انقسام كبير حول خطة الحكومة المصرية لشراء القمح من الفلاحين داخل العاملين بهذا المجال الحساس.
ففي أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية التي أثرت على واردات البلاد من القمح، أدى قرار الحكومة المصرية إجبار مزارعي القمح المحليين على بيع جزء من إنتاجهم للحكومة إلى انقسام بين العاملين في صناعة الحبوب، فالقرار الحكومي يحمل مكاسب لبعض المزارعين ويلحق الخسارة والبطالة بآخرين، حسبما ورد في تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
وتُعَدُّ مصر أكبر مشترٍ للقمح في العالم، حيث تنوي استيراد أكثر من 13 مليون طن من الحبوب خلال العام الجاري، حيث تعتمد الدولة على مناقصات شراء قمح ضخمة، لدرجة أنها تؤثر على حركة أسعار القمح العالمية، كما يقول تقرير لمجلة The Economist البريطانية.
ويعتمد استقرار مصر على هذه الواردات، حيث تستخدم الحكومة القمح لإنتاج الخبز المدعم، الذي تعتمد عليه الكثير من العائلات بدورها. ويُذكر أنه حين رفع الرئيس الأسبق أنور السادات هذا الدعم في عام 1977؛ اندلعت أحداث الشغب في البلاد قبل أن يتراجع عن قراره سريعاً. بينما كانت مطالب المصريين الثلاثة الرئيسية حين ثاروا عام 2011 هي: "عيش، حرية، عدالة اجتماعية". وربما تبيّن لاحقاً مدى صعوبة تحقيق المطلبين الأخيرين، لكن توفير أرغفة الخبز الرخيصة ما يزال مستمراً. إذ يُباع الرغيف الصغير مقابل خمسة قروش (ثُلث بنس أمريكي)، وهو سعرٌ أقل بكثير من تكلفة إنتاجه.
البيع أو السجن.. تفاصيل خطة الحكومة المصرية لشراء القمح من الفلاحين
اتخذت السلطات المصرية يوم الأربعاء 16 مارس/آذار تدابير سعياً إلى حمل المزارعين المصريين على بيع المزيد من القمح لها: رفع الأسعار، وتعيين الحصص التي ستحصل عليها، وتهديد المزارعين بالسجن إذا لم يسلموها.
يقول سياسيون إن هذه التدابير غير المسبوقة التي تضمنتها خطة الحكومة المصرية لشراء القمح من الفلاحين لا غنى عنها إذا أرادت الحكومة تلبية احتياجات الناس من القمح والخبز.
وقال هشام الحصري، رئيس لجنة الزراعة والري في مجلس النواب، لموقع Middle East Eye: "هذا القرار مهم جداً لتأمين الغذاء للناس، إذ لن يمكننا تجميع الاحتياطي الاستراتيجي المطلوب من القمح إلا بقرارٍ كهذا".
وأضاف: "أرى أن الحكومات لها الحق في اتخاذ تدابير استثنائية لحماية أمنها القومي وسبل عيش شعوبها".
أسعدَت خطة الحكومة المصرية لشراء القمح من الفلاحين بعض المنتجين الصغار، وإن أبدى آخرون خشيتهم أن يضر القرار بالقطاع الخاص ويمحو سبل عيش تجار القمح في البلاد.
نقيب الفلاحين يقترح زيادة الأسعار بدلاً من التهديد
أما حسين أبو صدام، نقيب الفلاحين في مصر، فقال إنه كان يأمل في أن ترغِّب الحكومة منتجي القمح في بيع إنتاجهم بتحرير أسعار السوق.
وانتقد أبو صدام خطة الحكومة المصرية لشراء القمح من الفلاحين قائلاً: "لا يمكنك أن تأمر المزارعين بأن يبيعوا محاصيلهم إلى جهة معينة. هل تكون السوق حرة إذا حصل ذلك؟".
وأوضح أبو صدام: "كانت الحكومة تستطيع فعل ذلك بزيادة السعر ورفعه إلى مستوى أسعار السوق العالمية". أما السعر الجديد فيقل بنحو 400 جنيه (25 دولاراً) للطن عن السعر في السوق العالمية (رغم أنه أعلى من السابق).
مصر تأمل أن تعتمد على القمح المحلي حتى نهاية العام
يأتي حصاد القمح في مصر في أوائل أبريل/نيسان إلى نهاية يونيو/حزيران.
وتأمل الدولة في أن تكفي تدابير الاعتماد على القمح المزروع في البلاد لتوفير الاستهلاك المحلي من الحبوب حتى عام 2023.
واعتمدت الحكومة على وسيلتين رئيسيتين لبلوغ الاكتفاء الذاتي من القمح
أولاً، قدمت الحكومة حوافز لمنتجي القمح المحليين لترغيبهم في بيع منتجاتهم إلى الحكومة بدلاً من القطاع الخاص.
ثانياً، ألزمت وزارة التموين المزارعين بيعَ حصة معينة من محصول القمح إلى مشترين تابعين للحكومة.
أعلنت السلطات المصرية في قرارها الصادر في 16 مارس/آذار إلزام المزارعين المحليين بتسليم 12 إردب قمح عن كل فدان لإحدى شركات الحكومة الثلاث (الشركة المصرية القابضة للصوامع والتخزين، والشركة العامة للصوامع والتخزين، وشركات المطاحن التابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية والبنك الزراعي المصري).
وبموجب خطة الحكومة المصرية لشراء القمح من الفلاحين، رفعت وزارة التموين سعر الإردب إلى 885 جنيهاً (57 دولاراً) ليزيد سعر طن القمح إلى 5900 جنيه (380 دولاراً) ترغيباً للمزارعين في بيع قمحهم إلى الحكومة.
وكانت الحكومة رفعت في اليوم السابق سعر الإردب 65 جنيهاً (4 دولارات) بعد زيادة سابقة في نوفمبر/تشرين الثاني.
كما أعلنت الحكومة أنها ستوفر الأسمدة مجاناً في موسم الصيف لمن يبيعون 90% من قمحهم إلى الحكومة.
السجن عامين لمن يمتنع عن تسليم حصته
من جهة أخرى، فإن الحكومة هددت من يمتنع عن تسليم الحصة المعلنة إلى صوامع الحكومة بالسجن مدة تتراوح بين 6 أشهر إلى سنتين، وغرامة تتراوح بين 100 ألف جنيه (6450 دولاراً) إلى 500 ألف جنيه (32250 دولاراً).
ويُقال إن هذه أول مرة تلجأ فيها القاهرة إلى مثل هذه التدابير الاستثنائية لتأمين ما يكفي من القمح للخبز المدعوم في مصر.
بالإضافة إلى ذلك، حظرت الحكومة تصدير مجموعة كبيرة من المواد الغذائية، وأعلنت فرضها ضوابط صارمة على سوق السلع لمنع التجار من رفع الأسعار.
كما أوعز الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الحكومة بتحديد سعر الخبز المدعوم لغير المسجلين في منظومة دعم الغذاء في البلاد.
منتجو القمح بين مؤيِّدٍ ومعارضٍ لتدابير الحكومة
احتفى بعض منتجي القمح، وخاصة الصغار منهم، باللوائح التنظيمية الجديدة. وقالوا إن المزارعين سيبيعون محصولهم عاجلاً إلى الشركات التي حددتها الحكومة.
وقال أبو المحاسن رمضان، مزارع قمح من محافظة المنوفية، لموقع لموقع Middle East Eye البريطاني، إن "الحكومة ستأخذ القمح لإنتاج الخبز للناس"، لهذا فإن جميع الفلاحين سيبيعون إنتاجهم إلى الحكومة.
ويرى رمضان أن الفلاحين لن يعترضوا على سعر القمح الجديد الذي تفرضه الحكومة، لكنه يأمل في أن تزيد الحكومة دعمها للمزارعين، وقال: "على الحكومة أن تبيعنا مستلزمات الإنتاج، مثل الوقود والأسمدة والمبيدات، بأسعار معقولة. فقد زادت أسعارها زيادةً كبيرة".
وقال عبد الكريم حسين، مزارع قمح آخر من محافظة الشرقية، إن سعر القمح الجديد سيدفع الفلاحين إلى مزيد من زراعة القمح، و"المزارعون يجب أن يساندوا الحكومة، وينقذوا بلادهم من الأزمة".
ويذهب حسين إلى أن السياسة الجديدة أحسن لصغار منتجي القمح، لأنها تضمن إيجادهم مشترين لمحصولهم من القمح، فقد كانت الحكومة تتجنبهم غالباً وتلجأ إلى كبار المنتجين وتتركهم فريسة لاستغلال القطاع الخاص.
احتياجات البلاد من القمح بالأرقام
توفير الخبز ضرورةٌ لمصر، فالناس عموماً والعائلات الفقيرة خصوصاً، يعتمدون عليه بشدة في معيشتهم اليومية.
وتضم قائمة المسجلين في منظومة الحكومة لدعم الحصص الغذائية نحو 72 مليون مصري، من أصل 102 مليون نسمة، ولولا توقف الحكومة عن قبول فئات معينة في المنظومة منذ عدة سنوات، لكان العدد أكبر من ذلك.
ويحصل المندرجون في تلك المنظومة على الخبز من مخابز تابعة للحكومة، أو بتكليف منها، مقابل جزء يسير من سعرها، ضمن نظام دعم المواد الغذائية الذي يكلف الحكومة عشرات المليارات من الجنيهات كل سنة.
تنتج المخابز أكثر من 270 مليون رغيف خبز كل يوم.
وفي عام 2021، استوردت البلاد 18 مليون طن قمح، منها 6 ملايين طن مخصصة لإنتاج الخبز. واشترت الحكومة 3.5 مليون طن قمح من المزارعين المحليين في العام نفسه.
تريد الحكومة أن ترفع هذه الكمية إلى 10 ملايين طن قمح هذا العام، وترى أن هذا يلبي احتياجات البلاد من الخبز المدعوم ويطرح عنها الحاجة إلى استيراد القمح.
لا قمح لمصانع المعكرونة، ولا عمل للتجار
إذا اشترت الحكومة كلَّ محصول القمح المنتج محلياً أو معظمه، فإن القطاع الخاص-لا سيما مصانع المعكرونة والدقيق ومصانع المعجنات- الذي يشارك الحكومة عادةً في الإنتاج المحلي، قد يواجه أزمة جسيمة.
علاوة على ذلك، قد تلحق الأزمة خسائر فادحة بتجار القمح في جميع أنحاء البلاد، لا سيما أن هؤلاء التجار حلقةُ وصلٍ بين صغار المنتجين من جهة والحكومة والقطاع الخاص من الجهة الأخرى، وتعتمد أرباحهم على حالة السوق وحركة بيع القمح. واشترى بعض التجار محصول المزارعين قبل وقت طويل من حصاد هذا العام.
وقال بعض التجار لموقع MEE إن التدابير الجديدة ستجعل وساطة تجار القمح بلا فائدة لأن الفلاحين سيتعاملون قصداً مع المشتري الرئيسي. ولم تتحدث الحكومة عن أي تدابير لتعويض التجار.
وقال فتحي غانم، تاجر قمح، إن "هذا يعني أن من هم مثلي لن يكون لهم ضلع في دورة السوق هذه. ومع ذلك، لا يمكننا الاعتراض على القرار الجديد ما دامت الحكومة ترى أنه يخدم مصلحة الناس".