في وقت ينشغل العالم بالحرب الأوكرانية يشهد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي توتراً جديداً إثر الممارسات الإسرائيلية في القدس، وبحق بدو النقب، والعملية التي نفذها واحد من أبناء المنطقة، وأسفرت عن مقتل 4 إسرائيليين، الأمر الذي جعل مراقبين إسرائيليين يتخوفون من تصعيد فلسطيني إسرائيلي مع حلول شهر رمضان، كما حدث العام الماضي.
ويخشى مراقبون أن يكون هجوم "الدهس والطعن" الذي وقع في مدينة بئر السبع الإسرائيلية، الثلاثاء، وأسفر عن مقتل 4 إسرائيليين، قبل أن يُطلق إسرائيلي النار على المنفذ ويقتله، مؤشراً على إمكانية حدوث تصعيد فلسطيني إسرائيلي واندلاع توتر في شهر رمضان القادم.
ونفّذ العملية محمد أبو القعيان، وهو مدرّس سابق من بدو النقب من سكان بلدية حورا، وتمت العملية في مركز تجاري في بئر السبع.
الشاباك يتوقع حدوث تصعيد فلسطيني إسرائيلي في رمضان
ويرى رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، رونين بار، أن ثمة احتمالاً لاشتعال الوضع الأمني في البلاد، خلال شهر رمضان المقبل، وأبلغ بار مسؤولين أمريكيين بهذه التقديرات خلال زيارته الأولى منذ توليه منصبه قبل خمسة أشهر، إلى الولايات المتحدة، التي عاد منها مطلع الأسبوع الماضي.
وأبدى مسؤول أمريكي مخاوفه من نتائج تردي الوضع في فلسطين قبل حلول شهر رمضان على غرار العام الماضي.
وقالت السفارة الأمريكية في إسرائيل إن هذه كانت رسالة نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الإسرائيلية-الفلسطينية هادي عمرو، خلال جولة شملت إسرائيل وفلسطين والأردن مؤخراً.
في جميع لقاءاته أكد عمرو أنّه "من المهم بالنسبة للإسرائيليين والفلسطينيين الامتناع عن الخطوات التي تؤدي إلى تفاقم التوتر وتقويض الجهود المبذولة للدفع نحو حل الدولتين المتفاوض عليه".
وجاءت زيارة عمرو قبيل حلول شهر رمضان المبارك، حيث تخشى واشنطن من تفاقم الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، على غرار ما جرى العام الماضي.
جاءت العملية بينما كانت سلطات الاحتلال تستعد لتعزيز قواتها وإعداد خطة لمنع أي عمل ينغّص على احتفالات عيد الفصح اليهودي.
ويشير روني شاكيد، الباحث في الجامعة العبرية والمحلل الأمني الإسرائيلي، إلى وجود مخاوف في إسرائيل من أن تكون العمليات الأخيرة هي بداية موجة جديدة من عمليات الطعن والدهس، خاصةً عشية حلول شهر رمضان.
وقال شاكيد في حوار خاص لوكالة الأناضول: "إذا ما حدث هذا فعلاً فلا أحد يعلم إلى أين ستتجه الأوضاع".
المحلل الأمني الإسرائيلي، أشار إلى وجود مخاوف في إسرائيل من أن تكون العمليات الأخيرة هي بداية موجة جديدة من عمليات الطعن والدهس، خاصة عشية حلول شهر رمضان.
حتى لو كان الطرفان لا يريدان التصعيد، عملية فردية قد تفجر الأوضاع
وتابع: "تجارب الماضي علّمتنا أنه حتى لو كانت الفصائل الفلسطينية الرئيسية وإسرائيل لا يريدون التصعيد فإن حدثاً صغيراً واحداً قد يجر إلى انفجار سيكون من الصعب السيطرة عليه".
وأشادت العديد من الفصائل الفلسطينية بالعملية التي وقعت في مدينة بئر السبع، وأدت لمقتل 4 إسرائيليين وإصابة آخرين.
ورأت حركة حماس في بيان لها، أن العملية رد طبيعي ومشروع على جرائم الاحتلال وميليشيات مستوطنيه بحق أبناء الشعب الفلسطيني.
وقد تكون أي انتهاكات إسرائيلية في القدس سبباً محتملاً للتوتر بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
ويُحذر (الشاباك) وجيش الاحتلال، في الفترة الأخيرة، من حدوث تصعيد فلسطيني إسرائيلي بسبب مسيرات استفزازية ينظمها اليمين الصهيوني في القدس المحتلة خلال عيد الفصح اليهودي، الذي سيحل خلال شهر رمضان، وتوقعات بمشاركة نحو مئة ألف مستوطن في هذه المسيرات الاستفزازية.
كما تشير تقديرات في جيش الاحتلال إلى أن هذا التصعيد المحتمل في القدس سيمتد إلى الضفة الغربية المحتلة، وسيكون واسعاً، خلال شهر رمضان في أبريل/نيسان المقبل.
رمضان الماضي شهد حرباً بسبب الانتهاكات الإسرائيلية في القدس
وكانت اشتباكات متفرقة بين فلسطينيين والشرطة الإسرائيلية في باب العامود بالقدس الشرقية، في مطلع شهر رمضان من العام الماضي، قد أدت إلى توسعها في المدينة، ومن ثمّ إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والمناطق الفلسطينية داخل إسرائيل.
وردَّت حماس على الانتهاكات بحق القدس والمسجد الأقصى بهجوم صاروخي، وتصاعدت الأزمة عندما، نفذت إسرائيل عملية عسكرية ضد قطاع غزة في مايو/أيار 2021 ، أدت إلى استشهاد وإصابة مئات الفلسطينيين.
ومع تصاعد جرائم الاحتلال في الضفة والقدس وداخل السجون، من تهويد واعتقال واعتداءات على الأسرى، وتهديد فصائل المقاومة الفلسطينية المتكرر، بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا التصعيد، وأن على الاحتلال أن ينتظر الرد، باتت إسرائيل قلقة من خروج الوضع عن السيطرة.
وفي رمضان الماضي، نفذت إسرائيل حملة للتهجير في حي الشيخ جراح وإغلاق باب العامود مطلع رمضان، إضافة إلى الاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى، وهذه الإجراءات جميعاً هي انتهاكات مباشرة وموثقة للقانون الدولي والإنساني وصاحبها طوال الوقت اعتداءات المستوطنين المتطرفين، حتى وصلت الأمور إلى دعوات علنية لهدم المسجد الأقصى والاستعداد لاقتحامه من جانب أكثر من 30 ألفاً في ليلة القدر.
وفي ذلك الوقت، أصدرت حماس والجهاد الإسلامي وباقي الفصائل الفلسطينية تحذيرات متكررة لحكومة نتنياهو وللمجتمع الدولي لوقف الاعتداءات على المسجد الأقصى ومنع تهجير الفلسطينيين من حي الشيخ جراح دون أي استجابة.
ومع استمرار الجرائم الإسرائيلية، أطلقت حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي صواريخ على إسرائيل، بعد مساعٍ إسرائيلية لطرد مواطنين مقدسيين من حي الشيخ جراح بالقدس، إضافة إلى استعداد المستوطنين لاقتحام المسجد الأقصى.
المقاومة الفلسطينية تتوعد بالرد
وفي بيانات وتصريحات منفصلة هددت فصائل المقاومة الفلسطينية بالرد على جرائم الاحتلال المتصاعدة في الضفة والقدس وغزة.
وقالت الفصائل الفلسطينية "إن الرد الأنجع على جرائم إسرائيل هو بتصعيد المقاومة بكافة أشكالها، ووقف التنسيق الأمني، وإطلاق يد المقاومة في الضفة لتلجم قوات الاحتلال الإسرائيلي".
وأكد عضو المكتب السياسي لحركة حماس هارون ناصر الدين مؤخراً، أن الشعب الفلسطيني قادر على الدفاع عن القدس والمسجد الأقصى.
وشدد نصر الدين على أن الاحتلال لن يستطيع تمرير مخططاته بحق القدس والمسجد الأقصى، ما دامت المقاومة تقف له بالمرصاد.
ويرى المحلل الأمني في صحيفة "هآرتس" عاموس هارئيل، في مقال نشره الأربعاء، أن الأجواء مهيأة لاندلاع توتر في رمضان القادم.
وأضاف هارئيل: "مع اقتراب شهر رمضان، والتحذيرات الاستخبارية العديدة، وحكومة بينيت التي تتعرض لهجمات مستمرة من اليمين الإسرائيلي، يبدو أن هناك وصفة مثالية لحدوث تصعيد فلسطيني إسرائيلي في كل المناطق الفلسطينية (الضفة وغزة) وداخل إسرائيل".
كما نقلت صحيفة "إسرائيل اليوم" اليمينية، الأربعاء، عن مسؤول كبير في الشرطة، لم تسمه، قوله إن الشرطة تخشى من أن يتأثر الفلسطينيون الذين ليس لديهم انتماء تنظيمي واضح بأجواء شهر رمضان الدينية، وأن "يقرروا تنفيذ هجمات".
وفي السنوات الأخيرة، تُواجه أجهزة الأمن الإسرائيلية أزمة في توقّع حدوث عمليات يقوم بها فلسطينيون غير منتمين لأحزاب أو فصائل سياسية.
وشهدت السنوات الأخيرة أكثر من موجة طعن ودهس، خاصة في القدس والمناطق الفلسطينية داخل إسرائيل.
وفي الأسابيع الأخيرة، أعلنت الشرطة الإسرائيلية عن أكثر من عملية أو محاولة تنفيذ عمليات طعن ودهس في القدس الشرقية المحتلة، انتهت جميعاً بمقتل المهاجمين أو إصابتهم بإصابات خطيرة.
منفذ عملية بئر السبع سبق أن تم اعتقاله
اللافت أن عملية الدهس والطعن، التي تمت الثلاثاء، جرت في داخل إسرائيل، وجاء من مواطن من عرب 48 أي يحمل الجنسية الإسرائيلية.
ووجد المفتش العام للشرطة الإسرائيلية كوبي شبتاي نفسه في موقف محرج، الثلاثاء، عندما هتف عشرات الإسرائيليين، في مدينة بئر السبع، ضده بعبارة "عار عليك".
الإسرائيليون الغاضبون كانوا يشيرون بذلك إلى أن منفذ عمليتي الدهس والطعن، كان معتقلاً في الماضي داخل السجون الإسرائيلية.
محمد أبو القيعان (35 عاماً)، من سكان بلدة حورة بالنقب، كان قد اعتُقل في العام 2015 بتهمة تأييد تنظيم "داعش"، وأمضى لهذا السبب 4 سنوات بالسجن.
وتساءل تقرير للقناة الثالثة عشرة الإسرائيلية: "كيف تمكّن هذا المخرّب من التنقّل بأريحية بين أربعة مواقع مختلفة، في ظل غياب غير معهود للشرطة والجيش وحرس الحدود"، واصفاً ما حدث.
وحاول شبتاي تبرير ما سمّاه الإسرائيليون بـ"الإخفاق الأمني"، بالإشارة إلى صعوبة منع عمليات فردية، خاصة في ظل نقص المعلومات الاستخبارية.
وفي هذا الصدد يقول شاكيد: "العمليات الفردية هي مشكلة لأجهزة الأمن، ولكنّ أبو القيعان كان بالسجن لفترة 4 سنوات، ويصعب على الناس أن تفهم لماذا لم يكن شخص خطير مثله تحت الرقابة الأمنية".
وأضاف: "هتاف السكان ضد المفتش العام للشرطة هو تعبير عن غضب على الشرطة والأمن، بسبب عدم اتخاذ ما يكفي من الإجراءات لضمان ألا يقوم شخص مثل أبو القيعان بعملية كتلك التي قام بها، ولكنه أيضاً تعبير عن خوف السكان على أمنهم الشخصي".
وتابع شاكيد: "السكان يقولون إنه صحيح أن العملية فردية، ولكن كان يتوجب على الأمن أن يمنع عملية كهذه، ولكنه لم يفعل".
بدو النقب يعانون من محاولة مصادرة أراضيهم
وشهد النقب في الأشهر الأخيرة مواجهات بين الشرطة الإسرائيلية والسكان العرب، على خلفية شروع السلطات الإسرائيلية بمصادرة أراضٍ تحت غطاء زراعة الأشجار.
ونفّذ السكان عدة فعاليات احتجاجية، أوقفت عملية المصادرة، ولكنها لم تبعد شبحها بشكل كامل.
كما جاءت بعد أقل من 48 ساعة على إعلان اليمين الإسرائيلي تشكيل ميليشيا "بارئيل" المكوّنة من "إسرائيليين مدنيين"، مسلّحين ومدعومين من قوات شرطة الاحتلال ورؤساء بلديات ومستوطنات جنوبي أراضيب 48، لنشرها في النقب بداعي توفير الحماية لليهود بالنقب، وتعزيز السيادة الإسرائيلية في الجنوب.
وأثارت الخطوة احتجاج المواطنين العرب في النقب، الذين رأوا فيها خطراً على أمنهم.
والإثنين، نشر النائب العربي بالكنيست أحمد الطيبي، شريط فيديو، لأعضاء الوحدة، وهم يوقفون عدداً من السكان العرب بالنقب.
وكتب الطيبي في تغريدة على تويتر: "رجال ملثمون يهود يضايقون السكان البدو في منطقة النقب، هذا بالفعل حقيقة جديدة، والشرطة رحَّبت بتأسيس هذه العصابة المسلحة. هذا يؤدي إلى تفاقم الحالة ويسبب إراقة الدماء".
ومع ذلك، فقد أدان النواب العرب بالكنيست العملية في بئر السبع، ودعوا إلى عدم استخدامها مبرراً لمهاجمة السكان العرب بالنقب.
ورأى شاكيد أن رد الحكومة الإسرائيلية على العملية سيكون عبر زيادة أعداد أفراد الشرطة بالنقب.
زيارة للملك عبد الله للضفة لبحث صفقة رمضانية
وأفادت تقارير بأن الملك الأردني عبد الله الثاني يستعد لزيارة أراضي السلطة الفلسطينية بطلب إسرائيلي على ما يبدو لبحث مسألة التهدئة قبل رمضان، وسط تقارير عن اتصالات لتهدئة فلسطينية إسرائيلية خلال شهر رمضان.
وقالت قناة "كان" العبرية، إن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني سيزور رام الله، الأسبوع المقبل، في محاولة لمنع التصعيد الأمني المحتمل في رمضان، وذكرت أن العاهل الأردني سيلتقي بالرئيس محمود عباس في رام الله.
ونقلت القناة العبرية، عن مسؤولين بالسلطة الفلسطينية، قولهم إن السلطة لا ترغب في اندلاع تصعيد أمني خلال رمضان، ولكن الاحتلال الإسرائيلي يدفع نحو التصعيد. وأضاف المسؤولان للقناة أنه في حال لم ترغب إسرائيل في التصعيد فعليها منع اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى طوال شهر رمضان.
في وقت سابق، ذكرت قناة "كان" أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في حالة تأهب وخشية، في ظل التقديرات بوقوع تصعيد كبير خلال شهر رمضان المبارك، موضحةً أن مؤسسة الاحتلال الأمنية تحاول نزع فتيل التصعيد، وقد قررت اتخاذ عدة إجراءات، من بينها السماح للفلسطينيين بالصلاة في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان.
وقالت القناة ستتم الموافقة كذلك على زيارة عائلات من غزة لذويهم الأسرى في سجون الاحتلال، مع اقتصارها على أسرى حركة فتح فقط، وستكون هناك مجموعة من "التسهيلات" الإضافية.
وقال مصدر "أمني" إسرائيلي للقناة: "هذه أيام معقدة للغاية، ونحن مستعدون لأحداث كبيرة سواء استخباراتية أو عملياتية في الميدان، لكننا سنبذل قصارى جهدنا لتسهيل حركة العمال الفلسطينيين، بما في ذلك تمديد ساعات عمل المعابر وتسهيل الحركة".
كما أعربت مصادر أمنية لدى الاحتلال عن قلقها من محاولات حركة حماس المتكررة، لربط قضايا الداخل المحتل بالضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، مشيرة إلى وجود تخوف لدى الاحتلال من المظاهرة، التي ستنظم في رهط، في 26 مارس/آذار الجاري.
ولكن من الواضح مما تسرب من إسرائيل أنها ليست لديها نية لوقف استفزازات المستوطنين للفلسطينيين في القدس تحديداً، في وقت تؤكد فيه على حماس والجهاد على الارتباط بين المقاومة في غزة والقدس والضفة، ما يجعل الأمر قابلاً للاشتعال في أي لحظة، ما دام المستوطنون يتُركون بلا رادع.