"الإمارات تفضل زيادة إنتاج النفط".. أثار هذا التصريح حالة من الارتباك الشديد في أسواق النفط، لدرجة أن سعر الخام الأمريكي انخفض 12.5% دفعة واحدة، فماذا حدث، وما حقيقة رضوخ أبوظبي لضغوط واشنطن؟
كان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد قرر مساء الثلاثاء، 8 مارس/آذار 2022، حظر واردات النفط والغاز الروسية، في تصعيد للعقوبات التي بدأ الغرب فرضها منذ أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاعتراف باستقلال لوغانسك ودونيتسك منطقتين انفصاليتين في إقليم دونباس الأوكراني، يوم 21 فبراير/شباط الماضي.
وفرضت الدول الغربية عقوبات غير مسبوقة على روسيا، بدأت بالقطاع المالي وبعض الأثرياء الروس، ثم تطورت بعد بدء الهجوم على أوكرانيا، يوم 24 فبراير/شباط الماضي، لتشمل جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والرياضية والثقافية، لتواجه موسكو ما يشبه العزلة.
لكن قطاع الطاقة الروسي ظلَّ بعيداً عن تلك العقوبات إلى حد كبير، وذلك لأن روسيا من أكبر منتجي النفط والغاز عالمياً، وحرمان السوق العالمي من الإنتاج الروسي يعني ببساطة ارتفاع الأسعار بصورة غير مسبوقة، وذلك ما حدث بالفعل بمجرد الحديث عن احتمال تطبيق الحظر على مصادر الطاقة الروسية.
ما موقف الإمارات من زيادة الإنتاج؟
الإمارات أحد منتجي النفط الكبار في العالم، وهي عضو في منظمة الدول المنتجة للنفط (أوبك)، كما تتمتع أبوظبي بعلاقات استراتيجية مع واشنطن، وبالتالي كان متوقعاً أن تسعى إدارة بايدن إلى إقناع الإمارات، والسعودية بطبيعة الحال، بزيادة الإنتاج، في محاولة للسيطرة على الأسعار.
ونقلت وسائل الإعلام الأمريكية خلال الأيام القليلة الماضية سعي الرئيس بايدن للاتصال بولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي للإمارات الشيخ محمد بن زايد، وولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان، دون جدوى. ويرى كثير من المحللين السبب الرئيسي لسعي بايدن لإجراء الاتصالات هو النفط.
موقف الإمارات إذن هو نفسه موقف السعودية. زيادة الإنتاج لا بد أن تأتي بقرار جماعي من منظمة أوبك+، وهناك فارق كبير بين أوبك فقط وأوبك بلاس، فأوبك بلاس تعني دول أوبك بالإضافة إلى روسيا.
ما الذي تغير في موقف الإمارات؟
أصدر يوسف العتيبة سفير الإمارات لدى واشنطن، الأربعاء 9 مارس/آذار، بياناً نشرته السفارة على تويتر، قال فيه إن بلاده تفضل زيادة إنتاج الخام، وستشجع أوبك على النظر في ذلك. وتلا ذلك مباشرة قول وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن للصحفيين إن الإمارات تدعم زيادة الإنتاج.
أدت هذه التصريحات بشكل مباشر إلى انخفاض كبير في أسعار النفط، وصل إلى نحو 10% بالنسبة لخام برنت و12.5% بالنسبة للخام الأمريكي. وتصدرت أخبار "موافقة الإمارات على زيادة الإنتاج" وسائل الإعلام حول العالم.
ونشرت هيئة الإذاعة البريطانية BBC تقريراً عنوانه "انهيار أسعار النفط بسبب دعم الإمارات زيادة الإنتاج"، وهناك تقرير آخر لشبكة CNN الأمريكية عنوانه "أول مؤشرات تراجع أسعار النفط: الإمارات تريد من أوبك أن تزيد الإنتاج".
ونشرت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية تقريراً حول القصة، نقلت فيه عن مسؤولين لم تسمهم قولهم إن أبوظبي لم تتشاور مع حليفتها الرياض قبل الإعلان عن موقفها من زيادة إنتاج النفط، وهو ما أثار غضب السعودية، بحسب مصادر الصحيفة.
ونظراً لأن التصريح بشأن زيادة الإنتاج الإماراتي من النفط صدر عن السفير العتيبة في واشنطن، ارتفعت وتيرة التحليلات بشأن "رضوخ" أبوظبي للضغوط الأمريكية، وتفاعلت الأسواق مع الأخبار بصورة كبيرة، لتغلق البورصات، مساء الأربعاء، على انخفاض لافت في الأسعار، على الرغم من القرار الأمريكي بحظر النفط الروسي.
ماذا قالت وزارة الطاقة في الإمارات؟
أصدر سهيل المزروعي، وزير الطاقة الإماراتي، بياناً في وقت متأخر من مساء الأربعاء، قال فيه إن بلاده ملتزمة باتفاقية أوبك+ وآليتها الشهرية الحالية لتعديل الإنتاج، وأضاف: "الإمارات تؤمن بالقيمة التي تقدمها مجموعة أوبك+ للسوق".
ثم نقلت وكالة رويترز عن مصدر إماراتي مطلع، صباح الخميس 10 مارس/آذار، قوله إن "الإمارات لن تتصرف بشكل منفرد وترفع إنتاج النفط"، وأضاف المصدر، الذي اشترط عدم كشف هويته، أن الإمارات لا تزال ملتزمة بتحالف "أوبك+"، وأن وزارة الطاقة وحدها المسؤولة عن سياسات البلاد النفطية.
وصباح الخميس 10 مارس/آذار أكد المزروعي مرة أخرى لوكالة الأنباء الإماراتية على التزام بلاده باتفاق تحالف أوبك+ وآليته الحالية لتعديل الإنتاج الشهري للنفط.
وحالياً تعمل أوبك وحلفاؤها بما فيهم روسيا، في مجموعة أوبك+، على إلغاء تخفيضات إنتاج النفط التي كانوا قد اتفقوا عليها خلال الفترة الماضية، على خلفية جائحة كورونا. هذه التخفيضات يبلغ حجمها حالياً 5.8 مليون برميل يومياً، والمفترض أن يزيد الإنتاج 400 ألف برميل يومياً، في أبريل/نيسان المقبل.
ويبلغ إنتاج روسيا وحدها ما بين 7 و8 ملايين برميل يومياً، وتسعى الولايات المتحدة لتأمين بديل للنفط الروسي في الأسواق العالمية، حتى تتمكن من إقناع حلفائها الأوروبيين المعتمدين على نفط وغاز روسيا بشكل أساسي للانضمام إليها في حظر الطاقة الروسية، التي تمثل الشريان الرئيسي للاقتصاد الروسي.
ماذا حدث لأسعار النفط بعد النفي الإماراتي؟
التصريحات الإماراتية، التي نفت البيانات الأمريكية بشأن موافقة أبوظبي على زيادة الإنتاج، انعكست مباشرة على أسعار النفط الخميس، حيث قفزت عقود خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي أكثر من ثلاثة دولارات للبرميل، بعد قليل من بدء التعاملات، وجرى تداوله مرتفعاً 1.53 دولار للبرميل أو 1.4 بالمئة عند 110.23 دولار للبرميل، بعد أن كان قد خسر 12.5 بالمئة في الجلسة السابقة، في أكبر انخفاض يومي له منذ نوفمبر/تشرين الثاني.
واستمر ارتفاع أسعار النفط على مدار جلسات التداول الخميس، بعد أن اتضحت الصورة بشكل كبير.
هل تعمدت أمريكا إرباك الأسواق؟
بالعودة إلى أصل القصة التي استمرت بضع ساعات فقط، لكنها تسببت في ارتباك غير عادي في أسواق النفط، التي تعاني أصلاً من اضطرابات غير مسبوقة على خلفية الهجوم الروسي على أوكرانيا، من المهم التوقف عند بيان السفير الإماراتي نفسه.
بيان العتيبة قال نصاً إن "الإمارات تفضل زيادة إنتاج النفط، وستشجع أوبك على النظر في ذلك"، والكلام واضح ولا يحمل مؤشراً على أن أبوظبي قررت أن ترفع إنتاجها بالفعل، ناهيك عن أن تفعل ذلك بشكل منفرد ودون الرجوع إلى أوبك بلاس. وحتى تصريح وزير الخارجية الأمريكي بلينكن للصحفيين بأن الإمارات "تدعم" زيادة الإنتاج، لا يعني تلقائياً إقدام الإمارات على التنفيذ الفوري.
وزيرة الطاقة الأمريكية جينيفر جرانهولم كانت قد صرحت، الثلاثاء 8 مارس/آذار، بأن واشنطن تدعو كل المنتجين في أنحاء العالم لزيادة الإمدادات، لكنها لن تضغط على حلفائها كي يحذوا حذوها في حظر واردات النفط والطاقة من روسيا. وكان واضحاً غضب الوزيرة الأمريكية بشأن موقف كبار المنتجين للنفط، دون تسمية من تقصدهم، عندما قالت إن العالم يشهد حرباً بالفعل، وهو ما يعني أن الإنتاج لا بد أن يزيد بشكل ملموس.
فهل سعت واشنطن إلى إرباك المشهد من خلال تقارير إعلامية أمريكية تلمح إلى أن الإمارات قد استسلمت بالفعل للضغوط الأمريكية وقررت زيادة إنتاجها من النفط، ليس هذا وحسب وإنما انحصر الحديث حول منظمة أوبك فقط وليس أوبك بلاس، في إشارة على أن روسيا لم يعد لها وجود في تقرير مصير إنتاج النفط؟
صحيح أن ذلك الإرباك لم يستمر سوى ساعات قليلة، لكنه كان كفيلاً بكبح جماح الارتفاعات القياسية في أسعار النفط بالفعل، وكان الانخفاض في الأسعار في يوم واحد قياسياً ولم يحدث منذ انهيار أسعار النفط قبل عامين بالتمام والكمال.
وحتى عندما صححت الإمارات الصورة وأظهرت عدم صحة توجهها لزيادة الإنتاج بشكل منفرد، وحديث وزير الطاقة عن منظمة أوبك+ ومدى أهميتها وليس فقط أوبك، بما يعني أن روسيا لا تزال لاعباً رئيسياً في أسواق النفط العالمية، رغم الحظر الأمريكي، لم تعد الأسعار إلى الارتفاع بنفس القدر وظلت دون مستوى 120 دولاراً للبرميل بعدما كانت قد لامست 140 دولاراً للبرميل الثلاثاء.
لكن تظل بالطبع مسألة إصدار السفير الإماراتي لدى واشنطن بياناً بشأن إنتاج النفط من الأساس، خصوصاً أن هذا الأمر من اختصاص وزارة الطاقة –كما قال المصدر المطلع لرويترز – فهل أصدر العتيبة البيان دون تنسيق مع أبوظبي؟ أم أن الأمر كله كان متفقاً عليه لقياس ردود الأفعال، سواء في موسكو أو الرياض؟ هذه الأسئلة وغيرها لا تزال عالقة دون أجوبة وعلى الأرجح لن نجد لها إجابات، في ظل التطورات المتسارعة التي تشهدها أسواق النفط، شأنها شأن جميع مناحي الحياة على الكوكب منذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، حيث أصبحت الضبابية والسيولة عنواناً للمرحلة.