في الأيام الأولى من هجومه على أوكرانيا، تطلَّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى "أمير الحرب" الشيشاني رمضان قديروف؛ لتزويده بالمقاتلين الذين أرادهم، للاستيلاء على مطارٍ شمالي كييف وإطلاق العنان لتقدُّم روسيا نحو العاصمة. ولجأ بوتين إلى قوات قديروف من الشيشان، متفاخراً بسمعة مقاتليهم "المخيفة"، حيث تخوض موسكو في بعض المناطق بأوكرانيا حرب شوارع مع القوات الأوكرانية والمقاومة الشعبية العنيدة هناك. فهل يمكن أن يحسم المقاتلون الشيشان لبوتين معركته في أوكرانيا؟
المقاتلون الشيشان.. يد بوتين الضاربة في حسم معارك روسيا
في وقتٍ سابقٍ من الأسبوع الماضي، قال قديروف على قناته الشخصية بتطبيق تليغرام: "نحو هوستوميل، على بُعدِ 20 كيلومتراً منك"، مستفزاً بذلك الأوكرانيين الذين يستعدون لمواجهة الهجوم على كييف. أظهره مقطع فيديو مهتز في مخبأ مظلم، يضحك مع ضباط الجيش الشيشاني وهم ينظرون إلى الوثائق، التي حُجِبَت في المقطع، رغم أن مصادر أوكرانية قالت إن المقطع لم يُصوَّر في أوكرانيا، وأضافت أن نشاط قديروف على الإنترنت يُظهِر أنه كان بالشيشان في ذلك الوقت.
من نواحٍ كثيرة، أصبحت العلاقة بين بوتين والشيشان المسلمين بشكل خاص وقديروف علاقة تكافلية. صَقَلَ بوتين سمعته في السنوات الأولى من حكمه بإرسال قوات إلى الشيشان، وهي جمهورية روسية تقع على الجانب الجنوبي من البلاد، لإخماد تمرد مسلح هناك. شعر والد قديروف، الزعيم الديني المتمرِّد أحمد قديروف، بالاتجاه الذي كانت تهبُّ فيه الرياح، وتعهَّد بالولاء للكرملين، وساعد القوات الروسية في إخماد الحركة الانفصالية.
وبعد مقتل والده في انفجار قنبلة، عزَّزَ قديروف الأصغر تحالف عائلته مع موسكو. لقد ضمِن ولاء الشيشان مقابل التدفُّقات النقدية الهائلة التي أثرَت عائلته وساعدته في بناء جهازٍ أمني ضخم كان في بعض الأحيان بمثابة جيشه الشخصي.
منذ ذلك الحين، تورَّطت قواته في بعض أسوأ انتهاكات حقوق الإنسان بروسيا الحديثة، وضمن ذلك الاعتقالات الجماعية للمعارضين، إلى جانب مزاعم التعذيب واختفاء منتقديه والمواطنين العاديين، كما تقول جماعات حقوق الإنسان الروسية والدولية.
هل يحسم المقاتلون الشيشان معركة روسيا في أوكرانيا؟
يقول تقرير لصحيفة Wall Street Journal الأمريكية، إنه من خلال نشر قواته وراء هجوم بوتين على أوكرانيا، يقدِّم قديروف أيضاً عرضاً عاماً للدعم؛ لإظهار نفسه أمام خصومه في الشيشان على أنه متحالفٌ بعمقٍ مع الدولة الروسية، لتذكيرهم بأن القوة القتالية تحت إمرته.
وبالنسبة لبوتين، فإن وجود كتائب الحرس الوطني الشيشانية تحت تصرُّفه يوفِّر فيلقاً من القوات التي قد تكون قادرة على استعادة الشعور بالقوة الذي فَقَدَه الجنود الروس إلى حد كبير منذ بداية الهجوم، عندما أودت المقاومة الأوكرانية الشرسة بحياة العديد من الجنود الروس، علاوة على خسارة عدد كبير من الدبابات والطائرات.
وفي حين أن عدد القوات الشيشانية غير واضح، فمن المُرجَّح أن تستخدم موسكو قوات قديروف في أيِّ قتالٍ بالشوارع من المُحتَمَل أن يصاحب الاستيلاء على كييف أو غيرها من المدن، حيث تقول تقارير إن القوات الشيشانية تخوض معارك شرسة في مدن الساحل الأوكراني الاستراتيجية، حيث نجحت القوات الروسية بمعاونة قوات قديروف في الاستيلاء على ميناء ماريوبول مساء الجمعة 18 مارس/آذار 2022، كما أعلنت وزارع الدفاع الأوكرانية.
وقد نُشِرَت قوات قديروف في مناطق ساخنة أخرى سابقاً. كانوا متمركزين بشبه جزيرة القرم قبل أن تضم روسيا شبه الجزيرة الأوكرانية في عام 2014. وفي سوريا، قاتلوا مقاتلين شيشانيين آخرين كانوا في المعارك ضد بشار الأسد، حليف الأسد، وغالباً ما كانوا يتصدَّرون المعارك بينما يستعيد النظام السوري سلسلةً من البلدات والمدن.
الوحدات الشيشانية تقاتل إلى جانب الجيش الروسي دون الاندماج معه
وقبل أيامٍ من انتشار القوات في مطار هوستوميل، سار قديروف مع قوات الحرس الوطني المُزوَّدة بقذائف صاروخية ومدافع رشَّاشة في شوارع غروزني، عاصمة الشيشان. وفي مقطع فيديو نُشِرَ بقناته الشخصية على تليغرام، قال قديروف إن 12 ألف شيشاني مستعدون للقتال في أوكرانيا.
لكن استقلال الوحدات الشيشانية في أوكرانيا تسبب بمشكلاتٍ في التنسيق مع القوات الروسية كما تقول صحيفة "وول ستريت جورنال"، حيث كان من الممكن أن يكون عاملاً في معركة مطار هوستوميل، حيث قُتِلَ جنودٌ من الفوج 41 الآلي التابع للحرس الوطني الشيشاني مع قائدهم ماغوميد توشايف.
ظلت الكتائب الشيشانية مكتفية ذاتياً إلى حد كبير دون الاندماج في هياكل القوات العسكرية الروسية الأوسع. يسافرون معاً ويتحدَّثون باللغة الشيشانية على مقاطع الفيديو المنشورة على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي التابعة لقديروف.
وصلت وحداتٌ شيشانية أخرى إلى أوكرانيا من الشرق وهي الآن أصبحت في قلب ماريوبول، المدينة الأوكرانية المطلة على بحر آزوف. ويقود حليف قديروف المُقرَّب، آدم ديليمخانوف، وهو أيضاً نائب في موسكو، القوات الشيشانية ضد القوات الأوكرانية التي اتخذت موقعاً في مصنع آزوفستال للحديد والصلب.
وسخِرت القوات الأوكرانية من الشيشان، حيث نشر الحرس الوطني الأوكراني مقطع فيديو لمقاتلين من كتيبة آزوف، اتُّهِمَ بعض أفرادها من قِبَلِ الأمم المتحدة بارتكاب جرائم حرب مُحتَمَلة في عام 2016، وحذَّروهم لكي يعودوا إلى ديارهم.
الاستعداد لحرب المدن
يقول المراقبون الغربيون إن الدعوة الروسية لمقاتلين من سوريا والشيشان للانضمام إلى حربها في أوكرانيا مدفوعة بخطط للاستيلاء على المدن الكبرى بتكتيكات حرب المدن التي ستتطلب أعداداً مهاجِمة متفوقة بشكل كبير.
ويقول خبراء إنه بعد 3 أسابيع من القتال، فإن جميع الجنود الروس البالغ عددهم 150 ألفاً والذين تم نشرهم في البداية على الحدود الأوكرانية، موجودون الآن داخل البلاد.
وصرح مصدر في هيئة الأركان العسكرية الفرنسية لوكالة فرانس برس، الجمعة، بأن "الروس لم يعُد لديهم احتياطيون في المنطقة". وإذا أراد بوتين الاستيلاء على مدن رئيسية مثل كييف وميناء أوديسا على البحر الأسود، فسيتعين عليه تعزيز القوات على الأرض بعد مرحلة الحملة الأولية التي كانت أبطأ مما توقع الكرملين.
وقال الكرملين الجمعة، إن المتطوعين وضمنهم من جاءوا من سوريا، مرحَّب بهم للقتال إلى جانب الجيش الروسي في أوكرانيا.
وقال خبراء، الثلاثاء، وفق "فرانس برس"، إن روسيا أعدَّت قوائم تضم 40 ألف مقاتل من الجيش السوري والميليشيات المتحالفة معها؛ لوضعها على أهبة الاستعداد للانتشار في أوكرانيا.
تشترط روسيا أن يكون المجندون تلقوا تدريبات عسكرية على يد القوات الروسية وشاركوا في القتال إلى جانبها بسوريا، وأن يكونوا من أصحاب الخبرة في حرب الشوارع، وفق المرصد الذي يملك شبكة واسعة من المندوبين في كل المناطق السورية والذي يوثق النزاع السوري منذ بدايته.
وفي بلد يتراوح فيه راتب الجندي السوري بين 15 و35 دولاراً، وعدت القوات الروسية، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، المجندين براتب شهري يعادل نحو 1100 دولار أمريكي.
كما يحقُّ للمقاتل تعويضاً قدره 7700 دولار في حالة الإصابة، و16.500 دولار لعائلته في حالى الوفاة، ببلد أنهكت سنوات الحرب اقتصاده وباتت غالبية سكانه تحت خط الفقر.