رابحون بالصدفة.. كيف أعطت الحرب الروسية على أوكرانيا قُبلة الحياة لـ”تيليغرام”؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2022/03/11 الساعة 12:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/11 الساعة 12:01 بتوقيت غرينتش
نقدم لك حلول لمشاكل تليغرام الشائعة - iStock

في الوقت الذي تلتهب فيه فوهات البنادق جراء إطلاق الرصاص تستعر معركة ثانية لكنها على الإنترنت، وبطلها هذه المرة هو تطبيق تيليغرام الروسي الذي يستعين به الأوكرانيون أيضاً لنقل مأساتهم وأوضاعهم الميدانية والعسكرية للعالم؛ مما جعل التطبيق يعزز سمعته وقبل ينعكس عليه بالإيجاب في الفترة القادمة.

ففي الأيام التي تلت بدء الهجوم الروسي على المدن الأوكرانية، استخدم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قناته في تطبيق تيليغرام لإرسال فيديو يحمل رسالة تحدٍّ من وسط العاصمة الأوكرانية كييف، وطالب الأمة بالاتحاد ومقاومة الهجوم الروسي.

دور التطبيق في الحرب الدائرة؟

أُسس تطبيق المراسلة الذي يشبه تطبيق واتساب، عن طريق الشقيقين المليارديرين الروسيين المنفيين بافل ونيكولاي دوروف، وقد صار سلاحاً رئيسياً في المعركة الدعائية الرقمية، مما سيؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة استخدام التطبيق وتعزيز سمعته بين المستثمرين قبل عرض عام أولي محتمل لأسهمه في العام القادم بقيمة 50 مليار دولار، بحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

إذ إن الرئيس الأوكراني البالغ من العمر 44 عاماً، استخدم التطبيق في حملته الرئاسية قبل أن يحقق فوزاً كاسحاً في الانتخابات الرئاسية عام 2019، واستخدمه كذلك لدحض الادعاءات التي تقول إن الجيش تلقى أوامر بترك السلاح وبأنه أصدر أوامر بإجلاء البلاد من المواطنين، وأيضاً لتحفيز الجماهير عن طريق إثبات أنه لم يغادر العاصمة.

أوكرانيا
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي – Getty Images

ويحظى تطبيق تيليغرام، الذي يتجاوز عدد مستخدميه حول العالم 550 مليون مستخدم، بشعبية كبيرة في أوكرانيا تجعله التطبيق الأشهر هناك. بالنظر إلى التشفير الذي تتسم به الخدمة ويعجب المستخدمين كثيراً، وقدرته على إرسال رسائل إلى مجموعات تضم ما يصل إلى 200 ألف مشترك -الحد الأقصى لعدد أعضاء المجموعات في تطبيق واتساب المملوك لفيسبوك هو 256 عضواً- فإن هذا التطبيق يوصف بأنه "الخيار الأمثل" للتنظيمات المسلحة.

حُظر تطبيق تيليغرام في روسيا عام 2018 بعد أن رفض بافل دوروف أن يعطي إلى السلطات مدخلاً إلى بيانات المستخدمين. لكن الحملة التي شنها النظام لقمع التطبيق، التي تضمنت حظر عنوان بروتوكول الإنترنت، كان من السهل مراوغتها، واستمر التطبيق في النمو والتوسع. استسلمت روسيا ورفعت الحظر في منتصف عام 2020.

شريان الحياة للأخبار!

وبحسب الصحيفة البريطانية، اعتُمد التطبيق بوصفه مصدراً رئيسياً للأخبار خارج وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة، وخلال الهجوم الروسي في أوكرانيا صار بمثابة شريان حياة للأخبار على مدار اليوم بالنسبة للمدنيين والصحفيين، بل وحتى الجيش.

فقد صار المنصة التي تلجأ إليها جميع أنواع جماعات الاعتراض والاحتجاج، بدءاً من حركات تمرد ضد الانقراض وصولاً إلى جماعات مناهضة اللقاح، ومن مثيري الشغب في مبنى الكابيتول الأمريكي وحتى حملات تأييد الديمقراطية في دول تتضمن بيلاروس المتحالفة مع روسيا، وهونغ كونغ، وإيران.

أوكرانيا زوجة زيلينسكي
رئيس أوكرانيا زيلينسكي وزوجته أولينا/Getty Images

لكن دور تيليغرام في نشر المعلومات غير المؤكدة نبّه دوروف، صاحب الـ37 عاماً الذي صار يعرف بأنه النسخة الروسية من مارك زوكربيرغ، بعد أن أسس في 2006 منصة التواصل الاجتماعي التي لا تزال الأشهر في البلاد، VKontakte (VK).

ما هي قصة مؤسس التطبيق؟

في الأسبوع الماضي، قال إنه يضع في حسبانه إغلاق الخدمة في "البلاد المتورطة" في استمرار الصراع.

نشر دوروف يوم الأحد 6 مارس/آذار: "لا نريد أن يستخدم تيليغرام أداةً تُفاقم الصراعات وتثير الكراهية العرقية".

لكنه غير رأيه بعد ساعات، في أعقاب طلبات كثيرة من مستخدمين قالوا إنه مصدرهم الوحيد للمعلومات. قدم دوروف نصيحة إلى المستخدمين قال فيها: "تحروا الدقة، ولا تأخذوا البيانات المنشورة في قنوات تيليغرام أثناء هذا الوقت الصعب، على أنها من المسلّمات".

يعرف عن دوروف بأنه غريب الأطوار؛ فقد ألقى ذات مرة طائرات ورقية مصنوعة من الأوراق النقدية من نافذة مكتبه داخل الشركة التي تدير موقع VKontakte، مما تسبب في معارك في الشارع في الأسفل، وعرض ذات مرة علناً وظيفة على إدوارد سنودن. لكنه الآن لديه مهمة تتعلق بجعل ثاني مشروعاته في مجال التكنولوجيا قصة النجاح التي انتُزعت منه في المرة الأولى. 

مؤسس تليغرام بافيل دوروف
مؤسس تليغرام بافيل دوروف – رويترز

خلال الاحتجاجات المناهضة لبوتين في عام 2012، اكتسب دوروف شهرة كبيرة لرفضه إغلاق المجموعات التي كانت تستخدم موقع التواصل الاجتماعي VKontakte لتنظيم مسيرات. وبعد عامين، وجد نفسه أمام انقلاب استثماري عدائي شهد الاستحواذ على موقع VK عن طريق مجموعة Mail.Ru، التي يرأسها الملياردير الروسي وحليف بوتين، أليشر عثمانوف. وفي ديسمبر/كانون الأول، أحكم الكرملين قبضته على الموقع عندما سيطرت عليه شركة التأمين الروسية Sogaz، التي أسستها عملاقة الغاز الطبيعي غازبروم.

باع دوروف الشركة وغادرها وغادر البلاد أيضاً، وصار مواطناً في سانت كيتس ونيفيس في الكاريبي، بعد رفض ضغط الكرملين لنشر بيانات عن قادة الاحتجاجات في أوكرانيا.

وليس من قبيل المفاجأة أن تيليغرام -الذي أسسه مع أخيه نيكولاي في 2013 ويقع مقر عملياته في دبي- شُيَّد على أساس ضمان الأمن والخصوصية.

وبالنسبة لدوروف، الذي لا يحب تسليط أضواء الشهرة ويميل إلى ارتداء ملابس سوداء دائماً، فإنه ينفق الكثير من طاقته على انتقاد المعايير الأمنية لخصومه، وأشهرهم تطبيق واتساب.

الصراع مع المنافسين

في السنوات الأخيرة، شكك الخبراء الأمنيون في ادعاء تيليغرام بأنه يتفوق على التطبيقات الأخرى، وأشاروا إلى أنه لا يقدم تشفيراً بين الطرفين في الوضع الافتراضي ولجميع خيارات التراسل لديه، مثلما هو الحال مع التطبيقات الأخرى المنافسة.

تحدث موكسي مارلينسبايك، مؤسس تطبيق التراسل الآمن الشهير سيجنال، على موقع تويتر في الأسبوع الماضي كي يذكّر الأوكرانيين بأن تيليغرام ليس مشفراً مثلما يظن الناس، في أعقاب ما زعم أنه عشر سنوات من الحملة التسويقية والصحفية المضللة.

التجربة التي عاشها دوروف مع VK، جعلته ينفر من جلب مستثمرين من الخارج كي يمولوا تيليغرام. ففي ظل ثروته التي تقدر بـ17 مليار دولار، استطاع دعم التطبيق في مراحله الأولى بدون أي مساعدة خارجية. لكن البحث عن طريق بديل من أجل جمع التمويلات الضرورية لتحقيق النمو قادته في نهاية المطاف إلى حملة كارثية في عالم العملات المشفرة.

في عام 2018، بدأ دوروف خطة لجمع المليارات من خلال إطلاق عملة مشفرة تسمى "جرام"، وهو مشروع أثار تحقيقاً من هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية.

الكل يبحث عن بديل واتساب.. لكن هل سيغنال وتليغرام أكثر أماناً حقاً؟
سياسة الخصوصية الجديدة في واتساب iStock

بحسب صحيفة The Guardian، فإن المبيعات الأولية السابقة لعرض العملات الأولي (ICO)، التي كانت ستمول منصة جديدة مقترحة للبلوك تشين تسمى شبكة تيليغرام المفتوحة (TON) وهي نظام لخدمات التطبيقات ومتجر للسع الرقمية والمادية، جذبت استجابة حماسية من مجموعة أولية مختارة من المستثمرين، وجمعت 1.7 مليار دولار.

ولكن بعد عامين، أغلق تيليغرام شبكة TON ووافق على تسوية مع هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية بقيمة 18.5 مليون دولار، التي قالت إن الشركة تجاوزت قوانين التمويل الأمريكية. وأمرت الشركة بإعادة الأموال إلى المستثمرين.

لكن الانتكاسة التي شهدها جمع الأموال لن تؤدي إلى بطء النمو: في مطلع 2021، أبلغ تيليغرام عن أكبر زيادة في عدد المستخدمين على مدى تاريخ التطبيق، إذ وصل عدد المستخدمين إلى 25 مليون مستخدم في 72 ساعة.

عودة الروح للتطبيق

قال دوروف، الذي يحمل الجنسية الفرنسية الآن، إن ذلك الاندفاع الكبير للمستخدمين نحو التطبيق يُعزى إلى إعلان من جانب تطبيق واتساب يتعلق بسياسة الخصوصية المرتبطة بمشاركة البيانات مع الشركة الأم، فيسبوك، التي صارت ميتا في أواخر نفس العام. أضاف دوروف في فخر كبير: "لعلنا نشهد أكبر هجرة رقمية في تاريخ البشر".

قالت شاوفينغ وانغ، المحللة لدى شركة Forrester للبحوث: "تزايد تحميل تطبيق تيليغرام يُعزى [بصورة جزئية] إلى تنامي قلق المستخدمين من قوة أكبر شركات التقنية، ومن مخاوف الخصوصية". 

بعد أشهر قليلة من هذا التزاحم على التطبيق، نقلت صحيفة Vedomosti الروسية عن مصادر مجهولة قريبة من الشركة ادعت أن هناك احتمالاً لعرض عام أولي لأسهم الشركة بقيمة 50 مليار دولار نهاية العام القادم

ويبدو أن نجاح أي طرح عام أولي سوف يرسخ صعود تيليغرام، الذي بدأ يسلك طريقه في عرضه الصعب المتعلق بكسب المال من مستخدمي تطبيقات وخدمات المراسلة.

كييف أوكرانيا روسيا
أثار القصف على العاصمة الأوكرانية كييف/ Getty images

يسعى دوروف، الذي تعهد بألا يضم تيليغرام أية إعلانات، للحصول على الأرباح من المنصة من خلال مزيج من الإعلانات التي لا تتعدى الخصوصية، وكذلك عبر رعاية قنوات تيليغرام.

يقول ماك إيوان من شركة Enders: "إن وقت ظهور الحديث عن العرض العام الأولي يبدو كاشفاً بدرجة كبيرة، فهو يأتي على الفور تقريباً من النمو الكبير المشهود في بداية 2021 عندما بدأت إمكانات المستخدم (الخاصة بالتطبيق) في الانفجار. أعتقد أن الزخم الذي لديهم الآن، والحجم الكبير من المستخدمين، والحقيقة التي تقول إنهم يجربون الإعلانات "الآمنة على الخصوصية" تجعله طرحاً محتملاً جذاباً".

أكد متحدث باسم تيليغرام أن الشركة تسعى وراء خطط عرض عام أولي، وأن بعض السندات السابقة للعرض العام الأولي بيعت بصلاحية تنتهي بعد خمس سنوات، لكنه حذر من أن الجدول الزمني ليس أكيداً.

وقال: "بالنسبة لخطط العرض العام الأولي، سوف يعتمدون على الموقف الاقتصادي حينها".

تحميل المزيد