العقيدة النووية.. متى وكيف تستخدم الدول الكبرى أسلحة الدمار الشامل؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/03/31 الساعة 11:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/31 الساعة 11:57 بتوقيت غرينتش
تجربة أمريكية للقنابل النووية، صورة تعبيرية/getty images

بعد بدء الهجوم الروسي العسكري على أوكرانيا في فبراير/شباط الماضي، عادت مخاوف الحرب الباردة من استخدام تبادل القصف بالأسلحة النووية، واستخدامها كسلاح استراتيجي، يقول الغرب ممثلاً بالولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين وغيرهم إن روسيا قد تستخدمه بسبب تعثر هجومها في أوكرانيا. 

ولكن الدول النووية تنشر عقيدتها حول استخدام هذه الأسلحة، لتوضح متى ولماذا قد تضطر إلى مثل هذا الخيار المدمر، والذي قد يؤدي إلى فناء الكوكب بأكمله. 

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سابقاً: "لماذا نحتاج إلى عالم لا توجد فيه روسيا؟"، وتفسر مثل هذه التصريحات على أنها صلف روسي رسمي يهدد الكوكب بأكمله، ويعتبر دليلاً على استعداد روسيا لاستخدام الأسلحة النووية، وربما أيضاً على "جنون" بوتين. 

ولكن هل يقتصر الأمر على روسيا؟ كيف تبدو العقائد النووية للبلدان المختلفة؟ وهل هناك دول أو منظمات دولية غير روسيا تبدي استعدادها لاستخدام الأسلحة النووية؟ وفي أي حالة؟ 

"يمكن استخدام الضربات الاستباقية".. عقيدة أمريكا النووية

تبحث ورقة صادرة عن "خدمة الأبحاث" التابعة للكونغرس، في فكرة إعلان التزام أمريكي بعدم استخدام الأسلحة النووية كضربة أولى، والاقتصار على استخدام هذه الأسلحة كرد على تصعيد نووي فقط. 

تستعرض الورقة تاريخ العقيدة النووية الأمريكية في الفترات المختلفة، ولكن الأهم هو طريقة تفكير الإدارات الأمريكية الأخيرة في ذلك، وما نشرته بخصوص العقيدة النووية الأمريكية، والتزامات أمريكا حول الأسلحة. 

بحسب الورقة؛ أصدرت إدارة أوباما تقريراً حول الموضوع، قالت فيه إنها "ستضع استخدام الأسلحة في عين الاعتبار فقط في الظروف الاستثنائية"، وإنها تلتزم بعدم تهديد أي دولة غير نووية باستخدام هذه الأسلحة؛ طالما أنها كانت موقعة على اتفاقية حظر الأسلحة النووية. 

لكن إدارة أوباما لم تحدد هدف وجود أسلحتها النووية بالردع النووي وحده، وتخويف الدول النووية الأخرى من استخدام هذه الأسلحة ضد الولايات المتحدة الأمريكية ومصالحها، وبررت إدارة أوباما ذلك بأن مثل هذه العقيدة "نطاق ضيق من الحالات الطارئة" التي يمكن استخدام الأسلحة النووية بسببها. 

فلماذا تريد الولايات المتحدة الإبقاء على إمكانية استخدام أسلحتها النووية؟

ترغب الولايات المتحدة بذلك لردع إمكانية حصول هجوم "تقليدي، كيميائي أو بيولوجي"، وبينما ما تشنه روسيا اليوم في أوكرانيا هو بالتعريف "حرب تقليدية" ضد أوكرانيا، تحذر الولايات المتحدة من إمكانية استخدام أسلحة كيميائية وبيولوجية أيضاً في الهجوم. 

أيضا؛ إدارة ترامب امتنعت عن إصدار أي تعهد بالامتناع عن استخدام الأسلحة النووية أولا في أي صراع، أو كون الهدف من وجود هذه الأسلحة هو الردع النووي فقط، وحددت أن الولايات المتحدة لن تستخدم هذه الأسلحة إلا في حالات تهديد كبير للمصالح الأمريكية أو حلفائها وشركائها، دون تحديد ما هي هذه الحالات. 

كما أكدت إدارة ترامب أن الأسلحة النووية مفيدة في ردع أي هجوم نووي أو غيره، سواء كان ذلك ضدها أو ضد حلفائها. 

كما أن إدارة بايدن راجعت العقيدة النووية مؤخراً، والمتوقع أنها لن تعدلها بحيث تتضمن عم استخدام الأسلحة النووية أولا، وعليه ستبقى العقيدة النووية في أمريكا على ما هي عليه، وتعرف العقيدة النووية الأمريكية بـ"الغموض المحسوب Calculated Ambiguity"، لأنها لا تحدد الظروف التي قد تستخدم فيها الأسلحة بوضوح، بل قد تضطر أمريكا لاستخدامها أولاً وقبل أعدائها. 

يدافع البعض عن هذه العقيدة بقولهم إنها تفيد في تأكيد التزام الولايات المتحدة بدفاعها عن حلفائها، وتساعد في ردع القوى النووية الأخرى عن استخدام الأسلحة النووية، وتمنعهم من استخدامها بشكل استباقي ضدها، لكن آخرين يقولون إن الالتزام بعد استخدام الأسلحة النووية بشكل استباقي سيمنع وقوع حسابات خاطئة من دول أخرى، قد تظن أن الولايات المتحدة تنوي شن هجوم نووي عليها. 

من الاتحاد السوفييتي إلى روسيا الفيدرالية.. كيف تطورت العقيدة النووية الشرقية؟

عندما كان الاتحاد السوفييتي قائماً وقوياً؛ أعلن الاتحاد السوفييتي التزامه بالامتناع عن استخدام الأسلحة النووية بشكل استباقي، وأنه لن يستخدم هذه الأسلحة إلا كرد على استخدامها ضده، من قبل أي عدو من أعداء السوفييت، بحسب ورقة بحثية أمريكية. 

الفكرة السوفييتية كانت تقتضي بضرورة ضمان النصر في أي حرب عالمية، قد تقوم ضد "الغرب الإمبريالي"، وتتحول من حرب تقليدية إلى حرب نووية، نتيجة لاستخدامها من دول أخرى، ولكن السعي لتثبيت هذه العقيدة لم يبدأ إلا في الستينات، ولم يُعلن عنه رسمياً إلا في بداية الثمانينات، وتبناها السوفييت كورقة أخلاقية في وجه الغرب. 

رفضت الولايات المتحدة الأمريكية والناتو تبني مثل هذه العقيدة النووية، رغم تبني السوفييت لها، مبقية على إمكانية استخدام الأسلحة النووية ضد الاتحاد السوفييتي، في حال قراره دخول حرب تقليدية ضخمة.

لكن غالبية المحللين الأمريكيين متفقون على أن السوفييت لم يعلنوا عن مثل هذه العقيدة؛ إلا بسبب تفوقهم العسكري الواضح في الحرب التقليدية في الجبهة الأوروبية، وانتفاء الضرورة لاستخدام الأسلحة النووية ضد أعدائهم لو قرروا اجتياح أوروبا، كما أن الأمريكيين ظلوا في شك من أن القيادة السوفييتية تبقي في يدها ورقة استخدام الأسلحة النووية بشكل استباقي، دون الإعلان عن عقيدة واضحة بذلك. 

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، عدلت روسيا من عقيدتها النووية، لتتواءم مع وضعها الأضعف في عالم ما بعد الحرب الباردة، وفي عام 1993 أعلنت روسيا رفضها للعقيدة السوفييتية القاضية بعدم استخدام السلاح النووي بشكل استباقي، خصوصا مع الضعف الملحوظ في قدراتها التقليدية في ذلك الوقت. 

في عام 1997؛ أعلنت روسيا أمراً شبيهاً بما قاله بوتين لاحقا، وهو أن العقيدة الجديدة تسمح باستخدام السلاح النووي؛ في حالة وجود تهديد وجودي على البلاد، أو أي تهديد يمس سيادتها، وفي عام 2000 وسعت روسيا حالات استخدام السلاح النووي، لتشمل أي هجوم عليها أو على حلفائها بأي سلاح دمار شامل، أو هجوم تقليدي ضخم،  الأمر المشابه للعقيدة النووية الأمريكية. 

عام 2009، أعلن سكرتير مجلس الأمن الروسي، نيكولاي باتروشيف، أن بلاده تحتفظ بحق استخدام الضربات النووية الاستباقية، في وجه أي اعتداء خارجي؛ إذا ما قرر هجوماً شاملاً بالأسلحة التقليدية، لكن الدولة أصدرت عقيدة جديدة تحد من إمكانية استخدام الأسلحة النووية، في حدود وجود تهديد وجودي لروسيا؛ كائناً ما كان هذا التهديد. 

وأخيرا، في عام 2020 أصدرت العقيدة النووية الروسية؛ لتؤكد أن روسيا تعتبر الأسلحة النووية وسيلة ردع ودفاع فقط، في وجه أي خطر يتهدد سيادة البلاد ووحدة أراضيها، وحماية مصالحها ومصالح حلفائها أيضاً.

وتعدد روسيا أمثلة على مثل هذا الخطر؛ يشمل حصولها على بيانات موثوقة تفيد بإطلاق صواريخ باليستية تجاه أراضيها أو أراضي حلفائها، أو استخدام أي نوع من أنواع أسلحة الدمار الشامل ضدها أو ضد حلفائها، بالإضافة إلى وقوع هجوم من قبل عدو على مواقع حكومية أو عسكرية حساسة. 

 أما عن أسباب تغير العقيدة الروسية عن سابقتها السوفييتية، فبلا شك لعب إحساس روسيا بالضعف وتراجع القوة، بالإضافة إلى ازدياد المخاطر الغربية عليها وضد أمنها ومحيطها، الدور الرئيسي في تعديل العقيدة النووية، بعد أن كان الاتحاد السوفييتي واثقاً من قدراته العسكرية؛ بحيث لا يحتاج إلى استخدام السلاح النووي بشكل استباقي. 

بطبيعة الحال؛ توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو) في العقود الأخيرة، متضمناً نشر أسلحة تقليدية ونووية أيضاً، اقتربت أكثر وأكثر مع الزمان من حدود روسيا. 

والخلاصة في ظل الأحداث الحالية؛ هي أن العقيدة النووية الروسية لا تختلف كثيراً عن العقيدة الأمريكية، بل إن العقيدة النووية الروسية تشدد على كون الخطر وجودياً على الدولة الروسية، بينما تقول الولايات المتحدة إن بإمكانها استخدام الأسلحة النووية في حال تهديد كبير -وغير محدد- لمصالحها أو مصالح حلفائها.

كلتا العقيدتين تهدد العالم بإمكانية قيام حرب نووية شاملة، كما أن روسيا قد تستغل الأحداث الحالية لتوفير مبررات لاستخدام السلاح النووي، فالكرملين تحدث عن وجود مختبرات أسلحة كيميائية وبيولوجية في أوكرانيا، موجودة لتهديد روسيا بالأساس، والاتهام نفسه موجه لروسيا بإمكانية استخدام الأسلحة النووية ضد أوكرانيا، نتيجة لتعثر هجومها فيها.

العقيدة النووية لحلف شمال الأطلسي

لا تختلف العقيدة النووية لحلف شمال الأطلسي كثيراً عن عقيدة الولايات المتحدة؛ فهي لا تنص على الامتناع عن استخدام الضربات الاستباقية، لكنها تؤكد أنها حلف دفاعي، يهدف إلى ضمان أمن أعضائه. 

يقول الحلف على موقعه إنه يسعى للوصول إلى عالم بلا أسلحة نووية، لكن ذلك لا يعني التخلي عن الأسلحة النووية للحلف طالما وجدت أسلحة نووية في العالم، بهدف ردع أي طرف خارجي من استخدام هذه الأسلحة ضد الحلف وأعضائه. 

يشارك الحلف في مساعي نزع السلاح النووي في العالم، ويعتبر أن هدفه الاستراتيجي هو الوصول إلى عالم بلا أسلحة نووية يوماً ما. 

العقيدة النووية في الصين

أثناء الحرب الكورية في الخمسينات؛ هددت الولايات المتحدة الأمريكية باستخدام الأسلحة النووية ضد الصين وكوريا الشمالية، ولكون الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي استخدمت السلاح النووي فعلياً في التاريخ، لم تكن هذه التهديدات فارغة طبعاً، فيما يمكن أن يُسمى بـ"ابتزاز نووي"، كون الصين وكوريا الشمالية لم تمتلكا أسلحة نووية حينها. 

فقد نشرت الولايات المتحدة قاذفات قنابل نووية في المحيط الهادئ، في عهد الرئيس الأمريكي هاري ترومان، منذ عام 1950، في محاولة لردع دخول الصين للحرب مع كوريا الشمالية؛ لكن الابتزاز الحقيقي ظهر في عهد الرئيس التالي، دوايت آيزنهاور. 

لمَّح آيزنهاور إلى أنه من الممكن أن يأمر باستخدام الأسلحة النووية ضد الصين، في حال لم تستطِع الوصول إلى اتفاق ينهي الحرب في كوريا مع الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن قادة عسكريين أمريكيين استخدموا التهديد نفسه، مع شكوك بمحاولات دفعهم الرئيس الأمريكي لاستخدامها بالفعل، لتدمير القدرات العسكرية الصينية.

لم تنسَ الصين أبداً هذا "الابتزاز النووي"، وسعت إلى امتلاك سلاحها النووي، وتمكنت من امتلاك السلاح النووي لاحقاً في الستينيات، لكن السلاح النووي الصيني من حيث حجمه والعقيدة النووية للبلاد، بقي دفاعياً ورادعاً في وجه القوى النووية الأخرى، فالصين لا تمتلك ترسانة نووية مشابهة للولايات المتحدة أو روسيا.

تحميل المزيد