رحلة دبلوماسية طويلة على وقع الاجتياح الروسي لأوكرانيا.. ماذا وراء زيارة حميدتي إلى موسكو؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/03/11 الساعة 12:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/14 الساعة 05:22 بتوقيت غرينتش
محمد حمدان دقلو في موسكو مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (حساب الخارجية الروسية، تويتر)

أثارت الزيارة الأخيرة التي قام بها القائد العسكري السوداني ونائب رئيس مجلس السيادة، الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي)، التي بدأت قبل هجوم روسيا على أوكرانيا وانتهت في 2 مارس/آذار، جدلاً واسعاً في داخل السودان وخارجه، حيث أشاد البعض بحميدتي، لوقوفه متحدِّياً الرياح السائدة، بينما انتقده آخرون لدفعه السودان إلى الهامش على المستوى الدولي في الوقت الذي يكيل الغرب بالعقوبات ضد الرئيس فلاديمير بوتين وبلاده. فماذا كانت تحمل تلك الزيارة؟

بعد زيارة حميدتي إلى روسيا.. هل يتجه السودان نحو مزيد من العزلة الدولية؟

يقول تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني، إن جماعات المعارضة السودانية تعتقد أن حميدتي، قائد قوات الدعم السريع، يدفع السودان للعودة إلى حالة العزلة، مع التهديد المتزايد بفرض مزيد من العقوبات الدولية في أعقاب الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي. 

وفي حين أن هذا الانقلاب قاده رئيس المجلس السيادي في السودان الجنرال عبد الفتاح البرهان، فإن حميدتي، الذي ظل في البداية بعيداً عن الأنظار، يعد جزءاً أساسياً منه. 

أعادت زيارة زعيم قوات الدعم السريع إلى موسكو ذكريات رحلة الرئيس المخلوع عمر البشير إلى روسيا في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، عندما طلب البشير من بوتين حماية السودان من التدخُّل الأمريكي. 

وصل حميدتي إلى روسيا في 23 فبراير/شباط، قبل يومٍ من هجوم روسيا على أوكرانيا. وقال حميدتي: "بالنسبة لروسيا، فلها الحق في التصرف لصالح مواطنيها وحماية شعبها". وأضاف: "هذا حقها بموجب الدستور والقانون، ويجب على العالم كله أن يدرك أنه من حقهم الدفاع عن شعبهم". 

كانت الزيارة طويلة بشكل غير عادي، وقد تغيَّر موقف حميدتي بشأن روسيا وأوكرانيا بعد الهجوم، عندما قال إن الحلَّ الدبلوماسي سيكون أفضل. 

وفي الزيارة، التقى حميدتي، الذي رافقه وزراء المالية والطاقة والزراعة والتعدين في السودان ورئيس الغرف التجارية السودانية، بوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، ونائب وزير دفاع موسكو ألكسندر فومين. 

"السودان يسعى وراء مصالحه الخاصة"

يقول المتحدث باسم تجمع المهنيين السودانيين، وليد علي، إن رحلة حميدتي إلى روسيا ستؤدي بدلاً من ذلك إلى عزل السودان، مضيفاً أنها تضر بالثوار السودانيين الذين يدعمون الشعب الأوكراني. ومنذ بدء الهجوم، رفع متظاهرون في شوارع السودان الأعلام واللافتات تضامناً مع الأوكرانيين.

قال علي لموقع MEE البريطاني: "المجلس العسكري يخطف البلد ككل ويريد البقاء في السلطة بكل الوسائل، بما في ذلك الوقوف إلى جانب بوتين أو دعم الهجوم على أوكرانيا". 

وأضاف: "وهذا يشمل بيع الموارد السودانية لروسيا، وآخرون يدعمون الانقلاب العسكري. هذا الوضع سيدفعنا إلى المربع الأول، حيث عزل واستبعاد السودان من المجتمع الدولي". 

أخبر الدبلوماسي الأمريكي السابق والمحلِّل في وكالة الاستخبارات المركزية كاميرون هدسون للموقع البريطاني، أن إدارة الولايات المتحدة كانت قلقةً من تأييد حميدتي وربطه السودان بالهجوم الروسي غير المبرَّر على أوكرانيا. وقال: "زيارة حميدتي كانت خطوةً كبيرة إلى الوراء". 

من جهتها، جادلت الإدارة السودانية بأن هذا كان تحريفاً لموقفها. قال نادر يوسف، المسؤول بوزارة الخارجية، إن السودان يؤيد حلاً تفاوضياً للأزمة الأوكرانية، لكنه سيواصل السعي وراء مصالحه الخاصة. 

قاعدة بحرية روسية في السودان مطلة على البحر الأحمر

يقول حميدتي، المتهم بارتكاب جرائم حرب في دارفور عندما كان زعيماً لقوات الجنجويد، إن السودان ليس لديه مشكلة مع افتتاح روسيا لقاعدة بحرية على ساحله المُطِلِّ على البحر الأحمر، بشرط ألَّا تشكِّل القاعدة تهديداً للأمن القومي السوداني. 

ويقول قادة عسكريون إن الاتفاق الذي توصل إليه البشير لاستضافة قاعدة بحرية روسية لا يزال قيد المراجعة. وفي ترديدٍ لصدى البشير، ألمح حميدتي إلى وجود قواعد عسكرية أمريكية وفرنسية في جميع أنحاء إفريقيا عندما تساءل: "لماذا يتحدَّث الناس عن القواعد العسكرية في السودان، بينما توجد قواعد عسكرية في كل مكان في إفريقيا، مثل جيبوتي والنيجر؟!". 

يرى هدسون، الذي شغل سابقاً منصب المبعوث الأمريكي الخاص لرئيس الأركان السوداني، إن إنشاء قاعدة عسكرية روسية في السودان سيُنظَر إليه على أنه "تهديدٌ لمصالح الأمن القومي الأمريكي في المنطقة". 

وقال هدسون: "سعت الولايات المتحدة من خلال الاتصالات الدبلوماسية والعسكرية لمنع السودان المدنيين والعسكريين من إتمام هذه الصفقة، لأنها ستشير إلى تحوُّلٍ بعيداً عن رغبة السودان السابقة في تجديد العلاقات مع الغرب". 

وأضاف: "الأهم من ذلك هو أن الصفقة تمنح روسيا موطئ قدمٍ إستراتيجي وقاعدة مائية على البحر الأحمر يمكن من خلال النهوض بأهدافٍ استراتيجية أخرى عبر إفريقيا والشرق الأوسط". 

في السياق ذاته، قال موقع Africa Intelligence الفرنسي الجمعة 11 مارس/آذار 2022، إن مكتب الرئاسة المصرية سلَّم خطاب احتجاج رسمي إلى حميدتي، توضح فيها القاهرة "القلق الذي ينتابها من التقارب الروسي السوداني"، وخطط إنشاء قاعدة لموسكو على البحر الأحمر، حيث يقول الموقع الاستخباراتي إن "تلك الخطوة تزعج القاهرة".

بحسب الموقع، لم يتقبل رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية عباس كامل المؤتمر الصحفي الذي عقده حميدتي بعد هبوطه في مطار الخرطوم، والذي قال فيه الجنرال السوداني إن "السودان لا يعارض إنشاء قاعدة روسية بشرط ألا يهدد ذلك الأمن القومي للبلاد".

وفي رسالتها الرسمية، استدعت مصر معارضتها الشديدة لمشروعٍ سابق لإقامة قاعدة تركية في بورتسودان في عهد عمر البشير، وأوضحت مخاوفها من أن تكون محاصرةً بقواعد روسية محتملة، إذ إن موسكو لديها بالفعل قاعدةٌ شبه دائمة في شرق ليبيا بالقرب من الحدود المصرية. 

"تهريب الذهب" من السودان إلى روسيا

في سياق آخر، يقول موقع MEE البريطاني، إن روسيا قامت بتهريب مئات الأطنان من الذهب غير المشروع من السودان على مدار السنوات القليلة الماضية كوسيلة لمكافحة العقوبات الدولية، على الرغم من أن مصدراً مقرَّباً من قوات الدعم السريع نفى هذه المزاعم.

لكن هدسون، الباحث في المجلس الأطلسي، زعم أن التقارير صحيحة، مضيفاً أن حميدتي وقوات الدعم السريع لهم علاقات مع مجموعة فاغنر (المرتزقة الروس).

وقال هدسون: "هناك شائعات كثيرة مفادها أن حميدتي أخذ معه ما يزيد عن 30 مليون دولار من الذهب السوداني إلى روسيا ووقع صفقات جديدة لتعدين الذهب مع مصالح روسية". 

ورداً على هذه المزاعم، وصف مصدرٌ سوداني طلب عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخوَّل بالتحدث إلى وسائل الإعلام، مزاعم هدسون بأنها "دعاية". 

من جهته، قارن المحلِّل السياسي السوداني محمد بدوي زيارة حميدتي بالرحلات "اليائسة" التي قام بها البشير إلى المملكة السعودية وروسيا في عام 2017، عندما عاد دون أي فوائد سياسية أو اقتصادية. 

وقال بدوي، المحلِّل في المركز الإفريقي لدراسات العدالة والسلام، إن "سلبيات الزيارة تفوق الإيجابيات، مع الانتباه الآن إلى أنشطة الذهب والأنشطة المتعلقة بالمرتزقة التي تقوم بها قوات الدعم السريع".

وقال: "الروس يريدون الذهب من إفريقيا، ويشمل ذلك السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى ومالي وغيرها". وأضاف أن هذا يعتمد على شراء الذهب المُكرَّر دون التورُّط بشكلٍ مباشر في الصراعات في هذه الدول. 

بوتين استعد للعقوبات الغربية بأطنان من الذهب وقد يستفيد من تعاون "المرتزقة"

من جهتها، قالت صحيفة تلغراف البريطانية يوم 3 مارس/آذار إن الرئيس الروسي استعد للعقوبات الدولية نتيجة غزوه أوكرانيا بجني أطنان من الذهب من السودان. وقال مدير تنفيذي لأكبر شركة تنقيب في السودان للصحيفة إنه سُمح لروسيا بالعمل في قطاع الذهب بسبب علاقتها مع حميدتي.

وتعتقد الصحيفة أن 30 طناً من الذهب السوداني تنقل إلى روسيا كل عام. وجاء في التقرير أن الكرملين ضاعف حجم الذهب الذي أودعه البنك المركزي بأربع مرات منذ عام 2010، بشكل ساعد في إنشاء "صندوق حرب" عبر خليط من الواردات الأجنبية والاحتياطي الكبير من الذهب المحلي.

وبحسب مصادر الصحيفة، يعتقد أيضاً أن مرتزقة شركة "فاغنر" المرتبطة بالكرملين تدرب قوات الدعم السريع التابعة لدقلو وأن الجماعتين عملا معاً لتأمين مناجم الذهب السودانية للشركات الروسية، بخاصة في المناطق البعيدة التي يتميز فيها الأمن بالضعف.

وقد تستفيد روسيا من التعاون بين "فاغنر" و"قوات الدعم السريع"، في جلب مرتزقة لمساعدة روسيا في الحرب بأوكرانيا، إذ أعرب الرئيس الروسي يوم الجمعة 11 مارس/آذار 2022، عن ترحيبه بـ"المتطوعين الأجانب" للقتال إلى جانب جيشه ضد كييف، فيما قال وزير دفاعه إن 16 ألف متطوع في الشرق الأوسط مستعدون للقتال مع موسكو في أوكرانيا، دون أن يضيف تفاصيل أكثر حول جنسياتهم.

"السودان سيعاني من وضع نفسه إلى جانب روسيا"

يمثِّل جيش البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي الفرعين الرئيسيين للجيش السوداني، لكن هذا لا يعني أنهما يشتركان دائماً في نفس الأساليب والأهداف.

قال محمد الجاك، أستاذ الاقتصاد بجامعة الخرطوم، إن السودان سيعاني من وضع نفسه إلى جانب روسيا، على الرغم من أي دعم مالي قد يحصل عليه من موسكو. 

وأضاف: "يبدو أن حميدتي والوفد المرافق له كانوا يحاولون الحصول على وعود بالدعم المالي وتدفُّقٍ للاستثمارات في قطاعات التعدين والطاقة والزراعة وغيرها، ولكن في النهاية لن يغطي ذلك الفوائد التي كان السودان على وشك تحقيقها من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكذلك المنظمات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي". 

أوقفت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي دعماً مالياً بمليارات الدولارات للسودان بسبب الانقلاب العسكري. وعلَّق المانحون في نادي باريس عملية إسقاط 14 مليار دولار من ديون السودان الخارجية البالغة 56 مليار دولار، منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي. 

تحميل المزيد