لماذا تمثل مقاطعة ماكدونالدز لروسيا مؤشراً على أن القادم لا يبشر بالخير لأحد؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2022/03/13 الساعة 14:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/13 الساعة 14:08 بتوقيت غرينتش
أحد مطاعم ماكدونالدز في روسيا/ getty images

اختار الغرب أن يعاقب روسيا بسبب الهجوم على أوكرانيا بطريقتين، الأولى عقوبات اقتصادية، والثانية توفير السلاح لكييف، لكن يبدو أن المعاناة بسبب العقوبات لن تقتصر على موسكو، والقصة يلخصها رمزياً ماكدونالدز الأمريكي.

وتعرضت روسيا لأكبر حملة عقوبات فرضها الغرب منذ بدء الهجوم على أوكرانيا، وطالت العقوبات الثروات الشخصية للرئيس فلاديمير بوتين ودائرته المقربة من رجال الأعمال. وبدأ فرض العقوبات الغربية على روسيا، هذه المرة، منذ أن أعلن فلاديمير بوتين، الأحد 21 فبراير/شباط 2022، الاعتراف باستقلال لوغانسك ودونيتسك في إقليم دونباس الأوكراني، وتصاعدت وتيرة تلك العقوبات وحِدتها وشمولها مع بدء الهجوم، الخميس 24 فبراير/شباط.

ومع تواصُل الهجوم الروسي على أوكرانيا تزايدت بشكل متسارع عزلة روسيا على جميع المستويات الاقتصادية والسياسية والرياضية، وحتى الثقافية والسينمائية، ولا تزال القوات الروسية لم تحقق انتصاراً حاسماً وسريعاً كما كان يأمل الرئيس الروسي.

رمزية مغادرة ماكدونالدز لروسيا

ونشرت صحيفة The Guardian البريطانية تقريراً عنوانه "وداعاً بيغ ماك"، رصد كيف أن الهجوم الروسي على أوكرانيا يُنذر بحقبةٍ اقتصادية مظلمة ومعزولة، ليس فقط للروس والأوكرانيين، أو حتى القارة الأوروبية، بل لجميع دول العالم.

وبينما دخل الهجوم الروسي على أوكرانيا أسبوعه الثالث، وسط ما يقول الخبراء العسكريون إنه تعثر واضح من جانب الجيش الروسي في تحقيق أهدافه، لم تضيِّع شركة كوكاكولا وستاربكس، وغيرهما من العلامات التجارية الغربية الكبرى، الوقت في إغلاق أبوابها أمام العملاء الروس.

لكن الخطوة الأكثر رمزية على الإطلاق، بحسب الغارديان، جاءت من ماكدونالدز، التي أغلقت جميع منافذها في روسيا، البالغ عددها 850، إذ كان يُنظر إلى توافر وجبات الـ"بيغ ماك" في الاتحاد السوفييتي في عام 1990 كدليلٍ على أن العدو القديم للغرب في الحرب الباردة كان يدير ظهره للشيوعية.

لكن خلال الأسبوعين الماضيين عادت ذكريات الأيام الخوالي السيئة تطل برأسها، إذ كانت هناك طوابير انتظار خارج ماكدونالدز، عندما افتُتِحَت السلسلة لأول مرة في موسكو قبل أكثر من 3 عقود، أما في الأسبوع الماضي فقد اصطف الروس للحصول على آخر شطائر برغر قبل بدء الانسحاب.

لا يتعلَّق الأمر فقط بأن روسيا تواجه ركوداً قاسياً، بل إنه تحطيم فكرة وجود اقتصاد عالمي سلس بعد الحرب الباردة. إنها العودة إلى أيام الإنفاق الدفاعي الأعلى في الغرب، إنه احتمال أن تتراجع الحكومات عن تعهُّداتها الصفرية في انبعاثات الكربون.

روسيا
روسيا تلجأ إلى نظام الدفع الصيني "يونيون باي" – Getty Images

وقال محمد العريان، رئيس كلية كوينز في كامبريدج، للصحيفة البريطانية: "لقد خلق بوتين أسوأ كابوس له، لقد وحّد الغرب بطريقة لم تكن كذلك منذ وقت طويل، لقد كان حافزاً لتسليح أوكرانيا على نطاقٍ واسع، لقد غيّر نهج ألمانيا في الإنفاق العسكري، وقد تسبَّب في تركيع الاقتصاد الروسي، إنه أمرٌ لا يُصدَّق".

ويعني تجميد الجزء الأكبر من احتياطيات روسيا أن البنك المركزي كافح من أجل دعم الروبل، الذي انخفض بمقدار الثلث في أسواق العملات. أُدخِلَت ضوابط على رأس المال، وتضاعفت أسعار الفائدة، ويتجه التضخم السنوي إلى 20%. أُغلِقَت سوق الأسهم، وتخشى الأسواق المالية من أن موسكو قد تتخلف عن سداد الديون السيادية في وقت لاحق من هذا الأسبوع.

كيف تأثر الروس بالعقوبات؟

وقال جون لوف، الزميل المشارك في برنامج روسيا وأوراسيا في تشاتام هاوس، للغارديان: "لقد تأثَّرت الطبقات الوسطى الروسية بشدة بسبب عدم الحصول على الطعام اللذيذ والكثير من الأشياء التي اعتادوا عليها. الرمزية في السياسة والعلاقات الدولية مهمة، ماذا تعني هذه الإشارة؟ إنها تعني العودة إلى الاتحاد السوفييتي".

يحذِّر المحلِّلون من أكبر انخفاضٍ سنوي لروسيا منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، حيث شيَّدت هجرة رأس المال الغربي والتكنولوجيا والمعرفة الغربية الستار الحديدي حول الاقتصاد الروسي في القرن الحادي والعشرين. يتوقَّع بنك أمريكا انخفاضاً في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 13% هذا العام، وهي ضربةٌ أكبر من الجائحة أو الأزمة المالية لعام 2008.

حوَّلَت عقوبات الغرب روسيا بوتين إلى دولة منبوذة، على غرار كوريا الشمالية، لكن الإجراءات الصارمة ستكون لها عواقب على الاقتصاد العالمي الهش، الذي لا يزال يتعافى من آثار الجائحة.

مواطنون روس يصطفون لسحب أرصدتهم بالعملة الصعبة، بعد فرض عقوبات على البنوك الروسية/getty images

قد تكون روسيا في المرتبة الحادية عشرة من بين أكبر الاقتصادات في العالم، مع تقلُّص عدد السكان وقلة الروابط مع سلاسل التوريد العالمية، مقارنةً بالصين، لكن مكانة روسيا كأكبر مُصدِّرٍ في العالم للغاز الطبيعي، وثاني أكبر مُصدِّرٍ للنفط الخام يعني أنها أكبر من وزنها بالفعل.

وتمثِّل روسيا ما يزيد قليلاً عن ربع واردات الاتحاد الأوروبي من النفط، و40% من الغاز، وهو رقم يرتفع إلى 65% في ألمانيا، و100% في بعض دول أوروبا الشرقية. بالنسبة للولايات المتحدة، فإن هذا الانكشاف ليس كبيراً، فهي أكبر منتجٍ للنفط في العالم، ولها سوق داخلية واسعة، و3% إلى 7% فقط من وارداتها النفطية تأتي من روسيا.

ماذا عن تأثير العقوبات على الغرب؟

وبالنسبة لألمانيا، فقد بدأت شحنات الغاز في أواخر الستينيات، كنتيجةٍ للأجندة السياسية للزعيم السابق ويلي برانت، الذي أراد توثيق العلاقات التجارية بين ألمانيا الغربية والشرق، كوسيلة للتغلُّب على التوترات مع الاتحاد السوفييتي.

وطوال 16 عاماً في السلطة، ظلَّت أنجيلا ميركل ملتزمة بالواردات، بما في ذلك تطوير خط أنابيب نورد ستريم 2 المتوقف الآن. وازداد اعتماد ألمانيا على الطاقة فقط عندما خفضت البلاد إنتاجها النووي كجزءٍ من اتفاقيات ائتلافية بين الاتحاد الديمقراطي المسيحي التابع لميركل وحزب الخضر. 

قال لوف: "انقلب هذا الإرث رأساً على عقب، ما نراه الآن سيكون تحوُّلاً كبيراً. إن التزام الاتحاد الأوروبي بالحد بشكل كبير من اعتماده على الطاقة في روسيا يقع في صميم هذا التحوُّل". 

ومع ذلك، فمن غير المرجح أن تكون العملية سلسة. مع سعي العالم لمصادر طاقة بديلة، يقدر المحلِّلون الاستراتيجيون للسلع في بنك أمريكا أنه يمكن استبدال أقل من نصف الصادرات الروسية بإيران ودول أوبك والنفط الصخري الأمريكي. 

العالم يواجه أزمة ارتفاع الأسعار/ istock

تشكلت الأزمات العالمية في أسواق الطاقة باعتبارها أزماتٍ في الاقتصاد الدولي، فضلاً عن إحداث تغييرٍ دائم، لقد وصل الازدهار الطويل الذي أعقب الحرب إلى ذروته، عندما أدت الإجراءات التي اتخذتها منظمة أوبك إلى تضاعف أسعار النفط الخام أربع مرات في أواخر عام 1973. وكانت هناك أصداء لذلك الأسبوع الماضي، عندما ارتفع خام برنت فوق 130 دولاراً للبرميل، على مقربةٍ من ارتفاعه القياسي إلى 147 دولاراً للبرميل في عام 2008.

وقال العريان إن هناك فرصةً لحدوث ركود تضخمي -مزيج من الأسعار سريعة التزايد وضعف النمو- في الاقتصاد العالمي، حتى قبل الهجوم الروسي على أوكرانيا. وأضاف: "الآن أصبح التضخم المصحوب بالركود هو الأساس، وأصبح الركود العالمي سيناريو خطر مطروحاً".

ليست الأزمات الاقتصادية غريبةً على روسيا، كانت "المعالجة بالصدمة" التي مارسها صندوق النقد الدولي وهيئات أخرى متعددة الأطراف بعد زوال الاتحاد السوفييتي وحشية. انخفض الإنتاج باستمرار حتى منتصف التسعينيات، وبلغت البطالة ذروتها عند 14% تقريباً، وأدَّى ارتفاع إدمان الكحول والانتحار إلى انخفاض حاد في متوسط ​​العمر المتوقع للذكور. وأدَّى التخلُّف عن سداد الديون في عام 1998 إلى حدوث اضطراباتٍ في الأسواق المالية العالمية.

العالم كله يواجه خطر الانكماش الاقتصادي

لقد مر الاقتصاد بثلاث مراحل منذ انهيار الشيوعية، وفقاً لهولجر شميدنغ، كبير الاقتصاديين في بنك بيرنبرغ. أفسحت فترة أولية من التغيُّر السريع -ولكن غير المنضبط- الطريق للتقدُّم من أواخر التسعينيات فصاعداً. وبعد بلدان ما بعد الاشتراكية الأخرى، بدأت روسيا في بناء روابط أوثق مع الاقتصاد الأوروبي والعالمي الأوسع نطاقاً، بمساعدة ارتفاع أسعار النفط. في المرحلة الثالثة، بدأت العزلة العالمية منذ ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، ما دفع موسكو إلى التركيز على الاعتماد على الذات والسياسة الاقتصادية "الحصينة" للحماية من العقوبات الغربية.

يقول الاقتصاديون إن المشكلة الوحيدة هي أن الطريق إلى الاكتفاء الذاتي نادراً ما يكون وصفة للنجاح المستدام. يقول شميدنغ: "خطوة بخطوة، بدأت تشبه بعض سمات أواخر الاتحاد السوفييتي في عهد بريجنيف؛ اقتصاد بترولي ضعيف الأداء مع قطاعٍ عسكريٍّ ضخم".

لكن بعيداً عن النفط، تُعتبَر روسيا حيويةً بالنسبة للمعادن الأرضية النادرة والمنتجات الزراعية، مثل القمح والذرة وزيت دوار الشمس. وتشكِّل روسيا وأوكرانيا معاً ربع صادرات القمح العالمية، وارتفعت الأسعار بأكثر من 50%.

تحميل المزيد