من المرجح أن ينكمش الاقتصاد الأوكراني بما يزيد عن الثلث هذا العام، ولكن في الوقت ذاته فإنه بدأ يتكيف مع الحرب، وأصبحت الشركات المدنية هي إحدى أدوات الفعالة في محاولة صد الهجوم الروسي.
وتحوّلت أوكرانيا سريعاً إلى اقتصاد الحرب بمجرد بدء الهجوم الروسي، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Wall Street Journal الأمريكية.
وبدأت مختلف أنواع الشركات في صنع التحصينات المضادة للدبابات، بدايةً من شركات التعدين ووصولاً إلى شركات التطوير العقاري. لدرجة أنّ علامةً تجارية للأحذية النسائية بدأت تستخدم جلودها الإيطالية الفاخرة في صنع الأحذية العسكرية. كما أصدرت الحكومة سندات الحرب لتمويل جيشها.
وبعد أسبوعين من اندلاع الحرب، وجدت القوات الروسية نفسها في مواجهة مقاومةٍ أعند مما توقع غالبية المحللين الغربيين. ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى التدريب والتسليح الغربي للقوات المسلحة الأوكرانية في أعقاب الغزو الروسي عام 2014، لكن الحسابات العسكرية الخاطئة لموسكو لعبت دورها أيضاً.
كما يُعزى سببٌ آخر إلى سرعة تبني المجتمع المدني لجهود الحرب. إذ دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الشعب الأوكراني إلى حمل السلاح ومساعدة الجيش بكل الطرق الممكنة. وقد لبّت العديد من الشركات النداء، وأبقت مصانعها ومكاتبها مفتوحةً رغم تهديد الهجمات الصاروخية. وقامت الحكومة بتخصيص جميع أموالها للجيش، في حين أطلق البنك المركزي حملة تمويلٍ جماعي بعد ساعاتٍ من تقدم القوات الروسية.
كيف تحول الاقتصاد الأوكراني لاقتصاد حرب؟
تشير التقديرات إلى أن الغزو الروسي دمر حوالي ما قيمته 100 مليار دولار (91 مليار يورو) من الطرق والجسور والشركات في أوكرانيا، حسبما ورد في تقرير لموقع Euronews Next.
قال أوليج أوستينكو، كبير المستشارين الاقتصاديين للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن حوالي 50% من الشركات في البلاد لا تعمل، وتلك التي تعمل لا تعمل بكامل طاقتها.
ولكن رغم هذه الخسائر، سرعان ما تحول الاقتصاد الأوكراني إلى اقتصاد الحرب، وأصبحت النباتات المخصصة لصنع السترات تُستخدم حالياً في إنتاج الأسلحة، حسب تيموفي ميلوفانوف، مستشار إدارة زيلينسكي ووزير الاقتصاد الأوكراني السابق.
شركة بناء تتحول إلى إنتاج التحصينات ومضادات الطائرات
في الـ24 من فبراير/شباط، استيقظ الرئيس التنفيذي لشركة الإنشاءات الصناعية Kovalska Industrial-Construction Group، سيرغي بيليبينكو، على أصوات الهجمات الصاروخية التي أنذرت ببداية الحرب.
واستدعى بيليبينكو إدارته على الفور في مكالمةٍ جماعية لاتخاذ القرار التالي: إيقاف العمليات في مصانع الشركة البالغ عددها 13، إلى جانب العديد من مواقع البناء المختلفة. ولكن بدلاً من إغلاق المصانع؛ أعادت الشركة توجيه جهودها سريعاً لمساعدة الجيش.
وسلّمت الشركة أسطولاً من 600 مركبة، تشمل خلاطات خرسانة وشاحنات تفريغ وحفارات، للجيش الأوكراني. وقد جرى تحويل بعض شاحنات التفريغ إلى أنظمة صواريخ مضادة للطائرات.
كما قدمت الشركة للجيش أكثر من طنين من مادة تي إن تي وغيرها من المواد المتفجرة، والتي تُستخدم عادةً في تفجير الصخور داخل محاجر الجرانيت المملوكة للشركة. وكانت الشركة قد بدأت مؤخراً في إنتاج القنافذ التشيكية، وهي عبارة عن هياكل معدنية ضخمة على شكل حرف X وتُستخدم كحواجز مضادة للدبابات في نقاط التفتيش العسكري.
وقد حوّلت مجموعة الصلب والتعدين Metinvest مرافق إنتاجها ومصانعها أيضاً لصنع الحواجز المضادة للدبابات. وقالت المجموعة في يوم الخميس 10 مارس/آذار إنّها زوّدت الجيش بـ3.500 قنفذ تشيكي وأكثر من 2.000 كتلة خرسانية للملاجئ.
وربما تكون هذه التبرعات ضئيلةً عند مقارنتها بما يُقدمه حلفاء أوكرانيا في أوروبا والولايات المتحدة، من حيث المساعدات المالية والعسكرية.
من أحذية الكعوب العالية إلى نعال الجنود
لكن العديد من الشركات الأوكرانية سعت إلى دعم الجهود الدولية. حيث كانت الرئيسة التنفيذية لـKachorovska، علامة الأحذية النسائية الراقية منذ عام 1957، ألينا خاشوروفسكا قد عادت للتو من معرض جلودٍ في ميلان بإيطاليا حين بدأ الهجوم. وقد اعتادت الشركة بيع منتجاتٍ الأحذية الفاخرة بالجلود الحمراء والبيج، لكنها تلقت أعداداً متزايدة من الطلبات مؤخراً من جميع أنحاء البلاد للحصول على نوعٍ جديد من الأحذية: الأحذية العسكرية.
لهذا بدأت ألينا التواصل مع المصانع بحثاً عن النعال والأربطة المناسبة. واستخدمت بعض موادها الخام الخاصة التي كانت مخصصةً لتشكيلة الربيع/الصيف، بما فيها بعض الجلود الإيطالية باهظة الثمن باللون الزيتوني الداكن.
ويتوجه نحو 40 عاملاً في الشركة إلى مختلف المصانع الآن تحت أصوات صفارات الإنذار الخاصة بالغارات الجوية. بينما قالت ألينا إنها لن تُفصح عن مواقع المصانع بسبب المخاوف الأمنية، لكنها أوضحت أن البلدة تتعرض لهجمات القنابل بوتيرةٍ شبه يومية. في حين أنتجت الشركة حتى الآن نحو 700 زوج من الأحذية العسكرية، ولا تزال الطلبات الجديدة تصل طوال الوقت.
شركات الاتصالات تحاول التصدي للحرب السيبرانية الروسية
ولعبت شركات الاتصالات والتكنولوجيا دوراً مهماً في تحويل الاقتصاد الأوكراني لاقتصاد حرب، وقامت بالعديد من المهام، بدءاً من مهام الإنقاذ لمساعدة الأوكرانيين على الهروب من المدن التي مزقتها الحرب إلى تقديم خدمات الترجمة بمجرد عبورهم الحدود ومساعدتهم على بدء حياة جديدة والعثور على وظائف في أوروبا.
من ناحيتها، قررت وكالة الاتصالات ISD Group التركيز على جبهةٍ أخرى من جبهات الحرب: حملة التضليل الروسية.
فبينما تواصل موسكو تحريك آلتها الدعائية الخاصة وإسكات التغطية المستقلة للحرب داخل بلادها، قال مؤسس الشركة فيكتور شكوربا إنّه يريد أن يُظهِر للروس الحقائق على الأرض: "طوابير من المعدات العسكرية المدمرة، وسجناء، وجثث".
حيث أعدت الوكالة فريقاً من 60 شخصاً لجمع المعلومات وإضافتها إلى خريطة لروسيا وأوكرانيا، مع صور ومقاطع فيديو من الحرب. بالإضافة إلى وضع أسماء الأسرى والقتلى من الجنود الروس فوق المدن التي ينحدرون منها.
ولا شكّ أن الوصول إلى الجمهور الروسي يُمثّل تحدياً بسبب الرقابة الحكومية المفروضة، التي تشمل حظر الكرملين لموقعي فيسبوك وتويتر. لكن شكوربا وفريقه ينشرون موادهم عبر تطبيق تليغرام للتراسل نظراً لشعبيته في روسيا، ومن خلال الأوكرانيين الذين لديهم أصدقاء وأقارب في روسيا، وعن طريق شراء الإعلانات على مواقع الويب الروسية.
كانت شركة البرمجيات الأوكرانية N-iX قد وضعت بالفعل خطط طوارئ لإجلاء 300 موظف في كييف و150 آخرين في شرق أوكرانيا قبل الغزو الروسي الأخير في 24 فبراير/شباط. وعلى هذا النحو، قامت بتحميل الكثير من موظفيها على متن حافلات إلى لفيف بالقرب من الحدود مع بولندا.
تطوع موظفو N-iX لقيادة حافلات مليئة بالناس من مدينتي كييف وخاركيف الأكثر تضرراً إلى الأمان النسبي في غرب أوكرانيا، وفقاً لما ورد في تقرير موقع Euronews Next.
وتقدم الشركة أيضاً تبرعات للجيش الأوكراني، مثل الدروع الواقية للبدن والسيارات، وتساعد في تمويل وكالات الإغاثة المختلفة العاملة في أوكرانيا.
كما حولت الشركة موقف السيارات تحت الأرض في لفيف إلى ملجأ، والذي تم استخدامه عند انطلاق صفارات الإنذار.
لحقت الجمعيات الخيرية بالركب أيضاً. إذ تبرعت جمعية Come Back Alive، التي تأسست منذ ضم روسيا للقرم عام 2014، للجيش بطائراتٍ مُسيّرة ودروعٍ حرارية وسترات واقية من الرصاص ومعدات أخرى تصل قيمتها إلى نحو 23 مليون دولار. بينما جمعت Charity Army SOS الأموال لشراء الدروع، ودعم محطات الراديو، وشراء عِدَد الإسعافات التكتيكية.
سياسات نقدية ملائمة للحرب
وحين بدأت روسيا في إسقاط قنابلها على كييف، سارع المسؤولون في البنك الوطني الأوكراني إلى التخلي عن سياساتهم النقدية التقليدية. حيث أطلق البنك حسابات تمويلٍ جماعي للتبرعات المخصصة للجنود والمساعدات الإنسانية، وجمعت تلك الحسابات قرابة الـ400 مليون دولار حتى الآن. ثم أصدرت أوكرانيا بعدها سندات الحرب التي جمعت نحو 270 مليون دولار.
وتُخطّط أوكرانيا إلى إصدار توكنات غير قابلة للاستبدال (التوكنات هي عبارة عن أصول رقمية قد تم بناؤها بغرض استخدامها في عمل أو نظام ما واستخدامها في المشاريع المختلفة)، والتي تُعَدُّ بمثابة ضمانة ملكية للأصول الرقمية، ضمن جهودها لجمع التبرعات.
بينما قال سيرغي نيكولايشوك، نائب محافظ البنك الوطني الأوكراني: "نحن لا نتظاهر بأننا نعيش ظروفاً طبيعية في الوقت الراهن، ولهذا لا يمكننا الاعتماد على حزمة الأدوات النقدية القياسية المناسبة للسوق. وقد بدأنا في تطويع هذه التدابير لتلائم الظروف المتغيرة منذ اليوم الأول للحرب".