قليل من الأصدقاء كثير من الأعداء.. من يدعم بوتين فعلاً في هجوم روسيا على أوكرانيا؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/03/20 الساعة 07:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/20 الساعة 07:47 بتوقيت غرينتش
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين /رويترز

يتواصل الهجوم الروسي على أوكرانيا دون أن تبدو في الأفق ملامح نهاية محتملة للحرب، فمن هم أصدقاء الرئيس فلاديمير بوتين، ومن هم أعداؤه في تلك الحرب؟ وإلى أي مدى يمكن أن يذهب كل منهما دعماً أو عداء؟

رصد تقرير لصحيفة The Independent البريطانية الإجابة من وجهة النظر الغربية بطبيعة الحال، في تقرير عنوانه "لم يعد لروسيا كثير من الأصدقاء الثابتين على دعمها في العالم"، ألقى الضوء على تضامُن أوروبا الشرقية في مواجهة ما يوصف غربياً بالغزو الروسي لأوكرانيا، وكيف أن ذلك يبرهن على أن بوتين لم يعد لديه إلا قلة من الأصدقاء.

كان الهجوم الروسي، الذي يسميه الغرب غزواً وتصفه موسكو بالعملية العسكرية الخاصة، قد بدأ الخميس 24 فبراير/شباط الماضي، وأصبح واضحاً الآن أن الحرب ستكون أطول مما توقع الكرملين، رغم أن القوات الروسية باتت تحاصر العاصمة كييف وباقي المدن الأوكرانية، خصوصاً خاركيف وماريوبول، بينما لم يتمكن الجيش الروسي إلا من السيطرة على مدينة خيرسون.

وتعرَّضت روسيا لأكبر حملة عقوباتٍ فرضها الغرب منذ بدء الهجوم على أوكرانيا، وطالت العقوبات الثروات الشخصية للرئيس فلاديمير بوتين ودائرته المقربة من رجال الأعمال. وبدأ فرض العقوبات الغربية على روسيا، هذه المرة، منذ أن أعلن فلاديمير بوتين، الأحد 21 فبراير/شباط 2022، الاعتراف باستقلال لوغانسك ودونيتسك في إقليم دونباس الأوكراني، وتصاعدت وتيرة تلك العقوبات وحِدتها وشمولها مع بدء الهجوم.

من هم أصدقاء بوتين وداعموه؟

صحيفة الإندبندنت البريطانية توقفت في تقريرها عند تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار يدين الحرب في أوكرانيا، معتبرة أن تصويت بيلاروسيا وإريتريا وكوريا الشمالية وسوريا ضد قرار إدانة روسيا دليل على ما وصفته بعزلة موسكو.

فهذه الدول فقط هي التي صوَّتت ضد القرار، حتى إن أصدقاء روسيا التقليديين من الدول التي تواجه اتهامات بأنها لا تهتم كثيراً بقضايا حقوق الإنسان، مثل الصين وإيران والعراق، اختاروا الامتناع عن التصويت.

كما اعتبرت الصحيفة أنه من المؤسف أن امتنعت عن التصويت أيضاً بعض الديمقراطيات الرائدة، مثل الهند وجنوب إفريقيا، "تطلعاً على ما يبدو إلى مزايا استراتيجية في العلاقات مع روسيا في المستقبل"، بنص تحليل الصحيفة.

لكن الغالب الأعم هنا، بحسب الإندبندنت، هو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بات بلا أصدقاء، وخاصة منذ أن بدأ في قصف المدنيين واستخدام أسلحة مجرَّمة مثل القنابل العنقودية، بحسب الاتهامات الغربية، التي تنفيها موسكو.

رئيس الشيشان رمضان قديروف مع قائد "المتطوعين" الشيشان الذين يتوجهون إلى أوكرانيا/ تليغرام

على النقيض من ذلك، فإن أوكرانيا تملك أصدقاء في كل مكان، حتى وإن لم تجمعهم درجة الإقبال ذاتها على تلبية طلبات أوكرانيا المستميتة للحصول على المساعدة العسكرية. غير أن الصواريخ المتطايرة والتهديدات الروسية لم تمنع زعماءَ الدول الشيوعية السابقة في أوروبا الشرقية من الطيران إلى كييف: ماتيوز مورافيكي، رئيس وزراء بولندا، وبيتر فيالا، رئيس وزراء التشيك، وجانيز جانسا، رئيس وزراء سلوفينيا، للاجتماع مع فولوديمير زيلينسكي، رئيس أوكرانيا، ودينيس شميهال، رئيس وزرائها، بحسب الصحيفة.

لا شك في أن هذه اللقاءات تضمنت تبادل المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز التعاون في التدابير العسكرية، والتعهد بتقديم مساعدات الأسلحة للقوات الأوكرانية، إلا أن الغرض الرئيسي من هذا اللقاء كان التضامن، فقد خاطر ثلاثة زعماء دول من الاتحاد الأوروبي بحياتهم، على غرار ما يفعله زيلينسكي في عاصمة بلاده التي أوشك الروس على محاصرتها، دعماً لأوكرانيا وتصريحاً بالتضامن معها.

أوروبا الشرقية تنقلب على بوتين

وأعلنت بولندا في بيان صحفي رسمي، أن "الغرض من الزيارة هو تأكيد الاتحاد الأوروبي بأكمله دعمَه المطلق لسيادة أوكرانيا واستقلالها، وتقديم حزمة كبيرة من المساعدات لأوكرانيا دولةً ومجتمعاً".

في السياق نفسه، شهدت لندن اجتماعاً آخر لتحالف عسكري أعلنت دولُه تجديد التزامها دعم أوكرانيا. ترأس رئيس الوزراء البريطاني اجتماعَ "قوة المشاة المشتركة" (JEF)، التي تضم بريطانيا ودول الشمال ودول البلطيق ودولاً من خارج الناتو، مثل فنلندا والسويد، وانضم إليهم زيلينسكي عبر الفيديو، وهي علامة أخرى على التضامن مع أوكرانيا.

قادة أوروبا يدعمون زيلنسكي في كييف/ رويترز

شهد الاجتماع ممثلين عن الدنمارك وفنلندا وإستونيا وأيسلندا ولاتفيا وليتوانيا وهولندا والسويد والنرويج، كلهم اجتمعوا بهدف واضح هو البحث في سبل ردع الهجوم الروسي عن أوكرانيا. وأشار بيان بريطانيا بشأن الاجتماع إلى أن القادة ناقشوا "الأزمة الحالية في أوكرانيا، وكذلك أمن الطاقة على المدى الطويل، وسبل مساعدة أوكرانيا في إعادة الإعمار مرة أخرى بعد الحرب".

وتابع البيان: "تواجه قوة المشاة المشتركة مجموعة غير مسبوقة من التهديدات القادمة من روسيا، فبعض دول التحالف تواجه العدوان الروسي على حدودها البرية، وفي السماء ومن بحر الشمال وبحر البلطيق، وتواجه دول كثيرة أيضاً تهديدات إلكترونية متزايدة"، ومع ذلك فإننا لن نفرض "منطقة حظر طيران".

الحلقات الأضعف في مواجهة روسيا

يضم تحالف شمال الأطلسي (الناتو) 30 دولة، ويضم الاتحاد الأوروبي 27 دولة، معظم هذه الدول يجمع بين عضوية الناتو والاتحاد، وبعضها ليس كذلك، إلا أن اللافت للنظر هو مدى تكاتف هذه الدول كلها معاً خلال الأزمة، ومحاولة الاصطفاف في جبهة مشتركة، وتعزيز الشعور الرسمي وغير الرسمي بالحفاظ على الأمن الجماعي، مدعومةً في النهاية بالقوى النووية الثلاث في التحالف: الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة.

ومع ذلك، تشتد المخاوف على الحلقات الضعيفة في هذه التحالفات، والإشارة هنا إلى مولدوفا، على سبيل المثال، فمن سوء حظها أنها تقع على حدود أوكرانيا، ولديها إقليم ترانسنيستريا الانفصالي المدعوم من روسيا، كما أنها أصغر من رومانيا وأوكرانيا وأضعف منهما، وهي ليست عضوة في الاتحاد الأوروبي ولا في الناتو، ومن ثم فهي عرضة لما يصفه الغرب بأنها ذرائع استخدمها الروس مع أوكرانيا قبل الهجوم. وأهم من ذلك، أن مولدوفا لن تستطيع الاعتماد على المساعدة العسكرية للناتو بما يتجاوز بعض الإمداد المحتمل بالمعدات الدفاعية.

أما الحلقة الضعيفة الأخرى، فهي المجر، إذ بعد أن أمضى فيكتور أوربان، رئيس الوزراء المجري، معظم العقد الماضي وهو يتودد إلى موسكو ويهين بروكسل، فإنه منذ بدأ الهجوم الروسي، وقبيل الانتخابات المقررة في 3 أبريل/نيسان، قرَّر السير في الاتجاه المعاكس، وبات أوربان وحزبه "فيدس" داعمين لأوكرانيا.

الخلاصة، من وجهة الصحيفة البريطانية، هي أنه مهما كانت الوجهة التي سيؤول إليها هذا الصراع فإن رفاق بوتين المتبقين في أوروبا قد أُزيحوا أو أُهينوا، وقد تدفع المخاوف دولاً محايدة مثل فنلندا وأيرلندا والسويد إلى التفاوض من أجل عضوية الناتو. وقد أصبح الأمر كأنه تحالف غربي كبير مترابط على أساس القيم الديمقراطية الوطنية، وقد تكوَّن هذا التحالف لردع روسيا، وربما يستمر سنين قادمة.

ماذا يقول أصدقاء بوتين؟

لكن على النقيض من تلك الرؤية، ترى روسيا ومن يدعمها أن الغرب هو المتسبب في الأزمة الأوكرانية وانفجارها بالصورة التي وصلت إليها. فالأزمة الأوكرانية أزمة جيوسياسية بالأساس تتمثل في تمدد حلف الناتو شرقاً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وهو ما تراه روسيا تهديداً لأمنها.

وقد قال مسؤول كبير بالحكومة الصينية، السبت 19 مارس/آذار، إن العقوبات التي تفرضها الدول الغربية على روسيا بسبب الأحداث في أوكرانيا صارت "شائنة" بشكل متزايد، بحسب رويترز.

تجنبت كل من الصين والهند وغيرها من الدول الانحياز إلى الموقف الغربي في إدانة روسيا بعد شنها للحرب على أوكرانيا، أرشيفية/ رويترز

كما أيد نائب وزير الخارجية لي يو تشينغ موقف موسكو، المتعلق بحلف شمال الأطلسي، قائلاً إن الحلف يجب ألا يتوسع شرقاً، ما يجعل قوة نووية مثل روسيا محاصرة.

وأضاف لي في منتدى أمني في بكين "العقوبات ضد روسيا صارت شائنة بشكل متزايد"، مشيراً إلى أن المواطنين الروس يتم حرمانهم من الأصول خارج بلدهم "بدون سبب".

"أثبت التاريخ مراراً أن العقوبات لا يمكن أن تحل المشكلات. تضر العقوبات عامة الناس فقط، وتؤثر على النظام الاقتصادي والمالي… وتزيد من سوء وضع الاقتصاد العالمي".

وفي سياق يبرهن على استمرار حرب الدعاية بين روسيا والغرب، نفت وكالة الفضاء الروسية تقارير لوسائل الإعلام الغربية تشير إلى أن رواد الفضاء الروس الذين انضموا إلى محطة الفضاء الدولية اختاروا ارتداء حلات صفراء بخط أزرق دعماً لأوكرانيا.

وقالت الخدمة الصحفية لوكالة الفضاء الاتحادية الروسية في قناتها على تلغرام "في بعض الأحيان يكون الأصفر.. أصفر فقط. زي الطيران للطاقم الجديد مصنوع بألوان شعار جامعة بومان موسكو التقنية الحكومية، التي تخرّج فيها جميع الرواد الثلاثة… من الجنون أن تتصور العلم الأوكراني في كل مكان وفي كل شيء".

وكان المدير العام لوكالة الفضاء الاتحادية الروسية ديمتري روجوزين أكثر حدة، إذ قال على قناته الشخصية على تلغرام إن رواد الفضاء الروس ليس لديهم أي تعاطف مع القوميين الأوكرانيين.

وفي مؤتمر صحفي بث مباشرة من محطة الفضاء الدولية، أمس الجمعة، سُئل رائد الفضاء المخضرم أوليج أرتيميف قائد المهمة عن الزي فقال "كل طاقم يختار لوناً يبدو مختلفاً. كان دورنا اختيار اللون.. في الواقع تراكم لدينا الكثير من القماش الأصفر اللون، لذلك كنا بحاجة إلى استخدامه، ولهذا السبب تحتّم علينا ارتداء زي الطيران الأصفر".

الخلاصة هي أن الحرب الأوكرانية يبدو وكأنها تدور على مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من أي مكان آخر، وكأن من يفوز في هذه المواقع سيفوز في حرب الدعاية في الأزمة الأوكرانية، ومن ثم سيحسم الحرب. ويستخدم الطرفان كل أدواتهما لمحاولة تجييش الرأي العام، فيما انحاز الإعلام الغربي بشكل كامل للطرف الأوكراني، لتصبح الحرب بين روسيا وأصدقائها القليلين من جهة والغرب من جهة أخرى.

تحميل المزيد