“اللاجئون الأخيار واللاجئون الأشرار”.. كيف كشفت الحرب الأوكرانية اللامساواة اليونانية بالتعامل مع ملف اللجوء؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/03/30 الساعة 10:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/30 الساعة 10:56 بتوقيت غرينتش
اللاجئون الأوكرانيون في اليونان، مارس 2022/ Getty

كشفت الحرب الروسية على أوكرانيا تناقضاً كبيراً في التعاطي الغربي مع أزمات الشرق الأوسط، وخاصة ملف اللاجئين، الذين اتخذوا من أوروبا وجهة لهم، حيث تقدم اليونان على سبيل المثال تسهيلات كبيرة وغير مسبوقة للاجئين الأوكرانيين الذين عبروا حدودها، وهي الدولة الأوروبية التي كانت تتعرض للانتقادات لسنوات، بسبب سوء معاملتها اللاجئين الشرق أوسطيين والأفارقة والآسيويين، وحتى رفض استقبالهم والتنكيل بهم على الحدود اليونانية، وكذلك غياب التدابير التي تضمن حمايتهم إذا دخلوا أراضيها.

"استعدادات مذهلة".. اليونان تطبق على اللاجئين الأوكرانيين قواعد مختلفة عن تلك التي فُرضت على غيرهم

تقول اللاجئة الأوكرانية صوفيا مالينوفسكايا، التي عبرت الحدود نحو اليونان، بعدما أجبرت على مغادرة البلاد بسبب الغارات الجوية والقتال الدائر بالقرب من منزلها في مدينة خاركيف شرقي أوكرانيا، إنها حظيت بمساعدة كبيرة وتسهيلات عند وصولها إلى مدينة سالونيك شمالي اليونان.

وتضيف في حديثها لشبكة DW الألمانية، أنها ذهبت إلى سالونيك لأنها علمت أنها سيكون لديها مكان يمكن أن تعيش فيه. إذ قالت: "لدي صديقة قريبة تعيش هنا، ويمكنني أن أبقى معها". وأضافت أنها لم تعرف، برغم ذلك، أن اليونان تعرضت لانتقادات لسنوات بسبب رفض استقبال اللاجئين المهاجرين وغياب التدابير التي تضمن حمايتهم.

وعَبَر أكثر من 10 آلاف أوكراني الحدود اليونانية حتى يوم الأربعاء 23 مارس/آذار 2022، وفقاً لفاديم سبلوك، القنصل العام الأوكراني في سالونيك. وقال سبلوك لشبكة دويتشه فيله الألمانية: "الحكومة اليونانية تكرمت بالموافقة على السماح لجميع الأوكرانيين الذين فروا من الحرب، للمجيء إلى الأراضي اليونانية".

السلطات اليونانية بالإضافة إلى المواطنين يقومون بجمع تبرعات مادية وعينية لأجل اللاجئين الأوكرانيين الفارين من الحرب/ Getty

يستطيع الأوكرانيون الذين يحملون جوازات سفر دخول البلاد على الفور. أما الآخرون الذين يحددون هوياتهم باستخدام وثائق أخرى، مثل شهادات الميلاد، فقد دُشن لهم مركز في بروماكوناس، وهي نقطة حدودية بين اليونان وبلغاريا، حيث تعطي الشرطة لهؤلاء اللاجئين وثائق لملئها. وبعد ذلك يمكنهم تقديم الطلبات إلى أقرب هيئة للهجرة فيُسجَّلون رسمياً.

قال سبلوك: "وفقاً لوزارة الهجرة واللجوء (اليونانية)، بداية من يوم 28 مارس/آذار، دُشنت منصة على الإنترنت للتسجيل المسبق من أجل تلقي الوثائق في حالة الحماية المؤقتة من الحكومة اليونانية"، مضيفاً أن هذه الحالة يمكن أن تبقى سارية لما يصل إلى ثلاث سنوات.

يوضح سبلوك، الذي كان يعمل بلا توقف منذ بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا، في 24 فبراير/شباط 2022، إنه "كان مذهولاً" من استعداد السلطات والمواطنين اليونانيين لمساعدة مواطني بلاده.

وأضاف: "كثير من الأشخاص جاءوا إلى القنصلية وعرضوا شققهم ومنازلهم وغرفهم من أجل استضافة الشعب الأوكراني"! وتابع قائلاً إن الروس الذين يعيشون في اليونان يُظهرون تضامناً أيضاً. وقال: "الروس يأتون ويلتمسون العذر ويعملون جنباً إلى جنب مع متطوعينا".

"اللاجئون الأخيار واللاجئون الأشرار"

داخل مجلس مدينة سالونيك، كان الأوكرانيون والروس واليونانيون يعملون معاً لجمع الغذاء والملابس والدواء لإرسالها إلى أوكرانيا. ولكن على الجانب الآخر خارج مجلس المدينة، وتحديداً في شوارع أثينا، كان أكثر من 400 شرطي مشغولين بتنفيذ عملية Skupa (أي المكنسة)، التي ينفذون من خلالها عمليات تفتيش بحق طالبي اللجوء، ويعتقلون أي شخص لا يستطيع إثبات هويته.

وقال شاب أفغاني للشبكة الألمانية: "إنني خائف من الخروج في المطلق"، مضيفاً أنه لا يعرف أين سيذهب عندما يُغلَق المخيم الذي يعيش فيه في شهر مايو/أيار 2022.

فقد قال إن طلب اللجوء الذي تقدم به إلى السلطات اليونانية رُفض مرتين. وفي بلدته في كابول، كان يعمل "مترجماً" فورياً للوكالات الدولية ويخشى على حياته إذا عاد إلى أفغانستان.

لاجئون من الشرق الأوسط وآسيا وإفريقيا خلف الأسلاك الشائكة في إحدى معسكرات اللجوء باليونان/ رويترز

المحاولة التي بذلها الشاب الأفغاني لتقديم طلب لجوءٍ جديدٍ باءت بالفشل. وعلى مدى ساعات، حاول التسجيل على النحو المطلوب عبر خدمة تطبيق سكايب، لكن الأمر لم يُفلح. والآن يتوجب عليه السفر على حسابه الخاص إلى منطقة إيفروس، التي تقع على الناحية الأخرى من البلاد، كي يتقدم بطلب لدى أحد مراكز الاستقبال.

قال الشاب الأفغاني إن الوقت الذي قضاه في اليونان جعله لا يثق في السلطات اليونانية. ويذكر كذلك أنه شهد عنف الشرطة تجاه اللاجئين وعمليات الترحيل غير القانونية، عندما كان يحاول عبور الحدود من تركيا إلى اليونان.

وأوضح أنه غاضب من مقارنة معاملة اللاجئين الأوكرانيين مع الطريقة التي عومل بها. وأضاف: "إنهم وافدون جدد، ويجب أن يمروا عبر نفس الإجراءات مثل اللاجئين الآخرين".

وقال إن الحرب في أوكرانيا هي الموضوع الرئيسي الذي يُثار في المخيم الذي يعيش فيه، مضيفاً أن الموقف هناك كان عسيراً بما يكفي وبما لا يتحمل رؤية معاملة الآخرين بطريقة أفضل.

انتهاكات يونانية موثقة ضد اللاجئين من الشرق الأوسط

لطالما أدان نشطاء حقوق الإنسان الطريقة التي تعامل بها السلطات اليونانية اللاجئين، لكن الحكومة تزعم أن تركيا بلدٌ ثالثٌ آمنٌ، ولذا لا يملك الأشخاص حقاً في الحصول على حماية دولية في الاتحاد الأوروبي.

في حديثه مؤخراً أمام البرلمان، وصف وزير الهجرة واللجوء اليوناني، نوتيس ميتاراكيس، اللاجئين من أوكرانيا بأنهم "لاجئون حقيقيون". وفي غضون ذلك، قال ساسة بارزون في اليونان، إن طالبي اللجوء القادمين من الشرق الأوسط وإفريقيا هم "لاجئون غير شرعيين"، وذلك حسبما نقلت وسائل الإعلام اليونانية.

اللاجئون الأوكرانيون يعبرون طريقهم نحو أوروبا/ رويترز

قالت نيدا نوراي كيا، خبيرة سياسة الهجرة الأوروبية لدى مؤسسة هاينريش بول المنضوية تحت لواء حزب الخضر الألماني، إنها ترفض اللامساواة في معاملة اللاجئين من جانب الحكومة اليونانية. وفي تعليقها على الصورة المحزنة التي تجلت فيما يتعلق بحماية اللاجئين في اليونان، ذكرت الترحيلات غير القانونية، وغياب الأحكام الأساسية، وغياب جهود الدمج، وقالت إن قائمة الاتهامات تطول.

وقالت نيدا للوكالة الألمانية DW: "من المهم أن يرد الاتحاد الأوروبي على الانتهاكات القانونية الموثقة". مشيرة إلى أنه من المهم أيضاً برغم ذلك أن يحصل اللاجئون من أوكرانيا على حماية في اليونان بدون إجراءات روتينية وبيروقراطية.

أوضحت نيدا: "يثبت هذا في نهاية المطاف أن التضامن ممكن، إن مثل هذا التضامن يجب كذلك أن يمتد إلى الآخرين الذين يطلبون الحماية".

وكان كثير من الأشخاص من الشرق الأوسط، بالإضافة إلى طالبي اللجوء من أفغانستان، ينتظرون لوقت طويل للغاية من أجل الاستماع إلى طلبات اللجوء الخاصة بهم، وهم الآن عالقون منذ سنوات في منطقة قانونية مشوشة وغير واضحة.

قالت نيدا: "الحماية من الحرب والاضطهاد ليست من باب الرحمة. نحن في الاتحاد الأوروبي لسنا في عزلةٍ عن هذا العالم، عندما تضطهد الأنظمة الاستبدادية مواطنيها لا يمكننا أن نغلق أعيننا، يجب أن نتحمل المسؤولية"، بحسب تعبيرها.

تحميل المزيد