مَن المستفيد الأبرز من إطالة أمد الحرب في أوكرانيا؟ ليس بوتين ولا زيلينسكي

عربي بوست
تم النشر: 2022/03/16 الساعة 13:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/08/19 الساعة 08:52 بتوقيت غرينتش
صواريخ ستينغر الأمريكية من لتوانيا لأوكرانيا رويترز

لا يبدو في الأفق حسم عسكري سريع أو حل دبلوماسي محتمل قريباً يؤدي إلى توقف الهجوم الروسي على أوكرانيا، فمن المستفيد من استمرار الصراع وتحوله إلى حرب طويلة الأجل، وماذا قد يعني ذلك للصراع نفسه؟

كان الهجوم الروسي، الذي يسميه الغرب غزواً وتصفه موسكو بالعملية العسكرية الخاصة، قد بدأ الخميس 24 فبراير/شباط الماضي، وعلى الرغم من أن القوات الروسية باتت تحاصر العاصمة كييف وباقي المدن الأوكرانية، خصوصاً خاركيف وماريوبول، إلا أنه أصبح واضحاً الآن أن الحرب ستكون أطول مما توقع الكرملين، إذ لم يتمكن الجيش الروسي إلا من السيطرة على مدينة خيرسون.

وتعرضت روسيا لأكبر حملة عقوبات فرضها الغرب منذ بدء الهجوم على أوكرانيا، وطالت العقوبات الثروات الشخصية للرئيس فلاديمير بوتين ودائرته المقربة من رجال الأعمال. وبدأ فرض العقوبات الغربية على روسيا، هذه المرة، منذ أن أعلن فلاديمير بوتين، الأحد 21 فبراير/شباط 2022، الاعتراف باستقلال لوغانسك ودونيتسك في إقليم دونباس الأوكراني، وتصاعدت وتيرة تلك العقوبات وحِدتها وشمولها مع بدء الهجوم.

ما المتوقع على المدى القصير؟

رغم المقاومة الشرسة التي أبداها الأوكرانيون حتى الآن في مواجهة التوغل الروسي على الأرض، يتوقع أغلب الخبراء العسكريون الغربيون أن القوات الروسية سوف تحقق الانتصار في نهاية المطاف، بحكم فارق الإمكانيات الضخم بين الجانبين من ناحية العدد والعتاد العسكري.

لكن السؤال الآن يتعلق أكثر بما قد تحمله المرحلة القادمة من الحرب في أوكرانيا على المدى القصير بالنسبة لجميع الأطراف. ونشر موقع Vox الأمريكي تقريراً عنوانه "المرحلة الجديدة الخطيرة من حرب روسيا في أوكرانيا"، رصد كيف أن مسار الهجوم الروسي حتى اليوم قد كشف عن الهدف الأكبر للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا وهو "تغيير النظام"، بحسب الموقع الأمريكي.

وعلى الرغم مما يصفه الخبراء العسكريون الأمريكيون "بالأداء الضعيف للغاية للجيش الروسي" والمقاومة الشرسة من الجانب الأوكراني، إلا أن هذه العوامل لم تمنع وقوع الكارثة وهي التوغل الروسي في جميع الأراضي الأوكرانية وفرض حصار خانق على المدن الكبرى بما فيها العاصمة كييف.

وقالت سارة بيرغ مولر الأستاذ المساعد وخبيرة الأمن الدولي في جامعة سيتون هول للموقع الأمريكي إن الأمور ستزداد سوءاً مع مرور الأيام: "رغم الأداء العسكري الضعيف بصورة مفاجئة من جانب القوات الروسية حتى اليوم، لا نزال نشهد المرحلة الافتتاحية لهذا الصراع".

ومن المتوقع أن ترتفع حصيلة الخسائر البشرية الأوكرانية بين المدنيين والعسكريين كلما طال أمد الحرب، مع اكتمال الحصار الروسي للمدن وزيادة وتيرة القصف الروسي، بحسب خبراء غربيين، خصوصاً أنه كلما طال أمد القتال وبدأت تزداد وطأة العقوبات الغربية، زادت الضغوط على القيادة الروسية.

روسيا لاجئون أوكرانيين أوكرانيا
الملايين من الأوكرانيين فروا بعد الحرب/مواقع التواصل

وتصف روسيا أفعالها بأنها "عملية عسكرية خاصة" لنزع سلاح أوكرانيا و"تخليصها من النازية"، بينما تصف أوكرانيا والحلفاء الغربيون ذلك بأنه ذريعة لا أساس لها لشن حرب عن عمد أثارت مخاوف من صراع أوسع نطاقاً في أوروبا.

العاصمة كييف، على سبيل المثال، كان يعيش فيها نحو 3.4 مليون أوكراني قبل بدء الهجوم الروسي، تقول التقارير إن حوالي نصفهم قد فر بالفعل، بينما يقضي أغلب الباقين ليالي بأكملها في محطات المترو، التي تستخدم كملاجئ.

وقالت السلطات المحلية إن قصف كييف الثلاثاء 15 مارس/آذار قد أسفر عن مقتل خمسة أشخاص على الأقل، حيث اندلعت نيران في المباني ودفن أناس تحت الأنقاض، بينما تنفي روسيا، من جانبها، استهداف المدنيين.

ماذا عن الوضع العسكري على الأرض؟

يمكن القول إن الأوضاع العسكرية على الأرض تتغير بشكل شبه يومي، ولكن دون تحولات جذرية أو جوهرية بشأن تواجد القوات الروسية والأوكرانية. فوزارة الدفاع الأوكرانية، في بياناتها اليومية، تركز على الخسائر التي تقول إن الروس تكبدوها، بينما تركز وزارة الدفاع الروسية على خسائر الأوكرانيين، دون وجود طرف مستقل للتحقق مما يقوله كل منهما.

إذ قالت وزارة الدفاع الروسية، الثلاثاء، إن قواتها تسيطر الآن على منطقة خيرسون في جنوب أوكرانيا بالكامل، بينما لم يتسنَّ لرويترز التحقق بشكل مستقل من التقارير. وفي المقابل، تقول الحكومة الأوكرانية إن قواتها لا تزال تقاوم في خيرسون.

وبينما يقول أوكرانيون إن سقوط خاركيف، ثاني أكبر المدن الأوكرانية وتقع شرقاً قرب الحدود الروسية، يعني سقوط أوكرانيا بأكملها، يرى خبراء غربيون أن المعركة بشأن السيطرة على العاصمة كييف هي الأكثر أهمية. "هذه الحرب تتلخص في معركة كييف"، بحسب ما قاله لموقع Vox جون سبنسر الضابط السابق في الجيش الأمريكي ورئيس قسم دراسات حرب المدن في منتدى ماديسون السياسي.

فالسيطرة على كييف تعني السيطرة على أوكرانيا بأكملها أو على الأقل الإطاحة بحكومة فولوديمير زيلينسكي، وهو الرئيس الذي بات يمثل رمزاً للتحدي الأوكراني وتوحيد الجبهة الداخلية في وجه الهجوم الروسي، إضافة إلى تأجيج المشاعر في الغرب بتصويره أوكرانيا على أنها لا تدافع عن نفسها فقط بل تدافع عن الديمقراطية في العالم أجمع.

لكن سيطرة القوات الروسية على كييف، ومن ثَم الإطاحة بحكومة زيلينسكي، قد لا يعني بالضرورة حسم الحرب عسكرياً، إذ قد تنطلق مقاومة مدنية مسلحة يدعمها الغرب ويغذيها تدفق "المتطوعين" كما تصفهم كييف أو "المرتزقة" كما يصفهم الخبراء العسكريون.

المدنيون والشركات المدنية تساعد الجيش الأوكراني في العمليات العسكرية/رويترز

وكان زيلينسكي قد أعلن عن فتح باب التطوع منذ بداية الهجوم الروسي، وأعلن عن تشكيل "الفيلق الدولي" للدفاع عن أوكرانيا، وأيدت دول غربية، خصوصاً لندن، دعوته وفتحت الباب لمواطنيها ووصل المئات منهم بالفعل ويشاركون حالياً في القتال، وقصفت القوات الروسية موقعاً لتلك الميليشيات في بلدة أوكرانية على الحدود البولندية.

لكن على كل الأحوال هناك ما يشبه الإجماع بين الخبراء العسكريين على أنه كلما طال أمد الحرب دون حسم عسكري، دفعت روسيا بالمزيد من قواتها إلى الأراضي الأوكرانية، وكلما صعدت موسكو من قصفها العنيف للمدن الأوكرانية بهدف كسر شوكة المقاومة.

وفي ظل مواصلة المساعدات الغربية العسكرية لأوكرانيا، يبدو أن الحسم العسكري الروسي السريع قد بات أكثر صعوبة مما كانت عليه الأمور في بداية الهجوم. وذلك على الرغم من أن مسؤولين أوكرانيين قد عبروا عن أملهم في انتهاء الحرب في وقت أقرب من المتوقع، ربما بحلول مايو/أيار، قائلين لرويترز إن موسكو ربما تدرك فشلها في فرض حكومة جديدة بالقوة وأنها لم تعد لديها قوات جديدة.

ماذا عن الحلول الدبلوماسية؟

أما على مستوى الحلول الدبلوماسية، فالأمور لا تختلف كثيراً عن الأوضاع العسكرية؛ حيث تتغير المواقف دون أن يبدو أن هناك احتمال التوصل لحل وسط على المدى القصير. وقال زيلينسكي نفسه، الأربعاء، إن محادثات السلام مع روسيا تبدو أكثر واقعية، لكن ثمة حاجة إلى مزيد من الوقت، بحسب رويترز.

وقال زيلينسكي في خطاب مصوَّر قبل الجولة المقبلة من المحادثات: "الاجتماعات تتواصل، وتم إبلاغي بأن المواقف خلال المفاوضات تبدو بالفعل أكثر واقعية. لكن لا تزال هناك حاجة إلى وقت لكي تكون القرارات في صالح أوكرانيا".

وفي تلميح إلى تسوية محتملة، قال زيلينسكي في وقت سابق إن أوكرانيا مستعدة لقبول ضمانات أمنية من الغرب لا تصل إلى حد تحقيق هدفها طويل الأمد بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي. وترى موسكو أن عضوية أوكرانيا في التحالف الغربي تمثل تهديداً وطالبت بضمانات بعدم انضمامها أبداً.

أوكرانيا
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي – Getty Images

لكن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، من جانبه، قال إنه من السابق لأوانه التنبؤ بإحراز تقدم في المحادثات، وأضاف: "العمل صعب، وفي الوضع الحالي فان مجرد استمرار (المحادثات) ربما يكون نقطة إيجابية".

وقال البيت الأبيض إن الرئيس الأمريكي جو بايدن سيقوم بأول زيارة له إلى أوروبا منذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا لمناقشة الأزمة مع الشركاء في حلف شمال الأطلسي الأسبوع المقبل.

وسيحضر بايدن اجتماع قادة الحلف في مقر التحالف العسكري ببروكسل في 24 مارس/آذار. كما من المقرر أن يحضر رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، بعد أن كانت فكرة سفر بايدن إلى أوروبا غير محسومة قبل 24 ساعة فقط.

وقال مسؤول في البيت الأبيض إنه من المتوقع أن يعلن بايدن عن مساعدات أمنية إضافية لأوكرانيا بقيمة 800 مليون دولار اليوم. وقال مسؤولون ودبلوماسيون إن حلف شمال الأطلسي سيطلب من قادته العسكريين اليوم وضع خطط لتبني طرق جديدة لردع روسيا عن أي عمل عسكري في المستقبل، بما يشمل زيادة القوات والدفاعات الصاروخية في شرق أوروبا.

مَن الطرف الذي يبدو مستفيداً من إطالة أمد الأزمة؟

من الصعب الجزم بأن أياً من الأطراف "مستفيد" من إطالة أمد الحرب في أوكرانيا، لكنَّ كثيراً من المراقبين يرون أن بايدن يبدو "مرتاحاً" في إدارته للأزمة الأوكرانية أكثر بكثير من إدارته للملفات الداخلية مثل التضخم وارتفاع الأسعار وتدني شعبيته منذ الانسحاب الفوضوي من أفغانستان في أغسطس/آب 2021.

مجلة Politico الأمريكية نشرت تقريراً عنوانه "رئاسة بايدن لم تكن أبداً محمومة كما هي الآن، لكنه لم يكن أكثر ارتياحاً"، رصد كيف أن خبرة الرئيس الأمريكي الطويلة في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ؛ حيث كان بايدن عضواً ورئيساً للجنة لعقود، قد أفادته كثيراً خلال الأزمة الأوكرانية.

ورصد تقرير المجلة أداء بايدن فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية، منذ ما قبل بدء الهجوم الروسي، وهو الأداء الذي اتسم بالثقة والوضوح والحسم والقدرة على المناورة، وهو ما أدى إلى ارتفاع ولو طفيفاً حتى الآن في شعبية الرئيس، التي كانت قد وصلت لمستويات قياسية في التدني منذ صيف العام الماضي.

وكان بايدن قد واجه انتقادات عنيفة من أعضاء حزبه الديمقراطي في أعقاب الخسائر التي مني بها مرشحو الحزب لصالح الجمهوريين في انتخابات حكام بعض الولايات، في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، وهي أول انتخابات كبرى منذ وصوله للبيت الأبيض. ويخشى الديمقراطيون من فقدان أغلبيتهم الضئيلة أصلاً في الكونغرس لصالح الجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي، في نوفمبر/تشرين الثاني.

بايدن بوتين روسيا أوكرانيا
الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال إعلانه عن حزمة عقوبات على روسيا/ رويترز

بل إن كثيراً من منتقدي بايدن كانوا قد اتهموه باستغلال الأزمة الأوكرانية، قبل أن تندلع الحرب فعلاً، للهروب من مشاكله الداخلية، وهو الاتهام الذي وجهه زيلينسكي نفسه لبعض القادة الغربيين -دون أن يسمي أحداً- إذ قال سابقاً إن البعض يثير الفزع ويتحدث عن أوكرانيا فقط للتغطية على "مشاكلهم السياسية الداخلية".

وفي السياق نفسه نشر موقع Responsible Statecraft الأمريكي تحليلاً عنوانه "مقامرة بايدن المرعبة في أوكرانيا"، لخّصها في عدم وجود خطوات جدية من جانب إدارة بايدن للتفاوض مع روسيا بشأن حل دبلوماسي يوقف الهجوم على أوكرانيا، ولا نية مطلقاً للدخول في حرب مباشرة ضد روسيا والهدف هزيمة بوتين في نهاية المطاف.

فإذا كانت تلك هي استراتيجية الولايات المتحدة بالفعل في التعامل مع أكبر حرب تشهدها أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فهذا يعني أن الرئيس بايدن ربما يكون المستفيد الوحيد من إطالة أمد الهجوم الروسي على أوكرانيا، بحسب ما يراه كثير من المحللين، خصوصاً أن ذلك قد يعني ارتفاع شعبيته أكثر كلما اقتربت انتخابات التجديد النصفي.

تحميل المزيد