التحدي الأبرز الذي يواجه إيمانويل ماكرون للفوز بفترة رئاسية ثانية يتمثل في اهتزاز قاعدته الانتخابية، وهو ما يطرح السؤال بشأن ما قد يحدث حال لم يصوت مسلمو فرنسا له هذه المرة.
ومع بدء العد التنازلي للانتخابات الرئاسية، حيث تنطلق جولتها الأولى 10 أبريل/نيسان الجاري، يبدو أن ماكرون أدرك أن التحدي الرئيسي الذي يواجهه بالفعل هو اهتزاز ثقة القاعدة الانتخابية الرئيسية التي أوصلته إلى قصر الإليزيه قبل 5 سنوات وهو في عمر التاسعة والثلاثين، كأصغر رئيس في تاريخ البلاد.
وعقد الرئيس المنتهية ولايته السبت 2 أبريل/نيسان الجاري أول مهرجان انتخابي له، قبل 8 أيام فقط من التصويت في الجولة الأولى، سعياً لتعبئة أنصاره، وصرخ فيهم: "لقد حان وقت التعبئة"، مطالباً الفرنسيين بالتوجه إلى صناديق الاقتراع في ظل احتمال هزيمته الذي كان مستبعداً تماماً قبل أسبوع فقط عندما كان متقدماً بفارق 12 نقطة مئوية عن منافسته الرئيسية ومرشحة اليمين المتطرف ماريان لوبان.
هل يصبح ماكرون الأول منذ شيراك؟
يسعى ماكرون لأن يصبح الرئيس الفرنسي الأول، منذ جاك شيراك قبل 15 عاماً، الذي يفوز بفترتين رئاسيتين. وعلى الرغم من أن الرئيس، الذي وصل إلى الإليزيه المرة الأولى بأصوات اليسار ويريد الآن البقاء فيه بأصوات اليمين المتطرف، يمتلك فرصاً ليست ضعيفة في أن يفوز بفترة ثانية، إلا أن استطلاعات نوايا التصويت لا تصب في صالحه خلال الأسبوع الماضي.
كانت صحيفة The Guardian البريطانية قد نشرت تقريراً، قبل أسابيع، رصد التحدي الأبرز الذي يواجه الرئيس الفرنسي للفوز بفترة ثانية، وهو بالأساس اهتزاز القاعدة الانتخابية التي أوصلته إلى الإليزيه في انتخابات 2017 كأصغر رئيس بتاريخ البلاد منذ نابليون بونابرت. ويبدو أن ذلك التحدي بدأ يتشكل مع مرور الوقت.
إذ نشرت صحيفة The Haaretz الإسرائيلية تقريراً عنوانه "ماكرون يحتاج لأصوات الشباب المسلمين لإعادة انتخابه للرئاسة.. وهو يعرف ذلك"، رصد كيف يسعى الرئيس الفرنسي الآن إلى "استرضاء" الناخبين المسلمين للتصويت له مرة أخرى.
وكان ماكرون قد أعلن عن ترشحه رسمياً لفترة ثانية يوم 3 مارس/آذار، وأخر بدء حملته الانتخابية لانشغاله بالتوسط في الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وهو يواجه منافسة حقيقية من لوبان ومرشح اليمين المتطرف الآخر إريك زامور. إلا أن غالبية المحللين يتوقعون أن تكون فاليري بيكريس، مرشحة اليمين، المنافسَ الأكبر له في حالة وصولها إلى الجولة الثانية من الانتخابات.
وكان ماكرون قد قال أمام حشد من المؤيدين المتحمسين في باريس بعد وقت قصير من فوزه في الجولة الأولى من التصويت في الانتخابات الرئاسية 2017: "أريد أن أكون رئيساً لكل شعب فرنسا، رئيساً لجميع الناس الذين يتعاملون مع تهديد القومية".
لكن بعد أن فاز فعلاً وأصبح أصغر رئيس في تاريخ البلاد وأراد أن يحيي إرث فرنسا الإمبراطورية ويسير على خطى شارل ديغول، وعلى الرغم من وعوده بأن يكون "رئيس كل الفرنسيين"، فإنَّ أفعال إدارته لم ترقَ إلى مستوى تعهده ذلك.
ماكرون وإغضاب المسلمين
وخلال العامين الماضيين، على سبيل المثال، طوّر ماكرون برنامجاً مصمماً لاقتلاع ما سماها جذور "النزعة الانفصالية الإسلامية" وغرس القيم الجمهورية، على حد قوله. واتُهِم ماكرون بالانخراط في إقصاء مُقنّع، خاصة ضد مسلمي فرنسا، واتهمه البعض بأنه يريد "إسلاماً على طريقته الخاصة".
وكان الرباعي الذي يتصدر قائمة المرشحين في الانتخابات، ماكرون ولوبان وزامور وبيكريس، يتنافسون على كسب أصوات اليمين المتطرف بشكل لافت خلال الأشهر الماضية، على حساب المسلمين في البلاد. ويبدو أن مسألة تأثير الإسلام على المجتمع الفرنسي قد أصبحت الورقة الرابحة للانتخابات الرئاسية، بعد أن ذهبت فرنسا أبعد من أي بلد غربي آخر في مواجهة ما تسميها "التيارات الراديكالية" داخل الإسلام.
وهذه هي المرة الأولى في تاريخ الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي يتقاسم فيها اليمين واليمين المتطرف المراتب الأربع الأولى في استطلاعات الرأي، وهو ما يضع مسلمي فرنسا أمام خيارات صعبة في ظل تصاعد الخطاب المعادي للإسلام والمهاجرين في الحملات الانتخابية.
لكن الرئيس الفرنسي يرد على منتقديه بالقول إنه يريد أن يفعل العكس تماماً؛ وهو منع المواطنين المسلمين من الانفصال عن بقية المجتمع الفرنسي ومحاربة التطرف.
ويُنظَر إلى ماكرون، وهو سياسي وسطي، على نطاق واسع على أنه تحول إلى اليمين في العامين الماضيين في كل من خطاباته وأفعاله – وليس عن طريق الصدفة. إذ يقول منتقدوه إنَّ هدفه الرئيسي كان اجتذاب أصوات اليمين، بما في ذلك الأصوات المؤيدة لليمين المتطرف ومنافسته الأساسية في الانتخابات المقبلة، مارين لوبان.
عندما وصف الرئيس الإسلام بأنه "دين في أزمة"، شعر بعض المسلمين الفرنسيين أنهم كبش فداء للاستيلاء على رأس مال سياسي على حسابهم. وقد أدان العديد منهم بشدة الهجمات الإرهابية التي وقعت في بلادهم، لكنهم يخشون، مع ذلك، أن يُصنّفوا على أنهم إرهابيون.
ماكرون يتودد إلى مسلمي فرنسا
ومع ذلك، أظهر ماكرون جانباً آخر عندما يتعلق الأمر بمسلمي فرنسا في الآونة الأخيرة. في بداية شهر فبراير/شباط، عَكَف ماكرون على تنظيم مؤتمر لمدة يومين في مرسيليا يركز على التحديات التي تواجه دول البحر المتوسط. وقدّم خطة جديدة للنهوض بالمنطقة ومواطنيها في مجالات تتراوح من البيئة والتعليم والتوظيف إلى الابتكار والمشروعات والثقافة والتقاليد.
شارك آلاف الأشخاص في "منتدى عوالم البحر المتوسط"، بمن فيهم شباب من شمال إفريقيا، ومواطنون فرنسيون من أصل عربي، وشخصيات عامة، وممثلون عن وكالات التوظيف في باريس. كانت الأجواء في الحلقات والموائد المستديرة نابضة بالحياة وبدا كما لو أنَّ جميع الحاضرين يشاركون الرغبة في التعاون وإحداث التغيير.
لم يكن قرار ماكرون عقد المنتدى في مرسيليا مصادفة. إذ تعاني مرسيليا، ثاني أكبر مدينة في فرنسا، من ارتفاع معدل البطالة والفقر والمخدرات وعنف العصابات والهجرة غير الشرعية. وهي تضم جالية مسلمة كبيرة من مختلف دول شمال إفريقيا.
يقول أعضاء الفريق الوزاري الفرنسي لمنطقة البحر المتوسط إنَّ المنتدى يهدف إلى تعزيز المساواة والنشاط الاجتماعي لدول البحر المتوسط. وصرّح المسؤولون بأنَّ المنتدى "يوفر منبراً لجيل الشباب لإسماع صوته والمشاركة في تشكيل المستقبل".
لكن البعض كان متشككاً فيما إذا كان بإمكانه حقاً إحداث تغيير كبير بحلول عام 2030، وهو الجدول الزمني الطموح الذي حدده ماكرون وحكومته.
وأثيرت أيضاً شكوك بشأن دوافع المؤتمر وتوقيته. قال صهيب الحياتي (39 عاماً)، من تونس: "أعتقد أنَّ المنتدى هو حملة سياسية أخرى مُقنّعة. وليست هذه هي المرة الأولى التي يدعو فيها ماكرون المواطنين الفرنسيين من أصل عربي ليكونوا جزءاً من فرنسا. سيقول بعض الناس إنَّ هذا غير صحيح، لكنني أعتقد أنها استراتيجية أخرى ليشق طريقه إلى الانتخابات المقبلة".
وعلّق الدكتور إيمانويل نافون، أستاذ العلوم السياسية وخبير السياسة الخارجية الذي يحاضر في جامعة تل أبيب، قائلاً إنَّ المنتدى ومناشدة المشاركين الفرنسيين من أصل عربي خطوتان ضروريتان من ماكرون قبل الانتخابات المقبلة.
وأوضح نافون أنَّ "قضية المهاجرين من دول البحر المتوسط أصبحت القضية المركزية مؤخراً في فرنسا، ويرجع ذلك أساساً إلى حملة المرشح اليميني المتطرف إريك زمور. ويحاول ماكرون جذب الناخبين من شمال إفريقيا والبحر المتوسط الذين يشعرون بالتهديد من خطاب زمور وخططه. هذه مجموعة من الناخبين ليس لليمين السياسي أية فرصة تقريباً لجذبهم، لأنهم على الجانب الآخر من الخريطة".
وقال نافون إنَّ ماكرون يتواصل مع الجالية العربية الإسلامية، في الوقت الذي يدعو فيه زمور إلى وقف فوري للهجرة إلى فرنسا وطرد السكان غير الشرعيين؛ و"بهذا الخطاب، يحاول ماكرون القول: لم أقل ما قاله زمور؛ لذا صوتوا لي".
هل يمكن أن ينجح دون أصواتهم؟
وأضاف أنَّ ماكرون سعى أيضاً إلى مناشدة الناخبين الفرنسيين من أصل جزائري في الحملة الانتخابية الرئاسية الأخيرة، عندما زار الجزائر ووصف النظام الاستعماري الفرنسي بأنه جريمة ضد الإنسانية. وقال نافون: "في الأساس، يكرر ماكرون ما قاله في حملته السابقة. عكس المعسكر اليميني، يتحدث عن الفرنسيين المنحدرين من أصل شمال إفريقي وكونهم جزءاً لا يتجزأ من فرنسا ويسلط الضوء على مساهمتهم في البلاد، فهذه هي الطريقة التي يمكنه بها الفوز بأصواتهم".
وإذا كانت نتائج الانتخابات الأخيرة مؤشراً، فسيحتاج ماكرون إلى تصويت المسلمين لتأمين إعادة انتخابه.
في الانتخابات الرئاسية لعام 2012، صوّت 86% من الناخبين الفرنسيين المسلمين في الجولة الثانية للمرشح الاشتراكي فرانسوا أولاند، الذي انتُخِب رئيساً بنسبة 51.56% من الأصوات. ولولا الدعم الكبير من المسلمين الفرنسيين، لكان سيُعاد انتخاب خصمه اليميني نيكولا ساركوزي. وفي عام 2017، كان هناك إقبال كبير للناخبين بين مسلمي فرنسا على الانتخابات بنسبة 62%: أكثر من 90% منهم (2.1 مليون ناخب) صوتوا لماكرون، بينما صوّت 200 ألف لمارين لوبان، وفقاً لمعهد استطلاع الرأي.