لماذا تستهدف روسيا المحطات النووية الأوكرانية؟ موسكو تريد تكرار سيناريو أمريكا مع العراق

عربي بوست
تم النشر: 2022/03/16 الساعة 10:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/16 الساعة 12:30 بتوقيت غرينتش

تثير محاولة الجيش الروسي السيطرة على المحطات النووية الأوكرانية الكثير من التساؤلات، بالنظر إلى المخاطر البيئية والإنسانية من تسرّب إشعاعات نووية من شأنها الانتشار في مناطق واسعة من أوروبا ودول الجوار على غرار ما حدث في كارثة تشيرنوبل في 1986.

فأوكرانيا، كانت ثالث أكبر دولة بعد روسيا والولايات المتحدة من حيث امتلاكها الأسلحة النووية، عقب استقلالها عن الاتحاد السوفييتي في 1991، قبل أن تفكك برنامجها النووي في 1994.

وتنتج أوكرانيا حالياً نصف احتياجاتها من الكهرباء عبر الطاقة النووية، حيث تمتلك 15 مفاعلاً نووياً، موزعة على 4 محطات نووية، بينها زابوريجيا، أكبر محطة نووية في أوروبا، بـ6 مفاعلات نووية.

البحث عن القنبلة القذرة

على غرار اتهام الولايات المتحدة الأمريكية العراق بتصنيعه القنبلة النووية لتبرير غزوها له في 2003، تحاول روسيا البحث عن دليل لامتلاك أوكرانيا القنبلة النووية.

وتبني روسيا فرضية امتلاك كييف قنبلة "نووية قذرة"، أو على الأقل برنامجاً نووياً غير سلمي، انطلاقاً من تهديدات الرئيس الأوكراني فولودمير زيلينسكي، بعدم الاعتراف بمذكرة بودابست، الموقعة في 5 ديسمبر/كانون الأول 1994، من قبل بلاده وروسيا والولايات المتحدة وبريطانيا، والتي على أساسها تخلت أوكرانيا عن أسلحتها النووية مقابل ضمانات لأمن ووحدة أراضيها.

وخلال كلمته في مؤتمر ميونيخ للأمن، في 19 فبراير/شباط الماضي، قال زيلينسكي إنه "إذا لم تنعقد قمة الدول المشاركة في مذكرة بودابست أو لم تقدم ضمانات أمنية لأوكرانيا، فسوف تعترف أوكرانيا بعدم صلاحية الوثيقة إلى جانب جميع البنود التي تم التوقيع عليها في عام 1994".

حالات الطوارئ النووية القنبلة الذرية المحطة النووية التعرض للإشعاع الأجهزة النووية المرتجلة
أبرز حالات الطوارئ النووية – iStock

وسلط الإعلام الروسي الضوء على هذا التصريح، قبيل أربعة أيام فقط من الهجوم العسكري على أوكرانيا، للإيحاء بأن كييف تخلت عن مذكرة بودابست، ما يجعل موسكو في حِلٍّ من أي التزامات بضمان "أمن ووحدة أوكرانيا".

ونقلت وكالة سبوتنيك الروسية عن فلاديمير زاريخين، نائب مدير معهد بلدان رابطة الدول المستقلة، قوله إن "أوكرانيا بعد أن اعترفت بأن مذكرة بودابست باطلة، قد تحاول صنع قنبلة قذرة".

وأوضح زاريخين: "لديهم (الأوكرانيون) اليورانيوم، بالطبع.. يمتلكون قضبان الوقود النووي المستهلك من محطات الطاقة النووية القديمة الخاصة بهم. يمكنهم صنع ما يُسمى القنبلة القذرة، يمكنهم فعل ذلك". 

ويكشف رئيس الوفد الروسي في محادثات فيينا حول الأمن العسكري ومراقبة التسلح كونستانتين جافريلوف، أن "احتمال تصنيع أوكرانيا لما يسمى القنبلة النووية القذرة كان أحد أسباب قيام روسيا بشن عملية عسكرية خاصة في هذا البلد"، وفق وكالة "تاس" الروسية.

بعد تشيرنوبل وزابوروجيا.. نيكولايف الهدف القادم

منذ اليوم الأول للهجوم الروسي على أوكرانيا تم استهداف محطة تشيرنوبل النووية المعطلة، وسيطرت عليها القوات الروسية وعلى المدينة خلال يوم واحد، ما طرح عدة تساؤلات حول سر اهتمام روسيا بمدينة شهدت أسوأ انفجار نووية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في 1945.

كان الاعتقاد السائد أن تشيرنوبل تقع على أقصر طريق بين الحدود البيلاروسية والعاصمة الأوكرانية كييف، لكن كان سبب آخر وراء هذا الاهتمام الروسي باقتحام "مدينة الأشباح النووية".

إذ نقل إعلام روسي حكومي عن ممثل هيئة مختصة في روسيا، قوله إن أوكرانيا تطور أسلحة نووية في محطة تشيرنوبل النووية المعطلة، التي أغلقتها السلطات عام 2000.

مجموعة من السياح في موقع تشرينوبل
مجموعة من السياح في موقع تشرينوبل

وقال المسؤول الحكومي الروسي: "جعلت السلطات الأوكرانية محطة تشيرنوبل للطاقة النووية مركزاً لتصنيع قنبلة قذرة، عبر استخدام مواد البلوتونيوم فيها".

وحتى وإن نفت السلطات الأوكرانية هذه الاتهامات، فإن موسكو لم تقدم حتى الآن أي إثباتات تؤكد وجود أسلحة نووية بتشيرنوبل، رغم أنها خاضعة لسيطرتها منذ نحو 20 يوماً.

وهذا أحد الاحتمالات التي دفعت الجيش الروسي لاستهداف زابوروجيا، أكبر محطة نووية في أوروبا، الواقعة في مقاطعة خيرسون (جنوب)، والتي سيطرت عليها في 11 مارس الجاري.

ورغم حساسية المحطة النووية العملاقة، إلا أن القوات الروسية لم تتردد في خوض معركة عنيفة نتج عنها حريق بالمحطة، أثار رعباً دولياً من تسرّب إشعاعات نووية بإمكانها أن تطال حتى دولاً بعيدة في الشرق الأوسط وليس أوروبا وحدها.

بل إن الصين الحليفة الاستراتيجية لروسيا، والبعيدة جغرافياً عن ميدان المعركة، أعربت عن قلقها "بشأن السلامة النووية لأوكرانيا"، وحثت روسيا على "الهدوء وضبط النفس".

وبالنظر إلى محاور تقدم القوات الروسية، فإن محطة جنوب أوكرانيا النووية ستكون الهدف القادم، حيث تقع شمال غرب مدينة ميكولايف (جنوب)، التي تشهد معارك شرسة، تسعى خلالها القوات الروسية لمحاصرتها والتقدم شمالاً نحو مدينة "نوفا أوديسا".

ولا تبعد محطة جنوب أوكرانيا النووية نحو 120 كلم عن ميكولايف، ولا تفصلها عنها سوى بعض البلدات والمدن الصغيرة.

ومحطة جنوب أوكرانيا النووية تحتوي على 3 مفاعلات نووية، ما يضعها في المرتبة الثالثة من حيث عدد المفاعلات النووية في أوكرانيا.

هل ستنتقل الحرب إلى الغرب الأوكراني؟

بعيداً عن جبهات المعارك في الشرق الأوكراني، تقع محطتان نوويتان في شمال غرب أوكرانيا، لكن غير بعيدتين عن حدود بيلاروسيا حليفة موسكو في الحرب.

وتعد محطة ريفين، ثاني أكبر محطة نووية في أوكرانيا بعد زابوروجيا، حيث تضم 4 مفاعلات نووية، بينما تعد محطة خميلنيتسكي النووية أصغرهم، إذ لا تحتوي سوى على مفاعلين نوويين.

ورغم بُعد محطتي ريفين وخميلنيتسكي عن ساحات المعارك حالياً، إلا أنهما يعتبران الهدف الأول لموسكو في حال قررت نقل معاركها إلى الغرب الأوكراني، المعروف بطابعه الزراعي مقارنة بالشرق الذي يشتهر أكثر بطابعه الصناعي.

أوكرانيا
أوكرانيا تعتمد على صواريخ جافلين في ضرب الدبابات الروسية – Getty Images

إذ إن روسيا تسعى بكل الوسائل للحصول على أدلة مادية أو وثائق تثبت امتلاك كييف برنامجاً نووياً غير سلمي.

وفي هذا السياق، نقلت وكالة سبوتنيك عن مصدر حكومي روسي، لم تكشف عن اسمه، أن أوكرانيا أتلفت الجزء الأكبر من الوثائق المتعلقة بإنتاج الأسلحة النووية في كييف ومدينة خاركيف (شرق) ونقلت بعضها إلى مدينة لفيف (غرب).

واعتبر المصدر أن ذلك "تم لتجنيب الاتهامات ضد نظام كييف، بشأن وجود عنصر أسلحة في البرنامج النووي السلمي لأوكرانيا".

وأشار إلى أن "أوكرانيا كثفت في السنوات الأخيرة الاستكشاف الجيولوجي للطبقات العميقة في أراضي مناجم اليورانيوم القائمة، فضلاً عن تطوير رواسب اليورانيوم الواعدة، ولا سيما في مناطق نيكولاييف، ودنيبروبيتروفسك، وكيروفوغراد".

وهذه الاتهامات الخطيرة بتهريب أوكرانيا وثائق البرنامج النووي المزعوم من كييف وخاركيف (المحاصرتين) نحو لفيف، القريبة من الحدود البولندية، يرجح إمكانية نقل روسيا حربها إلى عاصمة الغرب الأوكراني، والمحطتين النوويتين القريبتين منها.

إذ إن موسكو تطارد البرنامج النووي العسكري الأوكراني من مدينة إلى أخرى ومن محطة نووية إلى أخرى، لتبرير سعيها لغزو أوكرانيا على الطريقة الأمريكية في احتلال العراق.

تحميل المزيد