أغلق معرض إكسبو 2020 في الإمارات، الذي أجَّلته الجائحة، أبوابه مساء الخميس 31 مارس/آذار 2022، بعد ثماني سنوات من الترقّب، وسبعة مليارات دولار من الاستثمارات، و240 مليون ساعة من العمل، وستة أشهر من الاحتفالات. لكن هل ترك الحدث الإرث الحقيقي الذي كان متوقعاً؟ تقول وكالة Associated Press الأمريكية إن الإجابة هي: لا.
دبي كانت تطمح لأن يكون معرض إكسبو "ميلاداً جديداً" لها
بدا الأمر أشبه بـ"ميلادٍ جديد" حين فازت دبي بملف استضافة معرض إكسبو عام 2013، حيث عانت الدولة المدينة البراقة من انهيارٍ عقاري خلال فترة الركود الكبير قبلها بأربع سنواتٍ فقط، وأنقذتها حينها جارتها الغنية بالنفط أبوظبي بمبلغ 20 مليار دولار.
ومع عودة أسعار العقارات إلى مستوياتها الطبيعية؛ بدا كأن معرض إكسبو سيكون إيذاناً بنهاية مشكلات دبي كما تقول وكالة Associated Press الأمريكية، إذ يعتبر أول معرضٍ عالمي في منطقة الشرق الأوسط. وكانت توقعات المسؤولين للحدث كبيرة، حيث كان يُفترض بـ"أكبر معارض العالم" أن يجذب 25 مليون زائر، ويجمع استثمارات بقيمة 33.4 مليار دولار حتى عام 2031. كما سيساعد دبي على الارتقاء لأعلى مستويات المراكز المالية العالمية.
ولكن اتضح في النهاية أن مليارات الدولارات، وموجة مشروعات البناء الخيالية، ووابل الدعاية لم تكن جميعها كافية في مواجهة جائحة فيروس كورونا التي أجبرت دبي على تأجيل الحدث لعامٍ كامل.
حيث قال جيمس سوانستون، الخبير الاقتصادي في Capital Economics: "لا شك في أنّ الحدث لم يكن على قدر رغبات المسؤولين. إذ كانت هناك تقديراتٌ شديدة التفاؤل بأن معرض إكسبو سيدفع عملية نمو قطاعي العقارات والأعمال على مدار الخمس إلى عشر سنوات المقبلة، لكن كوفيد عطّل كل ذلك".
في حين سارعت دبي لتطعيم المواطنين على نطاقٍ واسع حتى تتمكن من فتح حدودها وتخفيف قيود الفيروس -مما أكسبها سمعةً لكونها ملاذ احتفالات للسياح الراغبين في الفرار من حالات الإغلاق داخل بلادهم.
واستقبل المعرض منذ افتتاحه عدداً ضخماً -وإن كان غامضاً بعض الشيء- كما تقول Associated Press من الزوار، الذين وصلوا إجمالاً إلى 23 مليون زائر، وذلك بفضل الزيارات المتكررة من الأشخاص الذين يعيشون داخل دبي بالفعل. إذ حصل موظفو القطاع العام على إجازةٍ مدفوعة لستة أيام من أجل زيارة المعرض. كما توجه طلاب المدارس إلى المعرض في رحلاتٍ ميدانية منتظمة.
انتقادات عديدة طالت معرض إكسبو 2020
لكن الحدث جلب معه الانتقادات أيضاً، حيث سلّط معرض إكسبو الضوء على مشكلات العمالة المهاجرة. إذ تحدث العديد من العاملين منخفضي الأجور في إكسبو عن غرقهم في الديون من أجل تغطية رسوم توظيفهم، كما تعرضت جوازات سفرهم للمصادرة، بينما يُعانون من أجل تحمل تكلفة الطعام أثناء عملهم في المعرض الذي أُنفق عليه مليارات الدولارات.
ومع ذلك لم تستجب أي شركات أو دول لمطالبات البرلمان الأوروبي بالانسحاب من إكسبو على خلفية مخاوف حقوق الإنسان. في حين اعتمدت دبي على الحدث لتعزيز مكانتها الدولية وإنعاش اقتصادها أثناء تعافيه من الجائحة.
ويُمكن القول إن دبي شقت طريقها إلى الساحة العالمية بشكلٍ متزايد في الأشهر الأخيرة، لكن بعض المحللين يرون إن سبب ذلك يتعلق باستجابة الحكومة للجائحة والإصلاحات الكبرى أكثر مما يتعلق بجاذبية معرض إكسبو.
إذ غيرت الإمارات عطلة نهاية الأسبوع لتتماشى مع العطلة الغربية، وسمحت لغير المتزوجين بالعيش معاً قانونياً، وخففت قيود التأشيرات وقواعد الاستثمار الأجنبي. ويبدو أن خطوتها التالية ستكون تقنين القمار. كما ارتفعت أسعار العقارات والفيلات الفاخرة بالتزامن مع تدفق الأثرياء الأجانب على الإمارة بأعدادٍ كبيرة.
حيث قالت سابنا جاغتياني، مديرةٌ في S&P Global Ratings: "لن أعطي معرض إكسبو الفضل بالكامل في ارتفاع أسعار العقارات السكنية. بل جاء الارتفاع مدفوعاً في غالبه بطريقة إدارة الإمارات للجائحة، وانتقال الأفراد ذوي الأرصدة المالية الضخمة للعيش في البلاد".
الأموال النفطية تشق طريقها باتجاه عقارات دبي لكنها تثير المخاوف حول سداد الديون
وربما لم يعد لدى دبي حدثٌ عالميٌ كبير منتظر، لكن المراقبين يقولون إن قواعد المدينة المناسبة للأعمال وغياب العقوبات والسياسة ستُعزز مكانة الإمارة بعد نهاية المعرض. وقد تجلى ذلك تحديداً في أعقاب هجوم روسيا على أوكرانيا، الذي رفع أسعار النفط لأعلى مستوياتها منذ سنوات، وأثار الاضطرابات الاقتصادية في المنطقة.
وأوضحت سابنا لـAssociated Press: "هناك الكثير من الأموال النفطية التي تشق طريقها باتجاه عقارات دبي. إذ تُعتبر ملاذاً آمناً لتدفق الاستثمارات في أوقات الصراعات".
لكن المخاوف تظل قائمةً حول احتمالية أن يؤدي انتهاء المعرض إلى تفاقم مشكلات دبي المتعلقة بالديون وفائض العرض، وذلك في حال عدم توافر الطلب اللازم لسيل الفنادق والبنايات السكنية الجديدة. كما أن رفع أسعار الفائدة يلوح في الأفق أيضاً.
وقال جيمس: "قد لا تنفجر الأوضاع كما حدث في عام 2009، لكنها قد تثير المخاوف حول سداد الديون، وهنا سيأتي دور أبوظبي لتتدخل مرةً أخرى".
وبينما تمتلئ جنبات دبي بـ"مشاريع الفيل الأبيض" غير المكتملة، تسببت مشاريعٌ أخرى أكثر نجاحاً في دفع عجلة النمو وتحويل مساحاتٍ شاسعة من الصحاري إلى مشاريع عقارية جديدة وبراقة.
وتقول الوكالة الأمريكية، إنه علينا الانتظار لنرى ما إذا كان موقع معرض إكسبو الحالي سيكون له أي أثر في المستقبل البعيد، رغم تدفق الحشود عليه لحضور الساعات الأخيرة من الحفل. حيث قال خالد إسكندر، المعماري الفلسطيني الذي زار الموقع للمرة الرابعة هذا الأسبوع: "سمعت الكثير من ردود الأفعال المتضاربة حول مدى جودة أو سوء معرض إكسبو، وكيف أنه لم يلبي توقعاتٍ معينة. لكنني منبهر به شخصياً".