مر أكثر من عام منذ عادت أمريكا وإيران إلى فيينا لإعادة إحياء الاتفاق النووي دون أن يتحقق الأمر الذي تريده إدارة بايدن وكذلك حكام طهران، فما مدى أهمية رفع الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب الأمريكية بالنسبة للطرفين؟
كانت العاصمة النمساوية فيينا قد شهدت، يوم 6 أبريل/نيسان 2021، الجولة الأولى من مفاوضات إعادة إحياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015، والذي كانت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد انسحبت منه بشكل أحادي عام 2018، لكن بايدن أعلن أن إحياء الاتفاق سيكون على رأس أولوياته في السياسة الخارجية.
وعلى مدى أكثر من عام، دخلت الولايات المتحدة وإيران، إضافة إلى باقي أطراف الاتفاق، في محادثات متقطعة وغير مباشرة، وقبل شهر تقريباً بدا الجانبان على شفا إحياء الاتفاق بالفعل، لكن المحادثات توقفت لأسباب متعددة منها مطالب روسية في اللحظة الأخيرة وعيد النوروز والمسألة التي لم تحل بشأن ما إذا كانت واشنطن سترفع الحرس الثوري الإيراني من القائمة الأمريكية للمنظمات الإرهابية الأجنبية.
وخطة العمل الشاملة المشتركة بشأن إيران (الاسم التقني للاتفاق النووي الإيراني) تعرف أيضاً باتفاق 6+1، إذ وقعت عليه الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، إضافة إلى إيران، والهدف منه هو تقييد البرنامج النووي الإيراني ووضعه تحت رقابة صارمة لضمان عدم تحوله إلى برنامج عسكري لإنتاج أسلحة نووية، رغم أن طهران تنفي سعيها لذلك.
رفع سقف المطالب الإيرانية
الأحد 10 أبريل/نيسان ذكرت وسائل إعلام رسمية إيرانية أن نواب البرلمان وضعوا شروطاً لإحياء الاتفاق النووي من بينها ضمانات قانونية يوافق عليها الكونجرس الأمريكي بأن واشنطن لن تنسحب منه.
وجاء هذا الإعلان وسط توقف المفاوضات؛ إذ تتبادل طهران وواشنطن اللوم في عدم اتخاذ القرارات السياسية اللازمة لتسوية القضايا العالقة. وقد يعرض فرض مثل هذه الشروط في وقت حاسم التوصل لاتفاق نهائي للخطر؛ إذ يقيد المساحة المتاحة أمام المفاوضين للمناورة في المحادثات.
ونقلت وكالة تسنيم الإيرانية للأنباء عن بيان وقعه 250 من إجمالي 290 نائباً "على الولايات المتحدة أن تقدم ضمانات قانونية يوافق عليها… الكونجرس بأنها لن تنسحب من الاتفاق مرة أخرى".
وذكرت تسنيم أن النواب قالوا في الرسالة إن الاتفاق يجب أن يضمن أن الآلية التي يتم بموجبها إعادة فرض عقوبات على إيران لن يتم تفعيلها من قبل واشنطن. وقال النواب أيضا إنه "لا ينبغي إعادة فرض العقوبات التي سيتم رفعها بموجب الاتفاق الجديد ولا يجب فرض عقوبات جديدة على إيران".
والأحد أيضاً قال وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان إنه على الرئيس الأمريكي جو بايدن إصدار أوامر تنفيذية برفع بعض العقوبات عن إيران لإظهار حُسن نيته تجاه إحياء الاتفاق النووي، بحسب رويترز.
العودة للاتفاق النووي، بإجماع المراقبين، تمثل رغبة مشتركة بين إدارة بايدن وبين حكومة الرئيس الإيراني المحافظ إبراهيم رئيسي، لكن تظل حسابات السياسة الداخلية لكل منهما عاملاً رئيسياً يكبح جماح القدرة على تقديم تنازلات تسهم في التوصل لاتفاق، وهذا هو السبب الجوهري وراء طول مدة المفاوضات بين طرفين أعلنا عن الرغبة في العودة للاتفاق بالفعل.
رفع الحرس الثوري من القائمة السوداء
ويقول محللون إن واحدة من العقبات الأخيرة أمام إحياء الاتفاق النووي الإيراني، وهي طلب طهران رفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب الأمريكية، تعد قضية سياسية أكثر من كونها جوهرية، بحسب تقرير لرويترز، على الرغم من أنها ليست العقبة الوحيدة في تأخير التوقيع.
وقال أحد المصادر لرويترز إن الولايات المتحدة تدرس بالفعل إسقاط هذا التصنيف مقابل نوع من الالتزام من جانب إيران بكبح أنشطة الحرس الثوري. ومع ذلك، يدرك البيت الأبيض جيداً "الحساسية السياسية والتكلفة المرتبطة" برفع قوة النخبة من القائمة، وفقاً لدينيس روس المفاوض الأمريكي الذي عمل طويلاً في الشرق الأوسط، مشيراً إلى أن بعض الديمقراطيين يعارضون رفع الحرس الثوري من قائمة المنظمات الإرهابية. وأضاف روس: "هناك تردد من الجانب السياسي في البيت الأبيض".
وقال مسؤول كبير بالإدارة الأمريكية إن الرئيس جو بايدن لم يكن ينوي رفع الحرس الثوري من قائمة المنظمات الإرهابية، حسبما أفاد ديفيد إجناشوس كاتب المقالات في صحيفة واشنطن بوست يوم الجمعة.
ورداً على سؤال حول هذا التقرير، قال مسؤول كبير في إدارة بايدن لرويترز: "لن نتفاوض علناً. ما زالت هناك ثغرات". وأضاف المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن اسمه" "المسؤولية تقع على عاتق إيران بالفعل في هذه المرحلة، لا سيما فيما يتعلق بهذه القضية".
عندما صنفت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية أجنبية عام 2019، كانت هذه أول مرة تضع فيها واشنطن جزءاً من جيش دولة أخرى في القائمة السوداء، وكان يُنظر إلى هذا التحرك من قبل البعض باعتباره أقراصاً سامة تجعل من الصعب إحياء الاتفاق النووي الذي تخلى عنه ترامب عام 2018.
ويقول منتقدو رفع الحرس الثوري الإيراني من القائمة، وكذلك أولئك المنفتحون على الفكرة، إن القيام بذلك سيكون له تأثير اقتصادي ضئيل لأن العقوبات الأمريكية الأخرى تجبر الجهات الأجنبية على نبذ هذه الجماعة. وقال مسؤول أمريكي كبير، طلب عدم الكشف عن اسمه" "إنه تقييم على مستوى الإدارة بأنه لن يكون له تأثير كبير، إن وُجد".
ملف بلا تأثير حقيقي لكنه سياسي!
وضعت الولايات المتحدة الأمريكية الحرس الثوري الإيراني ضمن قائمة منفصلة تم إنشاؤها بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، تضم الكيانات التي تصنفها واشنطن على أنها "منظمة إرهابية عالمية مصنفة بشكل خاص"، وهو ما يعني أن الحرس الثوري سيظل خاضعاً للعقوبات الأمريكية حتى إذا وافقت إدارة بايدن على إلغاء وجودها في القائمة السوداء بعد قرار ترامب.
الحرس الثوري الإيراني، وهو فصيل سياسي قوي في إيران، يسيطر بالفعل على إمبراطورية تجارية بالإضافة إلى قوات النخبة المسلحة والمخابرات التي تتهمها واشنطن بشن حملة إرهابية عالمية.
واستشهدت مصادر إيرانية بأسباب متعددة وراء رغبتها في إلغاء هذا التصنيف، ويشمل ذلك السياسة الداخلية ورغبة فريق الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي في إظهار أن بإمكانه تأمين صفقة أفضل من سلفه حسن روحاني. وقال دبلوماسي إيراني كبير، طلب عدم الكشف عن اسمه لرويترز" "إنها في الأغلب مسألة كرامة للمؤسسة والمفاوضين الإيرانيين".
وأضاف مسؤول إيراني كبير سابق مطلع على المحادثات: "أصر الفريق الجديد منذ البداية على قضية المنظمة الإرهابية الأجنبية وسيعتبرها إنجازاً كبيراً إذا تم رفع تلك العقوبات. هذا الأمر بشكل أساسي للاستخدام المحلي لأنهم انتقدوا صفقة روحاني عام 2015 ولا يمكنهم إعادة إحيائها فحسب".
وقال دبلوماسي إيراني آخر إن إيران رفضت فكرة رفع التصنيف عن الحرس الثوري الإيراني ككل مع الإبقاء عليه بالنسبة لفيلق القدس التابع للحركة.
بايدن تحت مقصلة الجمهوريين
مع أن المسؤولين الأمريكيين يكرهون الاعتراف بذلك، فإن القضية الرئيسية في واشنطن سياسية أيضاً. فالجمهوريون يجادلون بأن إسقاط تصنيف "منظمة إرهابية أجنبية" عن الحرس الثوري سيُظهر أن إدارة بايدن متساهلة في التعامل مع الإرهاب، وهو اتهام ينفيه المسؤولون في إدارة بايدن.
ووصف مايكل ماكول، وهو أبرز نائب جمهوري في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، الحرس الثوري الأسبوع الماضي بأنه "آلة قتل" تهدد الأمريكيين وشدد على التكلفة السياسية للبيت الأبيض. وقال: "سيؤدي ذلك إلى تقسيم الحزب الديمقراطي إلى نصفين بشأن هذا الأمر، إن لم يكن أكثر".
كما عبر بعض الديمقراطيين عن مخاوفهم، على الرغم من أنه من غير المتوقع أن يعرقل الكونجرس إحياء الاتفاق النووي، إذا ما تم التوصل للاتفاق بالفعل. وقال النائب الأمريكي جوش جوتهايمر، وهو ديمقراطي من نيوجيرسي، الأسبوع الماضي: "لا يمكننا المقامرة بحياة الأمريكيين وإلغاء تصنيف منظمة إرهابية أجنبية".
لكن حتى المنتقدون لخطوة رفع الحرس الثوري من القائمة السوداء الأمريكية يعترفون بأن ذلك لن يكون له سوى القليل من الآثار العملية.
وقال ماثيو ليفيت، من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى لرويترز، إن تصنيف الحرس الثوري الإيراني على أنه منظمة إرهابية أجنبية أضاف سلطتين فقط هما: السماح للحكومة الأمريكية بمنع دخول أي شخص مرتبط به وفرض عقوبات جنائية على أولئك الذين قدموا له عن قصد "دعماً مادياً".
وفي تحليل في الآونة الأخيرة، قال ليفيت إن إيران ستستخدم رفع الحرس الثوري من القائمة لكي تؤكد عدم مشاركتها في أي أنشطة إرهابية، وإن إسقاط هذا التصنيف سيقوّض مصداقية العقوبات الأمريكية. وكتب: "لا ينبغي رفع الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية إلى أن يتوفر دليل على أنه أوقف الأنشطة الإرهابية".