اجتماعات وزراء خارجية مصر والإمارات والمغرب والبحرين وأمريكا في ضيافة نظيرهم الإسرائيلي في النقب حدث غير مسبوق، فهل الغرض توجيه رسالة إلى إيران بشأن النووي؟ أم إلى واشنطن؟
وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن حاول إظهار الوحدة مع حلفاء الشرق الأوسط في الاجتماع النادر الذي استضافته إسرائيل الإثنين 28 مارس/آذار، على أمل تهدئة مخاوفهم بشأن الاتفاق النووي الإيراني الذي توشك إدارة جو بايدن أن تعيد إحياءه، ومؤشرات غياب أمريكا عن الشرق الأوسط.
وحضر وزراء خارجية الإمارات والبحرين والمغرب، وهي الدول العربية الثلاث التي طبعت العلاقات مع إسرائيل بضغط من إدارة دونالد ترامب عام 2020، الاجتماع الذي عُقد في سديه بوكر، في النقب، حيث دفن ديفيد بن غوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل. كما حضر الاجتماع وزير الخارجية المصري سامح شكري. وقبل 43 عاماً أصبحت مصر أول دولة عربية توقع اتفاق سلام مع إسرائيل.
وقال جيل هاسكل المسؤول في وزارة الخارجية الإسرائيلية لهيئة البث الإسرائيلية: "المعتدلون يجتمعون من أجل الحديث وتشكيل جبهة ضد المتطرفين. هناك فروق دقيقة ووجهات نظر مختلفة تتم مناقشتها، وهناك بعض الاتفاق حول بعض القضايا وأقل من ذلك بشأن قضايا أخرى، لكن لا شك في أن كل من في هذه القاعة متفقون على ضرورة عدم امتلاك إيران سلاحاً نووياً"، بحسب رويترز.
إجماع في وسائل إعلام إسرائيل
وأوشكت المحادثات النووية على التوصل إلى اتفاق قبل عدة أسابيع، إلى أن قدمت روسيا مطالب للولايات المتحدة في اللحظة الأخيرة أصرت خلالها على عدم تأثر تجارتها مع طهران بالعقوبات المفروضة عليها بسبب الهجوم على أوكرانيا.
وسائل الإعلام الإسرائيلية أجمعت على أن ما تم وصفها في تل أبيب بأنها "قمة النقب" تمثل "رسالة قلق"، حيال التوقيع الدولي المرتقب على الاتفاق "النووي" مع إيران، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.
واستبعد محللون إسرائيليون، في مقالات رأي نشروها في الصحف العبرية، أن يؤثر الاجتماع السداسي على موقف الولايات المتحدة بشأن إبرام الاتفاق، مشيرين إلى أنها ستكتفي بطمأنة المشاركين بعدم السماح لإيران بامتلاك السلاح النووي، وكبح جماح نشاطها "المقوض للاستقرار في المنطقة".
قال ألوف بن، رئيس تحرير صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، إن مشاركة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في اللقاء السداسي إنما تأتي "للطمأنة والتعزية"، في إشارة إلى عزم واشنطن على توقيع الاتفاق. وأضاف: "يوضح مستوى المشاركين أن أهمية القمة، تكمن في وجودها بحد ذاته، وأنه لن يتم اتخاذ قرارات عملية هناك".
"تعبر حقيقة القمة ذاتها عن مخاوف المشاركين فيها من تعزيز قوة إيران نتيجة للاتفاق النووي الجاري، وتقارب إيران مع الغرب على حساب حلفاء أمريكا القدامى في المنطقة: إسرائيل والدول العربية، وبهذا المعنى، فإن المرشد الديني الأعلى في إيران، آية الله علي خامنئي، والرئيس إبراهيم رئيسي هم رعاة مؤتمر سديه بوكير (قمة النقب) أكثر من المنظمين والمشاركين فيه"، بحسب الكاتب الإسرائيلي.
وكان بلينكن، متحدثاً في القدس الأحد إلى جانب نظيره الإسرائيلي يائير لابيد، قد أعلنها صريحة، وقال إن إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015 هو أفضل طريقة لكبح جماح برنامج إيران النووي، مما يشير إلى أن فكرة التراجع عن إحياء الاتفاق غير واردة.
غياب الفلسطينيين عن الاجتماعات
أجرى بلينكن اجتماعاً الأحد مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في رام الله وأبدى التزام الولايات المتحدة بحل الدولتين للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. لكن احتمالات استئناف محادثات السلام تبدو ضعيفة ويشعر الفلسطينيون بغضب من تحسن العلاقات بين إسرائيل والدول العربية مع عدم وجود أي تقدم نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وقال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية أمام مجلس الوزراء اليوم الإثنين: "ما لم ينته الاحتلال، فإن اجتماعات التطبيع العربي ليست سوى وهم ومكافأة مجانية لإسرائيل"، بحسب رويترز.
ووصل العاهل الأردني الملك عبد الله إلى رام الله لإجراء محادثات مع عباس الإثنين، في أول زيارة من نوعها منذ سنوات، ومن المتوقع أن تركز على الجهود المبذولة للحد من التوترات الإقليمية قبل حلول شهر رمضان.
وفي هذا السياق، كتب ألوف بن: "بعد انتهاء التصفيق وإغلاق الكاميرات، ستُترك لإسرائيل نفس المشاكل الوجودية في علاقاتها مع الفلسطينيين؛ لا ينبغي لقادتها أن يخدعوا أنفسهم في التفكير في أن هذا الصراع سيحل نفسه أو يختفي تحت طبقات المكياج الموضوعة في الصور الرسمية".
"التحذيرات الموسمية من التوتر خلال شهر رمضان تذكرنا أن الشرق الأوسط القديم لا يزال قائماً ولم يختف، حتى لو لم تتم دعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس للقمة".
كانت القضية الفلسطينية قد طغت على ملفات المنطقة والعالم خلال شهر رمضان الماضي، بعد أن تسببت الاستفزازات المتعمدة من جانب رئيس وزراء إسرائيل السابق بنيامين نتنياهو، في إشعال حرب غزة التي انتهت بانتصار المقاومة الفلسطينية وإجبار تل أبيب على قبول وقف إطلاق النار بوساطة مصرية، بحسب تحليل كانت صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية قد نشرته وركز على الأوضاع الداخلية في تل أبيب وتأثيرها على اندلاع حرب غزة.
ويبدو أن التوتر في الأراضي الفلسطينية المحتلة آخذ في التزايد مع اقتراب شهر رمضان (من المتوقع أن يبدأ السبت 2 أبريل/نيسان المقبل)، في ظل إصرار الاحتلال الإسرائيلي على مواصلة قمعه للفلسطينيين.
الدكتور كوبي مايكل، كبير الباحثين في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، من جانبه قال لصحيفة يديعوت أحرونوت بخصوص غياب الملف الفلسطيني عن جدول أعمال اجتماعات النقب، إن الفلسطينيين "يُدفعون إلى هوامش العمل، وقد ذهب اهتمام المجتمع الدولي بهم منذ فترة طويلة، وبالتأكيد منذ الحرب في أوكرانيا. لقد أدركت الدول العربية منذ فترة طويلة أن القضية الفلسطينية أصبحت عبئاً استراتيجياً أكثر من كونها رصيداً استراتيجياً".
أمريكا والاتفاق النووي الإيراني
عاموس هارئيل، المحلل في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، اعتبر أن تعدد الاجتماعات رفيعة المستوى بين القادة الإقليميين يعكس ارتباكاً متزايداً في مواجهة سلسلة من الأحداث: الغزو الروسي لأوكرانيا، والاتفاق النووي الوشيك بين إيران والقوى الدولية، وما يبدو أنه استمرار تضاؤل اهتمام الأمريكيين بالشرق الأوسط".
"تُركز إدارة بايدن الآن، بإلحاح كبير وبأولوية قصوى، على تنسيق الخطوات العقابية الدولية المتخذة ضد روسيا، ووقف آلة الحرب المتعثرة التي يقودها الرئيس فلاديمير بوتين حتى يكف عن تدمير المدن الأوكرانية القريبة من الحدود الروسية، وتلوح في الأفق معركة النفوذ مع الدولة التي تعتبرها واشنطن منافستها الأولى، الصين".
"عندما يتركز الاهتمام في البيت الأبيض ووزارة الخارجية والبنتاغون على الصين وروسيا، لن يتبقى للقادة والمستويات المهنية سوى القليل من الوقت للتعامل مع إيران والشرق الأوسط بعمق كبير".
"ترغب الإدارة (الأمريكية) في تحقيق هدفها الأصلي، في محاولة للعودة بسرعة إلى الاتفاق النووي مع إيران، الذي وقّعه الرئيس (الأسبق باراك) أوباما في عام 2015، وتخلت عنه إدارة (الرئيس السابق دونالد) ترامب بعد ذلك بثلاث سنوات. يريد الرئيس جو بايدن إخراج هذه القضية من جدول الأعمال وهو أقل اهتماماً بالتحفظات والمخاوف التي أعرب عنها حلفاء الولايات المتحدة مثل السعودية وإسرائيل والإمارات".
"يبدو أنه إذا كان هناك أي شيء مشترك بين إسرائيل وأصدقائها، فهو الشك والحيرة بشأن التحركات الأمريكية. يمكن للمرء أن ينظر إلى هذا الاجتماع على أنه محاولة أمريكية لتهدئة المخاوف التي تبثها معظم عواصم المنطقة، في ظل عدم وضوح اتجاه واشنطن".
واعتبر هارئيل أن الأمريكيين يحاولون الاهتمام بالعلاقات مع أصدقائهم، ولكن بعد ذلك، ليس للقمة هدف واضح. ففي نقاط الحديث لوسائل الإعلام، هناك تأكيد مستمر على ضرورة إظهار جبهة مشتركة ضد إيران؛ من الناحية العملية، الجبهة بعيدة عن أن تكون موحدة". وأضاف: "يبدو أن الأمريكيين عازمون على التوقيع على الاتفاق".
"ستوفر القمة، فرصاً كبيرة لالتقاط الصور والخطب الرفيعة والأجواء الجيدة؛ ستشكل استمراراً لخطوة محسوبة من قبل الحكومة الحالية، تهدف إلى تقويض مزاعم (رئيس الحكومة السابق وزعيم المعارضة) بنيامين نتنياهو بأنه هو الوحيد الذي يتحرك".
مرحلة جديدة من التطبيع مع إسرائيل
أما أمون لورد، المحلل والكاتب الإسرائيلي، فقد رأى أن الاجتماع السداسي هو بمثابة مؤشر على الواقع الجديد، الذي نشأ عن اتفاقيات إبراهيم التي تم توقيعها عام 2020، برعاية الولايات المتحدة الأمريكية وبمشاركة إسرائيل والإمارات والبحرين والمغرب.
وكتب لورد في صحيفة "إسرائيل اليوم": "نحن نعيش في عالم سياسي مختلف؛ والطرف الذي يغيب عن الاجتماع الذي يستضيفه وزير الخارجية يائير لابيد، هو المملكة العربية السعودية. يعكس هذا الغياب مدى تعقيد الترتيب الاستراتيجي الجديد للشرق الأوسط، حيث تتخلى الولايات المتحدة عن دورها المركزي في المنطقة وتصبح مراقباً".
ورأى لورد أن "سبب الاستعدادات التي تقودها إسرائيل مع الدول العربية السنية، هو الاتفاق النووي الإيراني المتوقع توقيعه في فيينا عاجلاً أم آجلاً".
وأشارت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إلى أن المجتمعين ناقشوا، إضافة إلى الملف الإيراني، "قضايا الطاقة وغيرها من القضايا الاقتصادية". وقالت: "الموضوع الرئيسي للقمة السياسية، هو، بالطبع، إيران، لكنّ الخبراء يقدرون أنه لن يكون هناك تغيير كبير في السياسة الأمريكية".
"الأمريكيون يريدون إغلاق القضية النووية، الجميع يفهم ذلك، لقد قالوا نريد إعادة إيران إلى الصندوق ووضعها لفترة من الوقت، لمناقشة قضايا خطيرة جديدة. في إسرائيل، يقولون إن القمة ستتعامل بشكل رئيسي مع القضية النووية الإيرانية والمفاوضات في فيينا، والتي يبدو أنها دخلت في الاصطفاف النهائي".
وقالت يديعوت أحرونوت: "بعيداً عن القضية النووية الإيرانية، جلبت كل دولة من الدول معها القضايا التي تهمها؛ ومن بين الموضوعات التي من المرجح أن تثار في المناقشات: الخلافات مع إدارة بايدن، حيث ينتقد مسؤولو الحزب الديمقراطي الأنظمة العربية والانسحاب الأمريكي المستمر من الشرق الأوسط، بالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن تضاف الحرب في أوكرانيا وآثارها على المنطقة من حيث الطاقة والأمن إلى جدول المناقشات إلى جانب آخر التطورات والأزمات في دول المنطقة".
ونقلت الصحيفة عن الدكتور إيمانويل نافون، من جامعة تل أبيب قوله: "إلى جانب القضية الإيرانية، فإن بعض الدول التي وصلت إلى النقب لديها مصالح أخرى؛ مصر قلقة بشأن الأمور المتعلقة بالقمح، لأنها تستورده من روسيا وأوكرانيا، والإمارات قلقة بشأن علاقتها مع الولايات المتحدة وهجمات الحوثيين على السعودية والمنشآت النفطية".