نظرياً قوات حلف الناتو أقوى بكثير من روسيا، ولكن واقعياً قد يكون الأمر مختلفاً، فكيف سيرد الناتو إذا تعرض أعضاؤه الشرقيون لهجوم روسي؟ وما طبيعة قوات الناتو الموجودة في أوروبا الشرقية لمواجهة روسيا التي تعرف باسم قوات رد الناتو، وهل هي قوات تضم كل الدول الأعضاء، ومن يقودها؟
ويضم الناتو 30 عضواً من بينهم الولايات المتحدة وكندا ومعظم دول الاتحاد الأوروبي باستثناء النمسا وفنلندا والسويد وأيرلندا، بينما يضم دولاً أوروبية غير عضوة بالاتحاد الأوروبي وهي بريطانيا والنرويج وتركيا والجبل الأسود.
يتمثل المبدأ الأساسي لتحالف الناتو العسكري الدولي في نظام الدفاع الجماعي، بمعنى أنه إذا تعرضت أي دولة عضو لهجوم من قِبَل طرف ثالث، فيجب على كل دولة عضو التدخل للدفاع عنها.
أي أنه نظرياً يمكن لحلف الناتو الاعتماد على ما يقرب من 3.5 مليون جندي وأفراد آخرين في الدول الأعضاء، ولكن استخدام هذه القوات الخاصة بكل دولة أمر في النهاية مرتبط بقرار سيادي، يجعل هناك تفاوتاً في مقدار مساهمة الدولة في أي عمليات دفاعية للناتو.
تظهر الأزمة الأوكرانية على سبيل المثال، دوراً كبيراً لبريطانيا ثم في دعم أوكرانيا أو تعزيز دفاعات دول أوروبا الشرقية مقارنة بألمانيا وفرنسا وهما دولتان قريبتان منها في القوة العسكرية.
مقارنة بين قوات الناتو وروسيا
على الورق تتمتع قوات دول الناتو، مجتمعة بتفوق كبير على روسيا، فحجم قوات دول الناتو يزيد عن أربعة أضعاف، وعدد السكان الإجمالي لدول الحلف أكثر من ستة أضعاف سكان روسيا، وميزانيات الدفاع لدول الناتو تزيد 18 مرة عن ميزانية موسكو.
والناتج المحلي الإجمالي المُجمَّع يبلغ 20 ضعف روسيا. علاوة على ذلك، تشير الاتجاهات الديموغرافية والاقتصادية الروسية قبل أزمة أوكرانيا إلى أن هذه النسب ستبقى في المستقبل المنظور، بغض النظر عن التحديث المخطط الحالي للقوات المسلحة الروسية، والذي لا يبدو مستداماً.
وتنفق الولايات المتحدة على الدفاع أكثر من ضعف ما تنفقه بقية دول الناتو مجتمعة، مع إنفاق 2021 يقدر بنحو 705 مليارات دولار، وفقاً لوزارة الدفاع الأمريكية.
إلى جانب كونها أكبر مُنفق على الدفاع في العالم، تمتلك الولايات المتحدة ترسانة أسلحة قوية وكمية هائلة من القوى العاملة (1.3) مليون جندي نشط، مع 865000 جندي احتياطي آخر، حسبما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير لها عام 2017.
في المقابل، تحتل روسيا المرتبة الثالثة في قائمة الدول الأكثر إنفاقاً على التسليح، بميزانية سنوية بلغت نحو 64 مليار دولار، حسب تقرير "معهد ستوكهولم لأبحاث السلام" (SIPRI)، وفي عام 2021، بلغ عدد أفراد الجيش الروسي نحو 900 ألف عسكري.
من جانبها، تأتي بريطانيا في المرتبة الثانية بالنسبة لإجمالي الإنفاق في الناتو بعد أمريكا، بما يقرب من 50 مليار جنيه إسترليني في الدفاع سنوياً مقارنة بـ45 مليار جنيه إسترليني في ألمانيا، و42 مليار جنيه إسترليني في فرنسا، و20 مليار جنيه إسترليني لإيطاليا.
في الوقت نفسه، تمتلك دول الاتحاد الأوروبي نحو 6700 دبابة، و48971 عربة قتال مصفحة، و5804 مدافع و1069 نظام إطلاق صاروخي متعدد.
لماذا تبدو موسكو أقوى؟
لكن روسيا دولة واحدة، بينما الناتو 30 عضواً، وأغلب أعضائه الكبار يبعدون عن روسيا آلاف الأميال، بينما جيران موسكو الأقربون هم أضعف دول الناتو.
فدول الناتو الملاصقة لروسيا وهي جمهوريات البلطيق (لتوانيا وأستونيا ولاتفيا) يقل سكانها مجتمعةً عن عشرة ملايين نسمة وهي دول ضعيفة عسكرياً، إذ يمكن لها المشاركة في العمل العسكري للناتو بحوالي 20 ألف جندي نشط، و80 ألف جندي احتياطي و247 مركبة قتال مشاة وحوالي 300 قطعة مدفعية. وفي البحر، تمتلك دول البلطيق الثلاث قوة مجمعة من 14 سفينة، بينما ليس لديها أسطول طائرات كبير وتعتمد على الناتو للدفاع الجوي.
ويتواجد في أوروبا نحو 100000 جندي أمريكي أكبر عدد منهم في ألمانيا، ويظل هذا العدد أقل كثيراً من حجم الجيش الروسي الذي يبلغ نحو 900 ألف.
وحثت رئيسة الوزراء الإستونية كاجا كالاس مؤخراً الناتو على بذل المزيد من الجهد من أجل دول البلطيق، وقالت إن الدول الثلاث الصغيرة بحاجة إلى قدرات دفاعية أفضل على الأرض وفي الجو. وقالت إن على التحالف أن "ينتقل من الشرطة الجوية إلى الدفاع الجوي".
ماذا عن قوات الناتو المشتركة؟
إضافة للقوات الخاصة بالدول الأعضاء، هناك قوات مشتركة للناتو تدعى قوات رد الناتو، وهي القوة التي يفترض أنها تقوم بأي عمليات انتشار تابعة للناتو وهذا ما يحدث حالياً في أوروبا الشرقية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.
وقوة الرد التابعة لحلف شمال الأطلسي (NRF) هي قوة متعددة الجنسيات جاهزة للغاية ومتقدمة تقنياً وتتألف من عناصر من القوات البرية والجوية والبحرية وقوات العمليات الخاصة (SOF) التي يمكن للحلف نشرها بسرعة، حيثما دعت الحاجة، حسب وصف الناتو.
حتى فبراير/شباط 2022، عندما قام الناتو بتنشيط هذه القوات رداً على الغزو الروسي لأوكرانيا كانت الوحدات المخصصة لقوات الرد السريع تستخدم فقط للمساعدة في الإغاثة في حالات الكوارث والأمن في الأحداث الأمنية رفيعة المستوى.
كيف نشأت قوة رد الناتو؟
تمت المصادقة على مفهوم قوات رد الناتو لأول مرة بإعلان رؤساء دول الناتو في قمة براغ بجمهورية التشيك في 22 نوفمبر/شباط 2002 ووافق عليه وزراء دفاع الناتو في يونيو/حزيران 2003.
في عامي 2004 و2005، تم تنشيط وحدات قوات رد الناتو لعدد صغير من المهام المدنية وعمليات التأمين والإغاثة.
ولكن نظراً لنقص المعدات وعدم الوفاء بالاحتياجات العسكرية وانخفاض الدعم السياسي بين الدول الأعضاء، تم خفض حجم قوات رد الناتو إلى النصف في عام 2007 ولم يتم استخدامها مرة أخرى حتى عام 2022.
ولكن في عام 2014، واستجابة لأزمة شبه جزيرة القرم وتدهور البيئة الأمنية في أوروبا الشرقية، قام الناتو بزيادة الحجم الأقصى لقوات الرد السريع من 13000 فرد إلى 40.000 فرد حالياً، على الرغم من أن حجم القوة التي يتم نشرها يعتمد على المهمة المطروحة.
الناتو أسس قوة جديدة تدعى قوة المهام المشتركة عالية الجاهزية
في قمة ويلز في سبتمبر/أيلول 2014، وفي أعقاب ضم روسيا لشبه جزيرة القرم الأوكرانية، قرر الحلفاء تعزيز قوة رد الناتو وإنشاء فرقة عمل مشتركة ذات جاهزية عالية جداً (VJTF)، لكي تكون قادرة على الانتشار في غضون أيام قليلة للرد على أي تحديات قد تنشأ.
وقوة المهام المشتركة عالية الجاهزية (VJTF) هي أحد مكونات قوة رد الناتو NRF، حسبما ورد في تقرير لموقع Business Insider الأمريكي.
وتعتبر المهام المشتركة عالية الجاهزية (VJTF) هي أعلى مجموعة عسكرية استعداداً لدى الناتو، حسب تقرير لصحيفة Independent البريطانية.
المشاركة في هذه القوات يسبقها برنامج تدريبات الناتو لمدة ستة أشهر من أجل دمج الوحدات الوطنية المختلفة وتوحيدها، كما تدخل الدول الأعضاء جنودها المرشحين في فترة ما قبل التدريب استعداداً لتدريبات الناتو وهي فترة تستغرق بين 6-18 شهراً.
بمجرد تفعيل عمل قوة المهام المشتركة عالية الجاهزية، يتم نشر فرق الاستطلاع في غضون 5 أيام، ثم تتوالى مراحل النشر التي تؤدي إلى نشر كامل قوة المهام المشتركة وقوات رد الناتو في غضون 30 يوماً.
الفرق بين قوة رد الناتو وقوة المهام عالية الجاهزية
قوة رد الناتو أكبر من قوة المهام عالية الجاهزية ولكنها أبطأ في الانتشار، يمكن أن تنتشر قوة رد الناتو في أي مكان مطلوب في غضون أسبوع إلى أربعة أسابيع.
ولكن قوة المهام عالية الجاهزية تستطيع الانتشار بشكل أسرع، ويمكن وصفها القوات الخاصة بقوة رد الناتو.
قرر وزراء دفاع حلف الناتو في 5 فبراير/شباط 2015 أن تتكون قوة المهام المشتركة (VJTF) من مكون أرضي قوامه حوالي 5000 جندي مع توفر الوحدات الجوية والبحرية وقوات العمليات الخاصة المناسبة، مقابل 40 ألفاً لقوة رد الناتو.
من يقود قوة المهام عالية الجاهزية؟
يتم تناوب قيادة وعضوية قوة المهام المشتركة عالية الجاهزية (VJTF) سنوياً بين أعضاء الناتو الذين يمكنهم نشر قوات ميدانية في غضون الوقت القصير المطلوب.
وافقت فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبولندا وإسبانيا وتركيا والمملكة المتحدة على تولي الأدوار القيادية لـ VJTF على أساس التناوب.
فرنسا، التي تقود قوة المهام المشتركة عالية الاستعداد حاليا، لديها حوالي 5000 جندي يتمركزون في شرق وغرب أوروبا.
ويمكن للبلدان الشريكة في الناتو، مثل السويد وفنلندا، المشاركة في هذه القوة بموافقة التحالف.
في 25 فبراير/شباط 2022 بعد اجتماع الناتو إثر الغزو الروسي لأوكرانيا، تم تنشيط قوة المهام المشتركة عالية الاستعداد (VJTF) للدفاع عن أعضاء الحلف، لأول مرة.
ماذا حدث بعد الغزو الروسي لأوكرانيا؟
بعد غزو روسيا لأوكرانيا، قام الناتو بتنشيط عناصر من قوات رد الناتو لأول مرة في دور "الردع والدفاع"، وأعلن أنه سيتم بدء نشر عناصر جوية وبرية وبحرية منها في أوروبا الشرقية لطمأنة الحلفاء وزيادة موقف الردع لحلف الناتو.
وقال الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ: "نحن للمرة الأولى في تاريخنا ننشر قوة رد الناتو".
وذكر ستولتنبرغ بأن قوة رد الناتو لن تنشر قوتها الكاملة لكنه لم يحدد الأعداد، كما تم وضع الوحدات الوطنية على أهبة الاستعداد ويمكن دمجها من الناحية التشغيلية مع قوة رد الناتو إذا لزم الأمر.
وقد تم وضع الآلاف من القوات الإضافية والعربات المدرعة ووحدات المدفعية والسفن والطائرات في حالة تأهب قصوى.
أين تتمركز هذه القوات حالياً؟
إستونيا.. بريطانيا في مقدمة الجبهة
تقود المملكة المتحدة مجموعة الناتو القتالية العاملة مع القوات الإستونية، كجزء من الوجود الأمامي المعزز للحلف على الحدود مع روسيا، حسب تقرير Independent.
قبل أسبوع من غزو روسيا لأوكرانيا، أعلنت وزارة الدفاع البريطانية أن المملكة المتحدة ستضاعف عدد أفرادها في إستونيا، وسترسل معدات إضافية، بما في ذلك الدبابات والمركبات القتالية المدرعة.
وصلت دبابات تشالنغر 2 وعربات مصفحة من مجموعة القتال الملكية الويلزية إلى إستونيا، ومعها المزيد من المعدات والقوات في طريقها.
اعتباراً من مارس/آذار من العام الماضي، كان لدى المملكة المتحدة 828 جندياً في البلاد، بالإضافة إلى كتيبة مشاة مدرعة بها دبابات قتال رئيسية ومركبات قتالية مدرعة ومدفعية ذاتية الدفع ومعدات دفاع جوي ومهندسون ومجموعة استخبارات ومراقبة واستطلاع.
وزادت عمليات الانتشار البريطانية الآن في أعقاب الغزو الروسي، ولكن لا يعرف عددها.
كان لدى فرنسا أيضاً 337 جندياً، وسرب دبابات قتال رئيسية وعربات قتال مصفحة في البلاد.
في ظل الضعف الشديد للقوات الجوية لدول البلطيق، تقوم طائرات تايفون المقاتلة التابعة لسلاح الجو البريطاني بمهام الحماية الجوية في جميع أنحاء المنطقة من قاعدتها في سلاح الجو الملكي أكروتيري في قبرص.
وتقوم الطائرات بدوريات في المجال الجوي فوق رومانيا وبولندا مع حلفاء الناتو، إلى جانب طائرات التزود بالوقود.
لاتفيا.. قوات الناتو بقيادة كندا
تقود كندا وجود مجموعات الناتو القتالية في لاتفيا، التي تضم نحو 1500 جندي من الناتو، مع 540 كندياً، تحت راية عملية إعادة الطمأنينة.
تشمل مساهمة كندا سرية مشاة ميكانيكية بمركبات قتالية مصفحة.
كما يشكل المئات من الجنود من إسبانيا وإيطاليا وجمهورية التشيك وسلوفاكيا وسلوفينيا وألبانيا والجبل الأسود وبولندا جزءاً من المجموعة القتالية للناتو.
ليتوانيا.. ألمانيا تتولى الزمام
تقود مجموعة قتالية تابعة لحلف الناتو بقيادة ألمانيا الوجود الأمامي المعزز للحلف في ليتوانيا.
قبل الغزو الروسي، كان هناك حوالي 1300 جندي متمركزين في روكلا يتألفون من القوات الألمانية والهولندية والبلجيكية والنرويجية والتشيكية.
قال وزير دفاع ليتوانيا إن ألمانيا وهولندا تزيدان انتشار قواتهما، مما رفع العدد الإجمالي لقوات الناتو في البلاد إلى 4000 بحلول نهاية مارس/آذار 2022.
بولندا.. أمريكا تقود القوات بالدولة الأهم في الجبهة ضد روسيا
تعتبر بولندا أكبر دول الجناح الشرقي للناتو سكاناً ومساحة، ومن أقربها لروسيا، إضافة إلى أن لديها أطول حدود لدولة من الناتو مع أوكرانيا، ولديها حدود مع جيب كالينغراد الروسي (منطقة روسية منتزعة من ألمانيا محاطة من كل النواحي بأراضٍ غير روسية) مما يجعل لبولندا مكانة خاصة في أي نزاع مع موسكو.
وبلغ عدد مجموعة قتال التابعة للناتو في بولندا التي تقودها الولايات المتحدة ما يزيد قليلاً عن 1000 في العام الماضي، لكن الوجود الأمريكي في المنطقة زاد بشكل كبير في أعقاب الحرب في أوكرانيا.
نشر الرئيس الأمريكي جو بايدن 4700 جندي أمريكي إضافي في بولندا لتعزيز الدفاع عن الجناح الشرقي للناتو وآلافاً آخرين في ألمانيا.
رومانيا.. دور أكبر لفرنسا الشقيقة اللاتينية
لحلف شمال الأطلسي قوة برية متعددة الجنسيات يصل قوامها إلى 4000 جندي في رومانيا.
وتم نشر 500 جندي فرنسي إضافي في رومانيا الأسبوع الماضي.
وصلت القوات الفرنسية إلى رومانيا كعنصر رئيسي في هذه القوة.
تاريخياً تنظر رومانيا لفرنسا أنها الشقيقة اللاتينية الكبرى، رغم بعد المسافة، حيث إن اللغتين الرومانية والفرنسية منبثقتان من اللاتينية.
بلغاريا.. لا توجد قيادة أجنبية
في بلغاريا هناك وجود محدود للناتو، حيث وصل حوالي 150 جندياً أمريكياً الشهر الماضي، ولكن التشكيل العسكري والتدريبات تقودها القوات البلغارية.
ستستضيف البلاد 1000 جندي للتدريب في وقت واحد، سيكون ثلاثة أرباع هؤلاء الجنود من الجيش البلغاري، مما يجعل حجم الوجود العسكري الأجنبي من 200 إلى 300 جندي.
المجر "هنغاريا".. سمحت لقوات الناتو بالانتشار غرب البلاد
رغم أنه يوصف بأنه حليف بوتين داخل الاتحاد الأوروبي والناتو، فقد وقَّع رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان مؤخراً، مرسوماً يسمح لقوات الناتو بالانتشار في غرب البلاد، وشحنات الأسلحة بعبور أراضيها إلى أعضاء الناتو الآخرين.
ولكن رفض رئيس الوزراء المجري، نقل السلاح الغربي إلى أوكرانيا عبر أراضي بلاده.