يركز الرئيس جو بايدن على وحدة الغرب في مواجهة روسيا بشأن الهجوم على أوكرانيا، لكن بعد أكثر من شهر على اندلاع الحرب، لا يزال حظر الطاقة الروسية عقبة في طريق الوحدة.
كان الهجوم الروسي على أوكرانيا قد بدأ 24 فبراير/شباط الماضي، وسط توقعات بأن تسقط العاصمة كييف بين أيدي الروس خلال أسابيع أو حتى أيام، لكن الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا والعقوبات غير المسبوقة على روسيا جعلا المهمة لا تسير على هوى الكرملين. ويبدو أن روسيا بدأت تنفذ بأوكرانيا ما طبقته في حربها بسوريا دعماً لنظام بشار الأسد، بحسب تقرير لصحيفة الغارديان بريطانية.
ومنذ إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اعتراف روسيا باستقلال لوغانسك ودونيتسك الانفصاليتين يوم 21 فبراير/شباط، بدأ الغرب فرض عقوبات على روسيا، وحظرت أمريكا واردات النفط والغاز من روسيا قبل ثلاثة أسابيع، لكن أوروبا المعتمدة بشكل أساسي على الطاقة الروسية، رفضت اتخاذ تلك الخطوة.
وسافر بايدن إلى أوروبا خصوصاً؛ من أجل تأكيد وحدة الصف الغربي في مواجهة روسيا، ووصف بوتين بأنه "جزار" وقال إن الرئيس الروسي "لا يمكن أن يستمر في الحكم"، لكن الرئيس الأمريكي عاد إلى واشنطن دون أن يتمكن من إقناع الأوروبيين بموقفه المتشدد، بحسب تقرير لصحيفة The Wall Street Journal الأمريكية.
محدودية الوحدة الأمريكية الأوروبية تجاه أوكرانيا
إذ بدأت الوحدة الأمريكية الأوروبية التي تشكّلت للتصدي لفلاديمير بوتين بسبب غزوه أوكرانيا، في إظهار مداها المحدود، وسط اختلافات بشأن إلى أي مدى ينبغي المضي قدماً في حملة العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة ضد روسيا.
في اجتماعات هذا الأسبوع لمنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) ومجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى والاتحاد الأوروبي، قدَّم الرئيس الأمريكي جو بايدن، وقادة آخرون دعماً موحداً لأوكرانيا، وهو ما عزَّز المساعدة العسكرية والمالية والإنسانية بعد شهر من بدء بوتين تدخله العسكري الكامل في أوكرانيا.
وقال بايدن بمقر حلف الناتو في بروكسل، يوم الخميس 24 مارس/آذار، بعد لقائه مع أعضاء الحلف العسكري وقادة مجموعة السبع: "كان بوتين يراهن على انقسام الناتو، في حين لم يكن الحلف أكثر اتحاداً ممّا هو عليه اليوم".
لكن بعد فرض عدة حزم من العقوبات لإضعاف الاقتصاد الروسي وإعاقة قدرة بوتين على تمويل الحرب، يختلف الحلفاء الآن بشأن كيفية المضي قدماً، إذ يدعو البعض إلى مزيد من العقوبات، في حين يريد البعض الآخر التركيز على تنفيذ تلك المفروضة بالفعل.
تتمركز نقاط الجدال حول استهداف صادرات الطاقة الروسية وما إذا كان فرض عقوبات جديدة على قطاع الطاقة الروسي سيلحق أضراراً اقتصادية واجتماعية ببعض الدول الأوروبية، التي يتجاوز حجم تجارتها مع روسيا حجم التجارة مع الولايات المتحدة، وقد يثير غضب الناخبين في وقت يرتفع فيه معدل التضخم.
قال رئيس الوزراء البلجيكي، ألكسندر دي كرو، يوم الخميس، وهو في طريقه إلى اجتماع قادة الاتحاد الأوروبي مع جو بايدن: "يجب أن يكون تأثير العقوبات على روسيا أكبر بكثير منه على الجانب الأوروبي"، موضحاً أنَّ قرار "حظر مشتريات الطاقة الروسية سيكون له تأثير مدمر على الاقتصاد الأوروبي، وأعتقد أنَّه غير ضروري".
بينما تخطط الولايات المتحدة لإجراءات إضافية، بدا أنَّ إحجام الحلفاء الأوروبيين عن دعم مبادرات فرض عقوبات جديدة يمنح الأسواق الروسية بعض الراحة.
استعاد الروبل بعض خسائره الأولية بعد أن جمّدت الجولات الأولى من العقوبات الغربية احتياطيات البنك المركزي وأدرجت 80% من البنوك الروسية في القائمة السوداء وفرضت عقوبات على شركات كبرى، فضلاً عن مسؤولين حكوميين رفيعي المستوى وكبار رجال الأعمال الروس.
ثغرات تستغلها روسيا
قال ناثان سيلز، وهو مسؤول كبير سابق في وزارة الخارجية الأمريكية ويعمل حالياً لدى مؤسسة "المجلس الأطلسي" البحثية الأمريكية في واشنطن، للصحيفة الأمريكية، إنَّ "سبب انتعاش الروبل خلال الأسبوعين الماضيين يعود إلى أنَّ الأسواق العالمية تدرك وجود عدد من الثغرات المتاحة أمام بوتين ومصرفييه لاستغلالها".
في الوقت نفسه، قال بايدن ومستشاروه إنَّ التنسيق مع الحلفاء بشأن العقوبات سيكون له تأثير أكبر من الإجراءات أحادية الجانب. كانت العلاقات الأمريكية مع أوروبا قد شهدت توترات في ظل إدارة دونالد ترامب، بسبب العقوبات الأمريكية التي أضرَّت بالشركات الأجنبية المتعاملة تجارياً مع إيران وكوبا، واستهدفت مشروع خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" الألماني الروسي.
لا تزال إدارة بايدن تمضي قدماً حتى الآن في فصل القطاع المصرفي لروسيا تماماً عن النظام المالي العالمي أو حظر جميع صادراتها من الطاقة أو اعتماد ما يسمى بالعقوبات الثانوية، التي تستهدف الشركات الأجنبية التي تتعامل مع الكيانات الخاضعة للعقوبات. الأهم من ذلك، تريد الإدارة الأمريكية رؤية هذه العقوبات السارية تُنفّذ بالفعل.
قال جاك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي: "يتمثَّل جزء مهم من المرحلة التالية في ضمان وجود جهد مشترك لإحباط التهرّب من العقوبات أو خرقها، واتخاذ إجراءات صارمة ضد أي دولة تحاول مساعدة روسيا في تقويض أثر العقوبات الغربية أو إضعافها أو الالتفاف عليها".
ومع ذلك، ستظل موسكو قادرة على الوصول إلى بعض احتياطيات العملات الأجنبية لسداد ديونها ما دام مسموحاً لها بمواصلة تلقي إيرادات من مبيعاتها من النفط والغاز الطبيعي -والتي تُشكّل غالبية صادراتها- وترك جزء من قطاعها المصرفي مرتبطاً بالنظام المالي الدولي. تحد العقوبات المفروضة على البنك المركزي الروسي من استخدام هذه الإيرادات لدعم الروبل والاقتصاد.
قال منتقدون إنَّ إدارة بايدن يجب أن يكون لديها استعداد لاستخدام كامل القوة الاقتصادية للولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة روسيا.
قال السيناتور الجمهوري، بات تومي، إنَّ "استهداف عائدات قطاع الطاقة الروسي، جنباً إلى جنب مع مساعدة الجيش الأوكراني، أفضل فرصة للولايات المتحدة لإقناع فلاديمير بوتين بأنَّ هذه الحرب كانت خطأ فادحاً يتعيّن عليه تصحيحه فوراً".
هل تنجح استراتيجية واشنطن؟
في السياق ذاته، قال مسؤولو الإدارة الأمريكية إنَّ انتعاش الروبل سيتلاشى وإن جهود تنفيذ العقوبات ستحقق آفاقاً اقتصادية قاتمة يتوقعها صندوق النقد الدولي وآخرون. توقعت كريستالينا جورجيفا، المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، هذا الأسبوع، حدوث ركود عميق في روسيا. يرى معهد التمويل الدولي، وهو اتحاد عالمي للشركات المالية، أنَّ العقوبات الغربية تمحو نتائج 15 عاماً من التوسع الاقتصادي الروسي.
من جانبه، قال مستشار الأمن القومي الأمريكي، جاك سوليفان، إنَّ "الحلفاء وضعوا الاقتصاد الروسي بين طرفي كماشة تضغط عليه بقوة يوماً بعد يوم، ويخططون الآن لتشديد الخناق على بوتين، وننظر في اتخاذ تدابير أخرى بينما نمضي قدماً".
ومع ذلك، لم يتراجع بوتين على الرغم من هذه التحديات الاقتصادية والانتكاسات في ساحة المعركة، بل كثَّف الهجمات على أهداف مدنية داخل أوكرانيا.
أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية أنَّ نائب وزير الخزانة، والي أدييمو، سيسافر خلال الأيام المقبلة، إلى أوروبا من أجل سد الثغرات الموجودة في حملة العقوبات الأمريكية الأوروبية ضد روسيا ومناقشة المرحلة التالية. أدَّى أدييمو دوراً فعالاً في تنسيق مستوى من التعاون بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لم يسبقه مثيل في سياسة العقوبات.
قال ناثان سيلز ومسؤولون أمريكيون سابقون آخرون إنَّه إلى جانب استهداف صادرات الطاقة وفصل بقية البنوك الروسية عن النظام المالي الدولي، قد تستخدم الولايات المتحدة عقوبات ثانوية ضد الصين والدول الأخرى التي لا تدعم حملة الضغط الغربية. يوجد خيار آخر من شأنه السماح لروسيا باستخدام عائداتها بالعملات الأجنبية من صادرات النفط والغاز لشراء فقط المنتجات المستخدمة لأغراض إنسانية أو غيرها من السلع غير المحظورة.
وبينما تعهَّد الاتحاد الأوروبي، هذا الأسبوع، باتخاذ إجراءات صارمة ضد الدول التي تساعد روسيا في التهرّب من العقوبات، كان بعض القادة الأوروبيين حذرين إزاء تأييد فرض عقوبات ثانوية، معتبرين إياها إساءة استخدام للسلطة خارج الحدود الإقليمية. في غضون ذلك، لم تتبع الولايات المتحدة حتى الآن شركاءها الأوروبيين في معاقبة العديد من أعضاء الأوليغارشية الروسية، وهم مجموعة من الأثرياء الروس المُقرّبون من بوتين يمتلكون أصولاً شخصية تُقدّر بنحو 55 مليار دولار.
كانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قد أعلنا عن جهد جديد، يوم الجمعة 25 مارس/آذار، لزيادة إمدادات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا خلال الأشهر المقبلة، وهو ما يعزز الجهود المعلنة للكتلة الأوروبية لتقليل اعتمادها سريعاً على الغاز الروسي، وقد يقوي في الوقت نفسه عزيمتها على استهداف قطاع الطاقة الروسي. تحرّك الحلفاء أيضاً باتجاه تسوية النزاعات طويلة الأمد حول قضايا مثل نقل البيانات عبر الأطلسي.
قال مسؤولون أمريكيون وأوروبيون إنَّ إجراءاتهم المستقبلية ستكون استجابة مباشرة على المسار الذي يتخذه بوتين في الحرب.
حذَّر مسؤولون في برلين، حيث اتّخذت الحكومة نهجاً حذراً بشأن تكلفة فرض عقوبات إضافية، من أنَّ ارتفاع عدد ضحايا الهجوم الروسي على أوكرانيا أو استخدام موسكو أسلحة كيماوية قد يجبرهم على النظر في تدابير يُنظر إليها الآن باعتبارها مكلفة للغاية، مثل حظر استيراد النفط من روسيا أو فرض حظر شامل على التجارة مع روسيا.
ووفقاً لدبلوماسيين أوروبيين، جادل مسؤولون ألمان داخل الاتحاد الأوروبي، بدعم من نظرائهم الإيطاليين واليونانيين والمجريين، بأنَّ الكتلة الأوروبية ينبغي أن تركز الآن على ضمان تنفيذ العقوبات الحالية. ومع ذلك، ثمة مجموعة من الدول، من ضمنها بولندا وأيرلندا والسويد، تريد إجراءات أكثر صرامة.
وسط هذه الانقسامات، كان المسؤولون الأوروبيون قد ناقشوا على مدى أسابيع، خطوة منع السفن الروسية من الرسو في موانئ الاتحاد الأوروبي، لكنهم لم يتخذوا بعدُ أي إجراء في هذا الصدد.
وفي محاولة للضغط من أجل المضي قدماً في فرض مزيد من التدابير العقابية ضد روسيا، كتب زعماء بولندا ودول البلطيق إلى زعماء الاتحاد الأوروبي الآخرين، يوم الخميس، رسالة تقول: "الاتحاد الأوروبي لا يمكنه اعتماد نهج (الانتظار والترقب) في مواجهة الفظائع الجماعية التي ترتكبها روسيا في أوكرانيا. يجب علينا جميعاً ممارسة أقصى درجات الضغط على روسيا لوقف هذه الحرب".