تثير الهجمات في الداخل الإسرائيلي سؤالاً مهماً بشأن كيفية اختراق منفذيها للجدار العازل الذي شيدته الدولة العبرية لحصار الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، فما قصة جدار الفصل العنصري؟
وخلال أسبوع قتل 11 إسرائيلياً في ثلاث هجمات، إذ كان مواطن عربي في إسرائيل قد قتل أربعة أشخاص في هجوم دهس وطعن في مدينة بئر السبع الجنوبية، قبل أن يقتله أحد المارة الإسرائيليين، وقالت سلطات الاحتلال الإسرائيلي إن منفذ الهجوم من المتعاطفين مع تنظيم الدولة الإسلامية.
ويوم الأحد 27 مارس/آذار، وتزامناً مع انعقاد قمة إسرائيلية عربية في النقب جنوب إسرائيل، أطلق مهاجم عربي، من سكان بلدة في الشمال، النار فقتل ضابطي شرطة في مدينة الخضيرة التي تبعد نحو 50 كيلومتراً شمالي تل أبيب، وأطلق ضباط آخرون النار عليه وقتلوه، بحسب رويترز. وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن هجوم الخضيرة.
والثلاثاء 29 مارس/آذار قُتل خمسة أشخاص بالرصاص في ضواحي تل أبيب، في الهجوم الثالث، خلال أقل من أسبوع. وقع الهجوم في بني براك، وهي واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية.
كيف يدخلون إلى إسرائيل؟
تقارير إعلامية إسرائيلية، نقلاً عن مسؤولين أمنيين لم تحدد هويتهم، قالت إن منفذ هجوم الثلاثاء هو شاب فلسطيني من قرية بالقرب من مدينة جنين بالضفة الغربية المحتلة.
وفي تسجيل مصور التقطه أحد الهواة وعرضته محطات تلفزيون إسرائيلية، ظهر مسلح يرتدي ملابس سوداء شاهراً بندقية وهو يسير في شارع في بني براك.
وخلال ساعات قليلة تم الكشف عن هوية منفذ عملية بني براك وهو الشهيد الفلسطيني ضياء حمارشة البالغ من العمر 27 عاماً، وتوجهت مسيرات نحو قريته "يعبد" القريبة من جنين، حيث طوقت قوات الاحتلال الإسرائيلي المنزل ومنعت الاقتراب منه.
شبكة قدس الإخبارية أشارت إلى أن ضياء حمارشة أسير محرر، كانت سلطات الاحتلال الإسرائيلي قد اعتقلته عام 2013، وهو ممنوع من دخول إسرائيل منذ خروجه من المعتقل.
الأربعاء 30 مارس/آذار، وضعت إسرائيل قوات الأمن في حالة تأهب قصوى، وأعلنت الشرطة الإسرائيلية في بيان أنها اعتقلت 17 عاملاً فلسطينياً ليس بحوزتهم تصاريح عمل وسط إسرائيل. وأضافت شرطة الاحتلال أنها اعتقلت مواطناً عربياً (18 عاماً) من سكان رهط (جنوب)، للاشتباه بدعمه تنظيم "داعش" والانتماء إليه: "سيُحال المشتبه به إلى المحكمة في بئر السبع للنظر في تمديد اعتقاله".
كيف يدخلون إلى إسرائيل إذاً؟ ربما يبدو السؤال غريباً لمن لا يعرف أن الحكومة الإسرائيلية قد قررت قبل عشرين عاماً الشروع في تشييد جدار عازل لمنع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة من الدخول إلى المدن والمناطق الفلسطينية التي أقيمت عليها دولة إسرائيل منذ عام 1948.
ورغم أن الجدار قد أوشك على الانتهاء بالفعل، إذ يبلغ طوله حالياً 670 كلم، فإن الغرض منه، على حسب وجهة النظر الإسرائيلية بطبيعة الحال، قد لا يكون قد تحقق، فالشهيد ضياء حمارشة ممنوع أصلاً من دخول إسرائيل ويعيش في إحدى قرى جنين الواقعة خلف السور الإسرائيلي، الذي يفترض أن يكون طوله عند الانتهاء من بنائه 703 كلم، أي أنه قد اكتمل تقريباً.
فكرة الجدار العازل لصاحبها إسحاق رابين
منذ تأسست دولة الاحتلال الإسرائيلي عام 1948، كان هناك ما يعرف باسم الخط الأخضر أو خط التقسيم بين الدولة العبرية وفلسطين، وهو الخط الذي لم تحترمه إسرائيل واحتلت جميع الأراضي الفلسطينية خلال حرب 1967، ثم تأسست السلطة الفلسطينية بناء على اتفاقيات أوسلو والتي كان من المفترض أن تؤدي إلى قيام الدولة الفلسطينية على أراضي قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، على حدود الخط الأخضر لعام 1948، لكن بالطبع لم يحدث ذلك ولم تلتزم إسرائيل بأي من تلك التعهدات، واضطرت فقط للانسحاب من قطاع غزة بعد أن وجدت استحالة في استمرار احتلالها له.
وفي التسعينات من القرن الماضي، وتحديداً عام 1994، كان رئيس وزراء إسرائيل الأسبق إسحاق رابين، الذي تم اغتياله على أيدي متطرف يهودي، أول من أثار فكرة إقامة جدار فاصل بين دولة الاحتلال وبين الفلسطينيين، لكن رابين لم يكن يتحدث بالطبع عن أن يكون الجدار على امتداد الخط الأخضر، لكنه كان يقترح جداراً ملتوياً بحيث تقع القدس الشرقية وبعض مناطق الضفة الغربية داخله وباقي الأراضي الفلسطينية خارجه.
لم تجد فكرة رابين وقتها إجماعاً بين الساسة الإسرائيليين، وبخاصة من جانب حزب الليكود اليميني، على اعتبار أنهم يريدون مواصلة احتلال جميع أراضي فلسطين بالكامل. لكن خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، التي اندلعت عام 2000، وجدت فكرة بناء جدار عازل صدى جديداً، خصوصاً مع ارتفاع وتيرة العمليات المسلحة للمقاومة الفلسطينية خلف الخط الأخضر أو داخل ما بات يعرف بالعمق الإسرائيلي.
ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2000، وخلال مفاوضات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، أعلن رئيس الوزراء إيهود أولمرت عن بدء تشييد جدار عازل بطول 74 كلم، لكن لم يبدأ العمل فعلياً حتى يونيو/حزيران 2002 خلال حكومة إرييل شارون، التي وافقت بشكل نهائي على بناء الجدار العازل.
لماذا شيدت إسرائيل جدار الفصل العنصري؟
كان الهدف من تفكير الحكومة الإسرائيلية في تشييد الجدار، الذي تصفه حكومة الاحتلال بالحاجز الأمني، هو منع الفلسطينيين من الوصول إلى داخل الخط الأخضر وتنفيذ عمليات مقاومة مسلحة، خصوصاً بعد أن زادت وتيرة تلك العمليات خلال الانتفاضة الثانية.
وبعد أقل من عامين من بدء العمل في الجدار، وصل طوله إلى 180 كلم عام 2003، وبدأت الحكومة الإسرائيلية في تشييد الجزء الجنوبي منه عام 2004. وقالت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، في تبرير تشييد الجدار العازل، إن الهدف منه تحقق بالفعل، إذ انخفض معدل الهجمات المسلحة التي تنفذها المقاومة الفلسطينية في عمق الخط الأخضر.
فخلال عام 2002 نفذت حركات المقاومة الفلسطينية 73 عملية مسلحة داخل المدن الإسرائيلية، بينما انخفض العدد إلى 12 عملية فقط بعد اكتمال الجزء الأول من الجدار عام 2006، بحسب ما أصدرته إسرائيل من بيانات موجهة للداخل وللخارج أيضاً.
لكن حقيقة الأمر هي أن ارتفاع مستوى العمليات المسلحة التي تقوم بها المقاومة الفلسطينية تجاه الاحتلال الإسرائيلي مرتبط بشكل مباشر بمسار عمليات التفاوض أو ما يعرف بالمسار السياسي أكثر منه بما تتخذه إسرائيل من إجراءات، كما هو الحال في الجدار العازل.
إذ يبلغ طول هذا الجدار الآن 670 كلم، أي ضعف طول الخط الأخضر نفسه، وهو مصنوع من ألواح الباطون بارتفاع 8 أمتار، والمتوقع أن يمتد إلى 703 كيلومترات عند الانتهاء من تشييده. وخلال فبراير/شباط الماضي، انهار جزء منه بطول سبعة أمتار، بسبب هطول كميات كبيرة من الأمطار والضغط الداخلي للأتربة وكميات من النفايات، داخل المنطقة الفلسطينية من القدس المحتلة، التي تعاني عادة من إهمال بلدية الاحتلال
لكن منذ اللحظة الأولى للبدء في تشييد ذلك الجدار، يصفه الفلسطينيون والكثير من حركات السلام والمنظمات الدولية وحتى اليسار الإسرائيلي نفسه بأنه "جدار الفصل العنصري"، فتشييده تسبب مع حصار الفلسطينيين وسرقة أراضيهم وفرض عزلة تامة على عدة تجمعات فلسطينية عن امتداداتها البشرية، كما عزل مدينة القدس الشرقية تماماً عن محيطها في الضفة الغربية، وكلاهما أراض محتلة ترفض فيها إسرائيل احترام القانون الدولي الذي ينظم العلاقة بين دولة الاحتلال والشعب المحتل.
الخلاصة هنا هي أن جدار الفصل العنصري، الذي تسميه إسرائيل بالحاجز الأمني، لم يمنع ضياء حمارشة الأسير المحرر الممنوع من دخول إسرائيل، من أن ينتقل من قريته قرب مدينة جنين ويصل إلى قلب تل أبيب، فالقصة ليست في الجدار العازل، بل تكمن في جوهر الصراع بين الاحتلال الإسرائيلي والشعب الفلسطيني المصر على المقاومة وانتزاع حقوقه.