بوتين يرسل الجنرال الذي دمَّر حلب لأوكرانيا، ولهذه الأسباب قد يفشل في تكرار استراتيجيته السورية

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2022/04/12 الساعة 16:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/04/12 الساعة 16:06 بتوقيت غرينتش
الجنرال ألكسندر دفورنيكوف قائد القوات الروسية في أوكرانيا/ويكيبيديا

"جزار حلب وغروزني قائداً للجيش الروسي في أوكرانيا"، جاء الإعلان عن تكليف الجنرال ألكسندر دفورنيكوف، لإعادة تنظيم الحرب الروسية في أوكرانيا ليثير القلق في كييف ولدى داعميها الغربيين وسط تساؤلات: هل يستطيع الجنرال القاسي هزيمة القوات الأوكرانية كما فعل مع المعارضة السورية، أم أن ظروف المعركة مختلفة هذه المرة؟.

ولقد أطلق على الجنرال ألكسندر دفورنيكوف لقب "جزار" منذ أيام الحرب الشيشانية الثانية، ثم في حلب بسوريا، حسبما نقل موقع قناة الجزيرة باللغة الإنجليزية عن الفريق إيهور رومانينكو، النائب السابق لرئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية. 

وجاء تعيين دفورنيكوف بعد سبعة أسابيع من الغزو الروسي لأوكرانيا، وقال مسؤولون ومحللون غربيون إنه يفترض الإشراف على الحملة وسط تزايد عدد القتلى المدنيين والدمار الواسع والتقدم البطيء، مع غرق القوات الروسية في مشاكل لوجستية وأخطاء عسكرية.

الجنرال ألكسندر دفورنيكوف قائد روسي من المدرسة التي تفضل محو الأهداف المدنية

الجنرال ألكسندر دفورنيكوف في الستين من عمره، ويُوصف بأنه جنرال من "المدرسة القديمة" التقليدية، وبأنه "قومي شديد التمسك بالأصول العرقية والوطنية الروسية"، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

ويؤمن الرجل بالعقائد العسكرية السوفيتية التي ترى في محو الأهداف المدنية وسيلةً لاستنفار القوات وبث الرعب في صفوف الأعداء.

ولعب الجنرال ألكسندر دفورنيكوف دوراً معروفاً في الحرب الروسية، في سوريا فقد شاركت قواته في انتهاكات واسعة النطاق ضد السكان المدنيين، وطالتها اتهامات كثيرة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

كان الجنرال يقود المنطقة العسكرية الجنوبية لروسيا، وهو المنصب الرئيسي الذي حصل عليه بعد أن خدم كأول قائد لحملة الحرب الجوية الروسية في سوريا، وموسكو متهمة بارتكاب جرائم حرب في كلا النزاعين، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Washington Post الأمريكية.

وقد ارتقى الجنرال ألكسندر دفورنيكوف ارتقاء مطرداً في الرتب العسكرية منذ كان قائداً لفصيلة في عام 1982، ثم قاتل خلال الحرب الروسية الثانية في الشيشان، وتولى عدة مناصب عليا، حتى عيَّنه بوتين في قيادة الحملة العسكرية الروسية في سوريا.

أرسل بوتين جنرالَه دفورنيكوف في سبتمبر/أيلول 2015 في مهمة عاجلة لضبط الأمور وفرض الاستقرار والتنظيم بين قوات النظام السوري، التي رأت طهران وموسكو أنها على وشك الهزيمة على أيدي قوات المعارضة.

لديه خبرة في الحرب بأوكرانيا

في عام 2016، عين بوتين دفورنيكوف مسؤولاً عن المنطقة العسكرية الجنوبية في روسيا، والتي تشمل نشاطها شبه جزيرة القرم والقواعد الروسية في المناطق الجورجية الانفصالية في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، وكذلك الدونباس.

بحلول الوقت الذي انتقل فيه دفورنيكوف إلى مقره الجديد في مدينة روستوف أون دون بجنوب روسيا، كانت المرحلة النشطة لحرب الدونباس قد انتهت حيث تحولت إلى صراع الخنادق.

وكان دفورنيكوف مسؤولاً عن تشكيل جيش الحرس الثامن المشترك، وهي تشكيلات من القوة العسكرية التي تشبه تلك التي كانت موجودة في الحرب العالمية الثانية.

يقال إن دفورنيكوف هو العقل المدبر لحادث 2019 في بحر آزوف الذي شهد استيلاء موسكو على ثلاث سفن تابعة للبحرية الأوكرانية حاولت دخول البحر، حيث اعتقلت موسكو 24 بحاراً أوكرانياً ظلوا محتجزين في روسيا لمدة 10 أشهر تقريباً.

ونتيجة لذلك، أدرج الاتحاد الأوروبي دفورنيكوف وسبعة جنرالات ومسؤولين روس آخرين على القائمة السوداء في عام 2019.

ويعني هذا التاريخ العسكري أن دفورنيكوف يتمتع بخبرة واسعة في منطقة دونباس بشرق أوكرانيا، وبالفعل يأتي تعيينه في وقت تقول فيه موسكو إنها ستركز جهودها الحربية بعد أن فشلت في الاستيلاء على كييف والضواحي المحيطة بالعاصمة. 

الجنرال ألكسندر دفورنيكوف
بوتين كرم الجنرال ألكسندر دفورنيكوف/ويكيبيديا

قبل هذا التغيير، كان دفورنيكوف من بين اثنين أو ثلاثة من القادة الآخرين المسؤولين عن جبهات مختلفة في أوكرانيا.

وقال مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان لشبكة سي إن إن الأمريكية :"لا يمكن لأي تعيين لأي جنرال أن يمحو حقيقة أن روسيا واجهت بالفعل فشلاً استراتيجياً في أوكرانيا". 

واستدرك قائلاً: "هذا الجنرال بالذات لديه سيرة ذاتية تتضمن الوحشية ضد المدنيين في مسارح أخرى في سوريا. ويمكننا توقع المزيد من نفس الشيء في هذا المسرح".

لا يزال هناك الكثير غير معروف عن القائد العسكري الروسي، لكن تجربته في شرق أوكرانيا ووقته في سوريا هما عنصران أساسيان في خلفيته.

جزَّار غروزني

قاد دفورنيكوف فرقة روسية اقتحمت غروزني، عاصمة جمهورية الشيشان، في أواخر عام 1999 وأوائل عام 2000، زُعم أن هذه الفرقة أطلقت النار على أي شخص رأوه.

وقتلت المدفعية الصاروخية والقنابل العنقودية المحظورة وصواريخ كروز آلاف المدنيين ودمرت غروزني وسويت بالأرض.

سقطت المدينة في 6 فبراير/شباط 2000، مما زاد من معدلات تأييد الروس لفلاديمير بوتين الذي كان رئيساً لوزراء روسيا في ذلك الوقت، وتم انتخاب بوتين رئيساً للبلاد بعد أقل من شهر.

في هذه الأيام، يقول المراقبون إن موسكو يبدو أنها تستخدم تكتيكاً مشابهاً في مدينة ماريوبول المحاصرة جنوب أوكرانيا. يتهم المسؤولون الأوكرانيون روسيا بقتل عشرات الآلاف من المدنيين وإتلاف أو تدمير كل مبنى تقريباً هناك.

إليك الاستراتيجية التي استخدمها في سوريا

يبدو أنه استخدم تكتيكات غروزني في حلب، حيث قُتل عشرات الآلاف من السوريين وتحولت المدينة التاريخية إلى أطلال مشتعلة.

"لا شيء يوقفه، إنه يتمسك بالنهج السوفييتي القديم ثم الروسي: إذا كانت هناك قوى، فيجب تركيزها واستخدامها لتدمير كل شيء"، حسبما قال نائب رئيس الأركان الأوكراني السابق.

فور توليه القيادة في سوريا، سارع دفورنيكوف بإنشاء قاعدة جوية في سوريا بالقرب من الساحل الشمالي الغربي للبلاد، لتنطلق منها القاذفات لتدمير البلدات والمدن في جميع أنحاء محافظة إدلب. ويُعزى سقوط مدينة حلب في المقام الأول إلى الغارات الجوية الروسية، التي انطلقت من قاعدة حميميم وانتهجت شنَّ الهجمات على المستشفيات والمدارس وطوابير الخبز وغيرها من ركائز معيشة المدنيين.

كانت للطائرات الروسية والسورية سيادة جوية مطلقة على إدلب، فقد أخذت تقصف المدينة من دون حساب أو عقاب على مدى السنوات الخمس الماضية، على خلاف الحال في أوكرانيا، التي أُسقط فيها كثير من الطيارين المقاتلين الذين شاركوا في الحرب السورية.

ولكن يُلاحظ أن العمل العسكري على الأرض تكفلت به قوات الأسد المشهورة بوحشيتها، والميليشيات الشيعية العراقية والباكستانية والأفغانية الموالية لإيران والمشهورة بتعصبها المذهبي، وقادها حزب الله الذي يمكن وصفه بأفضل ميليشيات في العالم.

كما أن القوات الجوية الروسية وحلفاءها في سوريا واجهوا معارضة مُنهكة بعد أن دُمِّر جزء كبير من قواتها على يد داعش، وجزء آخر على يد جيش النظام السوري والميليشيات الشيعية، وفعلياً عند مجيء القوات الروسية لسوريا كان معقل المعارضة الرئيسي في حلب فقط، التي دمرها الطيران الروسي عن بكرة أبيها، وضمن ذلك ضرب المستشفيات والمباني والأسواق والآثار، بطريقة لم تحدث حتى الآن في أوكرانيا.

والأهم أن المعارضة السورية لسنوات كانت تقاتل الميليشيات الشيعية، وجيش الأسد الذي يمتلك سلاح جو ضعيفاً للغاية، وبالتالي لم تطور آليات للتعامل مع القصف الجوي الذي كان نادراً قبل مجيء الروس، ولم يكن لدى قوات المعارضة السورية المنقسمة صواريخ مضادة للطائرات محمولة على الكتف كـ"ستينغر" عندما جاء الروس لبلادهم أو صواريخ مضادة للدبابات كجافلين.

الحرب ضد داعش

تولى دفورنيكوف أيضاً قيادة الحملة الروسية على قوات تنظيم داعش في شرق سوريا. ومع أن بوتين تذرَّع في إرسال قواته إلى سوريا بمحاربة الإرهابيين الذين يحاصرون البلاد، فإن روسيا لم تشن ضرباتها الجوية الأولى على تنظيم الدولة الإسلامية أو غيرها من التنظيمات الجهادية، مثل جبهة النصرة، بل شنَّتها على جماعات المعارضة السورية التي كانت هجماتها على طوابير المدرعات السورية قد أوهنت سيطرة بشار الأسد على معقل قواته في اللاذقية، ومن ثم سيطرة نظامه على البلاد.

قلبَ الهجوم الروسي مسار الحرب في سوريا لمصلحة بشار الأسد، وانحازت الروايات المتداولة عن الحرب إلى سردية بشار الأسد ونظامه، وتقاعست عن تمحيص النفي الروسي لاستهداف البنية التحتية المدنية واتخاذ ذلك وسيلة لإرهاب السكان وإجبارهم على الخضوع، وكان مرجع ذلك في معظم الأحيان هو تعاطف أوساط كثيرة مع ادعاءات بوتين والأسد بأن قواتهما كانت تقاتل متطرفين، وليس ثواراً وقوات معارضة.

أعلن بوتين حملته في سوريا حملةً عسكرية ناجحة، ومنح دفورنيكوف وسام "بطل الاتحاد الروسي"، وهو من أعلى الأوسمة في البلاد. ولم تخسر روسيا في سوريا إلا عدداً قليلاً جداً من الجنود والطائرات، لأنها احتفظت بالتفوق الجوي طوال الوقت.

هل يستطيع تكرار استراتيجيته السورية في أوكرانيا؟

أمَّا في أوكرانيا، فإن دفورنيكوف الذي شغل منصب قائد المنطقة العسكرية الجنوبية منذ عام 2016 مقبلٌ على مجموعة مختلفة تماماً من المصاعب في أوكرانيا، فسلاح الجو الروسي لا يهيمن على الأجواء وقواته البرية استُنزفت استنزافاً شديداً بفعل الإمدادات المنتظمة للأوكرانيين من الأسلحة المتطورة الغربية، والتي لم تكن متاحة للمعارضة السورية.

محاولة ألكسندر دفورنيكوف لتكرار تكتياته في شمال أوكرانيا قد تواجه مشكلة. 

وقال الفريق إيهور رومانينكو، النائب السابق لرئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية إن الغابات والكمائن الجريئة وهجمات القوات الأوكرانية، فضلاً عن سوء الخدمات اللوجستية وانخفاض الروح المعنوية، أعاقت تقدم الروس في شمال أوكرانيا نحو كييف.

وأضاف: "لقد عانوا من خسائر فادحة ومذلة وانسحبوا من مناطق كييف وتشرنيهيف وسومي في أوائل أبريل/نيسان 2022".

ولكن رومانينكو لفت إلى أن جنوب أوكرانيا مختلف لأن التضاريس تهيمن عليها السهوب (مراعي مستوية)، ويبدو أن موسكو تستخدم نفس التكتيكات التي استخدمتها في سوريا مرة أخرى.

تحميل المزيد