نجا من فخ الروبل لكنه يواجه أزمة في الجنود والذخائر.. إلى متى يستطيع بوتين مواصلة حرب أوكرانيا؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2022/03/30 الساعة 10:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/30 الساعة 10:21 بتوقيت غرينتش
الجيش الروسي/رويترز

يبدو أداء الروبل الروسي مفاجئاً في الأزمة الأوكرانية فهو ليس أفضل حالاً فقط من الجنيه المصري والعديد من العملات الأخرى المتأثرة بالأزمة الأوكرانية، ولكن أفضل حالاً حتى من الجيش الروس نفسه الذي يعد ثاني أقوى جيش في العالم.

ويظهر ذلك أن محصلة نتائج الحرب الأوكرانية متناقضة، ففي بعض المجالات قللت روسيا الخسائر لأدنى من المتوقع مثل أداء الروبل، بينما سجلت نزيف خسائر كبيراً في نواحٍ أخرى مثل القوات التي خصصتها لغزو أوكرانيا.

وتثير هذه الاختلافات في الأداء التساؤلات حول القيود التي قد تواجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للاستمرار في الحرب مع دخول الشهر الثاني لها، خاصةً مع خسائر جيشه التي تقول المصادر الغربية إنها كبيرة، وما ترتب على الحرب من وضع بلاده في عزلةٍ شديدة.

فإلى أي مدى يستطيع بوتين الصمود؟ وهل يمكن أن تنقلب النخب الروسية عليه؟

إنه ليس قلقاً من المعارضة، ولكن مما يحدث في أوكرانيا

قضى بوتين سنوات في إخماد المعارضة، وتكميم أفواه الإعلام المستقل، وتقوية الدولة الأمنية لمنع الاحتجاجات، ما يعني أنه لن يواجه نفس القيود المحلية التي قد يواجهها زعيم بلدٍ ديمقراطي حين يخوض حرباً مماثلة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Washington Post الأمريكية.

كما أن استمرار عائدات مبيعات النفط والغاز الأجنبية -رغم العقوبات الغربية- تساعده على تخفيف وطأة العقوبات الاقتصادية القاسية داخل البلاد.

لكن بوتين يواجه قيوداً تكتيكية من نوعٍ خاص على أرض المعركة، إلى جانب بعض القيود الاقتصادية والجيوسياسية الأخرى. ومن المحتمل أن تتضافر جميع تلك القيود لتزيد صعوبة قدرته على خوض حربٍ أطول في أوكرانيا، لكنها لن تجعلها مستحيلةً بأي حالٍ من الأحوال.

وقالت المحللة السياسية الروسية تاتيانا ستانوفايا، مؤسسة R. Politik للاستشارات: "ليس الوقت في صالح بوتين".

الروبل الروسي
تدريبات للجيش الأوكراني/رويترز

فعلى أرض المعركة، فرضت روسيا سيطرتها بالقوة على أراضٍ شاسعة من جنوب أوكرانيا مقابل ثمنٍ باهظ، وأوشكت على إتمام "الجسر الأرضي" الذي يمتد من الأراضي الروسية وحتى القرم، التي انتزعتها روسيا بالقوة من أوكرانيا عام 2014. لكن جهود السيطرة على كييف وخاركيف، أكبر مدن أوكرانيا، قد تعطلت. وكذا هو الحال مع محاولات توسيع الاستيلاء على الأراضي الجنوبية باتجاه الغرب، عند مدنٍ مثل ميكولايف وأوديسا.

في حين قدّر مسؤولٌ بارزٌ في الناتو يوم الأربعاء 23 مارس/آذار أن خسائر الجيش الروسي من القوات تتراوح بين 7,000 و15,000 جندي في شهرٍ واحد فقط، وهو رقمٌ أكبر مما خسرته الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان معاً على مدار 20 عاماً. في حين أُصيب آلافٌ آخرون من القوات الروسية أيضاً.

ولكن وزارة الدفاع الروسية أعلنت قبل أيام أن 1351 عسكرياً روسياً لقوا مصرعهم، وأصيب 3825 آخرون، وهي حصيلة أقل بكثير من تلك التي تعلنها كييف والغرب.

"أزمة العنصر البشري".. ماذا سيفعل بوتين مع المجندين الجُدد؟

قال مايكل كوفمان، المحلل العسكري الروسي في مؤسسة CNA البحثية، إن الخسائر الروسية الكبيرة لا تبدو بالضرورة كعقبةٍ سياسية لبوتين على أرض الوطن، لكنها تعوق في الواقع فعالية وحداته على أرض المعركة، حيث أوضح كوفمان أن ارتفاع أعداد القتلى أو المصابين بين الجنود الروس سيؤثر في وقتٍ من الأوقات على معنويات وقدرة القادة في التقدم بالحملة.

وتبدأ دفعة التجنيد الجديدة للجيش الروسي في الأول من أبريل/نيسان، ويجب أن يصدر بوتين مرسوماً خلال الأيام المقبلة لتحديد عدد الجنود الذين يتعين على وزارة الدفاع تجنيدهم. كما يجب أن يقرر ما إذا كان سيُبقي على مجندي الدفعة السابقة في الخدمة بسبب الخسائر في أوكرانيا.

ولا شك أن استمرار الحرب متعددة الجبهات على مدار فترةٍ طويلة سيحتاج إلى قواتٍ أكبر وعملية تعبئةٍ أوسع لم يسبق للكرملين أن نفذها من عقود.

ومن الواضح أن روسيا تبحث جاهدةً عن الأفراد. ولا يتعلق الأمر بعددهم فقط، "بل تحتاج روسيا إلى قوةٍ بشرية مدربة ومتحمسة"، حسب نيك رينولدز، الزميل الباحث في مؤسسة Royal United Services Institute بلندن الذي يركز في تحليله على تأثير قيود القوة البشرية على الأداء الروسي.

مشكلة في خطوط الإمدادات

في حين أن المقاومة الأوكرانية، والهجمات الناجحة لاسترداد بعض الأراضي من الروس في عددٍ من المناطق، يمكن أن تؤثر أيضاً على ما يظن بوتين أن بإمكانه تحقيقه. ما قد يجبره على إعادة حساباته في ما يتعلق بأهدافه. وفي الوقت ذاته تواجه القوات الروسية صعوبةً في الحفاظ على تشغيل خطوط الإمداد على عدة جبهات.

بينما قال كوفمان: "السؤال الأهم هو ما الذي يعرفه بوتين عن هذه الحرب؟ وما هو تصوره لواقع الأحداث على أرض المعركة؟ وما الذي تخبره به القيادة العسكرية عن احتمالات نجاحهم؟ هل يعتقد أن مواصلة استخدام القوة يمكن أن تساعده على تحقيق أهدافه السياسية في أوكرانيا؟ أم هل يرى أن المكاسب تتناقص في ظل الوضع الراهن؟".

وستكون هناك مشكلة تتعلق بالذخيرة

من ناحيته رينولدز قال إن الكرملين سيواجه قيوداً تتعلق بالذخيرة، والقوة البشرية، والمعنويات، واللوجستيات. 

ويعتقد أن واحداً من أكبر مشكلات الحرب الحديثة هي الاستهلاك الهائل للذخائر والمعدات.

وربما تجبر هذه الحقائق بوتين على تغيير هدفه من الإطاحة بالحكومة الأوكرانية إلى إجراء تعديلات مقنعة على المواقف السياسية الأوكرانية، أو تركيز الحرب على جبهةٍ واحدة.

فضلاً عن أن تسريع عمليات تسليم الأسلحة إلى أوكرانيا من جانب الولايات المتحدة وأوروبا ستزيد من القيود التي تواجه القوات الروسية. وهذا يشمل طائرات الشفرات المسيرة القادمة من الولايات المتحدة، والتي يمكنها أن تلحق أضراراً كبيرة بالقوات الروسية في الحرب الحضرية.

استغل ورقة الطاقة لإنقاذ الروبل

نجح بوتين في النجاة من العقوبات المفروضة على روسيا حتى الآن بالاستمرار في بيع النفط والغاز لزبائن مثل الصين، والهند، وأوروبا. إلى جانب إجبار مصدري الطاقة الروس على شراء الروبل بالأرباح، ما حال دون الانهيار الكامل للعملة. 

وعلى الرغم من التقلبات الحادة التي تشهدها العملة الروسية، فإنها قلصت خسائرها الكبيرة وبدأت في الاستقرار.

وتعززت العملة في 13 من جلسات التداول الأربعة عشر الماضية في موسكو، ليتقلص بذلك معظم انخفاضها الذي بلغ 33% والذي تكبدته في التعاملات على أرضها منذ الغزو الروسي لأوكرانيا.

وارتفع الروبل مرة أخرى أمس الثلاثاء، أكثر من 4% خلال اليوم إلى حوالي 86 مقابل الدولار الأمريكي، وهو مستوى أقل بنسبة 6% من المستوى الرئيسي له عند 81.16، وهو المستوى الذي أغلق عنده في 23 فبراير/شباط 2022، أي قبل يوم واحد من الحرب.

الروبل الروسي
الغرب فرض عقوبات عى التعامل مع الذهب الروسي/رويترز

وفرت قيود رأس المال التي فرضها البنك المركزي، والتي تهدف إلى منع السيولة من مغادرة البلاد، بعض الدعم للروبل. كما تحركت روسيا نحو المطالبة بتنفيذ مبيعات الغاز الطبيعي بالروبل، رغم رفض أكبر الدول الصناعية لهذا الطلب.

وقال رئيس الدخل الثابت في شركة يونيون انفستمنت لإدارة الأصول، كريستيان كوبف، إن ذلك سيعكس التدفق الحالي للأموال، ما يجعل الدول التي تفرض عقوبات على روسيا، تدعم العملة الروسية، كما يضمن لروسيا دعم الروبل من مبيعات الطاقة.

وقالت ناتالي ريفيت، كبيرة محللي الأسواق الناشئة في (Informa Global Markets): "من المرجح أن يساعد وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا في دعم الروبل، لكن من الصعب وضع أي تصور مستدام"، حسبما نقلت عنها وكالة بلومبرغ الأمريكية.

وقالت غويلايوم تريسكا، كبيرة المحللين الاستراتيجيين للأسواق الناشئة في "جينيرالي إنشورانس أسيت مانجمنت": "يجب أن يؤخذ ارتفاع الروبل مع القليل من الحذر. فتعزيز الروبل الروسي هش، ومدفوع بالعوامل الفنية أكثر من التحسن الاقتصادي الحقيقي".

قال كبير الاقتصاديين في معهد التمويل الدولي، روبن بروكس: "إن الروبل ليس مسعراً عند مستواه الحقيقي، وإذا كان هناك تدفق حر في كلا الاتجاهين، فسنرى روبل أضعف بكثير".

بوتين لديه الأموال لتغطية النفقات وتحفيز الاقتصاد

ومع ارتفاع أسعار الطاقة العالمية والانخفاض المعتدل لقيمة الروبل، من المحتمل أن يمتلك بوتين ما يكفي من المال بين يديه لتغطية النفقات الحكومية والإنفاق على بعض الحزم لتحفيز الاقتصاد.

لكن الرياح الاقتصادية المقابلة ستتضاعف على الأرجح بالنسبة لروسيا مع انكماش الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع معدلات البطالة، كما أن التصعيدات الجديدة على أرض المعركة قد تؤدي إلى فرض عقوبات جديدة.

الصين ستحاول اقتناص صفقات رابحة من موسكو

وستجد موسكو نفسها في الوقت ذاته معتمدةً بشكلٍ أكبر على سلع وتقنيات الصين، وتركيا، وإسرائيل، وبقية الدول التي لم تفرض العقوبات على روسيا بسبب هجومها. ولا شك أن قدرة بوتين في إبقاء على حياد تلك الدول -وخاصةً الصين- مع استمرار الحرب سيؤثر بشكلٍ كبير على ما يستطيع الروس شراؤه، والوصول إليه، وإنتاجه.

في حين يتوقع ألكساندر غابويف، الزميل البارز في Carnegie Moscow Center، أن بكين لا تريد أن يُنظر إليها باعتبارها طرفاً مساعداً في آلة حرب بوتين أو مهدداً للأعمال الغربية، ولهذا فليس من المحتمل أن تنتهك العقوبات أو تمد موسكو بالأسلحة. وأردف غابويف: "وإذا حدث العكس، فسنكون أمام لعبة فرص جامحة للصين تتضمن مشتريات سلع رخيصة والوصول إلى أكثر التقنيات العسكرية تقدماً. لكن بكين ستكون ذكيةً بما يكفي للاستمرار على النهج الحالي".

السؤال الأهم للغرب، هل يحدث انقسام داخل النخب المحيطة ببوتين؟

بينما قضى المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون الأسابيع الماضية في مراقبة ما إذا كانت الحرب قد أدت إلى أي انقسامات بين النخب الروسية، وخاصةً داخل الدوائر العسكرية والاستخباراتية المحيطة ببوتين، إذ يعتبر هذا الأمر بمثابة قيدٍ آخر قد يواجهه بوتين في حال استمراره في الحرب.

لكن المحللة السياسية تاتيانا نفت الفكرة القائلة إن النخب الأمنية الروسية يمكن أن تنتفض ضد بوتين، وخاصةً في الظل الأوضاع الراهنة التي تمنحهم سلطةً هائلة. وأردفت: "من المستحيل أن نتصور حدوث أمرٍ كهذا اليوم. ليس هناك أي استياء في صفوف الأجهزة الأمنية. هذه محض خيالات".

فضلاً عن أن العقوبات الواسعة المفروضة على النخب الروسية تقلل فرصة أي انشقاقٍ علني عن بوتين بحسب تاتيانا؛ لأن أفراد النخب الخاضعين للعقوبات ليس لديهم أي مكانٍ واضح آخر للذهاب إليه -كملاذات أوروبا- في حال قرروا التعبير عن رأيٍ معارض.

إلى متى يستطيع بوتين إقناع الروس بالتضحية بالاقتصاد لصالح العظمة الوطنية؟

من ناحيةٍ أخرى، وفّر بوتين الاستقرار والنمو الاقتصادي للروس على مدار سنوات، رغم أنهم قايضوا حرياتهم السياسية بنظامٍ أكثر استبدادية. لكن الانكماش الاقتصادي نتيجة العقوبات لن يجعل أوضاع المعيشة الراهنة تمثل إنجازاً في أعين الناس.

حيث أوضح كيريل مارتينوف، المحرر السياسي في صحيفة Novaya Gazeta الروسية المستقلة: "يتعين على بوتين الآن أن يقدم للشعب الروسي شيئاً آخر. إذ لم يعد لديه اقتصادٌ في الوقت الحالي. وأعتقد أن الشيء الذي يستطيع أن يُطعمه للروس هو شعور العظمة السياسية: انظروا، لقد عدنا إلى مصاف الدول العظمى من جديد، وجميع قادة أوروبا يريدون الحديث معي لأنني شديد العظمة والخطورة".

لكن مارتينوف أردف أن جاذبية هذه الرسالة ستبهت مع الوقت في حال أصبحت الظروف الاقتصادية شديدة التردي، رغم أن الحكومة ستواصل على الأرجح التركيز على الأحداث الجيوسياسية لإلهاء الناس: "إذا عجزت عن فعل شيءٍ لاقتصادك، وعجزت عن فعل شيءٍ لمجتمعك؛ فلن يتبقى أمامك سوى أن تصبح شديد الخطورة. ويستطيع بوتين أن يشن أي حربٍ يريد".

وقد يعني ذلك أن بوتين قد يهرب من تأثيرات حرب أوكرانيا إلى حرب جديدة.

تحميل المزيد