أيامٌ قليلة تفصلنا عن الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، التي ستعقد في الـ10 من أبريل/نيسان، وتحمل أهميةً كبيرة لمسلمي فرنسا بالطبع. وبينما يخشى كثيرون من فوز مرشحين يمينيين مثل إريك زمور ومارين لوبان، يرى البعض أن احتمالية فوز ماكرون بولايةٍ جديدة يمكن اعتبارها سبباً أدعى لقلق المسلمين.
في 5 نقاط.. هكذا سيواجه مسلمو فرنسا 5 سنوات أخرى من العداء تحت حكم ماكرون
يقول ألين غابون أستاذ الدراسات الفرنسية في جامعة فرجينيا ويسليان بالولايات المتحدة الأمريكية، في مقالٍ نشره موقع Middle East Eye البريطاني، إن مسلمي فرنسا سيكون لديهم ما يكفي من الأسباب المقنعة للشعور بالقلق، وذلك إذا نظرنا إلى فترة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأولى في المنصب باعتبارها مؤشراً على شكل فترته الثانية بالنسبة للمسلمين في البلاد.
إذ انتُخِب ماكرون في عام 2017، بناءً على وعدٍ بمجتمعٍ ليبراليٍّ شامل، ومنفتح، وعصري يُنظر داخله إلى التعددية الثقافية كأحد الأصول التي تستحق التقدير، وقد كانت رؤيةً حالمةً وسخيَّةً للغاية، وتتناقض بوضوحٍ مع التعصب الأعمى التشاؤمي لمنافسته مارين لوبان، زعيمة حزب التجمع الوطني.
1- فرنسا أصبحت أكثر كراهية للإسلام
لكن غابون أوضح أن "تلك الوعود لم تتحقق، بل أصبحنا أبعد ما يكون عنها مع الأسف. إذ أصبحت فرنسا أكثر كراهيةً للإسلام تحت قيادة ماكرون مقارنةً بما كانت عليه قبل انتخابه، وقد حدث ذلك بنسبةٍ كبيرة كنتيجةٍ مباشرة لخطاب وسياسات حكومته المناهضة للإسلام والمسلمين".
ولا شك في أن مشروع "المجتمع اليقِظ" لمواجهة "الهيدرا" الإسلامية، وتشريع مكافحة "الانفصالية الإسلامية"، و"ميثاق مبادئ" الإسلام الفرنسي (الذي أُجبِرَت المنظمات الإسلامية في البلاد على تبنِّيه)، كلها وجوهٌ مختلفة لعملة واحدة في وجهة نظر غابون، حيث يرى أنّ هذا الخطاب يُصوّر المسلمين على أنهم تهديد والإسلام على أنه دينٌ خطيرٌ في جوهره ويحتاج إلى أمننة، ومراقبةٍ جماعية، وقمع.
وهذا ما قلّل وعي الجمهور الفرنسي بالمسألة، وزاد خوفه من سكان البلاد المسلمين. إذ أصبح غالبية المواطنين الفرنسيين في عهد ماكرون يرون في الإسلام تهديداً وجودياً لـ"حضارتهم"، و"تقاليدهم"، و"قيمهم"، بحسب غابون.
2- بروز نظرية مؤامرة "الاستبدال العظيم"
شهد عهد ماكرون كذلك بروز نظرية مؤامرة "الاستبدال العظيم" إلى مقدمة النقاشات العامة، رغم أن غابون ذكر أنها نظريةٌ مرفوضةٌ من الغالبية باعتبارها محض خيالٍ مشين وعنصري وشديد الجهل.
تظاهرة لأنصار مارين لوبان نظَّمها أفراد من جماعات اليمين المتطرف في فرنسا التي تؤمن بتفوق العرق الأبيض، 2017/ GETTY
وأوضح الكاتب الفرنسي غابون أن هذا النوع من النقاشات لم يقتصر على المرشح الرئاسي زمور أو ماري لوبان، اللذين يعتبر نجاحهما الصادم في حد ذاته نتيجةً مباشرإريكة لرضا البيئة السياسية والإعلامية عن خطابهما المتطرف، خصوصاً زمور.
ويرى غابون أن هذا التعميم السريع لمشاعر الإسلاموفوبيا قد تغذى بقوةٍ واستمرارية على خطاب ماكرون، واستراتيجياته الانتخابية، وسياساته المرتبطة بالإسلام والمسلمين التي أدانتها كبرى منظمات حقوق الإنسان العالمية وحتى الأمم المتحدة.
وفي الوقت ذاته يفر المسلمون من فرنسا بأعدادٍ أكبر، مما يؤدي إلى هجرة عقولٍ كبيرة تضر بـ"قوة فرنسا الناعمة". ويعتقد غابون أنها خسارةٌ مؤسفة لأي دولة، حيث كان يمكنها الاستفادة بأصواتهم ووجهات نظرهم في العديد من مجالات العلاقات الدولية، والأعمال، والدبلوماسية.
3- تقييد المسلمين وحريتهم الدينية بقوانين "ماكرونية"
أما "الميثاق الإسلامي" فقد وصفه غابون بأنه تعدٍّ سافر في حد ذاته، بل ويمثل تأميماً استبدادياً للإسلام بواسطة دولةٍ علمانيةٍ في ظاهرها؛ إذ انتقلت فرنسا في عهد ماكرون إلى التعامل بمنهجٍ استئصالي خالص تجاه الجماعات والمنظمات التي تصنف عادةً دون مبرر على أنها "إسلاموية" أو "راديكالية".
واستشهد غابون هنا بتصريح وزير داخلية ماكرون السابق، كريستوف كاستانير، في أكتوبر/تشرين الأول عام 2019 حين أخبر لجنةً برلمانية بأن مؤشرات التطرف الديني تشمل أشياءً مثل إطلاق اللحية أو "المبالغة" في ممارسة شعائر رمضان. ومن هذا المنطلق يتحول أي شيءٍ له مظهرٌ إسلامي إلى "راديكالية" مباشرةً. وتبدو هذه المفاهيم الخاطئة وكأنها صادرةٌ بشكلٍ طبيعي عن النخب الفرنسية شديدة الكراهية للإسلام.
ويمكن القول إن الخلط بين ممارسة الشعائر الدينية بالشكل الصحيح (الأرثوبراكسية) وبين التشدد الخطير عادةً ما ينبع من "نظرية الاستمرارية" المحتالة، التي تؤدي بموجبها ممارسة الشعائر إلى التشدد. لكن غابون ذكر أنها فكرةٌ غير مثبتةٍ على الإطلاق، كما يتجاهلها الباحثون والخبراء على نطاقٍ واسع.
4- تجريم المعارضة في عهد ماكرون
من ناحيةٍ أخرى، يرى غابون أنّ جهود ماكرون الناجحة لفرض تشريعاتٍ مثل مشروع قانون الانفصالية الإسلامية قد منحت الدولة اليوم مجموعة أدوات قانونية جديدة كلياً لاستخدامها في مراقبة، وحظر، وإغلاق أي شيء يختارون تصنيفه على أنه "إسلاموي" أو "أصولي" أو "متطرف". وقد تجلّى ذلك في الأوامر التنفيذية الصادرة مؤخراً بحل منظمات مناهضة للعنصرية، مثل التجمع المناهض للإسلاموفوبيا في فرنسا.
إذ تجرم هذه السياسات فعلياً انتقاد كراهية الإسلام التي تمارسها الدولة وعنصريتها، عن طريق المساواة بين المعارضة وبين التحريض على ارتكاب أعمالٍ إرهابية ضد فرنسا بحسب غابون.
كما أفاد غابون بأنّ حكومة ماكرون لم تتوانَ في الواقع عن تجريم الاتجاهات ومدارس الفكر الإسلامية، لتنتقل بحزمٍ إلى ساحة التحكم في الفكر والمعتقد (الخاص بالمسلمين حصراً) كما لم تفعل أي إدارةٍ سابقة حتى في فترات ما بعد الحروب. ولا شك أن نظام بوتين يُفكّك العلمانية الفرنسية ليحِلَّ محلها نوعاً جديداً من الإدارة القمعية الاستبدادية للمسلمين ودينهم.
5- تغلغل الرقابة والقمع بشكل أكبر
وتثير هذه التطورات المخاوف على مستقبل المسلمين داخل فرنسا خصوصاً، ومستقبل سيادة القانون بشكلٍ عام؛ حيث سلّط غابون الضوء هنا على وجود اتجاهين معاصرين لكراهية الدولة للمسلمين في عصر ماكرون، يستهدف أحدهما الحياة العامة، بينما يستهدف الآخر الحياة الخاصة.
إذ تهاجم وزارة الداخلية دور النشر، والجماعات المناهضة للتمييز، والمدارس الإسلامية، واتجاهات التعليم "الإسلامية اليسارية"، وغيرها ضمن مساعٍ تهدف بحسب غابون إلى منع تشكيل مجتمعٍ مدنيٍ مسلم ناقد للحكومة. وعلى صعيد الشخصي، تغلغلت الرقابة والقمع بشكلٍ أكثر عمقاً في الحياة الخاصة للمسلمين، بما في ذلك الخيارات التعليمية للأبوين وسلوكيات تربية الأطفال.
أخيراً، يوضح غابون أنّ فرنسا تحت حكم ماكرون أتقنت، وكثّفت، وعمّمت جميع الجوانب المنطقية والعملياتية لما يمكن وصفه بـ"الإسلاموفوبيا الفرنسية الجديدة": خلق بعبع "الإسلاموية"، والمعاقبة الاستبدادية للمسلمين، وإضفاء الطابع المرضي على الأعراف الدينية، وأمننة الإسلام، وإدارته بأسلوب الاستعمار الجديد، وإنكار وجود الإسلاموفوبيا، ومنهجة مراقبة الدولة وقمعها للمؤسسات الإسلامية.
وهذا ما يجب أن يتوقعه المسلمون من ولاية ماكرون الثانية وفقاً لغابون، خاصةً مع وعوده هو وحاشيته المتباهية بالمزيد من النهج نفسه، بحسب وصف الكاتب الفرنسي غابون.