هل تقود الخلافات داخل “أوبك” إلى تفككها؟ الأزمة بين السعودية والإمارات ليست الأولى من نوعها

عربي بوست
تم النشر: 2022/03/10 الساعة 15:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/10 الساعة 15:35 بتوقيت غرينتش
منظمة أوبك لمصدري النفط - رويترز

كشفت أزمة ارتفاع أسعار النفط العالمية التي تسبب بها الغزو الروسي لأوكرانيا، عن أزمة جديدة بين السعودية والإمارات داخل تحالف أوبك، وذلك بعد بلبلة أحدثتها تصريحات متبادلة بين الطرفين حول زيادة إنتاج النفط لخفض الأسعار التي ارتفعت عالمياً ووصلت إلى حد 129 دولاراً للبرميل بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، حيث تضغط واشنطن على الدولتين الخليجيتين اللتين تحتفظان بقدرة احتياطية كبيرة من النفط، لضخ زيادة تُوقف الارتفاع الكبير في أسعار النفط عالمياً.

لكن الأزمة بين السعودية والإمارات داخل خيمة منظمة أوبك لم تكن الأولى من نوعها، وقد تنذر الأزمة الحالية بحدوث انشقاق داخل المنظمة التي تعتبر الرياض أبرز من يؤثر على قراراتها وسياساتها منذ عام 1960.

الإمارات وأزمة زيادة إنتاج النفط.. ما الذي حدث؟

أكد وزير الطاقة الإماراتي، سهيل المزروعي، الخميس 10 مارس/آذار 2022، التزام بلاده بحصص إنتاج تحالف "أوبك بلس" بقيادة السعودية وروسيا، بعد ساعات من تصريح سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة، بأن بلاده تؤيد زيادة الإنتاج؛ للمساعدة على خفض الأسعار، وفقاً لما نشرته وكالة الأنباء الفرنسية.

وكتب الوزير الإماراتي على تويتر: "تؤمن دولة الإمارات العربية المتحدة بالقيمة التي يجلبها أوبك بلس لسوق النفط"، مضيفاً: "دولة الإمارات العربية المتحدة ملتزمة باتفاقية أوبك بلس وآليتها الحالية لتعديل الإنتاج الشهري".

ولم يُعلن الوزير الإماراتي في تغريدته تأييد بلاده زيادة الإنتاج، كما قال سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة، في بيان مفاجئ قبل ساعات من تغريدة المزروعي. وكتب العتيبة: "نحن نفضّل زيادة الإنتاج، وسنشجع أوبك على النظر في مستويات إنتاج أعلى".

وتعد السعودية والإمارات، وبدرجةٍ أقلَّ الكويت والعراق، الدول الوحيدة في منظمة أوبك القادرة على ضخ مزيد من النفط. وتملك هذه الدول طاقة احتياطية تقدَّر بما بين 2.5 مليون و3 ملايين برميل يومياً. ومع ذلك، فإنَّ ضخ هذه الكميات الإضافية لن يعوّض انخفاض الصادرات الروسية.

لكن تصريحات سفير أبوظبي في واشنطن فاجأت السعودية، التي اختارت أن تقف في صف روسيا، إذ قالت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية إن خطوة أبوظبي قد تهدد بإحداث شقاق داخل دول أوبك، وعلى رأسها السعودية.

بدوره قال مسؤول سعودي للصحيفة الأمريكية إن موقف الإمارات بشأن زيادة إنتاج النفط لم يكن بتنسيق مع الرياض ولم تبلَّغ به "أوبك"، وأضافت الصحيفة الأمريكية، نقلاً عن مصادرها، أنَّ تغيُّر موقف الإمارات إزاء حجم إنتاج النفط مفاجئ ولم يُبحث داخل "أوبك"، مشيرة إلى أنَّ تغيُّر الموقف الإماراتي جاء بضغط من واشنطن.

في الوقت ذاته، قال مستشار أمن الطاقة الأمريكي عاموس هوشتاين، إن "أوبك بلس لم تعد موجودة .. أوبك+ هي روسيا، وروسيا لا تستطيع الإنتاج أو على الأقل التصدير بعد الآن".

كما أوضح هوشتاين أن بيان السفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، تضمَّن الحديث عن أوبك، وليس أوبك بلس، وهذا الحذف لـ"أوبك بلس" له معانيه الصارخة.

الخلافات داخل أوبك بين السعودية والإمارات ليست الأولى من نوعها

حتى اللحظة، لا يزال تحالف "أوبك بلس" الذي يضم مجموعة الدول المصدرة ودولاً خارجها، بقيادة الرياض وموسكو، يبدو متماسكاً ويقاوم الضغوط الغربية لزيادة الإنتاج بعد الحرب الروسية الأوكرانية، لكن ما حدث يوم الأربعاء ينذر بحدوث انشقاق داخل المجموعة التي تمتلك حصة ضخمة في إنتاج النفط حول العالم.

ولم تكن الأزمة هذه هي الأولى من نوعها داخل أوبك بين الرياض وأبوظبي، حيث وقعت أزمة في يوليو/تموز 2021 بين الطرفين، عندما رفضت الإمارات تمديد اتفاق خفض إنتاج النفط حينها باعتباره "غير عادل"، وذلك بعد الأزمة التي تعرضت لها أسعار النفط بسبب جائحة كورونا وما تبعها من إغلاقات حول العالم.

 صعود الخلاف الداخلي بين السعودية والإمارات إلى الواجهة وتكراره خلال عامين، يثير مزيداً من التكهنات حول قدرة أوبك على الاستمرار بشكلها الحالي/ أرشيفية

وتصاعد حينها الخلاف العلني بين السعودية الإمارات بشأن تصدير النفط، وفشلت المحادثات أكثر من مرة داخل أوبك، بسبب موضوع حصص الإنتاج التي تم الاتفاق عليها في أبريل/نيسان 2020.

ودعا حينها وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، الإمارات، إلى "التنازل والعقلانية" للتوصل إلى اتفاق شامل. بالمقابل، قال وزير الطاقة والبنية التحتية الإماراتي، سهيل المزروعي، إن "مطلب الإمارات هو العدالة فقط بالاتفاقية الجديدة ما بعد أبريل/نيسان 2020، وهذا حقنا السيادي؛ أن نطلب المعاملة بالمثل مع باقي الدول"، بحسب تعبيره.

وتشير تقارير إلى أنه قبل جائحة كورونا كانت حصة الإمارات من إنتاج النفط المحددة لها من أوبك بلس، تفوق 3 ملايين برميل يومياً، وبعد قرار التخفيض صارت الإمارات تنتج 600 ألف برميل فقط. 

هذا الانخفاض الذي يصل -بالنسبة لأبوظبي- إلى 3..17 مليون برميل في اليوم، لا يعكس في الواقع قدرتها الكاملة، بعدما وصلت إلى أكثر من 3.8 مليون برميل يومياً خلال أبريل/نيسان 2020، عشية اقتطاعات كبرى لتحالف "أوبك بلس" في مواجهة الأزمة الناجمة عن وباء كوفيد-19.

لكن في الوقت نفسه، إذا أُعطيت الإمارات الرقم الذي تطالب به من حصة الإنتاج النفطي، فإن دولاً أخرى كالعراق ونيجيريا ستطالب أيضاً بحصة أكبر، وهذه نقطة الخلاف الرئيسية داخل التحالف النفطي الضخم.

أزمة الحصص داخل أوبك 

تأسست منظمة أوبك في عام 1960، وتضم الآن 13 دولة من كبار المصدّرين للنفط في العالم، مثل السعودية وإيران والعراق والإمارات، وتهدف المنظمة إلى زيادة عائدات بيع النفط في السوق العالمي للدول الأعضاء. 

وفي عام 2016، تأسس تحالف "أوبك بلس"، الذي يضم 23 دولة، منها 13 دولة عضوة في الأوبك، إضافة إلى دول نفطية أخرى مثل روسيا والبحرين وعُمان والسودان. 

وفي اجتماعات "أوبك بلس"، يتم تحديد حجم ضخ النفط في السوق العالمي، وحصة كل دولة من الإنتاج؛ للحفاظ على أسعار متزنة، ولضمان ألا يؤدي إلى إغراق السوق. كما يضمن للدول مكاسب اقتصادية. وفي أوقات الأزمات، يُفترض أن يعلن كل اجتماع لمنظمة أوبك حجماً إجمالياً للخفض.

لكن غالباً ما يثير موضوع احترام الحصص بالنسبة للأعضاء سجالاً في اجتماعات "أوبك بلس" التي تنشر بانتظامٍ "معدلَ الامتثال" للمجموعة بأكملها.

فالعراق ونيجيريا خرجا نسبياً عن اتباع التعليمات، والإمارات أيضاً خرجت عنها في صيف 2020 لبعض الوقت قبل أن تعود للالتزام بالحصص.

والأعضاء الذين يتجاوزون حصص الإنتاج يُفترض أن ينتجوا أقل في الأشهر التالية. ويحرص التحالف على جدية ومصداقية اتفاقه ويتابع من كثبٍ هذه التعويضات. وإنتاج المزيد- خصوصاً تصدير المزيد من النفط- هو في الواقع أمر مُغرٍ لخزينة كل دولة عضو.

النتيجة هي أن المجموعة تنشر في تقاريرها الشهرية لائحتين: من جهةٍ حجم الإنتاج الرسمي، ومن جهة أخرى تلك التي توفرها "المصادر الثانوية".

وبالتالي، يقوم محللون بإجراء حسابات خاصة استناداً إلى عدة عناصر، بينها على سبيل المثال مغادرة الناقلات وقدراتها من الدول المنتجة. هذه هي المعطيات التي يستند إليها فعلياً المراقبون وأطراف السوق.

تحرُّك المملكة السعودية لتقليص خططها طويلة المدى يجعلها في صراعٍ مع أعضاءٍ آخرين في منظمة البلدان المُصدِّرة للنفط (أوبك)، مثل دولة الإمارات/ رويترز

المنافسة بين السعودية والإمارات على تأمين الأرباح من النفط

ويقابل أي اتفاق أو خلاف جديد داخل أوبك، ارتفاع أو انخفاض في الأسعار باعتبار أن السوق العالمي يعتمد على إنتاج أوبك بلس بشكل كبير، فبعد تصريحات السفير العتبية انخفض سعر برميل النفط بأكبر نسبة منذ الأيام الأولى لجائحة كوفيد-19 قبل عامين تقريباً. وخسر الخام الأمريكي 12.5% بالجلسة السابقة، في أكبر انخفاض يومي له منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. لكن أسعار النفط عادت وتعافت، اليوم الخميس، بعدما قالت الإمارات العربية المتحدة إنها ملتزمة باتفاق أوبك بلس.

وكانت صحيفة "فايننشيال تايمز" البريطانية قد تحدثت العام الماضي، في تحليل لها، عن أن الخلاف الإماراتي السعودي داخل أوبك إشارة إلى عمق المنافسة بين البلدين لتأمين أهدافهما الربحية من النفط خلال السنوات العشر القادمة. وأشارت الصحيفة إلى أن "الصراع القوي بين أعضاء أوبك الآن يهدد قدرة المنظمة بالتوحد على المدى الطويل وتحقيق الاستقرار في أسعار النفط".

وقال محللون للصحيفة إن ذلك الخلاف كان هو الأول داخل المنظمة منذ 40 عاماً، في حين أشارت الصحيفة إلى أن الخلاف جزء من منافسة اقتصادية بين البلدين تجسدت بأشكال أخرى في الماضي، مثل قرار السعودية بحرمان الشركات متعددة الجنسيات من الحصول على العقود الحكومية المربحة إذا لم تنقل مقرها الرئيسي إلى الرياض، وهم ما يعد "هجوما ضمنيا" على دبي، العاصمة التجارية للإمارات، طبقا للصحيفة.

وفي هذا السياق، قال المستشار السابق لمكتب رئيس الوزراء الإماراتي، مروان البلوشي، لـ "الفايننشال تايمز" إنه في حين أن الإمارات والسعودية قد كونتا "توافقا استراتيجياً" في العقد الماضي، فإن "المنافسة الاقتصادية تتصاعد بينهما بشكل كبير".

وعادة ما كانت تنشب الخلافات بين المنتجين الرئيسيين في تحالف أوبك بلس مثل السعودية والآخرين من خارجها مثل روسيا أو المكسيك، لكن صعود الخلاف الداخلي إلى الواجهة وتكراره خلال عامين، خاصة بين اثنين من أبرز الحلفاء تاريخياً مثل السعودية والإمارات، يثير مزيداً من التكهنات حول قدرة أوبك على الاستمرار بشكلها الحالي.

تحميل المزيد