقق على الفور مما ورد بالتقرير.

وإذا كان لدى أوكرانيا أي فرصة لصد الهجوم الروسي القادم على دونباس، فهي بحاجة ماسة إلى أن يزودها الغرب بدبابات وطائرات حربية وطائرات بدون طيار وأنظمة دفاع جوي صاروخي متطورة لمواجهة استخدام روسيا المتزايد للضربات الجوية والصواريخ بعيدة المدى التي تستنفد بشكل مطرد مخزون أوكرانيا الاستراتيجي من الوقود والضروريات الأخرى. لكن خوف الناتو بقيادة الولايات المتحدة من التصعيد يجعل تلبية تلك المطالب أمراً محفوفاً بالمخاطر.

فبينما تظهر الدول الغربية درجة نادرة من الوحدة في قوة رد فعلها على الهجوم الروسي، هناك مؤشرات كثيرة على أن تلك الوحدة مجرد ردود فعل هدفها إطالة أمد الحرب لاستنزاف روسيا قدر المستطاع.

ويقول خبراء في مجال الدفاع والاقتصاد إن بإمكان روسيا تحمل خوض حرب طويلة في أوكرانيا رغم العقوبات التي يفرضها الغرب عليها بهدف شل قدرتها على مواصلة الحرب. فارتفاع أسعار النفط والغاز والحبوب التي تصدرها روسيا وفر لها مكاسب كبيرة غير متوقعة لتمويل "عمليتها العسكرية الخاصة".

تحميل المزيد